الإنترنت الكميّ غير القابل للاختراق يفرض إشكالياتٍ عسيرةً تتعلق بالخصوصية
بقلم: مجلة نيوساينتست
ترجمة: محمد الرفاعي
عندما تظهرُ تكنولوجيا جديدةٌ قويةٌ، فإن الاشخاص غالباً ما ينقسمون إلى معسكرين: أولئك الذين تأسرهم فوائدُها، وأولئك الذين يشعرون بالقلق من المتاعب التي قد تثيرها. فقد حدثَ هذا مع كل شيءٍ من آلات الحياكة في القرن السادس عشر إلى الذكاء الاصطناعي Artificial intelligence (اختصاراً: الذكاء الاصطناعي AI) حالياً.
إنه تقسيمٌ ثنائيٌ خاطئٌ بالطبع. فكما كتبَ ماكس تيغمارك Max Tegmark الفيزيائيُ والباحثُ في الذكاء الاصطناعي AI في هذه المجلة سابقا: “هل أنتَ من النوع الذي يَعْتَقِدُ أن النار يمكن أن تقتلَ الأشخاصَ أم من النوع الذي يعتقدُ أن النارَ يمكنُ أن تُدَفِئ الأشخاصَ في الشتاء؟ من الواضح أن كلا الأمرين صحيح”. (18 يوليو 2020)
نحن على وشك رؤيةِ هذا يَحْدُثُ مرةً أخرى في سياق تكنولوجيا قد تحدد كيفية تواصلنا في القرن الحادي والعشرين: الإنترنت الكميّ Quantum internet. قد يبدو أنه لا عيب في الإنترنت كما نعرفه. للأسف، ليسَ الأمرُ كذلك. وستعملُ أجهزة الحواسيب الكميّة Quantum computers في النهاية على كسر بروتوكولات التشفير )التعمية) Encryption protocols التي تحافظ على أمان حركة المرور على الويبWeb ، من المعاملات المصرفية إلى الرسائل الخاصة. وقد تكون هذه “الكارثة التشفيرية” Cryptocalypse على بُعْدِ بضعةِ أعوامٍ فقط.
تقدم الاتصالاتُ الكميّة Quantum communications بديلاً غير قابلٍ للاختراق. إحدى ميزاتها الرئيسية هي أن وحدات معلوماتِها الأساسية، بِتَاتِ الكم (أو الكيوبِتات) Qubits، حساسةٌ جداً. فإذا حاولَ أي شخصٍ قراءةَ رسالةٍ مشفرةٍ، فسيترُكُ حتماً علاماتٍ على فعله هذا. فهذا العَالَمُ غير القابل للاختراق ليس بعيداً كما قد تظن ـ فكما تحدثنا، نحن بالفعل ماهرون بصورةٍ مدهشةٍ في صنع البنية التحتية التي سنحتاج إليها لبنائه.
ولكن، كما يحدثُ مع التقدم التكنولوجي غالباً، فإن الخصوصيةَ غيرَ القابلةِ للاختراقِ هي سيفٌ ذو حدين. فعلى الرغم من أنّ الإنترنتَ الكميّ سيحافظُ على تفاصيلِ بطاقاتِنا الائتمانية آمنةً، ولكن ذلك يعني أيضاً أن الأشخاصَ الذين يريدون التحدث سراً لأغراضٍ شريرةٍ، سواءً كانتْ الإرهابَ أم جرائم الإنترنت، سيكون لديهم هذا الخيار.
للقادة الديمقراطيين سجلٌ سيئٌ جداً فيما يتعلق بتنظيم خصوصيتنا الرقمية. يجب أن يتغيرَ هذا، وبسرعةٍ. فالإنترنت الكميّ قادم، وعندما يصلُ، سيجعلُ النقاشَ حول الخصوصية معقداً جداً ولا مفر منه. كما قال تيغمارك: “الإشكالية المثيرةُ للاهتمامِ ليستْ عن الوقوفِ مع النار أو ضدها، بل معرفة كيفَ يمكنُكَ التحكمُ في النار بحكمةٍ”.
© 2021, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC