تقنية الذكاء الاصطناعي تشير إلى أن الأرض قد شهدت انقراضات كُبرى أقل مما كنا نعتقد
بقلم: ميشيل لو بيج
ترجمة: محمد قبازرد
لعل أفضل سجل يوضح لنا الكيفية التي تغير بها التنوّع البيولوجي في الماضي البعيد هو ذلك المُعدّ بمساعدة تعلم الآلة Machine learning وحاسوب فائق Supercomputer. فإضافة إلى جملة من النتائج، فإن هذا النموذج ينفي بتأكيد وقوع انقراضٍ واحدٍ من جُملة الخمسة انقراضاتٍ الكبرى.
إذ كان يُعتقد أن المحيطات باتت مسمومة قبل نحو 375 مليون سنة، أي قرابة نهاية العصر الديفوني Devonian period، مما أباد العديد من الكائنات البحرية بما فيها المفصليات ثلاثية الفصوص Trilobites. غير أن الدراسة الأخيرة لا تُظهر أي دليل قطعي على تغير كارثي مفاجئ تماماً كادّعاء اصطدام كويكب بالأرض أباد جميع الديناصورات. بل عوضاً عن ذلك، فقد كان هناك تدهور تدريجي في أعدادها عبر فترة زمنية طويلة جدا؛ نحو 50 مليون سنة.
وفي هذا الصدد يقول دوغ إيروين Doug Erwin من المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي National Museum of Natural History في العاصمة واشنطن: “ليس هناك انقراض كبير خلال العصر الديفوني الأخير، وإنما هناك انحسارٌ في التنوع البيولوجي خلال العصر الديفوني، كما وسبق أن افترض البعضُ من المختصين”.
تُستخدم الأحافير لتعيين العمر الزمني للصخور. ونظراً لكون أكثر الأنواع Species تعيش لنحو بضعة ملايين سنة لا أكثر، فوجود أحافير أحد الكائنات الحية في صخور من مواقع مختلفة يدل على أن تلك الصخور لابد أنها تنتمي إلى الفترة الزمنية نفسها تقريبا.
ولكن، فإنّ “تقريبا” تعني تقريباً. فقد تمكّنت الدراسات السابقة حول الكيفية التي تغير بها التنوع البيولوجي، على مـرِّ الزمن، من تقسيم الماضي السحيق إلى حقب زمنية عظمى تمتد إلى نحو عشرة ملايين سنة.
لقد حقق للتو شوزونغ شن Shuzhong Shen، الباحث في معهد نانجنغ للجيولوجيا والأحافير بالصين، وزملاؤه بمن فيهم إيروين تقدماً دراماتيكياً في تصنيف السجل الزمني الذي اقتصر في تقسيمةٍ للماضي السحيق على فترات زمنية موجزة لا يتعدى كل منها 26 ألف سنة فقط. وقد أنجز شن وفريقه ذلك باستخدام نموذج إحصائي طوِّر قبل قرابة عقد من الزمن واستخدموه لتحليل مئة ألف سجل زمني أحفوري لما يقارب 11 ألف نوع من الكائنات البحرية التي عُثِرَ على بقاياها الأحفورية في الصين وأوروبا.
وقد يستغرق هذا الإنجاز الجبار حسابياً وإحصائياً عشرات السنين إذا أجري باستخدام الحاسوب العادي. وبدلاً من ذلك، فقد طوّر الفريق أساليب باستخدام تعلم الآلة وبرمجوها بنجاحٍ على الحاسوب الفائق تيانهي Tianhe-2.
يغطي السجل الزمني الأحفوري 300 مليون سنة إجمالاً، منذ بدء العصر الكامبري Cambrian period قبل 540 مليون سنة وحتى قبل بداية العصر الترياسي Triassic period نحو 340 مليون سنة .
وللتشبيه، يوازي التدقيق المُطوّر هذا الانتقال من النظر إلى جميع البشر الذين عاشوا في القرن الزمني نفسه على أنهم معاصرون لبعضهم، إلى النظر إلى البشر الذين عاشوا خلال فترة الستة أشهر نفسها على أنهم من الحقبة الزمنية نفسها.
يقول ريتشارد بامباخ Richard Bambach، عالم الأحافيرالمتقاعد حالياً والذي جادل عام 2004 في ورقة بحث على عدم حدوث انقراضٍ كبير في العصر الديفوني: “إن الانحسار في معدل التنوع البيولوجي أبان منتصف العصر الديفوني الأخير لا يزال واضحاً جدا، غير أنه ممتدٌّ على عبر فترة زمنية طويلة وليس محصوراً في انقراض كبير واحد … وهذا يتوافق مع الاستنتاج الذي طرحته”.
إن فكرة وجود خمسة انقراضات كُبرى أبادت أغلب أنواع النباتات والحيوانات على الأرض طُرِحَت أول مرة في ورقة بحثٍ علمي نُشرت في عام 1982. وقد اقترحت الدراسات اللاحقة انقراضات تتراوح من 3 إلى 20 انقراضا.
وليس لدينا تعريف رسمي للانقراض الكبير، ولذا فهناك مدى واسع للاختلاف. ولكن، قد يتفق أغلب البيولوجيين على أنها تضمنت زيادة كبيرة في انقراض الأنواع على مدى زمني قصيرٍ نسبياً. وعلى سبيل المثال، فمع انتهاء العصر البيرميني Permian period قبل نحو 250 مليون سنة، انقرضت معظم الأنواع في 63 ألف سنة فحسب، كما أظهر آخر تحليل .
وفي عام 2004 أيضاً افترض بامباخ عدم حدوث انقراض كبير مع نهاية العصر الترياسي، ولكن لم تظهر الأدلة الأفضل الداعمة لافتراضه هذا إلا بعد سنوات، كما يقول هو وإروين.
ويقول إروين: “الانقراض الكبير الوحيد المشكوك فيه هو انقراض العصر الديفوني، أي أنّ هناك أربعة انقراضات كُبرى وليس خمسة”.
© 2020, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC