الكون يتمدد بسرعة. فهل نعيد كتابة علم الكون؟
ترفض العديد من قياسات ثابت هابل (معدل تمدد الزمكان) الاتفاق مع بعضها البعض. إذاً، قد يتعين علينا النظر إلى ما وراء نظريات آينشتاين لشرح كوننا.
بقلم: ستيوارت كلارك
ترجمة: همام بيطار
في البداية كان همسًا، أما الآن فصار صرخةً: هناك خطأ جدي في فهمنا للكون. فعندما نقيس معدل تمدد الكون، نحصل على نتائج مختلفة، فهي تعتمد إما على عملية استقراء تبدأ من المراحل المبكرة لكوننا، أو على النظر إلى النجوم المتفجرة في المجرات القريبة منّا. يعني ذلك التناقض أن معدل تسارع الأشياء أثناء ابتعادها عنا أكبر مما نتوقع.
قبل بضع سنوات ظهرت هذه المشكلة، وحينها تأملنا تلاشيها مع زيادة دقة عمليات الرصد. في الحقيقة، جعلت القياسات الأحدث من تجاهل الأمر مستحيلاً، ويضيف إدوارد مورتسيل Edvard Mörtsell، وهو اختصاصي بالكوزمولوجيا من جامعة ستوكهولم في السويد Stockholm University: “بدأت تصير جدية”، ويتابع: “لا بد أنهم أخطأوا إلى درجة لا يمكن معها أن يكون ذلك حقيقيًا”.
يبحث الكوزمولوجيون عن إجابات. وسعياً وراء ذلك، فقد تلاعبوا قليلاً بخصائص الطاقة المعتمة Dark Energy والمادة المعتمة Dark Matter المعروفتين، ولكن الغامضتين، والموجودتين في النموذج القياسي للكوزمولوجياStandard Model of Cosmology. فقد جرّب العلماء كل المكونات الغريبة والجديدة دون جدوى.
لا يمكن أن يكون الاستنتاج أكثر وضوحاً: إنّ أفضل نماذجنا عن الكون، ذلك النموذج الذي يبدو مُبحراً كسفينة شراعية هادئة، يعاني فشلا خطيرا في مكانٍ ما.
دفع هذا بعض الباحثين إلى اقتراح اللجوء إلى خطوة نهائية: التخلي عن تلك السفينة وبناء نموذج قياسي جديد من الصفر، معتمدين في ذلك على الفهم المنقح للجاذبية Gravity. ولم تكن تلك المحاولة الأولى من نوعها، إلاّ أنها جاءت الآن مع تطور ملفت للانتباه يتجسد في إمكانية دمج عزم اللف الذاتي الكمي (الغزل) Quantum Spin مع نظريات آينشتاين عن المكان والزمن. قد يُمكننا ذلك من فهم التمدد الكوني المتسارع لكل الأشياء.
يتطور فهمنا للكون باستمرار استجابةً لعمليات الرصد الجديدة. ففي عام 1915، عندما وصفت نظرية آينشتاين للنسبية العامة الجاذبية على أنها نتيجة لحني الكتلة الزمكان Space-time، فإنه افترض أن الكون المنحوت بهذه القوة هو كونٌ ساكن، بل أضاف أيضاً مصطلح “الثابت الكوني” Cosmological Constant إلى المعادلات من أجل إيقاف الكون عن التمدد، أو الانهيار على نفسه.
وبعد بضع سنوات أظهر عالم الفلك إدوين هابل Edwin Hubble أن المجرات البعيدة كانت تبتعد عنّا ليثبت بذلك فكرة التوسع الكوني، أي أنّ الكون قد بدأ من حالة كثيفة وساخنة عُرفت لاحقا بالانفجار الكبير Big Bang.
بعد ذلك، وفي تسعينات القرن العشرين، استخدمت مجموعتان من علماء الفلك الضوء المنبعث عن النجوم المتفجرة لإثبات أنّ التمدد متسارع، وهو تأثير نميل في أيامنا هذه إلى عزوه إلى قوة تنافر غامضة تُدعى “الطاقة المعتمة”، والتي تبيّن أنها تشابه كثيرا الثابت الكوني.
في الفترة نفسها تقريباً، لاحظ علماء الفلك الذين رصدوا دوران المجرات والعناقيد المجرية Clusters of Galaxies أنها تدور بسرعات أكبر مما يجب بالنسبة إلى ما تحتوي عليه من مادة عادية. وتمثل الحل الذي صاغه العلماء في تحديث النموذج مجددًا عبر إقحام مادة معتمة جديدة وغير مرئية تفوق كتلتها كتلة المادة العادية التي نراها بكثير.
مثّلت تلك العناصر أسس النموذج القياسي في علم الكون المعروف بــ لامدا-CDM (أو lambda-CDM)، حيث تشير لامدا إلى الطاقة المعتمة، أما CDM فتعني “المادة المعتمة الباردة”. فقد كان ذلك النموذج ناجحًا جدا، وفسّر إلى معظم ما نرصده في الكون على أكبر المقاييس.
توافق نموذج لامدا-CDM مع أكثر الخرائط دقةً لإشعاع الخلفية الكونية الميكروي Cosmic Microwave Background (اختصارا: الاشعاع CMB)، الذي يُمثل أولى الأضواء التي صدرت عن كوننا بعد 380 ألف عام على حصول الانفجار الكبير. ويقول كارستين فان دير بروك Carsten van der Bruck من جامعة شيفيلد University of Sheffield في المملكة المتحدة: “بصراحة، إنه نموذج مثالي”.
توتر كوني
اقترح ذلك التوافق الوثيق مع الإشعاع CMB إجراء اختبار نهائي: يُمكن للكوزمولوجيين أن يقيسوا بدقة معدل تمدد الكون عندما صدر الإشعاع CMB، ومن ثمّ يستخدمون ذلك القياس للتنبؤ بمعدل التمدد الحالي المعروف بثابت هابل Hubble constant. ويقول آدم ريس Adam Riess، وهو عالم فيزياء فلكية من جامعة جونز هوبكنز Johns Hopkins في ميريلاند: “إنه اختبار شامل للكون”، ويتابع: “إنك تمضي من البداية نحو النهاية، وبذلك يلتقي طرفا الجسر الذي تبنيه”.
المشكلة هي أنّ تلك الأطراف لا تلتقي. فعند الاعتماد على الاستقراء باستخدام نموذج لامدا-CDM، فإننا نحصل على معدل توسع أقل من ذلك الذي قاسه علماء الفيزياء الفلكية مستخدمين النجوم المتفجرة في المجرات القريبة نسبيا.
يُقاس تمدد الكون على أنه سرعة تمدد كل مليون فرسح فلكي Million parsec(Mpc) من الكون، إذ يُساوي الفرسخ الفلكي Parsec الواحد 3.26 سنة ضوئية. وقد بلغت قيمة ثابت هابل التي قاسها العلماء باستخدام نموذج لامدا 68 كم/ث، في حين كانت في المجال 73-74 كم/ث عند قياسها بناءً على رصد المسافات البعيدة في الفضاء. ويُشار إلى هذا التناقض بتوتر هابل Hubble tension.
وإذا كان وصف نموذج لامدا-CDM للكون صحيحًا، فذلك التوتر لن يكون موجودًا. افترض معظم الكوزمولوجيين الذين لا يرغبون في التخلي عن هذا النموذج الناجح في كل المجالات الأخرى، أنّ ذلك التوتر غير حقيقي، وأنّ عمليات الرصد كانت خاطئة. ولكن في عام 2019 تطابقت قياسات أُجريت باستخدام طريقة ثالثة مع القيمة التي حصل عليها علماء الفلك. وفي صيف 2020 ترسخت المواقف أكثر بعد أن عززّت نظرة جديدة أُلقيت على إشعاع الخلفية الكونية الميكروي باستخدام تلسكوب أتاكاما Atacama Cosmology Telescope في تشيلي تنبؤ نموذج لامدا-CDM.
الرسالة واضحة: لا يُمكن التوفيق بين القياسات، ومن ثمّ توتر هابل حقيقي. يوجد شيء أساسي لا نفهمه عن الكون. أثناء عام 2019 استمر العلماء النظريون بالبحث عن حل. ويقول مورتسيل: “يبدو أنه هناك حلاً جديدًا يظهر كل يوم”. ووفقا لتقاليد الطاقة المعتمة والمادة المعتمة، يتضمن معظم تلك الحلول إضافة المزيد من المكونات غير المرئية إلى نموذج لامدا-CDM أملا بزيادة معدل التمدد المتنبأ به. لكن عندما حاول مورتسيل أن يكون حياديًا حول طبيعة المكون الإضافي، ونظر فقط إلى مقدار الطاقة الإضافية واللازمة في المراحل المبكرة من عمر الكون لإصلاح ذلك التوتر، فقد كانت النتائج واقعية. ويقول مورتسيل: “القصة ليست بسيطة”، ويتابع: “يُمكنك تخفيف التوتر قليلا، وربما باستطاعتك الوصول إلى منتصف الطريق، لكن ليس أكثر من ذلك بكثير”.
إضافة إلى مسألة التوافق مع ثابت هابل، يجب أن يصف أي نموذج وبدقة عمليات الرصد التي نجريها، كقياس معدل تشكل المجرات، وكمية تعنقد المجرات عند المقاييس الكونية المختلفة، وظهور التموجات الدقيقة في عناقيد المجرات والمعروفة بالاهتزازات الصوتية الباريونية Baryon Acoustic Oscillations. وبشكله الحالي، يتفق نموذج لامدا-CDM مع كل عمليات الرصد، وأي تغيير يؤدي إلى زيادة قيمة ثابت هابل سيضع كل تلك التوقعات خارج اللعبة.
يتضمن خيار آخر تعديل سلوك أحد المكونات الموجودة. فعلى سبيل المثال، يُمكننا جعل قوة التنافر الناتجة من الطاقة المعتمة أكبر في المراحل المبكرة من عمر الكون. ويقول مورتسيل: “يُمكنك تخفيف التوتر قليلاً، لكن لا يُمكنك المضي قدما إلى نهاية الطريق”، وينطبق الأمر نفسه على تعديل خصائص المادة المعتمة.
هناك مكان ثالث وواضح يُمكن النظر إليه بهدف البحث عن مصدرٍ لذلك التوتر: فكرة التوزيع المتساوي للمادة والطاقة في أرجاء الكون. فهذه الفكرة هي فرضية حسابية أساسية في نموذج لامدا-CDM، وهي كذلك أيضا عندما تشكل إشعاع الخلفية الكونية الميكروي. لكن على مدار 13 بليون عام تلت، ومع استمرار قوة الجاذبية بالعمل على جذب الأجرام السماوية نحو بعضها البعض، صار الكون أكثر تكتلاً. وقد بينت عمليات المسح الفلكية أن ما 30% و40% من الكون يحتوي الآن على عناقيد مجرية. وقد ساهمت تلك العناقيد في استنزاف المادة من الفضاء، تاركةً وراءها مساحة شاسعة من الفراغات (ما بين 60% و70% من حجم الكون).
الخروج من الفراغ
صارت العناقيد المجرية كثيفة جدًا إلى درجة سمحت لها بالانفصال عن تمدد الكون. وتُعتبر هذه الأجسام مستقرةً من حيث الجاذبية، مما يعني أنه لديها جاذبية كافية لكبح تمدد الفضاء داخلها. في الوقت نفسه، تواصل الفراغات المحيطة بها، والخالية من المادة، التمدد بمعدلات أسرع. ويُعرف ذلك التأثير بـ “التفاعل الرجعي Back-reaction”، وهو مهمل بالكامل في نموذج لامدا-CDM، حيث افترض معظم الباحثين أن تلك التأثيرات تتلاشى وتكون مهملةً عند المقاييس الكبيرة. لكن ماذا لو كان ذلك غير صحيح؟
ففي عام 2018 أدرك كريستوف بوليجكو Krzysztof Bolejko، وهو كوزمولوجي من جامعة تسمانيا في استراليا University of Tasmania، أن التفاعل الرجعي قد يؤثر في معدل التمدد الكوني بنسبة تصل إلى 1%، ومن ثمّ ربما تُحل مسألة توتر هابل. وبعد ذلك وضع نموذجًا بدائيا للكون واعتمد على الأرقام. وقد بدى الأمر جيدًا، ويقول بوليجكو: “كنت متحمسا جدًا لذلك”.
ولكن عندما أجرت هيلي ماكفيرسون Hayley J. Macpherson وزملاؤها من جامعة كيمبريدج University of Cambridge عملية محاكاة للكون باستخدام نموذج لامدا-CDM كامل وحساس لتأثير التفاعل الرجعي، وجدوا أن المعدل الوسطي للتمدد لم يتغير تقريبا. وعندما يتعلق الأمر بالتخفيف من توتر هابل، يفاقم التفاعل الرجعي المشكلة أيضا. ويقول بوليجكو: “الآن، يبدو أن التفاعل الرجعي لن يتمكن من حل المسألة”. إذًا، إلى أين نتجه من هنا؟
لم تعمل إضافة مكونات جديدة، وقد فشل تعديل المكونات الموجودة، كما أن إعادة التفكير في الافتراضات لم تجلب جديدًا. وبالنسبة إلى بوليجكو ومورتسيل، يبقى خيار واحدٌ فقط مع أنّ معظم زملائهم لم يقبلوه حتى الآن. ويقول بوليجكو: “في غضون بضع سنوات سيحتاج الكوزمولوجيون إلى التخلص من نموذج لامدا-CDM، واستبداله بنموذج أفضل”.
يتضمن ذلك العودة إلى الأساسيات وإعادة النظر في النظرية التي تحكم العلاقة بين الكون ومكوناته. إنه خيار نووي؛ لأن النسبية العامة لم تفشل بعد في أي اختبار رصدي. لكن ها نحن هنا الآن.
لكي نكون منصفين، فإن معظم “بدائل” النسبية العامة هي في الحقيقة إضافات إلى المعادلات الموجودة. فعلى سبيل المثال، تفترض مجموعة من النظريات، المنطوية تحت راية الجاذبية ثنائية النظام Bimetric Gravity، أن مجموعة مختلفة تماما من الحدود ستَستبدل حدود آينشتاين الأصلية عند تحقق شروط معينة، كأن تزيد قوة الجاذبية أو تنقص عن حدٍ معين. فقد استحوذت هذه النظريات على مورتسيل لأن أي تغير في سلوك الجاذبية أثناء تطور كوننا قد يقود إلى تغير معدل تمدد الكون.
تطور هائل؟
بعد تعديل النظرية بهدف تفسير توتر هابل، لا بد من التحقق من أن النظرية المعدلة تتنبأ بدقة بالمظهر الحالي للعناقيد المجرية. هنا تصير الأمر معقدة كثيرًا. ويقول مورتسيل: “من الصعب جدا حل المعادلات”. ولذلك قد تكون هذه هي اللحظة المناسبة للإشارة إلى أن التعقيدات الكاملة المحيطة بمعادلات النسبية العامة قد شغلت أذهان الكوزمولوجيين لعقود.
يتبنى بوليجكو نهجًا مختلفًا. فقد أعاد إحياء عمل عالم الرياضيات الفرنسي إيلي كارتان élie Cartan، والذي اقترح في النصف الأول من القرن العشرين توسيعا للنسبية العامة دعاه الالتواء Torsion. ففي صياغة آينشتاين للنظرية، الكتلة هي الخاصية الوحيدة للمادة التي بوسعها حني الزمكان. والذي نجح فيه كارتان عندما اقترح زمكانًا قد يتأثر أيضا بالخصائص الكمية لغزل المادة التي تؤلف الأجرام السماوية.
ووفقاً لكريستوس تساغاس Christos Tsagas من جامعة أرسطو Aristotle University في ثيسالونيكي باليونان، فإنّ فكرة الالتواء جذابة لأنها إحدى أبسط الطرق لتوسيع النسبية العامة. فبدلاً من إضافة شيء خاص جدا، فأنت تدمج خاصية فيزيائية توجد في المادة. وأثناء هذه العملية تُضيف حقلا جديدا في الكون، أما خصائص هذا الحقل خاضعةٌ لبضعة عوامل يجب أن نحددها.
“قد يتأثر الزمكان بالغزل الكمي-الميكانيكي للمادة”
يعطينا ذلك مساحة للمناورة. ويقول تساغاس: “يُمكنك ضبط هذا المجال الجديد”، وإذا فهمت ذلك فهما صحيحا، يُمكنك حينها حل مسألة توتر هابل. ويتابع تساغاس قائلا: “إنك تغير طبيعة هندسة الزمكان”، كما أن أي شيء يؤثر في هندسة الزمكان، سيؤثر أيضا في تمدد الكون.
يعتقد بوليجكو أنه ربما أنجز المهمة، ويعلق: “النتائج التي حصلنا عليها مشجعة جدًا”، ويتابع: “يُمكننا في الواقع تفسير توتر هابل. إننا نحصل على 73.9 كم/ث لكل مليون فرسخ فلكي. هذا جيد بما يكفي بالنسبة إلي”، ويؤكد على أن هذه النتائج ما زالت بدائية. وإذا خضعت حساباته لمزيد من التدقيق، ستكون هذه هي المرة الأولى، في هذا المجال، والتي يقود فيها نموذج كوني إلى القيمة نفسها التي قاسها علماء الفيزياء الفلكية.
أحد الأشياء الذي يصب في صالح فكرة الالتواء هي وجود طريقة لاختبارها. فهذا الاختبار يتضمن إجراء قياس بطريقتين مختلفتين للمسافة عند مقاييس كونية، إذ يُجري المرء، في الطريقة الأولى، عمليات رصد لأحجام أجرام سماوية متشابهة ويقارن أي اختلاف بينها بــ “المسافات الزاوية” Angular Distance بينها. في حين تتطلب الطريقة الثانية قياس المسافات عبر مقارنة سطوع Brightness، أو لمعان Luminosity، الأجسام المتشابهة.
في نظرية النسبية العامة القياسية، هاتان المسافتان مرتبطتان بعلاقة محددة هي معادلة ثنائية-المسافة لإيثرينغتون Etherington’s Distance-Duality Equation. ولكن في وقت سابق من هذه السنة، قدّر بوليجكو وزملاؤه أنه عند إضافة الالتواء، يصير الزمكان أكثر تعقيدًا، وهذا سيغير معادلة إيثرينغتون أيضا. ويعلق بوليجكو على ذلك قائلا: “إنها دليل دامغ سيستخدم في المستقبل لاختبار فكرة الالتواء”.
حاليا، ليست لدى التلسكوبات الحساسية اللازمة لإجراء مثل هذا الاختبار. ومع ذلك يتوقع الكوزمولوجيون سيلاً من البيانات الجديدة في الأعوام القليلة القادمة، إذ ستجري مجموعة من المشاريع المستقبلية عمليات مسح للبنى فائقة الحجم في الكون، وليس أقلها القمر الاصطناعي إقليدس Euclid التابع لوكالة الفضاء الأوروبية European Space Agency الذي سيُقلع في عام 2022، والمصمم لقياس بعد وأشكال بليوني مجرة، إضافة إلى دراسة تشكل البنى الكونية بدقة غير مسبوقة. كما أن ناسا NASA تخطط أيضا لمهمة شبيهة هي تلسكوب نانسي غريس رومان الفضائي Nancy Grace Roman Space Telescope، والذي سيُقلع في منتصف العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين.
هذا وقت صعب بالنسبة إلى أي تحدٍ لآينشتاين. ويقول مورتسيل: “عندما تبدأ بتعديل الجاذبية، فإنك تبدأ أيضا بتعديل الكيفية التي تنمو بها هياكلٍ كالمجرات والعناقيد المجرية في الكون”، ويتابع: “ستساعدنا أقمار اصطناعية، كإقليدس، على سبر ذلك بأكبر دقة ممكنة. وستكون تلك الأقمار الاصطناعية مفيدة جداً للتحقق من سيناريوهات تضمن قانون جاذبية آخر، غير ذلك الذي اقترحه آينشتاين”.
هل هذه هي نهاية نموذج لامدا-CDM؟ قد يبدو مستحيلا أن يسقط نموذج ناجح كهذا بسبب تناقض بسيط. ومن جديد، يعطينا التاريخ درسا مختلفًا: إنها التناقضات الصغيرة في أشياءٍ كمدار كوكب عطارد هي التي قادت آينشتاين إلى استبدال نظرية السير إسحاق نيوتن في الجاذبية Sir Isaac Newton.
ربما نكون على أعتاب ثورة أخرى في علم الكون، ثورة أحدثتها أرصاد جديدة. هي ثورة حتى لو كنا جاهلين بطبيعتها. ويقول ريس: “في اعتقادي، الأمر مثيرٌ جدًا لأنه لدينا القدرة الآن على اكتشاف أشياء جديدة عن كوننا”.
© 2020, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC