يعطي التوحد قدراتٍ إضافيةً، وقد بدأنا نفهم الآن سبب ذلك
تقول آنا ريمنغتون التي تبحث في الأسئلة التي يطرحها المصابون بالتوحد إن العديد من نقاط القوة والصعوبات المرتبطة بالتوحد تنبع من المصدر نفسه
بقلم: كلاير ويلسون
ترجمة: محمد الرفاعي
“إذا تحدثت إلى الأشخاص المصابين بالتوحد، فسيقولون إنك لا تستطيع أن تكون مصاباً بالتوحد بعض الشيء”
تقول آنا ريمنغتون Anna Remington أننا كنا ننظر إلى التوحد Autism نظرة خاطئة. فقد تشوه فهمنا للحالة بسبب التركيز الطبي المفرط الذي يصنف أي اختلافاتٍ على أنها إعاقات، حسب قولها، في حين أنها في الواقع يمكن أن تمثل مجرد تنوعٍ.
ريمنغتون هي رئيسة مركز البحث في التوحد والتعليم Centre for Research in Autism and Education في جامعة يونيفرسيتي كوليدج لندن University College London، والذي يحاول إشراك المصابين بالتوحد على كل المستويات في توجيه البحث وتفسير النتائج. تقول: “نسأل المصابين بالتوحد ‘ما الذي يجب أن نبحث عنه؟‘”، وتقول: “ربما من المدهش أن الإجابة ليست البحث الجيني، بل إنها تتعلق أكثر بالحلول العملية مثل: كيف نحسن معدلات التوظيف؟” يركز عملها على نقاط القوة المرتبطة بالتوحد، وقد بدأ فريقها بالكشف عن العوامل التي تدعم بعض هذه القدرات بهدف زيادة فرص عمل الأشخاص المصابين بالتوحد.
ما هو نوع القدرات التي يمتلكها المصابون بالتوحد؟
بادئ ذي بدء، أريد فقط أن أخلي مسؤوليتي، فهناك الكثير من التنوع داخل مجتمع التوحد. علينا أن نتذكر أن كل شخصٍ مصابٍ بالتوحد هو فردٌ.
بعد قولي هذا، أقول إن الكثير من المصابين بالتوحد يجيدون استيعاب الكثير من المعلومات، أو تعلم الكثير من المعلومات حول موضوعٍ معين. إنهم شديدو التركيز. وغالباً ما يكون الأشخاص المصابون بالتوحد مبدعين حقاً، ويمكنهم تقديم حلٍ لم يفكر فيه أحد من قبل.
هل نعلم سبب أيٍّ من هذه القدرات؟
يأتي أحد الأدلة من دراسة الانتباه والإدراك. فغالباً ما يكون أداء الأشخاص المصابين بالتوحد أفضل من الأشخاص غير المصابين بالتوحد في المهام السمعية والبصرية، كتمييزِ أشياءَ من بين أشياء أخرى من حولها، أو تبيّن نغمةٍ أو تحديد النوتات الموسيقية.
بدأنا البحثَ بكيفية التوفيق بين هذا وبين ملاحظةٍ أخرى: غالباً ما يواجه المصابون بالتوحد صعوباتٍ تتعلق بالسمع والبصر أيضاً. لذلك، فقد يجدون صعوبةً بالوجود في غرفةٍ بها مصابيح فلورسنت بسبب الطنين، أو في مركز تسوقٍ بسبب الضوضاء العالية.
وجدنا أن المفتاح كليهما هو مقدار المعلومات التي يمكن لشخصٍ ما معالجتها في وقتٍ محددٍ. ويمكن للأشخاص المصابين بالتوحد معالجة معلوماتٍ أكثر من الأشخاص غير المصابين بالتوحد ـ نسمي هذا قدرةً إدراكيةً أعلى.
ما الذي يحدد ما إذا كانت هذه القدرة الإضافية مُسَاعِدَةً أم عائقاً؟
إذا كنت تعمل على مهمةٍ تحتوي على الكثير من المعلومات، فيمكنك حينئذٍ معالجة المزيد منها في وقتٍ محددٍ، لذلك سيكون أداؤك أفضل. ولكن إذا كانت المهمة لا تستهلك كل قدرتك، فسيكون على هذه القدرة الزائدة أن تفعل شيئاً ما، لذلك ينتهي الأمر بمعالجة عناصرَ غير ذات صلةٍ، مثل ضوضاء الخلفية. وتقول تيمبل غراندين Temple Grandin، الأستاذة الشهيرة المصابة بالتوحد، أن أذنيها مثل الميكروفونات ـ تلتقط كل صوتٍ دون تمييز. سيُلهيك ذلك عن مهمتك.
إذن، لا يمكننا اختيارُ مقدارِ القدرةِ التي سنستخدمها؟
لا، يجب عليك استخدام كامل قدرتك. فإذا كانت المهمة التي تؤديها لا تستهلكها، فستلهيك أشياءٌ أخرى. فما تحتاج إليه بالفعل للتركيز على المهمة هو الحصول على مزيدٍ من المعلومات. إذا تجاهلت ذلك وافترضتَ أن الشخص المصاب بالتوحد لا بد أن يكون سيئ التركيز، فقد تُبَسِّطُ مهمتَهُ بحذف بعض المعلومات غير الضرورية. ولكن من المحتمل أنك ستزيد الأمور سوءاً، لأنك تترك كل هذه القدرة عرضةً للإلهاء أو لمعالجةِ أمورٍ غير ذات صلةٍ. فقد قال الأشخاص المصابون بالتوحد إن بحثنا منطقيٌ جداً؛ لأنهم يجدون أن الاستماعَ إلى الموسيقى أو استخدامَ لعبةِ مملة يساعدهم. أعتقد أننا جميعاً نفعل مثل هذا إلى حدٍ ما.
هل هناك اعترافٌ متزايدٌ بإيجابيات التوحد؟
لقد صار تزايد تفهمُ التيارِ السائدِ للمهارات والقدرات التي يمتلكها المصابون بالتوحد. أعتقدُ أن ذلك تزامن مع حركات التوحد للدفاع عن الذات. فهناك أيضاً ضغطٌ للنظر في كلا الاتجاهين، وهو ما يسميه داميان ميلتون Damian Milton، المختص بالتوحد، مشكلة التعاطف المزدوج Double empathy problem. وهي الفكرةُ القائلة إن الجميع يتحدثون عن أن الأشخاص المصابين بالتوحد يفتقرون إلى التعاطف، وهذا ليس صحيحاً على أي حال، ولكن لا أحد ينتبه لحقيقة أن غير المصابين بالتوحد يظهرون قدرا من النقص في التعاطف إذا لم يتمكنوا من وضع أنفسهم مكان المصابين بالتوحد. لذلك ينطبق الأمر على كلا الجانبين.
هل يمكن للتركيز على الإيجابيات أن يهددَ الدعم المقدم إلى المصابين بالتوحد من غير ذوي القدرات العالية؟
أعتقد أنه يمكننا تبني نقاط القوة دون تجاهل نقاط الضعف. من الخطر اقتراحُ أن جميع المصابين بالتوحد لديهم مهاراتٌ وقدراتٌ، أو أنه يجب أن يُقَدَرُوا فقط لتلك المهارات والقدرات.
كان جلُّ بحثِنا على المصابين بالتوحد الذين كان معدل ذكائهم ضمن المجال القياسي. إنني أدرك تماماً أن البحث لا يمكن أن يُمَثِلَ كل شخصٍ مصاب بالتوحد، وغالباً يكون الأشخاص الأكثر جرأةً هم من يتحدث عن تجاربهم فيما يخص نقاط القوة والقدرات.
“لا يمكنك أن تكون مصاباً بالتوحد بعض الشيء. إنه مثل الحمل، إما أن تكون المرأة حاملاً أو لا”
من ناحيةٍ أخرى، فإن بعض آباء الأطفال الذين لا يستطيعون التحدث واثقون من أن أطفالهم ذوو قدرات. نعلم أن أولئك الذين لا يستطيعون التحدث غالباً ما يُقَلّلُ من شأنهم. أعتقد أننا سنرى قدرةً أكبر لدى أولئك الذين هم ذوو قدراتٍ أقل، لكننا بحاجةٍ إلى إيجاد طريقةٍ لإظهار ذلك.
غالبًا ما نتخيل التوحد باعتباره طيفاً، لذلك في بعض الأحيان يقول الناس، أوه، فلانٌ مصابٌ بالتوحد بعض الشيء. هل هناك أي حقيقةٍ في ذلك؟
في بعض الأحيان أعتقد أن الناس يميلون إلى سماتٍ معينةٍ، لكن فكرة أن الأشخاص مصابون بالتوحد بعض الشيء ليست مفيدةً. وإذا تحدثت إلى الأشخاص المصابين بالتوحد، فسوف يقولون إنك لا تستطيع أن تكون مصاباً بالتوحد بعض الشيء. الأمر أشبه بالحمل، إما أن تكون المرأة حاملاً أو لا.
إن كونك مصاباً بالتوحد أمرٌ يتعلق بتأثيره في الحياة اليومية، والقول إنك مصابٌ بالتوحد بعض الشيء يقللُ من شأنِ الصعوبات التي يواجهها المصاب بالتوحد. لذلك، فإن الشخص الذي يجد صعوبةً في الخروج والتواصل الاجتماعي يختلف تماماً عن الشخص الذي يحتاج إلى أسبوعٍ للتعافي بعد الذهاب إلى حفلة لأن هذا يهدر الكثير من الطاقة ويولد القلق.
هناك خلافٌ حول ما إذا كان التوحد على الطرف الأقصى للخط الممتد من التغيرات السلوكية العصبية النمطية Neurotypical إلى التنوع العصبي Neurodivergent، أو ما إذا كان اختلافًا نوعياً. لا أعتقد أننا نعرف الإجابة عن ذلك حتى الآن.
ما هو التوحد؟
يؤثر التوحد في الأشخاص بعدة طرق مختلفةٍ، لكن معظم المجتمع الطبي يرى أنه إعاقةٌ تسبب صعوباتٍ في اللغة والقدرات الاجتماعية فضلاً عن الإتيان بأنماط سلوكيةٍ متكررةٍ. ولكن الأشخاص المصابين بالتوحد يميلون إلى النظر إليه على أنه طريقةٌ مختلفةٌ لرؤية العالم. فقد ارتفع عدد الأشخاص الذين شُخِصوا به، مما قاد إلى ادعاءاتٍ بوجود أسباب بيئيةٍ. ولكن ربما ترجع الزيادة إلى التوسع في تعريف التوحد، إلى جانب زيادة الوعي.
© 2020, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.