أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
اتخاذ القراربيانات

ما يخطئ القادة في فهمه بخصوص القرارات الموجهة بالبيانات

إن التركيز على ما يمكنكم تعلمه من البيانات المتوفرة، بدلاً من القرار الذي تحتاجون إلى اتخاذه، يحدّ من قيمة التحليلات.

إذا سألتم أي رئيس تنفيذي رئيسي CEO عن الممارسات الإدارية الجيدة اليوم، فإن اتخاذ القرارات الموجهة بالبيانات سيكون من الأمور البازرة دوما. اليوم، تمتلك الشركات بيانات أكثر من أي وقت مضى، لكن العديد من المسؤولين التنفيذيين يقولون إن مبادراتهم الخاصة لتحليل البيانات Data analytics لا توفر رؤي عميقة قابلة للتنفيذ، وأن تحليل البيانات عموما ينتج نتائج مخيبة للآمال.((“Closing the Data Value Gap,” white paper, Accenture, Dublin, 2019.))

وفي الممارسة العملية، كثيراً ما يعتمد اتخاذ القرارات المدعوم بالبيانات على العثور على غرض للبيانات المتاحة. فالشركات تبحث عن سبل لاستخلاص قيمة من البيانات المتاحة، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن محللي البيانات يجيبون عن الأسئلة الصحيحة. إلا أن ذلك لا يحمي ضد تأثير المعتقدات المُسبَّقة أو الحوافز.

والحل بسيط: بدلاً من العثور على غرض للبيانات، ابحث عن بيانات للغرض. ونسمي هذا النهج تحليلات البيانات الموجهة بالقرارات Decision driven data analytics.

”الموجه بالبيانات“ كثيراً ما يعني الإجابة عن السؤال الخطأ

سنستخدم بعض الشركات الوهمية لإثبات وجهة نظرنا. لنبدأ بإدارة العلاقات مع العملاء في رولينغ بولدر RollingBoulder، وهي شركة إعلامية Media company بنموذج الأعمال قائم على الاشتراكات Subscription-based business model. ويستطيع عملاء رولينغ بولدر تجديد عضويتهم السنوية من خلال الاستجابة لرسالة التجديد التي يتلقونها عندما تكون عضويتهم على وشك الانتهاء. ولتقليل استنزاف العملاء Customer attrition، تضيف المؤسسة في بعض الأحيان هدية إلى هذه المراسلات.((RollingBoulder is modeled after a company described in E. Ascarza, “Retention Futility: Targeting High-Risk Customers Might Be Ineffective,” Journal of Marketing Research 55, no. 1 (February 2018): 80-98.))

وعلى مر السنين، طوّرت رولينغ بولدر قاعدة بيانات غنية تصف العملاء السابقين والحاليّين وفق مختلف الأبعاد، مثل الموقع ومدة العضوية واستخدام الموقع الإلكتروني والسلوك. وطورت الشركة خوارزمية توقعية متطورة تستخدم هذه المعلومات لقياس احتمال عدم تجديد عضو مستمر في الاشتراك، ومن ثم ترسل هدايا إلى العملاء المعرضين إلى خطر ألا يجددوا الاشتراك.

هذا النهج الموجه بالبيانات لإدارة تردد العملاء في التجديد هو أفضل ممارسة في الصناعة، لكنه معيب.((“Customer Attrition,” accessed Nov. 3, 2020, https://en.wikipedia.org.)) ولكي نفهم السبب، فلننظر في السؤال المركزي الذي تتعامل معه الشركة عند إجراء هذا التحليل: ”إلى أي مدى من المحتمل أن عدم تجديد العميل الاشتراك؟“ هذه معلومات قيمة. مثلاً، هي تسمح للشركة بالتنبؤ بتوقعات حول قيمة قاعدة عملائها. غير أنها لا تعالج المسألة ذات الصلة هنا: ”ما تأثير تضمين هدية في تغيير احتمال عدم تجديد العميل للاشتراك Customer churn؟“ لا يمكن الإجابة عن هذا السؤال استناداً إلى البيانات التي جمعتها الشركة بالفعل والتي تتطلب مزيداً من جمع البيانات وتحليلها.

فاتخاذ القرارات الموجهة بالبيانات يعتمد على البيانات المتاحة. وهذا كثيراً ما يدفع متخذي القرارات إلى التركيز على السؤال الخطأ. تحليلات البيانات الموجهة بالقرارات تنطلق من تعريف صحيح للقرار الذي يجب اتخاذه والبيانات المطلوبة لاتخاذ ذلك القرار.

غالباً ما تعني عبارة ”موجه بالبيانات“ تعزيز المعتقدات الموجودة مسبقاً

لنأخذ حالة غوين وجينيز Gwenn & Jenny’s، الشركة الوهمية لبيع الآيس كريم التي تريد أن تعرف كيف تؤثر إعلاناتها في تويتر Twitter في المبيعات. تقدم وسيلة التواصل الاجتماعي عملية إحالة (إسناد/عزو) Attribution process تتألف من ثلاث خطوات لتقييم تأثير المبيعات في الإعلانات.((“About Measuring Sales Impact,” Twitter, accessed Nov. 3, 2020, https://help.twitter.com.)) أولاً، تقدم جهة وساطة البيانات Data broker -مثل داتالوجيكس Datalogix – بيانات تعريف عملاء غوين وجينيز (مثل ملفات تعريف ارتباط المتصفح Browser cookies، وعناوين البريد الإلكتروني، وأرقام الهاتف) إلى تويتر. بعد ذلك، يبحث موقع تويتر عن هؤلاء العملاء في سجلاته، ويضيف، في حال وجود تطابق، معلومات حول أنشطة هؤلاء العملاء على المنصة Platform (مثل ما إذا كانوا شاهدوا تغريدات العلامة التجارية أو نقروا عليها). وأخيراً، يقارن محللون بين قرارات الشراء التي اتخذها العملاء الذين تفاعلوا مع العلامة التجارية لغوين وجينيز على تويتر وبين قرارات الشراء التي اتخذها عملاء لم يفعلوا ذلك.

ويكشف هذا النهج -باستمرار- عن اختلافات صارخة بالنسبة إلى علامة تجارية: العملاء الذين شاهدوا علامة تجارية على موقع تويتر يزورون متاجر الشركة ويتفاعلون معها بشكل متكرر، وينفقون مزيداً من المال في كل زيارة. وتدعم وجهة النظر -التي تؤكد أن هذه البيانات تشير إلى أن الإعلان على وسائل التواصل الاجتماعي يؤثر تأثيرا كبيرا في المبيعات- نموذجَ أعمال تويتر. وهي متوافقة أيضاً مع معتقدات العملاء بأن الإعلانات على وسائل الإعلام الاجتماعية تنجح وأن قياس فاعليتها أمر سهل.

وباعت تويتر عمليتها ذات ثلاث خطوات للعديد من الشركات. إلا أننا نستخدمها كمثال نضربه على اتخاذ القرارات المعيبة الموجهة بالبيانات.

ومقارنة العملاء الذين شاهدوا محتوى العلامة التجارية بالعملاء الذين لم يروا المحتوى تشبه مقارنة التفاح بالبرتقال. فهؤلاء العملاء يختلفون عن بعضهم البعض بعدة طرق. فعملاء غوين وجينيز الأشد إخلاصاً من المرجح أن يتفاعلوا مع العلامة التجارية على تويتر، ومن المرجح أكثر أيضاً أن يشتروا العلامة التجارية. لكنهم لا يشترون لأنهم رأوا العلامة التجارية تظهر في قائمة أخبار تويتر Twitter feed التي يتتبعونها. بل هؤلاء العملاء المخلصون يشترون لأنهم يحبون المنتج، ولهذا السبب يتابعون أيضاً العلامة التجارية على وسائل التواصل الاجتماعي – وليس العكس. ويبالغ نهج تويتر مبالغة كبيرة في مدى تأثير الإعلانات في المبيعات.

إن اتخاذ القرارات الموجهة بالبيانات يُمكِّن مزوّدي البيانات وعلماء البيانات. ويتمثل الخطر هنا في أن متخذي القرارات سيركزون على البيانات التي تتفق مع معتقداتهم المسبَّقة ويعتقدون بها من دون أي تشكيك في صحتها.

الانتقال إلى تحليلات البيانات الموجهة بالقرارات

للانتقال إلى نهج تحليل البيانات الموجه باتخاذ القرارات، يتعين على الشركة أن تبدأ بتحديد القرارات الرئيسية للشركة والأشخاص الذين يتخذونها والعثور على البيانات لغرض معين بدلاً من البحث عن غرض للبيانات المتاحة.

وحين نخبر المسؤولين التنفيذيين عن النهج الموجه بالقرارات، يسارع البعض إلى الإشارة إلى مشكلة محتملة. ويحذرون من أن متخذي القرارات الذين يستخدمون البيانات لدعم قرار متخذ يقعون فريسة الانحياز التأكيدي Confirmation bias. لكن هذا ليس ”تحليلات بيانات موجهة بالقرارات“ Decision-driven data analytics. بل هي ”تحليلات بيانات موجهة بالتفضيلات“ Preference-driven data analytics، وقد تكون أسوأ طريقة لاتخاذ القرارات – لكنها مع الأسف طريقة شائعة جداً.

للتحول إلى ”تحليلات البيانات الموجهة بالقرارات“ وتجنب مطب ”التوجيه بالتفضيلات“، يمكن للقادة اتخاذ ثلاث خطوات مهمة. أولاً، من مسؤولية متخذي القرارات وضع مجموعة نظر ضيقة من مسارات العمل المختلفة. ثانياً، إن مسؤولية تحديد البيانات المطلوبة لمعرفة مسار العمل الأفضل هي مسؤولية مشتركة لمتخذي القرارات وعلماء البيانات Data scientists. والخطوة الثالثة هي اختيار أفضل مسار للعمل الأفضل.

تُتخَذ العديد من القرارات بعد التفكير في مسار عمل واحد فقط، ما قد يلحق الضرر بجودة اتخاذ القرارات. والتفكير على نطاق واسع يعني توليد العديد من مسارات العمل البديلة.

الخطوة 1: عرِّف مسارات العمل البديلة Identify the alternative courses of action. على متخذي القرارات البدء بالتفكير ”على نطاق واسع ثم على نطاق ضيق“. فكثير من القرارات تُتخَذ تلقائياً، بعد النظر في مسار عمل واحد فقط. وهذا يمكن أن يضر بجودة اتخاذ القرارات. ويعني التفكير على نطاق واسع Thinking wide توليد العديد من مسارات العمل البديلة. لتوضيح ذلك، لنعد إلى رولينغ بولدر. إذا كان هدف الأعمال زيادة قيمة قاعدة عملائها Customer base، تكون هدية الشكر لتقليل انهاء الاشتراك مساراً من عدة مسارات عمل ممكنة. ويمكن للشركة أيضاً تحسين تنمية (تطوير) العملاء Customer development (من خلال بيع مزيد من الخدمات نفسها أو بيع خدمات إضافية، مثلاً)، أو الاستثمار للحصول على عملاء إضافيين (من خلال الترويج للمبيعات، مثلاً)، أو تحسين المحتوى التحريري (ربما من خلال توظيف كتّاب جدد).

لكن كثيراً من البدائل يمكن أن أن تجعل المشكلة مستعصية على التغيير من منظور الإدارة وتحليل البيانات. ويعني التفكير على نطاق ضيق Thinking narrow أن متخذي القرارات يستخدمون حكمهم لغربلة مسارات العمل. مثلاً، قد تدرك مديرة علاقات العملاء في رولينغ بولدر أن تحسين المحتوى التحريري يقع خارج نطاق مسؤولياتها.

ومن خلال التفكير في اتخاذ القرار ”على نطاق واسع ثم على نطاق ضيق“، يزيد متخذو القرارات من احتمالات أن تتضمن مجموعة الاعتبارات النهائية مساراتِ عمل عالية الجودة وقابلة للتنفيذ.

الخطوة 2: حدِّد البيانات المطلوبة لوضع ترتيب لمسارات العمل البديلة Determine what data is needed to rank alternative courses of action.

يتلخص هدف تحليلات البيانات في تحويل المجهول إلى معلوم حتى يصبح من الممكن ترتيب مسارات العمل البديلة ترتيبا أكثر موضوعية؛ فالبدء بالقرار نفسه يلفت الانتباه إلى المجهول.

يحتاج متخذو القرارات وعلماء البيانات إلى وضع معايير Criteria للتمييز بين مسارات العمل البديلة -المختارة في الخطوة الأولى- ووضع ترتيب لها. ويتلخص هدف تحليلات البيانات في تحويل المجهول إلى معلوم حتى يصبح من الممكن ترتيب مسارات العمل البديلة ترتيبا أكثر موضوعية.

إن البدء من القرار المرغوب يلفت الانتباه إلى المجهول، وهذا يشكل ميزة كبرى. إذ يوضح على الفور أن هناك حدودا لما يمكن أن يكون معروفاً، وأن معالجة المجهول يمكن أن تنتهي بطرق مختلفة عديدة. مثلاً، إذا قلتم للأشخاص إن إنتربراند Interbrand قررت أن العلامة التجارية ماستركارد Mastercard تساوي 11 بليون دولار وتحل في المرتبة الـ57 في العالم، سيقبل معظم الأشخاص هذه النقطة والترتيب من دون جدال.((“Best Global Brands,” Interbrand, accessed Nov. 3, 2020, https://interbrand.com.)) ولكن إذا سألتم الأفراد عن القيمة التي يعتقدون أن العلامة التجارية لماستركارد تستحقها، سيدرك الأغلبية أنه لا يمكن قياس قيمة العلامة التجارية كمياً إلا بشكل غير مثالي وبطرق متنوعة. وهم على حق. طبقاً لتقديرات كانتار ميلوارد براون Kantar Millward Brown فإن قيمة العلامة التجارية لماستركارد تعادل 108 بلايين دولار (في المرتبة الـ10 عند مستوى العالم)، وتقدر براند فاينانس Brand Finance قيمتها بنحو 19.8 بليون دولار (المرتبة الـ86 عند مستوى العالم).((“BrandZ Top 100 Most Valuable Global Brands 2020,” BrandZ (June 30, 2020); and “Global 500 2020,” Brand Finance (January 2020).)) وهكذا، يُظهِر لنا ”البدء من المجهول“ أن العالم معقد وغير مؤكد.

ولا تتعلق ”تحليلات البيانات الموجهة بالقرارات“ بجمع أكبر قدر ممكن من البيانات. ومن الأهمية بمكان أن نضع في الحسبان قيمة البيانات. وإذا كنتم ستتخذون القرار نفسه قبل تحويل مجهول إلى معلوم كما ستفعلون بعد ذلك، فلا فائدة من المشاركة في جمع البيانات وتحليلها.

في كثير من الأحيان، تكون البيانات التي تُجمَع بغرض اتخاذ القرارات أكثر قيمة من البيانات المتاحة بالفعل. واضطررت رولينغ بولدر إلى اتخاذ قرار في شأن إضافة هدية إلى خطاب التجديد الموجهة إلى العميل. ولاتخاذ هذا القرار، احتاجت الشركة إلى معرفة كيف يؤثر إرسال هدية في احتمال عدم تجديد العميل للاشتراك. لا يمكن معالجة هذا السؤال بناءً على البيانات المتوفرة. هو يتطلب إجراء تجربة عشوائية مُحْكمة (مقارنة randomized controlled trial (أو اختصارا RCT، أو اختبار A/B): يُختَار العملاء عشوائياً للحصول على هدية أو عدم تلقيها، ثم تراقب الشركة العملاء الذين لا يجددون الاشتراك والعملاء الذين يبقون.

الخطوة 3: اختر مسارات العمل البديلة Select the best course of action. لا بد من أن تكون الخطوة الأخيرة سهلة. إذا نُفِّذت الخطوتان الأوليان كما يجب، فستكشف تحليلات البيانات عن أفضل مسار عمل.

في تحليل بيانات التجربة العشوائية المُحْكَمة، تعلمت رولينغ بولدر درساً مهماً. ونجحت الهدية في تقليل احتمال عدم تجديد بعض العملاء، لكنها أتت بنتائج عكسية بالنسبة إلى عملاء آخرين. فالعملاء الذين كانوا أقل ميلاً إلى عدم التجديد بالفعل من دون التدخل أصبحوا أقل ميلاً لعدم التجديد عندما استهدفهم التدخل. لكن العملاء الذين كان من المرجح ألا يجددوا من دون التدخل أصبحوا أكثر عرضة لعدم التجديد عند استهدافهم بالتدخل. وبعبارة أخرى، كانت الشركة تستهدف دوماً العملاء الخطأ على وجه التحديد، كما تفعل العديد من الشركات الأخرى التي تتبع بشكل أعمى ”أفضل الممارسات“ المتمثلة في استهداف العملاء ذوي المخاطر العالية.

ذات يوم قال بابلو بيكاسو: ”الحواسيب عديمة الجدوى. لا يمكنها أن تعطيكم سوى الإجابات“. وتؤكد ”تحليلات البيانات الموجهة بالقرارات“ على أهمية طرح الأسئلة ومن ثم أهمية الحكم الإداري. ويلفت هذا النهج الانتباه إلى المجهول وإلى قيمة جمع البيانات وتحليلها. والواقع أن الشركات والقادة الذين يتخذون هذا النهج يستفيدون من خلال ضمان ارتباط مبادرات التحليل بالعمل، ويركزون على الإجابة عن التساؤلات المهمة للمسؤولين التنفيذيين، ويتحدَّون معتقداتهم حول كيفية عمل العالم بدلاً من أن يعززوها.

بارت دو لانغهي Bart de Langhe

عالم سلوكي وأستاذ التسويق في جامعة رامون لول University Ramon Llull بإيساد ESADE.

ستيفانو بونتوني Stefano Puntoni

أستاذ التسويق في مدرسة روتردام للإدارة Rotterdam School of Management في جامعة إيراسموس Erasmus University ومدير مختبر علم نفس الذكاء الاصطناعي Psychology of AI Lab في مركز إيراسموس لتحليلات البيانات Erasmus Centre for Data Analytics. للتعليق على هذا الموضوع: https://sloanreview.mit.edu/x/62321.

Related Articles

Back to top button