الممارسات التي تميِّز مؤسسات التعلُّـم
الشركات الملتزمة ببناء قوى عاملة مُجهَّزة للمستقبل تُطبق سبعةَ مبادئ رئيسة للتدريب والتطوير.
تعاني المؤسسات في سعيها إلى مواكبة المهارات الجديدة اللازم توافرها في قواها العاملة، وذلك بسبب اتجاهات واسعة النطاق مثل التحوُّل إلى نماذج الأعمال الرقمية Digital business models وزيادة تبني أتمتة مكان العمل Workplace automation، والذكاء الاصطناعي AI، والتحليلات المتقدمة Advanced analytics. وقد سرَّعت الجائحة هذه الاتجاهات، وألقت بأهمية أكبر على التعلُّم والتطور Learning and development (L&D) باعتباره وسيلة لتجهيز المؤسسات للتعامل مع كل من التحديات بعيدة المدى والأزمات قريبة الأجل.
ولفهم تداعيات هذه التغييرات، عقدنا أخيراً أكثر من 60 حواراً معمَّقاً مع رؤساء تنفيذيين CEOs، ورؤساء تنفيذيين للموارد البشرية HR، ورؤساء تنفيذيين للتعلم CLO، ورؤساء تنفيذيين للعمليات COO، وقادة بارزين آخرين في الموارد البشرية والأعمال في ستة بلدان. وعززنا ذلك البحث باستطلاعات شملت أكثر من 250 خبيراً من أرجاء العالم حول نُهُجهم المتعلقة بـالتعلم والتطوير L&D. وتُبين النتائج أن قليلاً من المؤسسات كانت لديها برامج تعلم وتطوير L&D قوية قيد التطبيق قبل الجائحة.
وتعرض هذه الشركات نموذجاً للطريقة التي يجعل بها التعلم والتطور الشركاتِ أكثرَ استجابة Responsive ورشاقة Agile. وفي دراستنا لممارساتها Practices، حددنا سبعة مبادئ أساسية تستطيع الشركات الأخرى تطبيقها لتحسين جهودها في مجال التعلم والتطوير L&D وإعداد نفسها للازدهار في كل من المديَين القريب والمتوسط.
الحجة لمصلحة الاستثمارات في التعلم والتطوير L&D
في العام 2019 أجرينا استطلاعنا الكمي Quantitative survey ووجدنا أن مؤسسات قليلة فقط تمتلك نهجاً استراتيجياً ذا رؤية مستقبلية فيما يخص التعلم والتطوير L&D. وحدد أربعةٌ من كل عشرة فقط من المستجيبين لاستطلاعنا الإعدادَ للمستقبل باعتباره أولوية عالية أو عليا لمؤسستهم، وكان 30% فقط من المستجيبين واثقين بقدرتهم على تلبية الاحتياجات المستقبلية على صعيد المهارات.
قبل كوفيد-19 كانت التكنولوجيا تغير بالفعل سلوكيات الموظفين والعملاء بطرق دراماتيكية، لكن الوتيرة تسارعت الآن. وتتوقع غلوبال وورك بليس أناليتيكس Consultancy Workplace Analytics الاستشارية أن ما يُقدَّر بـ25% إلى 30% من القوة العاملة ستعمل من المنزل أياماً عديدة أسبوعيّاً بحلول نهاية العام 2021.((“Work-at-Home After COVID-19 — Our Forecast,” Global Workplace Analytics, accessed Dec. 16, 2020, https://globalworkplaceanalytics.com.)) وهناك أدلة على فجوة متسعة في الأداء بين الشركات ذات نماذج الأعمال المُمكَّنة رقمياً Digitally enabled والرشيقة وتلك ذات نماذج الأعمال Business models التقليدية والموروثة.((C. Bradley, M. Hirt, S. Hudson, et al., “The Great Acceleration,” McKinsey & Company, July 14, 2020, www.mckinsey.com.))
وحصلنا على منظور فريد بسبب توقيت بحثنا، في ضوء أننا بدأنا نُجري مقابلات مع قادة شركات قبل الجائحة وواصلنا الحديث معهم خلال الأزمة. فقد وجدنا أن الشركات التي كان لديها توجُّه قوي وبعيد المدى في مجال التعلم والتطوير L&D كانت مجهزة جيداً حين حلت الجائحة للتعامل مع الضغوط القريبة المدى التي ولدتها الجائحة، وقادرة على التكيف بسرعة مع طرق جديدة للعمل. وتتوافق استنتاجاتنا مع أبحاث سابقة تبين أن المؤسسات التي كانت بالفعل متقدمة في مجال التعلم والتطوير L&D قبل الأزمة هي أفضل استعداداً للتعافي بعد الأزمة. مثلاً تُبين أبحاث تتعلق بحالات ركود عالمية Global recessions سابقة قيمةَ الاستثمار في التعلم والتطوير L&D في تجهيز الشركات للتعافي التالي.((Y. Kim and R.E. Ployhart, “The Effects of Staffing and Training on Firm Productivity and Profit Growth Before, During, and After the Great Recession,” Journal of Applied Psychology 99, no. 3 (May 2014): 361-389.))
وهناك حجة واضحة لمصلحة الاستثمارات حالياً بغرض البناء من أجل المستقبل. وبدأت بعض المؤسسات، بالفعل، إجراء تغييرات. وفق تقرير أخير للينكد إن ليرننغ LinkedIn Learning يعكس تأثير جائحة كوفيد19-، أبلغ خبراء في التعلم والتطوير L&D عن زيادة بنسبة 159% في مدى مناصرة Championing رؤسائهم التنفيذيين التعلمَ والتطور L&D في مؤسساتهم، في حين أبلغ 64% منهم بأن إعادة تدريب القوة العاملة على مهارات جديدة Reskilling صارت أولوية أكثر من أي وقت مضى.((“Leading With Learning: Insights and Advice on the New State of L&D,” PDF file (Carpinteria, California: LinkedIn Learning, 2020), https://learning.linkedin.com.)) ومن الضروري ضمان توليد هذه الاستثمارات لنتائج، وذلك بتبني المهارات والقدرات اللازمة لاستغلال تكنولوجيات مثل البيانات الكبيرة Big data والذكاء الاصطناعي AI، والتكيف مع التغييرات في العمل بسبب الأتمتة Automation والعمالة الطارئة عند الطلب.
وبرزت رقمنة عمليات الأعمال Digitalization of business processes والتأثيرات المصاحبة Attendant implications في طريقة عمل الموظفين ومكانه، وكيفية تفاعل Engage العملاء مع المؤسسات، باعتبارها محور التركيز الرئيس في بحثنا. وحددنا سبعَ رُؤى Insights رئيسة من المؤسسات التي كانت الأكثر نجاحاً في وضع برامج التعلم والتطوير L&D قوية وتطبيقها.
1 حدِّدْ نجماً شماليّاً لتوجيه قرارات التعلم والتطوير Identify a North Star to guide L&D decisions. المؤسسات التي كانت الأفضل استعداداً للاستجابة للعالم المتغير للعمل تحدد اتجاهها بما نسميه نجماً شمالياً North Star– أي هدفاً شاملاً تستنير به القرارات المتخذة حول مهارات الموظفين وتطورهم.
فلننظرْ مثلاً إلى الشركة العالمية للمستحضرات الصيدلانية نوفارتيس Novartis، التي حددت نجماً شمالياً هو التطور إلى أعمال توجهها البيانات Data-driven business بهدف إعادة تشكيل المجال الطبي وتحسين حياة المرضى. ولدعم تلك المهمة حددت نوفارتيس خمس أولويات استراتيجية Strategic priorities، وعزَّزت المكونات الأساسية في مجال التعلم والتطوير L&D لدعم كل منها. ويدعم المبادرة استثمار 100 مليون دولار في التعلم والتطور عبر مرحلة تمتد إلى خمس سنوات، بهدف تمضية الموظفين جميعاً 5% من وقتهم في التعلم. وتشمل المبادرة شراكات مع منصات تعلم Learning platforms مثل سكيلسوفت Skillsoft وغت أبستراكت GetAbstract وكورسيرا Coursera ولينكد إن LinkedIn.
مثلاً ساعدت بيانات مقارنة معيارية Benchmark data من كورسيرا فريقَ التعلم والتطوير L&D على تحديد الحاجة إلى مهارات متقدمة في مجال تحويل البيانات إلى رسوم بيانية Data visualization، بما يتواءم مع أولويته الاستراتيجية في مجال البيانات والرقمنة. واضطلع الفريق بمجموعة من الإجراءات لبناء هذه المهارات وسد الفجوة، فتابع الأداء على أساس فصلي. وخلال سنتين من إطلاق البرنامج تفوقت نوفارتيس على معيار الصناعة Industry benchmark في مجال مهارات إعداد الرسوم البيانية للبيانات.
وفي الولايات المتحدة، أعادت ديل Dell مَوضَعة Repositioned نفسها من شركة تقليدية لأجهزة التكنولوجيا إلى مزوِّد لخدمات البنية التحتية يستند إلى السحابة Cloud، تطمح إلى تمكين التحول الرقمي لدى عملائها. وهذا هو النجم الشمالي للمؤسسة، وقد قاد هذا النجم شركة ديل إلى إعادة التفكير في المهارات الأساسية المتوافرة في المؤسسة. ووضعت ديل إطاراً جديداً للمسيرة المهنية يتألف من 23 مهارة، إلى جانب مجموعة من مبادئ القيادة لتحقيق ذلك الطموح. وتستنير الاستراتيجية الخاصة بالتعلم والتطوير L&D، على صعيد تصميم البرامج وتنسيق المحتويات، بهذه المهارات الأساسية.
2 ارسمْ خط الأساس للمهارات الحالية Establish a skills baseline. التَبصِرة الرئيسة الثانية هي أهمية إجراء جَرد بالمهارات والقدرات الحالية في قوة العمل في شركتك. وفي الشركات التي درسناها كان إجراء مثل هذا الجرد مهماً لفهم القدرات الحالية، وسرعة تحديد الفجوات في المهارات، والتصرف لسد أي نواقص.
مثلاً أطلقت شركة تكنولوجيا أوروبية مشروعاً على مدى تسعة أشهر لتقييم كل من العرض والطلب Supply and demand من حيث المهارات الاستراتيجية التي قد تحتاج إليها في المستقبل. وأدى المشروع، المنفذ باستخدام أُطُر كينيكسا للمواهب Kenexa Talent Frameworks التابعة لآي بي إم IBM، إلى جرد المهارات المتوافرة في المؤسسة وربطها بملفات تعريف الوظائف Job profiles وذلك في خضم تحديد المهارات والأدوار الفردية وتدقيقها. ووفَّر جرد المهارات أيضاً طريقة للتفكير في المسؤوليات الرئيسة Key responsibilities، والمستويات الوظيفية Job levels، والكفاءات الأساسية Core competencies لهذه الأدوار Roles.
وأبرز التحليلُ أن الشركة كانت توظف مرشحين مؤهلين أكثر من اللازم Overqualified candidates لبعض الأدوار. وأدى ذلك إلى تكلفة سنوية، من حيث العمالة، أكثر من اللازم تقريباً بمليون يورو (نحو 1.2 مليون دولار) للمواهب التي لم تكن موضع استخدام. وحدد التحليل أيضاً عدداً من مجموعات المهارات الجديدة الموجودة بالفعل في المؤسسة، والتي كان من المتوقع أن تثبت قيمتها في المستقبل، وأدى إلى تجديد التركيز على التطوير الداخلي Internal development على حساب التوظيف الخارجي External hiring.
ونُدرك أن استكمال تدقيق مهارات Skills audits كهذا عبر عدد كبير من الأدوار، ووحدات الأعمال Business units، والمواقع الجغرافية في المؤسسات الأكبر قد يمثل تحدياً، ولاسيما حين تكون وتيرة التغيير سريعة. ووجد بحثنا أن الشركات تنجح غالباً في تفكيك العملية إلى أجزاء أصغر يسهل التعامل معها وإدارتها، مثل التمارين التجريبية Pilot exercises أو جرد المهارات Skills inventory التي تُجرَى على مستوى وحدات الأعمال أو المناطق الجغرافية. وبغض النظر عن النطاق النهائي للمشروع، يجب ألا تَعتبر المؤسسات عمليات التدقيق هذه عملياتٍ ”تُجرَى مرةً واحدة“. بل يجب تكرار عمليات التدقيق لاستعراض التغييرات في مشهد الأعمال وفي المؤسسة نفسها.
3 وائِمْ جهودَ التعلم والتطوير مع الأولويات الاستراتيجية Align L&D efforts with strategic priorities. حددنا عدداً قليلاً نسبياً من المؤسسات التي تخطط منهجياً للمهارات التي قد تحتاج إليها في المستقبل. ويُعتبَر مجالا الذكاء الاصطناعي AI والأتمتة مَثلَين جيدين. وتُبين استنتاجاتنا أن هاتين التكنولوجيتين أهملتهما فرق التعلم والتطوير L&D قبل الأزمة (على الأرجح بسبب الضغط الكبير من أجل إنجاز الأولويات القريبة المدى في ظل نقص الموارد)، على الرغم من مرئيتهما Visibility وقيمة الأعمال Business value المتحصلة منهما. وتُواصل مؤسسات كثيرة وضع خطط في مجال التعلم والتطوير L&D تفرط في التركيز على المهارات التي كانت مهمة في الماضي.
وفي المقابل تتطلع المؤسسات الرائدة إلى أولوياتها الاستراتيجية، والمهارات اللازمة لتنفيذ هذه الأولويات، والتأثير المستقبلي في قواها العاملة وتقييمها. مثلاً في العام 2019 توقعت شركة تأمين أوروبية تغييرات في الوظائف بسبب تأثير التكنولوجيا وعوامل أخرى خلال الأعوام الخمسة إلى العشرة التالية. وقدَّرت أن 15% من وظائف الشركة كان من المرجح أن تلغيها التكنولوجيا، وأن 50% إضافية قد تعززها التكنولوجيا المتوافرة في تلك المرحلة. ووفر التحليل خريطة طريق Road map في وقت خططت فيه الشركة لتدريب العاملين على مهارات جديدة وإعادة توزيعهم في أقسامها. وهناك تطابق بين بعض هذه الإجراءات وإجراءات أكثر إلحاحاً كانت لازمة للاستجابة للجائحة؛ مثلاً اضطرت الشركة إلى تسريع تحولها إلى العمليات الرقمية في مجالات مثل التعامل مع المطالبات Claims. ووفر المشروع نموذجاً واضحاً لتطوير المهارات الرقمية والتحليلية من خلال تحديد المجالات ذات الفرصة الأكبر لإعادة توزيع القوة العاملة، وحيث أمكن للتدريب على مهارات جديدة أن يضيف القيمة الأكبر.
بالمثل، في شركات الخدمات الاحترافية Professional services نجد أنه في شركة بي دبليو سي PwC، كُلِّف فريق مؤلَّف من رؤساء أعمال Business heads بقيادة قائد رأس المال البشري العالمي لضمان امتلاك المؤسسة القدرات اللازمة لمطابقة طموحاتها على صعيد النمو. وركزت مبادرة رئيسة أُطلِقت في العام 2019، ودعمها استثمار بقيمة ثلاثة بلايين دولار، على تعزيز المهارات Upskilling الرقمية. وخضع الموظفون الـ276 ألفاً حول العالم جميعاً لدورة تدريبية رقمية على مدى يومين، وعرضت شركة PwC حوافز جديدة لرقمنة العمليات وتحسين الأداء في المؤسسة. وإلى الآن، وُفِّرت ملايين من ساعات العمل بتحسين العمليات والابتكارات في المؤسسة. مثلا صارت عمليةُ التدقيق التي كانت تستغرق أسبوعين لتُستكمَل سابقاً مؤتمتةً الآن، وتتطلب 12 دقيقة فقط. وكانت رحلة رقمنة الشركة PwC مهمة بصورة خاصة في التحول إلى العمل الافتراضي رداً على جائحة كوفيد-19.((A. Kidwai, “How PwC Keeps Its Digital Upskilling
Relevant,” HRDive, May 12, 2020, www.hrdive.com))
4 اضمن امتلاكَ فريق التعلم والتطوير المهاراتِ والموارد الصحيحة Ensure that the L&D team has the right skills and resources. القدراتُ التي يحتاج إليها خبراء التعلم والتطوير L&D إضافة إلى القدرات ذات الصلة بالقوة العاملة ككل هي قدرات تتطور بسرعة. ووجدنا طلباً أكبر على المهارات الرقمية والتحليلية في فرق التعلم والتطوير L&D، بصورة خاصة فيما يخص التعلُّم الرقمي Digital learning، والتسهيل الافتراضي Virtual facilitation، وتنسيق المحتوى عبر الإنترنت Curation of online content. وشهدنا أيضاً توقعات أكبر من خبراء التعلم والتطوير L&D من حيث معرفتهم بالأعمال والاستراتيجية، إلى جانب مهارات التوجيه والإرشاد Coaching ومهارات تقديم المشورة Consulting اللازمة للتفاعل مع القيمة الاستراتيجية للأعمال وتحقيقها.
وفي مصرف بريطاني أدت هذه المطالبات إلى التوصل إلى فريق للتعلم والتطوير L&D أصغر مقارنة بالماضي لكن أكثر مهارة حقق مستوى أعلى من القيمة للأعمال. وباعتبار الفريق شريكاً أكثر مصداقية للأعمال، صار الآن مجهزاً لخوض مناقشات أكثر تحدياً مع القادة المؤسسيين لضمان مطابقة عروض المحتويات Content offerings، وحتى أساليب التوصيل Delivery modes، احتياجات الأعمال وتوقعاتها. ويساعد الفريق أيضاً على تحدي آراء عفا عليها الزمن حول احتياجات التعلم، وبدلاً من ذلك يركز استثماراتِ التعلم والتطوير L&D على المستقبل. وتؤدي تحليلات البيانات وقدرات التصور داخل الفريق، بالتزامن مع معرفة عميقة بالأعمال، دوراً رئيساً في هذه الرحلة. وفي إجراءات أخيرة لإعادة تحديد الدرجات الوظيفية Regrading، رُقيَّ معظم أعضاء الفريق درجةً وظيفية واحدة لعكس المستوى المتزايد لمساهماتهم.
وتؤدي التكنولوجيا أيضاً دوراً متزايد الأهمية كمنصة لتمكين التعلم والتطوير L&D من دعم الاستراتيجية المؤسسية للشركة. وفي بعض الحالات، تستطيع التكنولوجيا توليد كفاءات وتحرير الموظفين ليؤدوا عملاً مولداً للقيمة. في أيكون ICON، وهي مؤسسة عالمية أيرلندية للرعاية الصحية، شهدنا استخدام بوت رقمي Digital bot لجدولة التدريب في العام 2019. وحرر هذا البوت قدرة تساوي قدرة موظف بدوام كامل في الفريق، مما مكن ذلك الشخص من التركيز على مهام أكثر أهمية. واستثمرت شركات أخرى في التكنولوجيا لترقية أنظمة التعلم والتطور، مما هيأ فرق التعلم والتطوير L&D لتحقيق التعلم خلال الأزمة وبعدَها في آن.
لم تمتلك هذه المؤسسات القدراتِ اللازمة لتمكين التعلم الرقمي والتنسيق المستهدف للمحتوى الرقمي فحسب، بل أظهرت أيضاً فهماً عميقاً للتحديات والفرص المرتبطة بتصميم التعلم الافتراضي وتسهيله.
5 صمِّم التعلم لتلبية الظروف المتطورة Design learning to accommodate evolving conditions. خُفِّضت ميزانيات التعلم والتدريب L&D في مؤسسات كثيرة أو جُمِّدت رداً على الظروف الاقتصادية الحالية. وإضافةً إلى ذلك، عُمِد إلى التخلي عن كثير من التدريب وجهاً لوجه Face-to-face training، على الأقل في المدى القريب. ولكن هذا الوضع يَعرض فرصة للتحول من التدريب النظامي خلال الجلسات التدريبية الذي يكون منفصلاً عن العمل إلى تدريب يحدث بنحو أكثر عضوية طوال يوم العمل الخاص بالموظف، والمسمى عادة التعلمَ خلال تدفق العمل Learning in the flow of work.((J. Bersin and M. Zao-Sanders, “Making Learning a Part of Everyday Work,” Harvard Business Review, Feb. 19, 2019, https://hbr.org.)) فبالمزج بين التكنولوجيا، والشراكات الاستراتيجية، والعمليات الداخلية، تُطوِّر الشركاتُ ذات الأداء الأعلى تعلماً يكون ”في الوقت المناسب تماماً، وكافياً تماماً، ومخصصاً لاحتياجات كل موظف تماماً“.((K. Peters, “m-Learning: Positioning Educators for a Mobile, Connected Future,” International Review of Research in Open and Distance Learning 8, no. 2 (June 2007): 1-17.)) وقد تشمل هذه الفرص مقاطع فيديو قصيرة على يوتيوب YouTube، أو مناقشات فاعلة على منصات للتعاون مثل سلاك Slack، أو زوم Zoom، أو فيسبوك وورك بليس Facebook Workplace، أو مايكروسوفت تِيمز Microsoft Teams.
وفي الواقع يستطيع التحول إلى التعلم خلال تدفق العمل أن يقدم ميزات حقيقية على صعيد مشاركة الموظفين. وتبين أبحاث أجراها مجلس المؤتمرات The Conference Board تفضيلاً قوياً بين الموظفين للعمل على مهام تتطلب منهم تعلم أشياء جديدة.((R.L. Ray, P. Hyland, A. Pressman, et al., “DNA of Engagement: How Organizations Can Foster Employee Ownership of Engagement” PDF file (New York: The Conference Board, 2017).)) وفي بحثنا، وجدنا أيضاً أن مواقف Attitudes الموظفين من التعلم تتطور، مع تقدير أكبر للتوصيل الافتراضي Virtual delivery. وفي الماضي كان التعلم عبر الإنترنت يُعتبَر في الأغلب خياراً أدنى، لكن بالنسبة إلى كثير من الموظفين، هو الآن الطريقة الرئيسة للوصول إلى التعلم. مثلاً أبلغت شركة الاستفتاء والتحليلات غالوب Gallup أن موظفيها يقدرون سمة التركيز الأكثر فردية على احتياجاتهم، إضافة إلى توفير الخصوصية والارتباط الأكبر الذي يتيحه التعلم والتطوير الافتراضي Virtual L&D.((V. Ratanjee, “Four Ways to Continue Employee Development When Budgets Are Cut,” Gallup, Aug. 3, 2020, www.gallup.com.))
وأشار عدد من المؤسسات التي عملنا معها، إلى قيمة التعاون العالمي عبر القنوات الافتراضية. وعلى الرغم من أن البرامج التدريبية كانت تُقدَّم في الموقع محلياً أو إقليمياً في الماضي، فإن التحول إلى العمليات الافتراضية يعني أن المشاركين من مختلف أنحاء العالم يميلون أكثر إلى أن يكونوا جزءاً من الفريق. وهذا أدى إلى تشارُك أكبر للمعرفة عبر المواقع الجغرافية.
وأسواق الفرص الداخلية Internal opportunity marketplaces- التي تطابق بين احتياجات المؤسسة وقدرات الموظفين- صارت أكثر انتشارا مما سبق.((M. Schrage, J. Schwartz, D. Kiron, et al., “Opportunity Marketplaces: Aligning Workforce Investment and Value Creation in the Digital Enterprise,” MIT Sloan Management Review, April 28, 2020, https://sloanreview.mit.edu.)) فتربط مبادرة شركة ديل الموظفينَ بفرص عمل داخل الشركة لا تكون وظائف بدوام كامل وتُركز على المهارات التي سيتطلبها المستقبل. وتشبه سوق المواهب الداخلية التعهيد (الإسناد) الجماعي للمواهب Crowdsourcing for skills– حيث يعلن الأفراد رغبتهم في العمل على مشروعات حيث تلبي مهاراتهم حاجةً معينة في فريق المشروع. وهذه المشروعات وسيلةٌ مهمة لتطوير القدرات الفردية، في حين تبني أيضاً رأسَ المال الاجتماعي للفرد داخل المؤسسة.
وأشار عدد من المشاركين في استباناتنا إلى تركيز متزايد على نموذج 70:20:10 للتطور. ووفق هذا النموذج يجب أن يكون التطور ببناء الخبرة في أثناء العمل On-the-job experiences مسؤولاً عن 70% من التعلم، في حين يأتي 20% من الملاحظات والتدريب و10% فقط من التعليم النظامي.((M. Lombardo and R.W. Eichinger, “The Career Architect Development Planner” (Minneapolis: Lominger, 1996).)) وكما أشار أحد كبار المسؤولين عن التعلم، قدمت أزمة كوفيد-19 دليلاً على فاعلية المفهوم الخاص بنموذج 70:20:10 لأن المؤسسة أُجبِرت أساساً على تأكيد التعلم خلال تدفق العمل.
6 أعدَّ مسارات تعلم فردية Create individualized learning pathways. تشهد الشركات أيضاً تسارعاً نحو مسارات التعلم المــُخصصة لكل فرد على حدة Individualized learning pathways، ما يعكس النطاق الأوسع من الأولويات والمسؤوليات المنوطة بالموظفين كأفراد، ومدى تطور أدوارهم استجابةً للأزمة. وهذا يعكس أيضاً تحولاً بعيداً عن مسارات التعلم الموحدة المعايير Standardized، التي تفترض عادة مستوى قاعدياً معيارياً من القدرة مع دخول الموظفين إلى المؤسسة واتباعهم مساراتٍ مهنيةً معيارية.
وكما أخبرنا رئيس التعلم والتطوير L&D في مؤسسة مصرفية أوروبية: ”نحن في هذا العصر حيث يريد الناس فقط الأشياء التي يحتاجون إليها، ويريدونها فقط بنحو فاعل حقاً. ’ما الذي يمكنني فعله لمجرد الحصول على هذه المعلومات وإنجازها والمضي قدماً؟‘“. ومن الجدير بالملاحظة أن منصة لينكد إن ليرننغ لـلتعلم والتطوير L&D أبلغت عن زيادة بواقع ثلاثة أضعاف في الحركة على موقعها خلال مسار الجائحة وصولاً إلى نهاية العام 2020.((T. Vander Ark, “Pandemic Spike in AI learning — and What It Means for Schools,” Forbes, May 7, 2020, www.forbes.com.))
ولعل أحد التحديات الرئيسة التي تواجه فرق التعلم والتطوير L&D هي مساعدة الموظفين على فهم المهام التي يحتاجون إليها، وكيف يصلون إلى المحتوى ذي الصلة. ومن ضمن استراتيجيتها للرقمنة، طورت شركة PwC تطبيقاً يسمح للموظفين بالوصول إلى مستواهم الحالي من ”اللياقة الرقمية“ Digital fitness وتحدد المصادر لمساعدتهم على تحسين نتائجهم. (التطبيق متوافر الآن مجاناً للعموم). وفي مؤسسات أخرى، أدت التكنولوجيا أيضاً دوراً رئيساً، ووفر لينكد إن ليرننغ ويوتيوب محتوى محدَّداً جداً يركز على الاحتياجات الفورية.
7 ابقَ رشيقاً وتكيفْ بمرور الوقت Stay agile and adapt over time. الزعزعات Disruptions التي سببتها الجائحة بيَّنت للشركات مدى السرعة التي قد تتغير بها أولويات وظائف التعلم والتطوير L&D ومتطلباتها. وتتحدى هذه التقلبات فرق التعلم والتطوير L&D لتكون مستجيبة ورشيقة. وبدلاً من السعي إلى تحقيق الكمال فيما تعرضه من خيارات البرامج، تفكر فرق التعلم والتطوير L&D الرشيقة في تقديم منتج الحد الأدنى Minimal viable product إلى المستخدمين، واختبار البرنامج، والتعلم من التجربة، وإجراء تغييرات وترقيات متكررة بمرور الوقت.
خلال الأشهر الأولى من الجائحة، كان المتطلب الأولي الذي واجهته فرق التعلم والتطوير L&D هو دعمَ الموظفين العاملين من المنازل. ولكن الأولويات تحولت بسرعة لتركز على الرفاه والصحة العقلية، ومن ثم إلى مساعدة الفرق على التعاون بطرق جديدة عبر القنوات الافتراضية. وهذا تحول رئيس يبتعد عن أطر التعلم والتطوير L&D التقليدية، الجامدة تماماً في الأغلب. ولكن فرق التعلم والتطوير L&D التي استجابت بفاعلية أقرت بأهمية إعادة تقييم القرارات والأولويات مع توافر بيانات جديدة.
ومن المواضيع التي يتكرر طرحها خلال مناقشاتنا الأخيرة مع القادة المؤسسيين هو موضوع طريقة حفاظ فريق التعلم والتطوير L&D على مصداقيته بكونه مستجيباً لاحتياجات الأعمال خلال الأزمة. إذ أبلغَ عدد صغير من المؤسسات أن تبني منهجيات رشيقة في فرق الموارد البشرية والتعلم والتطوير L&D لديها ساعد قدرتها على التكيف بسرعة استجابة لاحتياجات الأعمال المتغيرة. وتشير هذه الأمثلة إلى أهمية التقييم المستمر لفاعلية تدخلات التعلم والتطوير L&D والتكيف لتلبية الاحتياجات الفردية والمؤسسية.
ولاحظنا أيضاً عدداً من الحالات التي كانت فيها الأطر المؤسسية أبطأ مما يجب في الاستجابة لوتيرة التغير خلال الجائحة، وكان على فرق التعلم والتطوير L&D الابتكار لضمان الإنجاز الذي يقدم استجابة تتوافق مع الطلب. وفي مؤسسة عالمية كانت الموافقات المطلوبة لإقرار نظام إدارة التعلم المدار مركزياً تبطئ تطوير المحتويات. وللتحرك بنحو أسرع طورت بعض الوحدات الوطنية في تلك المؤسسة المحتوى محلياً وقدمته عبر فيسبوك وورك بليس.
في خضم الأولويات المتنافسة قد يبدو التعلم والتطوير L&D مسألة ثانوية أمام تحديات أكثر إلحاحاً. ولكن التعلم والتطوير L&D نفسه هو وسيلة يمكن من خلالها للمؤسسات أن تُهيِّئ نفسها لمواجهة هذه التحديات، بصورة خاصة بضمان امتلاك قواها العاملة المهاراتِ اللازمةَ لتطبيق التكنولوجيات التي تحسن التنافسية والإنتاجية وتبنيها. وكما تبين أبحاثنا يتطلب ذلك الاستثمارَ في التعلم والتطور L&D بمنظور بعيد المدى وتوجيه استراتيجي، واستعداد للتكيُّف بمرور الوقت.