أجهزة الكشف العملاقة قد تسمع همهمةً من جميع أنحاء الكون
تنافس التصاميم الأمريكية والأوروبية
بقلم: أدريان تشو
ترجمة: مي بورسلي
قبل خمس سنوات فقط فتح الفيزيائيون نافذة جديدة على الكون عندما اكتشفوا لأول مرة موجات الجاذبية Gravitational waves؛ تموجات في الفضاء نفسه تصدر عن تصادم ثقوب سوداء Black holes ضخمة أو نجوم نيوترونية Neutron stars ببعضها. حتى مع زيادة الاكتشافات، يخطط الباحثون بالفعل لكاشفات Detectors أكبر وأكثر حساسية. وظهر نوع من التنافس الشبيه بتنافس فورد Ford وفيراري Ferrari، إذ اقترح العلماء في الولايات المتحدة ببساطة كواشف أكبر، بينما يخطط الباحثون في أوروبا لإعادة تصميم جذرية.
تقول جوسلين ريد Jocelyn Read، الاختصاصية بعلم الفيزياء الفلكية من جامعة ولاية كاليفورنيا California State University في فولرتون، والتي تعمل تحت مظلة جهود الولايات المتحدة: “في الوقت الحالي نحن نرصد فقط الأحداث النادرة وعالية الشدة، ولكن هناك الكثير من الأحداث الأخرى التي تتردد همهماتها عبر الكون”. يأمل الفيزيائيون بتشغيل أجهزة الكشف الجديدة في ثلاثينات القرن الواحد والعشرين، مما يعني أنه يتعين عليهم البدء بالتخطيط فورًا، كما يقول ديفيد ريتز David Reitze، الفيزيائي من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا California Institute of Technology (اختصارا: المعهد كالتك Caltech). ويتابع قائلا: ” أَسَرَت اكتشافاتُ موجات الجاذبية العالمَ، لذا حان الوقت الآن للتفكير فيما سيحدث بعد ذلك”.
أجهزة الكشف الحالية أدواتها على شكل حرف L وتسمى بمقياس التداخل Interferometer (انظر: الرسم البياني). ويرتد ضوء الليزر بين المرايا المعلقة على أي من طرفي كل ذراع، ويتسرب جزء منه ليلتقي عند انحناء الذراع L. وهناك يتداخل الضوء بطريقة تعتمد على أطوال الذراعين النسبية. وبمراقبة هذا التداخل، فإن الفيزيائيين يتمكنون من اكتشاف موجة جاذبية عابرة، والتي ستجعل أطوال الذراعين تتأرجح بأطوال مختلفة.
ولكبح الاهتزازات الأخرى، فإنه يجب وضع مقياس التداخل في حجرة مفرغة وتعليق المرايا الثقيلة من أنظمة تعليق معقدة. ولاكتشاف التمدد الضئيل للمكان، يجب أن تكون ذراعي مقياس التداخل طويلة. وفي مرصد قياس موجات الجاذبية بالتداخل الليزري Laser Interferometer Gravitational-Wave Observatory (اختصارا: المرصد لايغو LIGO)؛ الجهازان التوأم في ولايتي لويزيانا وواشنطن اللتين رصدتا أول موجة جاذبية من ثقبين أسودين يدوران حول بعضهما البعض، يبلغ طول الذراعين 4 كيلومترات. ولدى كاشف فيرغو Virgo detector الأوروبي في إيطاليا أذرع يبلغ طولها ثلاثة كيلومترات. فعلى الرغم من أحجام أجهزة الكشف، فإن موجة الجاذبية تغير الأطوال النسبية لأذرعها بما يعادل ما هو أقل من عرض بروتون واحد.
والعشرات من عمليات اندماج الثقوب السوداء التي اكتشفها المرصدان LIGO و Virgo قد أظهرت أن الثقوب السوداء ذات الكتلة النجمية Stellar-mass؛ التي تنشأ عندما تنهار النجوم الضخمة إلى نقاط، تتنوع في الكتلة أكثر مما توقعه باحثو الفيزياء النظرية (Science ، 6 November 2020 ، p.648). وفي عام 2017 قدم المرصدان LIGO وVirgo كشفًا آخر، إذ اكتشفوا نجمين نيوترونيين يدوران حول بعضهما البعض وينبهان علماء الفلك لموقع الاندماج في السماء. ففي غضون ساعات، درست التلسكوبات من جميع الأنواع الحدث “كيلونوفا” Kilonova الناتج، ورصدت الكيفية التي ولّد فيها الانفجارُ عناصرَ ثقيلة غزيرة (Science, 20 October 2017, p. 282).
ويرغب الباحثون الآن في كاشف أكثر حساسية بعشر مرات، ويقولون إنه سيكون له إمكانات جبارة. ويمكن أن يكتشف جميع عمليات اندماج الثقوب السوداء داخل الكون المرئي، بل يعود إلى الوقت الذي سبق النجوم الأولى للبحث عن الثقوب السوداء البدائية التي تشكلت في الانفجار الكبير Big bang. ويجب أن تكتشف أيضًا المئات من الكيلونوفا، وتكشف عن طبيعة المادة فائقة الكثافة Ultra-dense matter في النجوم النيوترونية.
إن رؤية الولايات المتحدة لمثل آلة الأحلام هذه بسيطة. إذ يقول ريد، الذي يساعد على تصميم الكاشف الكوزموسي Cosmic Explorer، وهو مقياس تداخل بأذرع بطول 40 كيلومترًا: “سنجعله كبيرًا جدا”. ويقول باري باريش Barry Barish، الاختصاصي بعلم الفيزياء من المعهد Caltech الذي قاد عملية بناء المرصد LIGO: إن “التصميم الشبيه باستخدام قاطع الكعك Cookie cutter design لإعداد المزيد من الشيء نفسه دون اختلافات بين القطع” قد يُمكّن الولايات المتحدة من توفير أجهزة كشف متعددة ومتباعدة على نطاق واسع، مما سيساعد على تحديد المصادر في السماء كما يفعل المرصدان LIGO وVirgo الآن.
أما موضَعة مثل هذه الأذرع العملاقة؛ فقد يكون أمرًا صعبًا. إذ يجب أن تكون الأذرع التي يبلغ طولها 40 كيلومترًا مستقيمة، لكن الأرض مستديرة. فإذا استقرت زاوية الحرف L على الأرض، فقد تحتاج أطراف مقاييس التداخل إلى الاستقرار على حواجز بارتفاع 30 مترًا. لذلك يأمل الباحثون الأمريكيون بالعثورعلى مناطق تشبه السلطانية Bowl-like التي قد تستوعب الهيكل بشكل أكثر طبيعية.
وفي المقابل، يتصور الفيزيائيون الأوروبيون مرصدًا واحدًا لموجات الجاذبية تحت الأرض، يسمى تلسكوب آينشتاين Einstein Telescope (اختصارا: التلسكوب ET)، سيقوم بكل ما هو مطلوب. ويقول ميشيل بونتورو Michele Punturo، الاختصاصي بعلم الفيزياء من المعهد الوطني الإيطالي للفيزياء النووية National Institute for Nuclear Physics في بيروجيا والرئيس المشارك للجنة التوجيهية للتلسكوب ET: “نريد تحقيق بنية تحتية قادرة على احتضان جميع التطورات من أجهزة الكشف لمدة 50 عامًا القادمة”.
والتلسكوب ET سيتألف من عدة مقاييس تداخل على شكل حرف V بأذرع طولها 10 كيلومترات، مرتبة في مثلث متساوي الأضلاع عميقًا تحت الأرض للتخلص من تأثير الاهتزازات. ومع مقاييس التداخل الموجهة إلى ثلاثة اتجاهات، يمكن أن يحدد التلسكوب ET استقطاب موجات الجاذبية، الاتجاه الذي تمدد فيه المكان، للمساعدة على تحديد مواقع المصادر في السماء واستكشاف الطبيعة الأساسية للموجات.
وسوف تحتوي الأنفاق في الواقع على مجموعتين من مقاييس التداخل. والإشارات التي اكتشفها المرصدان LIGO وVirgo كانت عند ترددات تتراوح من 10 إلى 2000 دورة في الثانية وكانت تزداد شدتها أثناء دوران الجرمين حول بعضهما البعض. ولكن التقاط ترددات أقل لبضع دورات فقط في الثانية سيفتح عوالم جديدة. ولاكتشافها، فإن مقياس التداخل الثاني الذي يستخدم ليزرًا منخفض الطاقة ومرايا مبردة إلى ما يقرب من الصفر المطلق سوف يستقر في كل زاوية من التلسكوب ET. (مثل هذه المرايا مستخدمة بالفعل في كاشف كاميوكا الياباني لموجات الجاذبية Kamioka Gravitational Wave Detector (اختصارا: الكاشف KAGRA) بأذرع طولها ثلاثة كيلومترات ويسعى جاهدًا إلى اللحاق بالمرصدين LIGO وVirgo).
وبالنزول إلى ترددات أقل، يمكن أن يكتشف التلسكوب ET اندماج الثقوب السوداء ذات كتل تعادل مئات أضعاف كتلة الشمس. يمكن أيضًا أن تلتقط أزواج النجوم النيوترونية قبل ساعات من اندماجها فعليًا، مما يعطي علماء الفلك تحذيرًا مسبقًا عن قرب انفجارات الكيلونوفا، كما تقول ماريكا برانتشسي Marica Branchesi، الاختصاصية بعلم الفلك من معهد غران ساسو للعلوم Gran Sasso Science Institute في إيطاليا، وتقول: “إن الانبعاث المبكر [للضوء] مهم جدا، لأن هناك الكثير من الفيزياء “.
ويقول بونتورو إن التلسكوب ET قد يكلف 1.7 بليون يورو، بما في ذلك 900 مليون يورو للأنفاق والبنية التحتية الأساسية. ويفكرالباحثون في موقعين، أحدهما بالقرب من مكان التقاء بلجيكا وألمانيا وهولندا والآخر في جزيرة سردينيا. فالخطة قيد المراجعة من منتدى الاستراتيجية الأوروبي حول البنى التحتية البحثية European Strategy Forum on Research Infrastructures، والذي قد يضع التلسكوب ET على قائمة مهامه لهذا الصيف. ويقول بونتورو: “هذه خطوة سياسية مهمة”، لكنها ليست الموافقة النهائية للبناء.
غير أن اقتراح الولايات المتحدة أقل نضجًا. فيقول باريش إن الباحثين يسعون إلى الحصول على دعم من مؤسسة العلوم الوطنية National Science Foundation بقيمة 65 مليون دولار لأعمال التصميم، وذلك للتوصل إلى اتخاذ قرار حول الآلة التي تبلغ تكلفتها بليون دولار في منتصف عام 2020. ويأمل الفيزيائيون بتشغيل كلًّ من الكاشف Cosmic Explorer والتلسكوب ET في منتصف عام 2030، في الموعد نفسه الذي تحدد لتشغيل الهوائي الفضائي لمقياس التداخل الليزري Laser Interferometer Space Antenna، وهو عبارة عن كوكبة من ثلاث مركبات فضائية تفصل بينها ملايين الكيلومترات والتي ستلتقط موجات الجاذبية ذات الترددات المنخفضة جدا التي تصدرها الثقوب السوداء فائقة الكتلة الموجودة في مراكز المجرات.
الدفع لكاشفات موجات الجاذبية ليس بالضرورة منافسة. إذ يقول ستيفان هيلد Stefan Hild، الاختصاصي بعلم الفيزياء من جامعة ماستريخت والذي يعمل على التلسكوب ET: “ما نريده حقًا هو أن يكون لدينا التلسكوب ET والكاشف Cosmic Explorer، بل في الوضع المثالي، كاشف ثالث له حساسية مماثلة”. إلا أن ريتز يشير إلى أن التوقيت والتكلفة يمكن أن ” يدفع نحو التقارب والبساطة في التصاميم. “بدلاً من فورد وفيراري، ربما سينتهي علماء الفيزياء ببناء عدد قليل من سيارات أودي.
صائدو الموجات
عندما تدور الأجرام الضخمة مثل الثقوب السوداء حول بعضها البعض بسرعة تعادل نصف سرعة الضوء، فإنها تبعث تموجات في الفضاء تسمى موجات الجاذبية. وستتمدد أذرع مقياس التداخل بكميات مختلفة بفعل الموجة العابرة، مما تنتج منه إشارة ضوئية تتشوه بالتزامن مع الموجة.
©2021, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved