البلدان الخالية من كوفيد تبحث عن استراتيجيات الخروج
بعد أن نجحت في السيطرة على الفيروس. الآن، بعضها ينفتح بحذر شديد
بعض البلدان التي كانت الأكثر نجاحًا في السيطرة على كوفيد -19 (COVID-19) تبحث حالياً عن طرق لتخفيض الاشتراطات بحذر شديد مع السعي إلى تقليل مخاطر تحول المرض إلى وباء متوطن Endemic. فقد أغلقت الصين وأستراليا ونيوزيلندا وسنغافورة وتايوان حدودها في عام 2020 وأجبرت عددًا قليلاً من الأشخاص المسموح لهم بالدخول على الخضوع لحجر صحي مؤسسي صارم. داخليًا، قضي على تفشي المرض مبكرًا بالحظر الكلي وتطبيق القيود الأخرى. نتيجة لذلك، يمكن للمقيمين الآن أن يعيشوا أنماط حياة شبه طبيعية في معظم الأوقات.
والبلدان التي لديها استراتيجية “صفر كوفيد” Zero COVID هذه، كما أُطلق عليها – يفضل العلماء مصطلح “القضاء على كوفيد” Elimination- “حققت عمومًا نتائج أفضل من البلدان التي اختارت “التخفيف” Mitigation، كما كتب ميكيل أوليو بارتون Miquel Oliu-Barton، من جامعة باريس دوفين Paris Dauphine University، ومؤلفون مشاركون في ورقة بحثية في يونيو في الدورية ذا لانسيت The Lancet. ووجدوا أن مجموعة القضاء على كوفيد لديها معدلات وفيات أقل للفرد، وفترات حظر أقصر وأقل صرامة، وتعافيًا اقتصاديًا أسرع من البلدان التي طبقت استراتيجية التخفيف، بما في ذلك الولايات المتحدة وأوروبا، والتي استخدمت اللقاحات وغيرها من التدابير لمحاولة تخفيف موجات العدوى الهائلة.
ولكن انتشار المتحور دلتا Delta variant شديد العدوى، والعبء الاقتصادي للحدود المغلقة، وإرهاق الحظر Lockdown fatigue، وزيادة توفر اللقاح يغير المعادلة. يقول بن كاولينغ Ben Cowling، الاختصاصي بعلم الأوبئة من جامعة هونغ كونغ University of Hong Kong (اختصاراً: الجامعة HKU): “على المدى الطويل، فإن [صفر كوفيد] ليس مستدامًا اقتصاديًا حقًا”. ويضيف كيجي فوكودا Keiji Fukuda، الاختصاصي بعلم الأوبئة من الجامعة HKU، أيضًا: “ستحتاج البلدان إلى اختبار أساليب مختلفة لإيجاد التوازن الصحيح بين الوقاية من العدوى ومكافحتها وتطبيع الأنشطة المجتمعية”.
أستراليا ونيوزيلندا اللتان كانت لديهما استراتيجيات مماثلة، يتباعد توجههما تباعداً حاداً الآن في سعيهما إلى تحقيق هذا التوازن.
وأستراليا تعيش في خضم تفشٍ حاد بسبب المتحور دلتا، مع ما يقرب من 2,000 حالة جديدة يوميًا بدأت بعدوى واحدة في سيدني، في ولاية نيو ساوث ويلز، في منتصف يونيو 2021. ويقول إيفو مولر Ivo Mueller، الاختصاصي بعلم الأوبئة والأمراض المعدية من معهد والتر وإليزا هول للأبحاث الطبية Walter and Eliza Hall Institute of Medical Research في باركفيل بأستراليا، إن استراتيجية القضاء على كوفيد على الصعيد الوطني لم يعد خيارًا. ويتابع قائلا: “المتحور دلتا راسخ جدًا في نيو ساوث ويلز وفيكتوريا لدرجة أنك لن تصل إلى الصفر”. وفي الوقت نفسه، أدت إجراءات الحظر والقيود الأخرى التي تؤثر فيما يقرب من نصف سكان البلاد البالغ عددهم 25 مليون نسمة إلى مظاهرات عارمة وعنيفة أحيانًا.
وفي 6 أغسطس، وافقت الحكومة الأسترالية على خطة انتقالية وطنية لكوفيد-19 تتخلى عن استراتيجية القضاء على المرض. وهي مدعومة بدراسة نمذجة من معهد بيتر دوهرتي للعدوى والمناعة Peter Doherty Institute for Infection and Immunity من جامعة ملبورن University of Melbourne تظهر أنه يمكن تخفيف القيود تدريجياً دون إثقال كاهل نظام الرعاية الصحية بمجرد تطعيم 70% من السكان بجرعتين. (المعدل الحالي هو 60%). ويمكن الوصول إلى المزيد من الحريات عند تحقيق تطعيم بنسبة 80%.
والولايات والأقاليم الثمانية في أستراليا ستتحكم في كيفية تنفيذ الخطة. ففي سبتمبر 2021، أصدرت نيو ساوث ويلز التي كانت حريصة جداً على الانفتاح، “خريطة طريق للحرية” تقدم بعض التفاصيل. وعندما تصل الولاية إلى معدل التطعيم 70%، سترفع قيود طلب البقاء في المنزل لجميع أولئك الذين تلقوا جرعتين، لكن الكمامات إلزامية في الأماكن العامة الداخلية، والقيود المفروضة على التجمعات الكبيرة ستظل قائمة. ففي Flinders مثال لما تسميه إيما ميلر Emma Miller، الاختصاصية بعلم الأوبئة من جامعة فليندرز University، “طريقة أستراليا المتشظية”، وستُبقي بعض الولايات الأخرى على إجراءات استراتيجية القضاء كمنع الزوار من مناطق أخرى.
وتشير ميلر إلى مشكلة أعمق: سيتعين على الأستراليين قبول زيادة في الحالات الشديدة والوفيات. “وهناك حاجة إلى الإجماع على الأرقام التي سيقبلها المجتمع”، كما تقول.
في المقابل، نيوزيلندا التي كانت أكثر نجاحًا من أستراليا، تتمسك باستراتيجية القضاء على الوباء. قال مايكل بيكر Michael Baker، الاختصاصي بعلم الصحة العامة في جامعة أوتاغو University of Otago، بـ ويلينغتون، إن الدولة قد اتخذت “نهجًا سريعًا وحاسمًا” في “تطبيق أقصى إجراءات الحظر بمجرد اكتشاف حالات غير مبررة لكوفيد-19”. يبدو أن الدولة على وشك احتواء أحدث تفشي لكوفيد-19، والذي بدأ في 17 أغسطس 2021 وأدى إلى حظر على مستوى البلاد. ووصلت الإصابات اليومية إلى 84 في 28 أغسطس ومرة أخرى في 2 سبتمبر، لكنها اتجهت نحو الانخفاض منذ ذلك الحين. يتوقع نيك ويلسون Nick Wilson، الاختصاصي بعلم الصحة العامة في جامعة أوتاغو: “استعادة حالة القضاء على الوباء في البلاد في الأسابيع المقبلة”. على الرغم من إجراءات الحظر المؤلمة، إلا أن استراتيجية “صفر كوفيد” لا تزال شائعة، كما يقول.
وفي شهر أغسطس، قالت لجنة استشارية إن الاستمرار بالالتزام هو “الخيار الأفضل في هذه المرحلة من الوباء”. ومع ذلك، فإن زيادة التطعيم وتحسين تتبع المخالطين قد يسمحان بتخفيف بعض الضوابط الأكثر صرامة. حاليًا، يجري تطعيم نحو 35% من النيوزيلنديين فوق سن 12 عامًا تطعيماً كاملاً، لكن ويلسون يتوقع تغطية بنسبة 80% إلى 90% بحلول نهاية 2021.
هذا المستوى يمكن أن يمهد الطريق للسماح للأفراد الذين تلقوا التطعيم بدخول البلاد وتخطي الحجر الصحي المفروض الآن في وقت ما في عام 2022، كما تقترح اللجنة، إذا وافقوا على شروط مثل فحص PCR والتتبع. وقالت اللجنة إنه نظرًا لإمكانية إصابة الأشخاص المطعمين باللقاح المضاد للفيروس سارس كوف-2 (SARSCoV-2)، فمن “الحتمي أن يدخل الأشخاص المصابون بالفيروس إلى نيوزيلندا دخولاً منتظماً”، مما يتسبب في “انتقال الوباء بين أفراد المجتمع”. ولكن القضاء على الفاشيات Outbreak الناتجة يجب أن يكون ممكناً.
والدول الأخرى التي تتبع استراتيجية القضاء على الوباء تقع في منطقة ما بين هذين القطبين. ويقول كاولينغ إن الصين لم تعلن عن خطط لتغيير استراتيجيتها “وربما تقرر الاستمرار باستراتيجية القضاء على كوفيد”. فقد اتبعت البلاد قواعد صارمة خاصة بها للسيطرة على تفشي متحور دلتا الذي بدأ في أواخر يوليو في نانجينغ وظهر في عدد من المدن الأخرى؛ انخفض عدد الحالات اليومية من نحو 150 إلى صفر بحلول أوائل سبتمبر. ولكن عدوى الدلتا عادت للظهور: إذ أبلغت مقاطعة فوجيان الجنوبية الشرقية عن 59 حالة عدوى محلية في 13 سبتمبر 2021.
وفي مايو، اختبرت تايوان استراتيجية صفر كوفيد عندما شهدت الجزيرة ارتفاعًا في عدد الحالات إلى أكثر من 700 يوميًا، لكن الاستراتيجية أثبتت فائدتها؛ ففي الأسبوع الثالث من سبتمبر، كان هناك أقل من 10 حالات يومية في المتوسط. ومع ذلك، فإن البعض يطالب تايوان بتخفيف قيود الدخول الصارمة وإعداد الجزيرة “لاستيطان محدود”، كما يقول لين هسين هو Lin Hsien-Ho، الاختصاصي بعلم الأوبئة من جامعة تايوان الوطنية National Taiwan University. ومن المرجح أن تظل أرقام الحالات اليومية في خانة العشرات حتى يقبل الجمهور هذه التغييرات، كما يقول: نظرًا لوجود عدد قليل جدًا من الإصابات لفترة طويلة، فإن تايوان “لديها أمل بأن يبقى عدد الحالات منخفضا جدًا”.
وفي غضون ذلك، تخفف سنغافورة بحذر من ضوابطها على الحدود. اعتبارًا من 8 سبتمبر، بدأت بالسماح للمسافرين المحصنين من بروناي وألمانيا بالدخول دون الخضوع لحجر صحي، على أساس المعاملة بالمثل، كخطوة تجريبية. ولكن، ربما لا تتوسع في تنفيذ هذا المخطط لأنها (المدينة – الدولة) في خضم أسوأ انتشار لها منذ أكثر من عام، حيث تم الإبلاغ عن أكثر من 450 حالة في 9 سبتمبر، على الرغم من أن ما يقرب من 80% من السكان تلقوا التطعيم كاملاً.
وبالنسبة إلى جميع هذه البلدان، فإن قرار الخروج من فقاعة كوفيد-19 هو قرارٌ بالغ الأهمية. وقد ساعدت استراتيجية القضاء على الوباء على تقليل الآثار الصحية العامة والاقتصادية، ووفر للبلدان الوقتَ لانتظار تطوير واختبار اللقاحات والأدوية. من ناحية أخرى، من المؤكد أن التخلي عن استراتيجية صفر كوفيد هو طريق ذو اتجاه واحد. ويقول بيكر في نيوزيلندا، ” إحدى الفوائد الرئيسية لاستراتيجية القضاء على كوفيد تتمثل بأنها تبقي جميع … الخيارات مفتوحة”.
بقلم: دينيس نورمايل
ترجمة: مي بورسلي
©2021, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved