فهمنا الذكاء خطأ – وهذا يهدد مستقبلنا
بقلم: روبرت جاي. سترنبيرغ
ترجمة: عبد الرحمن أياس
التركيز الضيق على معدل الذكاء IQ لتحديد النجاح يحرمنا من ذكاءات رئيسية في عملية اتخاذ القرار، كما يتضح في استجابتنا المتعثرة لمشكلات مثل كوفيد-19 وتغير المناخ
تخيلوا عالماً يكون فيه القبول في أفضل الجامعات، في أكسفورد أو كيمبريدج أو هارفارد أو ييل، مقتصرا على الأشخاص الطوال القامة جداً. سرعان ما سيستنتج طِوال القامة أنه من الطبيعي أن ينجح طوال القامة ويفشل قصار القامة.
هذا هو العالم الذي نعيش فيه. ليس مع الناس الأطول والأقصر (على الرغم من أن طوال القامة يحصلون في كثير من الأحيان على أفضلية). ولكن هناك مقياسا واحدا نميل من خلاله، في العديد من الأماكن، إلى تحديد من لديه إمكانية الوصول إلى أفضل الفرص ومقعد على أرفع طاولات اتخاذ القرار: ما نسميه الذكاء Intelligence. إذ إن من حُبيوا بالذكاء، يمتلكون – بحكم التعريف – ما يتطلبه الأمر، أليس كذلك؟
لقد فهمنا الأشياء بالمقلوب تماماً. والدرس المستفاد من الأبحاث التي أجريتها أنا والكثير من الآخرين على مدى عقود من الزمن هو أننا، من خلال الحوادث التاريخية، وضعنا تصوراً ضيقاً للذكاء ، ومشكوك فيه علمياً، ويخدم نفسه بنفسه، ويهزم نفسه بنفسه في نهاية المطاف. ونرى العواقب المترتبة على تعثر استجابة العديد من الدول لجائحة كوفيد-19، ومجموعة من المشكلات الأخرى مثل تغير المناخ، وزيادة التفاوت في الدخل، وتلوث الهواء والماء. وهكذا في العديد من المجالات، لم تقدم طرقنا في التفكير في الذكاء ورعايته حلولاً ذكية لمشكلات العالم الحقيقي.
نحتاج إلى طريقة أفضل. ولحسن الحظ، فإن نقطة البداية على الأقل واضحة. فبالعودة إلى فكرة للذكاء أكثر رسوخا علمياً، وإلى من لديه ذكاء عليها وكيف بدأنا برعايته في أنفسنا والآخرين، يمكننا البدء بإعادة تشغيل Reboot ذكائنا في صنع القرار وإعادة تشكيل عالمنا على نحو الأفضل.
في القرن الماضي أو نحو ذلك، قطع مفهومنا للذكاء شوطاً طويلا حتى وإن لم يكن بعيداً بما يكفي. تاريخياً، عُرِّف الذكاء ببساطة بأنه القدرة على التكيف مع البيئة. إذ يمكن للأشخاص الأذكياء التعلم والتفكير وحل المشكلات واتخاذ القرارات التي تناسب ظروفهم الواقعية.
هذا الذكاء “التكيفي” “Adaptive” intelligence يتكون من أشياء مختلفة في البيئات المختلفة. وفقاً لمكان وجودك في العالم أو نمط حياتك، قد يتمظهر في التفاوض حول جوانب حياة الحضرية أو البيئة الخاصة بمزرعة ريفية، أو في نهُج الصيد عبر الجليد أو استخدام الأدوية العشبية الطبيعية. فالذكاء التكيفي – بدلاً من الذكاء كشيء إما تمتلكه أو لا تمتلكه، ومغروس Hardwired في جيناتك – هو شيء يمكنك أن تتعلمه، وقد يتغير خلال الحياة. وهو يُحدَّث باستمرار من خلال تفاعلاتك مع بيئتك.
هذه الفكرة غريبة تماماً عن الطريقة الحديثة والغربيّة للتفكير في الذكاء، لكن مَنْ فهمها بوضوح ألفريد بينيه Alfred Binet المبدع المشارك لأول اختبار ذكائي حديث. وفي عام 1905 نُشر هذا الاختبار في فرنسا وتُرجِم إلى اللغة الإنجليزية بعد بضع سنوات. واعتقد بينيه بأن الذكاء قابل للتعديل، وأراد خدمة الأطفال والمدارس بتحديد أولئك الأطفال الذين لم يستجيبوا جيدا للتعليم النظامي، لكنهم كانوا يحتاجون بدلاً من ذلك إلى تعليم خاص. وكان ينوي إدخال “تربية الصغار” Orthopaedics العقلية لمساعدة الأطفال على أن يكونوا أكثر ذكاءً وتتاح لهم الفرص، بغض النظر عن الطبقة الاجتماعية. ففي عام 1911 تُوفِّي بينيه ولم يعش لتطوير فكرته كاملة. وسرعان ما تتدخل قانون العواقب غير المقصودة.
لقد كانت أنواع الاختبارات الرائدة في تلك الأيام الأولى تقيس مهارات الذاكرة ومجموعة ضيقة من المهارات التحليلية: أشياء مثل تذكر المفردات، وسرعة معالجة المعلومات، والقدرة على تنفيذ العمليات العددية وسلسلة الأرقام الكاملة، والتصور المكاني وما شابه ذلك.
وبدأت الأمور تخرج عن مسارها عندما اعتمد باحثو الذكاء تقنية رائدة من قبل عالم النفس الإنجليزي المتميز تشارلز سبيرمان Charles Spearman. وفي عام 1904 كان قد اكتشف أن نتائج الاختبارات المختلفة التي كان يستخدمها لقياس القدرات العقلية تميل إلى الارتباط ببعضها البعض – إذا سجلت درجة عالية في اختبار، فإن أداءك يكون جيدا فيها كلها. وفسر ذلك على أنه يوحي بأن الاختبارات كلها تُقَاس إلى حد كبير بالشيء نفسه: هو رقم أطلق عليه اسم “الذكاء العام” General intelligence. واعتقد أن الاختلافات في الذكاء العام ناجمة عن مستويات مختلفة من “الطاقة العقلية”Mental energy ، أياً كان ذلك، أو أياً يكون.
وهكذا، ولدت فكرة الذكاء باعتبارها رقماً واحداً غير متحرك إلى حد كبير، وهذا هو المبدأ التوجيهي لاختبارات الذكاء IQ حتى يومنا هذا. فلم تكن الارتباطات التي وجدها العديد من الباحثين بين اختبارات بينيه والأداء الأكاديمي مفاجئة جدا: ففي المحصلة، أنشأ بينيه اختباراته باستخدام أنواع أكاديمية من المشكلات لتوقع الأداء الأكاديمي في إطار التعليم النظامي. ولكن هذه الارتباطات تعني أن العديد من المُختَبرين لم يبذلوا قط جهداً جاداً بالكامل لقياس بُنيات القدرة الأخرى الأوسع نطاقاً في شكل مستقل: القدرة على التفكير الإبداعي، مثلاً، أو حل المشكلات العملية. وجرى التحقق من صحة الاختبارات الجديدة ببساطة بمقارنتها بالاختبارات القديمة، ووُصِف الاختبار الجديد بـ”الجيد” إذا كان مرتبطاً بالاختبارات القديمة. وبدلاً من النظريات العلمية حول الفرضيات المولدة للذكاء، والتي بدورها ولدت الاختبارات التجريبية لمراجعة النظريات، وقع هذا المجال من العلوم في الفخ. ودفعت البياناتُ الناتجة من الاختبارات تطويرَ نظريات حول الذكاء، ما أدى إلى مزيد من الاختبارات التي تقيس الأشياء نفسها.
وفي الوقت نفسه، وفي أجزاء كثيرة من العالم، اتسع نطاق الحصول على التعليم بسرعة خلال القرن العشرين. وصارت اختباراتُ الذكاء والاختبارات الوكيلة عنها، مثلاً التقييمات والامتحانات المدرسية التي تقيس النطاق الضيق نفسه من مهارات التذكر والتحليل، أكثرَ أهمية في تحديد الفرص والمسارات المهنية المتاحة للأفراد. وبدلاً من أن تكون وظيفتها أدواتٍ لمساعدة الأفراد على تحقيق كامل إمكاناتهم، كما قصده، صارت وظيفتها الحد من فرص الناس في خدمة أصحاب العمل والكليات والجامعات وغيرها من المؤسسات.
ضيقة ومنحازة
بدلاً من أن تساعد اختبارات الذكاء على كسر الحواجز الاجتماعية والاقتصادية، ساعدت بنحو معاكس على زيادتها. واكتسب الآباء الذين تمكنوا من تزويد أطفالهم بالتعليم والتنشئة الاجتماعية وغيرها من التجارب التي سمحت لهم بأن يبلوا بلاءً حسناً في الاختبارات والفحوص ذات التركيز الضيق ميزة كبيرة – ميزة تعمل على استدامة نفسها بنفسها، إذ اكتسب هؤلاء الأطفال بعد ذلك الفرص التي سمحت لهم بتمرير المزايا نفسها إلى أطفالهم. وفي الوقت نفسه، أُجرِيت الاختبارات نفسها من خلال وجهات نظر ضيقة حول ما يشكل الذكاء وهي إلى حد كبير وجهات نظر أفراد بيض وناجحون تمتعوا بخلفية أكاديمية معينة وأنشأوا الاختبارات.
وكان هذا التركيز الضيق موضوعاً متكرراً في أبحاثي. فقبل ما يقرب من ثلاثة عقود من الزمن، أظهرنا أنا وزميلتي لين أوكاغاكي Lynn Okagaki أن مختلف المجموعات العرقية والإثنية والاجتماعية الاقتصادية المحددة اجتماعياً في الولايات المتحدة تميل إلى التأكيد على المهارات المختلفة في تنشئة الشباب على المستوى الاجتماعي ليكونوا أذكياء. مثلاً، ركز الآباء الأوروبيون الأمريكيون والآسيويون الأمريكيون عادة على المهارات المعرفية، في حين أكد الآباء اللاتينيون الأمريكيون على المهارات الاجتماعية. ولأن المعلمين كانوا في الغالب من الأوروبيين الأمريكيين والآسيويين الأمريكيين، فقد اوقعوا أن تكون قدرات أبناء الوالدين ذوي التفكير المماثل أعلى من غيرهم.
في الواقع، لا تظهر مجموعات مختلفة وجهات نظر مختلفة من الذكاء فقط، بل أيضاً أنماطاً مختلفة من المهارات مع التقدم في السن. ولا تعكس الاختبارات التي تحدد النجاح ذلك. فقد أظهرت أبحاثي، مثلاً، أن المهارات الخاصة التي تُقَاس باختبارات القبول الجامعي التقليدية في الولايات المتحدة تميل إلى تفضيل أنماط المهارات لدى الطلبة البيض والآسيويين واستبعاد الطلبة السود والهسبانيين. وتعكس هذه الاختلافات العديد من الأشياء، بما في ذلك مفاهيم الذكاء التي تميل نحو ما تقيسه الاختبارات أو بعيداً عنها، وكذلك الفرص الاجتماعية التي يريد الآباء توفيرها، أو القادرون على توفيرها. وعند قياس ما يهم أعضاء المجموعات المتنوعة، تظهر المجموعات نقاط قوة تخفيها الاختبارات التقليدية.
ولعل من المدهش أن اختبارات الذكاء -والاختبارات الوكيلة عنها- المهيمنة لا تجيد بالضرورة قياس جوانب الاستدلال التحليلي ذات الصلة بأنواع أوسع من النجاح، مثل الأبحاث في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. وعندما قيمنا لدى الطلبة قدراتهم في توليد فرضيات علمية بديلة، وتصميم التجارب، واستخلاص الاستنتاجات العلمية والمهارات ذات الصلة، ترابطت درجات الطلبة في اختبارات مختلفة من الاستدلال العلمي مع بعضها البعض، لكنها لم ترتبط باستمرار بدرجات اختبارات القبول في الجامعات الأمريكية والتفكير التجريدي.
وعموما، تختلف خصائص مشكلات العالم الحقيقي اختلافاً كبيراً عن خصائص المشكلات في الاختبارات الموحدة (انظر: مشكلات العالم الحقيقي…). فالذكاء يعمل أفضل في حل المشكلات التي تتبع أنماطاً مألوفة أو يمكن تعلمها بسهولة. وهو لا يعمل جيدا في المشكلات المعقدة، والجديدة جدا، وذات المُخاطرة العالية، والمليئة في كثير من الأحيان بدوافع عاطفية والتي نواجهها في كثير من الأحيان – كيفية تحقيق التوازن بين متطلبات الحرية الفردية والصحة العامة في جائحة كوفيد-19، مثلاً، أو أفضل السبل لتحفيز العمل حول تغير المناخ العالمي Global Climate Change والتحديات البيئية الأخرى التي نواجهها. وكما قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس AntÓnio Guterres في ديسمبرالماضي، تشن البشرية حرباً انتحارية على العالم الطبيعي. وهذا ليس نتاج تفكير ذكي.
إذن، كيف يمكننا إصلاح الأمور؟ ببساطة، من خلال تبني فكرة أن الذكاء يتعلق بالتكيف. ففي بعض الأحيان نغير أنفسنا لنتناسب مع البيئة، وأحياناً نشكل بيئتنا لتناسبنا، وأحياناً نجد بيئة جديدة عندما لا تناسبنا بيئتنا الحالية. ونحن بحاجة إلى رعاية الذكاء التكيفي الذي هو الأنسب لتحديد الحاجة إلى هذه التغييرات ووضع استراتيجيات لتنفيذها.
وعموما، يتكون الذكاء التكيفي من أربعة أنواع من المهارات التي نستخدمها للتكيف مع البيئات وتشكيلها واختيارها. فهناك مهارات إبداعية، نستخدمها لتوليد أفكار جديدة نسبياً ومفيدة أو ذات مغزى: لا يمكنك تغيير وضع تجد نفسك فيه إذا لم تتمكن من أن تتخيل تخيلا خلاقا ما تريده أن يكون عليه. فهناك مهارات تحليلية واسعة النطاق، نستخدمها للتأكد مما إذا كانت أفكارنا، وأفكار الآخرين، جيدة: ما يعمل وما لا يعمل في الحالة التي نجد أنفسنا فيها. وهناك مهارات عملية نستخدمها لتنفيذ أفكارنا وإقناع الآخرين بقيمتها، لتحقيق التغيير في وضعنا. وأخيراً، هناك مهارات مستندة إلى الحكمة تساعد على ضمان مساهمة أفكارنا في تحقيق المصلحة المشتركة، في الأجلين القريب والبعيد على السواء، من خلال تحقيق التوازن بين مصالحنا ومصالح الآخرين وعلى المستوى الأعلى.
الحكمة الجماعية
الدافع لتطوير لقاح ضد كوفيد-19 وتوفيره هو مثالٌ على المكان الذي تؤدي فيه هذه المهارات كلها دوراً. فقد كانت هناك حاجة إلى التفكير الإبداعي للتوصل إلى اللقاحات الجديدة المستندة إلى الحمض النووي الريبوزي المرسال mRNA التي أثبتت نجاحها. وهناك حاجة إلى مهارات تحليلية لضمان أن تكون تجارب اللقاح دقيقة علمياً وأن تُفسَّر البيانات الواردة منها تفسيراً سليماً. وهناك حاجة إلى قدرات عملية لتحسين عمل الباحثين وإنتاج بلايين الجرعات من اللقاح.
وبعد ذلك يأتي الجزء الخاص بالحكمة. إن متخذي القرار بحاجة إلى الحكمة لإدراك أن هناك الكثير الناس ممن لديهم مصالح أخرى – أشخاص يخافون من اللقاح، وأشخاص هم عموماً ضد التطعيم، وأشخاص يعترضون لأسباب سياسية أو دينية أو أيديولوجية – وأن يضعوا استراتيجيات لإقناعهم بالحاجة إلى تطعيم “أنفسهم” من أجل الصالح العام. إننا جميعاً بحاجة إلى أن تكون لدينا مهارات الحكمة للاعتراف بالمنافع، لأنفسنا والآخرين، إذا تلقينا جميعاً اللقاح، متى ما توفرت اللقاحات.
هذا كله يمكن تعليمه وتعلمه. وإذا وسعنا مفهومنا للذكاء وأولينا مزيداً من الاهتمام لرعاية عناصر الذكاء التكيفي فينا جميعاً، سنكفّ عن إهدار المواهب من دون داع ، كما سنوسع نطاق مجموعة المهارات المتاحة لنا لإيجاد حلول بناءة لهذه المشكلات. وتظهر أبحاثي أن الطلبة الذين يدرسون بطرق تساعدهم على الاستفادة من نقاط قوتهم الإبداعية والعملية، وكذلك التعويض عن نقاط الضعف أو تصحيحها، غالباً ما يكون أداؤهم أفضل من أداء الطلبة الذين يُعلَّمون بطريقة تفضل فقط أولئك الذين لديهم ذاكرة جيدة ومهارات تحليلية.
بدلاً من تعليم الطلبة واختبارهم استناداً إلى مشكلات غامضة، يجب أن يكون التركيز على مشكلات واقعية. لذلك، بدلاً من أن يكون السؤال الاختباري المناسب في الرياضيات هو أن تذكر صيغة منحنى أسي واحتساب كميات من منحنى أسي معين، قد يكون وصف ما يبدو عليه المنحنى الأسي، ورسم المشكلات التي يمكن أن تنشأ من منحنى نمو أسي في سياق معين. أو في العلوم الاجتماعية، بدلاً من أن يُطلَب إلى الطالب أن يتذكر النقاط الأساسية لنظرية معينة، يجب أن تختبر المشكلات المجموعة الكاملة من المهارات الإبداعية والتحليلية والعملية (انظر: قياس الذكاء التكيفي).
هذا ليس كلاماً غير عملي أو كلاماً عاطفياً. فاختبارات المهارات الإبداعية والعملية والمستندة إلى الحكمة جيدة، إن لم تكن أفضل، في قياس الأشياء ذات الصلة للنجاح في العالم الحقيقي مقارنة بالاختبارات التقليدية المستندة إلى الذكاء. فاختبارات الذكاء العملي، مثلاً، تتوقع أنواعاً مختلفة من النجاح الوظيفي، على غرار اختبارات الذكاء التقليدية، على الرغم من أن النجاح في نوع من الاختبارات يرتبط فقط بالحد الأدنى مع النجاح في النوع الآخر.
وفي الوقت نفسه، تزيد إضافة مهارات إبداعية وعملية ومستندة إلى الحكمة إلى اختبارات القبول الجامعية من دقة التوقعات بالنجاح الأكاديمي وغير المنهجي على حد سواء مقارنة بتلك التي توفرها الاختبارات التقليدية. وفي إحدى الدراسات التي أجريتها أنا وزملائي في الجامعات الأمريكية بمستويات مختلفة على نطاق واسع من الانتقائية وأنواع الطلبة، توقعت اختبارات كهذه درجات السنة الأولى بضعف الدقة تقريباً مقارنة باختبارات القبول القياسية. كذلك قللت من الفوارق بين المجموعات العرقية والإثنية المحددة اجتماعياً.
لقد حان الوقت المناسب للتخلي عن فكرة ضيقة وعتيقة وتخدم مصالح ذاتية حول ما يعنيه أن تكون ذكياً. فالمخاطر مرتفعة جدا. فقد ولدت أفكارنا الحالية “تراجيديا المشاع” Tragedy of the commons”، فأعمى هوس المتميزين بنجاحهم الفردي ونجاح أطفالهم الكثيرين عن رؤية الضرر الذي نلحقه برفاهنا الجماعي. وعلينا أن نفكر في الذكاء على أنه أهداف جماعية إيجابية، وليس أهدافاً فردية فقط. فقد استمرت الديناصورات على الأرض لمدة 165 مليون سنة. إذا لم نغير أفكارنا حول ما يعنيه أن يكون المرء ذكياً تكيفياً، ربما لا نستمر بالوجود لفترة مماثلة. وسنعاني تغيرَ مناخيٍ عالميٍ متزايدا وجوائح وتلوثًا ومواجهات بين الناس المندلعة بسبب هذه المشكلات. ولن نحتاج إلى جرم سماوي يفنينا. سنكون قد أفنينا أنفسنا بأنفسنا.
مشكلات العالم الحقيقي…
تختلف المعضلات مثل التصدي لتغير المناخ أو التعامل مع جائحة الفيروس التاجي عن المشكلات الضيقة المستخدمة لقياس الذكاء في كثير من النواحي. ومن بين أمور أخرى فهي تميل إلى:
أن تكون ذات مخاطر عالية، ومغيرة للحياة أحياناً
أن تكون مثيرة عاطفياً، إلى درجة أن العواطف غالباً ما تؤثر في أفضل الأحكام
أن تكون موجهة بالسياق في شكل كبير، ما يتطلب تحقيق التوازن بين العديد من المصالح المتضاربة
تفتقر إلى إجابة “صحيحة” واحدة
تفتقر إلى أي مؤشر على وجود مشكلة حتى؛ أو بخلاف ذلك، تكون طبيعة المشكلة غير واضحة
تحتاج إلى حل جماعي، غالباً من قبل أشخاص ذوي خلفيات ومصالح مختلفة
تقدم فقط مسارات غامضة إلى حل، أو لا مسارات جيدة على الإطلاق على ما يبدو
تتكشف وتحتاج إلى حل على مدى فترات طويلة من الزمن
تكون من الصعب معرفة ما هي المعلومات المطلوبة أو أين يمكن العثور على تلك المعلومات
تأتي مليئة بكثير من المعلومات الكاذبة أو المضللة، تكون أحياناً مطروحة عمداً لجعل الحل الصالح أكثر صعوبة
يتطلب حل هذه المشكلات مزيجاً من المهارات الإبداعية والتحليلية والعملية والمستندة إلى الحكمة – أساس مفهوم الذكاء التكيفي (انظر: الموضوع الرئيسي).
© 2021, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC