جميع الانقراضات الخمسة الكبرى على وجه الأرض ارتبطت بالاحترار العالمي
بقلم: كولن باراس
ترجمة: محمد قبازرد
لربما كان الانقراض الثاني الأكبر والأشد في تاريخ الأرض قد حفَّـزه الاحترار العالمي Global warming. ويعني هذا الاكتشاف العلمي، ولأول مرة، أن جميع الانقراضات الكبرى المعروفة قد تُعزى إلى الارتفاع السريع في درجة حرارة الكوكب.
ويقول آندرو كير Andrew Kerr، من جامعة كارديف Cardiff University في المملكة المتحدة: “هذه الفرضية تُتمّم اللغز الناقص من جوانبَ عدّة”. ويعيّن الجيولوجيّون خمس حِقَب من الزمن أُبيدَت خلالها أعداد هائلة من الأنواع Species الحية، على الرغم من أن الدراسات الحديثة تشير إلى أنّ واحدةً من هذه الحِقَب الخمس ربما كانت ذات مسار بطيء جداً لا يؤهّلها لتُصنَّف كظاهرة انقراضٍ عظيمة.
غير أن ثاني أكبر ظاهرة انقراضٍ كبرى من هذه الحِقَب الخمس، وهي ما تُعرَف بالانقراض الأوردوفيسي الأخير The late Ordovician Extinction قبل قُرابة 445 مليون سنة، قد بدت مختلفةً على الدوام. إذ تزامنت غيرها من ظواهر الانقراض الخمس ، بخِلافها هي، مع نشاطٍ بركاني شديد غطى ملايين الكيلومترات المربعة مع انهيال حمم بركانية كوّنت معلماً أرضياً على سطح الكوكب بحزام الحمم الصخري سمي Large igneous province .
حفّز النشاط البركاني، في كل حالة، الاحترار العالمي الذي تداخل بدوره مع ظواهر الانقراض. ولكن يبدو، على النقيض من ذلك، أن الانقراض الأوردوفيسي هذا تزامن جزئياً مع أجواءٍ من التبريد العالمي Global cooling.
يعتقد ديفيد بوند David Bond، الباحث من جامعة هال University of Hull في المملكة المتحدة، أن الأمر لم يكن مختلفاً كثيراً. أخذ بوند بالتعاون مع زميله ستيفن غراسبي Stephen Grasby، من مركز كندا الجيولوجي Geological Survey of
Canada، عيناتٍ من قاع بحرٍ تكونت صُخور قاعه وتشكّلت وحُفِظَت بعناية أثناء الحقبة الأوردوفيسية الأخيرة في أسكتلندا. ووجدا ارتفاعاً في معدّل عنصر الزئبق Mercury في الصخور التي شُكِّلَت قبل وأثناء الانقراض آنذاك.
تصفُ غيرتا كيلير Gerta Keller، من جامعة برينستون Princeton University، هذا الكشفَ العلمي قائلة: “يا لها من إضافة إيجابية لحكاية الانقراض الكبير هذه، إذ إنها تربط الآن كل الانقراضات الكبرى الفائتة بظاهرة الفورات البركانية والحزام الصخري الصلب الناتج منها”.
يرى بوند أنه كان يمكن لهذا الكشف أن يؤدي إلى الاحترار العالمي الذي سخّن مياه المحيطات وقلّل قدرتها على الاحتفاظ بالأكسجين المذاب مما خنق الحياة البحرية. وهذا بدوره قد يفسر سبب احتواء صخور أسكتلندا على نسبٍ عاليةٍ من اليورانيوم Uranium ، إذ يترسب هذا العنصر خارج مياه البحر ويتراكم بالتدريج على قيعان البحر حين تفقد المحيطات ما لديها من أكسجين.
ومن الغرابة، تزامن مع تلك الفترة البركانية أيضاً تبريدٌ عالمي. ويزعم بوند أن هذا التبريد الكوني استهل دورته كما لو أنه ابتدأ فوراً بُعَيْدَ خمود النشاط البركاني الملتهب والاحترار العالمي اللذين تسببا بالانقراض الكبير. ويقول بوند: “كل شيءٍ اتّسق توافُـقاً” على الرغم من أنه يُسلّم بأن السيناريو الجديد للانقراض الكبير سيكون جدلياً.
ويبقى تشارلز ميتشل Charles Mitchell، الباحث من جامعة بوفالو University at Buffalo في نيويورك، مقتنعاً بالفرضية التي تنصَ على أنه من الممكن للتبريد العالمي وما صاحبه من التجمد Glaciation الشديد للكوكب كان قد بدأ قبل تلك الحِقبة البركانية، ولربّما قد ساهما في الانقراض الكبير. غير أنه لا يستبعد أن يكون النشاط البركاني والاحترار العالمي قد أديا دوراً ما فيما بعد في مراحل الانقراض الأخيرة . ويضيف قائلا: “تحتاج إلى وسيلةً ما لإنهاء التثلج ، ويمكن للاحترار العالمي الناتج من حزام الحِمم الصخري أن يفعل ذلك”.
وكير متحمّسٌ كثيرا، فقد جادل طويلاً في أن النشاط البركاني وما صاحبه من تأثيرات كالاحترار العالمي هي المحركات الأساسية لما آل إليه الكوكب من انقراض كبير.
ويقول كير إن الكشف العلمي يُفضي إلى احتمال وجود ظرفٍ ما غريب غير مألوف دوناً عن غيره من الظروف التي أدت إلى ظواهر الانقراض الكبرى التي شهدتها الأرض: تماماً كالظرف الذي نمر فيه حاليا وهو أيضا نتيجة للاحترار، إلا أن غاز ثاني أكسيد الكربون المسؤول عن ذلك كان من إنتاجنا نحن – البشر- وليست البراكين.
© 2020, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC