كيف تستطيع الجيولوجيا المساعدة على توجيهنا إلى مستقبل أكثر استدامة
بقلم: كريستوفر جاكسون
ترجمة: عبد الرحمن أياس
يقول كريستوفر جاكسون Christopher Jackson إن الجيولوجيين كثيراً ما خدموا استكشاف الوقود الأحفوري – وحان الوقت الآن ليركزوا على تغير المناخ وأهداف الاستدامة العالمية الأخرى
سنة 2020 سلطت الضوء على أهمية العلماء في حياتنا اليومية. فقد سعى اختصاصيو علم اللقاحات إلى صنع لقاحات للمساعدة على التصدي لجائحة كوفيد- 19 (Covid-19)، ونجحوا في ذلك. وساعد علماء الفيروسات وعلماء الأوبئة وعلماء السلوك السياساتِ الحكوميةَ التي تتحكم في تحركاتنا مباشرة بهدف الحفاظ على أمننا.
الجوائح تأتي و(نأمل بأن) تذهب. ولكن ماذا عن الاحترار العالمي Global warming؟ هذا الخطر الذي حُجِب عام 2020 ويهدد البيئة والصحة العالمية ورفاهنا الاقتصادي، سيظل يهدد أجيال بعد انحسار كوفيد-19. ومن الواضح أن للعلماء دوراً محورياً في فهم السياسات التي تهدف إلى تخفيف آثاره، وفي نهاية المطاف على مساعدتها ــ ولا ينطبق هذا الأمر على علماء أكثر من علماء الجيولوجيا.
من المفاهيم الخاطئة الشائعة أن الجيولوجيا تتعلق “فقط” بالصخور. صحيح أن الجيولوجيين مدربون على قراءة ما تخبرنا به الصخور عن بنية الأرض وتطورها في الماضي والحاضر والمستقبل المحتمل. لكن، وكما سأشرح من ضمن محاضرات عيد الميلاد للمؤسسة الملكية Royal Institution Christmas Lectures لعام 2020، ترتبط العمليات الجيولوجية والمناخ ارتباطاً لا ينفصم.
وثمة العديد من الروابط والتغذيات الراجعة Feedback الفيزيائية والكيميائية المعقدة بين الصخور السطحية والصخور الجوفية للأرض، وغلافها الجوي، ومحيطاتها، وأغطيتها الجليدية، والحياة في هذه الأماكن كلها. فالثورات البركانية تجلب الكربون من أعماق الكوكب إلى السطح والهواء، ما يعزز أثر غازات الدفيئةeffect Greenhouse. وعلى العكس من ذلك، تزيل تجوية الصخور Weathering المكشوفة على السطح والحيوانات التي تبني أصدافاً في المحيطات ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، ما يقلل من الاحترار العالمي.
وتشهد الصخور والحفريات في السجل الجيولوجي على هذه العمليات، إذ تُبيّن لنا أن مناخ الأرض تغير باستمرار منذ أن تشكل الكوكب قبل نحو 4.6 بليون سنة. ويبين هذا السجل نفسه أيضاً أن ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي يبلغ أعلى مستوى له في الثلاثة ملايين سنة الماضية على الأقل، وأن الوتيرة الحالية للاحترار الكوكبي لم يسبق لها مثيل في تاريخ الأرض.
كذلك يمكن استخدام السجل الجيولوجي لتقييم دقة النماذج الرقمية المعقدة المستخدمة لتوقع المناخ في المستقبل وتأثيره في جعل الأرض صالحة للسكنى. فقد حسنت الجيولوجيا فهمنا للاحترار العالمي، ونأمل بأن تساعدنا على التخفيف من حدته.
ومن المفارقات في ذلك أن عمل الجيولوجيين يدعم أيضاً تحديد مواقع الوقود الأحفوري الذي يسخن المناخ ويدعم استغلال هذا الوقود. والآن، أكثر من أي وقت مضى، يحتاج تخصصنا إلى أن يتبنى تماماً مفهوم “العلوم الجيولوجية المستدامة” Sustainable geoscience.
هذه ليست فكرة جديدة ولا تقتصر على تغير المناخ. فالإسهامات التاريخية العديدة والمتنوعة للجيولوجيا في التصدي لبعض من أعظم تحدياتنا المجتمعية يمكن أن تُرَى من خلال النظر في أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، يدرس الجيولوجيون منشأ الملوثات مثل الزرنيخ والرصاص ودورة نقلها الطبيعية ومصيرها، وهذه الدراسة حاسمة في توفير إمدادات مياه آمنة وموثوق بها، ويستكشف الجيولوجيون أصل المخاطر الطبيعية مثل الانهيارات الأرضية Landslides والزلازل، ومن ثمَّ يساعدون على الحد من تعرض المجتمعات المحلية في أنحاء العالم كله للخطر.
ويتعين على علماء الجيولوجيا أن يكثفوا مشاركتهم مع العلماء الآخرين والسياسيين لتطوير حلول للعديد من التحديات التي نواجهها على صعيد البيئة والموارد، والمساعدة في نهاية المطاف على تنفيذ هذه الحلول. وينبغي توعية طلبة الجيولوجيا بالمساهمات الأوسع نطاقاً التي يمكن أن تقدمها مهاراتهم المتعددة التخصصات إلى الرفاه العالمي، بما يتجاوز مجرد توفير الطاقة – على الرغم من أن ضمان إمدادات الطاقة، كما ينبغي لنا ألا ننسى، يدعم العديد من أهداف التنمية المستدامة.
الجيولوجيا أكثر بكثير من مجرد صخور. وبإعادة تصور الجيولوجيا من خلال منظور الاستدامة، يمكننا ضمان أن تكون الجيولوجيا محورية في وعي الجمهور، كما كانت الحال مع علم الفيروسات وعلم الأوبئة عام 2020.
نبذة عن الكاتب
بُثّت محاضرة عيد الميلاد للمؤسسة الملكية التي ألقاها كريستوفر جاكسون على القناة التلفزيونية الرابعة لهيئة الإذاعة البريطانية BBC4 بتاريخ 28 ديسمبر في المملكة المتحدة، ومن ثم على المشغل الإلكتروني للهيئة BBC iPlayer
© 2020, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC