أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
علم الحيوان

هل نستطيع استخدام نظرية الوكزة لمساعدة الحيوانات المهددة على إنقاذ نفسها؟

الحياة البرية المهددة بالانقراض ليس لديها في كثير من الأحيان الوقت لتتطور بما يناسب بيئات سريعة التغير. والآن يتلاعب أنصار الحفاظ على الطبيعة بالسلوك الحيواني، باستخدام تقنيات "وكز" أقرب إلى تلك المصممة للتأثير في البشر

كين راميريز Ken Ramirez مدرب حيوانات لديه عقود من الخبرة، بما في ذلك 25 سنة قضاها في حوض شيد المائي Shedd Aquarium في شيكاغو بولاية إيلينوي. وعلم كل أنواع المخلوقات أن تفعل جميع أنواع الحيل. وذات مرة، درب آلاف الفراشات على أداء عرض راقص في حديقة نباتية. واستغرق الأمر عدة أسابيع، لكن حتى هو أُعجِب بالنتيجة. ويقول: “شاهدت العرض في رهبة. إذ بدت الفراشات تتماوج على إيقاع الموسيقى – كان الأمر لا يُصدَّق!”

وفي هذه الأيام، مع ذلك، يبدو راميريز أقل عرضة لاستخدام مواهبه للترفيه. وبدلاً من ذلك، قال إنه يعمل على حماية الحيوانات البرية بتحسين سلوكها. وقد يبدو ذلك تدخلياً، لكن في عالم سريع التغير حيث يمكن أن تكون للأنشطة البشرية عواقب مميتة على الحياة البرية، لا يمكن للتطور Evolution في كثير من الأحيان أن يعمل بسرعة كافية لمواجهة التحديات. لذلك يهدف عدد متزايد من دعاة الحفاظ على الطبيعة Conservationists إلى تشجيع الحيوانات البرية على التكيف من خلال فهم السلوكيات مثل الصيد والرعي والتزاوج والهجرة والتلاعب بها.

والواقع أن هذه الطريقة تشبه الاستراتيجيات التي تتبناها الحكومات والمنظمات بازدياد لتحفيز البشر نحو خيارات صحية أو مفيدة اجتماعياً. ويُشَار إلى ذلك أحياناً بــ “الوكزات” Nudges، وهي تستند على فكرة تقول، مثلاً، إننا نختار تناول مزيد من الخضراوات إذا كانت سلطة في بداية البوفيه قبل البيتزا. أو أن ندرة مواقف السيارات في مدينةٍ تشجعنا على ركوب الدراجة الهوائية أو الحافلة. ويقول راميريز: “كل المخلوقات تتعلم بالطريقة نفسها. دعونا نجعل ما لا نريد أن تفعله الحيوانات صعباً وما نريدها أن تفعله سهلاً. يمكن أن يرشدها قليل من الوكز إلى  سلوكيات ستنقذها”.

لتدريب تلك الفراشات، فقد علمها راميريز الربط بين التحفيز، مثل ومضة من الضوء أو اهتزاز تحت (دون) صوتي Subsonic vibration، والمكافأة الغذائية. وبهذه الطريقة، جعل مجموعات من الحشرات تطير في اتجاهات مختلفة عند التحفيز. ويَستخدِم التعلم بالتداعي Associative learning في البرية. وكانت إحدى أولى محاولاته في الحفاظ على الطبيعة في سيراليون، حيث ساعد الحراس المحليين على حماية مجموعة من قردة الشمبانزي من الصيادين الجائرين. وكانت الشمبانزي الواعية تصرخ عند اقتراب الصيادين، لكن الحراس لم يستطيعوا سماعها لأن محطتهم كانت بعيدة جداً. وفكر حارس لو صاحت المجموعة كلها في انسجام. فهذا الضجيج سينبه الحراس. وأعطى ذلك راميريز فكرة – وضع أنابيب تسقط منها الفاكهة والحشرات في الأشجار التي تجلس عليها القردة. ويقول: “عندما يقترب شخص وتصرخ القردة، نضغط على زر متحكم فيه من بعيد يطلق الطعام. وسرعان ما تعلمت: ’أصرخ، فأحصل على الطعام‘”. وسرعان ما صرخت كل الشمبانزيات إزاء أي مشاهدة لإنسان. “وانخفض الصيد الجائر بنسبة 86%”.

جذب أو صد

راميريز ليس أكاديمياً؛ هو يعمل في الميدان ولا ينشر أعماله في مجلات علمية. ولكن الفكرة القائلة إن السلوك الحيواني قد يحمل المفتاح للعديد من قضايا الحفظ على الطبيعة تترسخ بين الأكاديميين أيضاً. فهذا السلوك يمكنه تعزيز جهود الحفظ أو إضعافها، كما يقول أوديد بيرغر-تال Oded Berger-Tal، الاختصاصي بالإيكولوجيا. وفي كثير من الأحيان، ينطوي السلوك الحيواني على محاولات لجذب الحيوانات أو صدها. وتكون ممرات الحياة البرية مثالاً جيداً على ذلك، فقد صارت هذه الممرات الخضراء وسيلة شائعة لربط الموائل المجزأةFragmented habitats ، لكن هناك مشكلة كبيرة. يقول بيرغر–تال: “في كثير من الأحيان، تبنيها الحيوانات ولا تستخدمها. وقد يكون تشجيعها على اتخاذ هذا القرار بسيطاً مثل وضع روث الحيوانات أو بولها على طريق جديدة لخداعها لتفكر في أن حيوانات أخرى سبقتها على هذه الطريق.

وفي حديقة بانف الوطنية Banff National Park بكندا، يستخدم علماء الأحياء تقنية وكز أخرى لوقف وقوع الدببة الرمادية ضحية للقطارات. وتقول كولين سانت كلير Colleen St Clair، من جامعة ألبرتا University of Alberta بكندا: “توقعنا بأن هناك ظروفاً لا تكتشف فيها الدببة الرمادية قطاراً يقترب في وقت مبكر بما فيه الكفاية”. لذلك استخدمت هي وزميلها جوناثان باكس Jonathan Backs، من جامعة ألبرتا أيضاً، نظاماً من الأضواء الساطعة وأجراس الإنذار التي تشغلها القطارات لتحذيرها. ولم يدفع هذا فقط الدببة الرمادية إلى التحرك بعيداً عن المسارات في وقت أقرب، بل أيضاً دفع مجموعة من الحيوانات الأخرى بما في ذلك الأيائل والذئاب وحتى الثدييات الصغيرة والطيور إلى الابتعاد في الوقت المناسب.

ويمكن أن يكون لطُرق مماثلة تطبيق واسع النطاق. وعلى الصعيد العالمي، تمثل حوادث المركبات ما يصل إلى 10%من حالات الموت المعروفة بين الثدييات، بما في ذلك الأنواع المهددة بالانقراض مثل نمر فلوريدا. وفي الواقع، تقول سانت كلير إن النظام جذب الاهتمام في الهند، حيث تصطدم الأفيال بالقطارات في كثير من الأحيان.

حل النزاعات

النزاعات بين البشر والحياة البرية هي مجال جاهز للعمل عليه، خصوصا لدعاة الحفاظ علي الطبيعة من خلال تغيير السلوك. فمع نمو عدد السكان البشر، يتصادم الناس والحياة البرية في كثير من الأحيان، من الأيائل المجتاحة للمدن إلى الذئاب التي تقتل الماشية والأوزات التي تتغوط على ملاعب الغولف الخضراء. وتقول أليسون غريغور Alison Greggor، من حديقة سان دييغو في كاليفورنيا: “في السابق، كانت تُعدَم الحيوانات كلما وقعت مشكلة”. ولكن هذا “الحل” لا يدوم أبداً لأن حيوانات أخرى تحل محلها. ويحاول مديرو الحياة البرية الاجتهادَ في تغيير السلوك الإشكالي نفسه. خذوا طيور اللقلق Cranes، والتي تُشتهَر بمداهمة حقول المزارعين: يمكن لطائر واحد أن يأكل 400 حبة من الذرة يومياً، وسيقضي سرب كامل بسهولة على حقل مزروع حديث. والفزاعات وأجهزة الضوضاء فعالة إلى حد ما كرادع، لكن “المحاصيل الجذابة” في المناطق المخصصة للطيور تكون أفضل.

ويستخدم راميريز طريقة مماثلة لطريقة الجزرة والعصا في زامبيا لردع الفيلة عن العبور إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية عند هجرتها السنوية. يقول: “للأسف، لا يوفر هذا البلد سوى القليل من الحماية ضد الصيادين الجائرين، و ُتُقتل عشرات الفيلة كل عام”. وبجهود فريق من المساعدين، قال إنهم تمكنوا من توجيه الفيلة للالتفاف حول منطقة الخطر. فقد استخدموا أشجاراً كبيرة لعرقلة المسار الأصلي وأنشأوا عيون ماء اصطناعية لجذب الحيوانات إلى طريق جديدة. ويقول راميريز: ” كل شيء يجري عن بعد. فالحيوانات لا يمكنها أبداً أن تراكم تعملون، أو تعرف أن لكم أي علاقة بما يحدث”. ويرى أدلة على نجاح المشروع، وهو الآن في عامه الثالث. إذ يقول: “يبدو أن الفيلة تفهم بالفعل ما يُفترَض أن تفعله”.

تقول سانت كلير إن الناس يميلون إلى التقليل من شأن الحيوانات. “هذا جزء مما يجعلني متحمسة لهذه الأداة. نعتقد بأننا ملوك القدرة على التعلم، لكن جميع الرئيسيات والحيوانات اللاحمة جيدة في التعلم بالتداعي. حتى الحيوانات البسيطة حقاً قادرة على ذلك”.

ويبدو أن بعض الحيوانات تشعر حتى بما يجري. تتذكر سانت كلير حادثاً ينطوي على محاولة للتلاعب بسلوك الدببة السوداء في ويسلر، وهي بلدة منتجع في كولومبيا البريطانية بكندا. في كل عام، يحل الملايين من السياح في المنطقة ويضطر الحراس بانتظام إلى إطلاق النار على الدببة لأنها تكون خطرة على الناس أثناء تنقيبها في نفاياتهم. وكانت إحدى طالبات سانت كلير تطلق الرصاص المطاطي أو الزجاجي من مقلاع على الدببة التي غامرت بالاقتراب من المناطق البشرية. ولكن قبل أن تفعل ذلك، كانت تطلق صافرة تحذيرية. فإذا هرب الدب؛ دقت جرساً للإشارة إلى أن خطر التعرض لإطلاق الرصاص انتهى. وتقول سانت كلير: “أخبرتني ذات مرة إنها دقت بطريق الخطأ الجرس في وقت مبكر جداً عندما كان الدب فقط على جزء قريب من المنحدر. والتفت ونظر إليها كما لو كان يقول، ’هل حان الوقت؟‘”

وعلى الرغم من هذه البصيرة الظاهرية، يمكن لمحاولات تكييف سلوك الحيوانات البرية أن تخطئ وتصيب. في أستراليا، تعلم حيوان جرابي مهدد بالانقراض يُسمَّى الدصيور الشمالي Northern quoll بنجاح تجنب تناول علجوم القصب Invasive Cane toad  الغازي Invasive، وهو سام، بعدما غذى علماء أحياء حيوانات الدصيور الشمالي المرباة في الأسر قبل إطلاقها بنقانق مصنوعة من لحم هذا العلجوم ومغلفة بمادة كيميائية محفزة للغثيان. ومع ذلك، فإن حشو جثث الماشية بمواد غير سارة مماثلة في محاولة لإقناع حيوانات القيوط Coyotes بأن حيوانات المزارع لا تستحق الأكل لم يردعها دائماً عن افتراس الأغنام والأبقار.

تقول سانت كلير إن طريقة التدريب قد تنجح حتى مع حيوان، لكن ليس مع آخر من النوع نفسه. “فالحيوانات لها شخصيات أيضاً”. ويكون البعض أكثر ميلاً إلى قبول الوكزات من غيرها.

لكن هل يجب أن نحاول العبث بهذه الطريقة على الإطلاق؟ هل يمكن أن ينتهي بنا الأمر إلى جعل الحيوانات البرية أكثر اعتماداً علينا؟ يقول بيرغر-تال إن التساؤل يدخل في صميم الحفظ. “أحد الأهداف الرئيسية للحفاظ على الطبيعة هو الحفاظ على التطور. إذا غيرنا الطريقة التي تتصرف بها الحيوانات، يمكن لذلك أن يغير المسار التطوري. إنها مقايضة”.

هل هذا حكيم؟

ومع ذلك، فإن هذه الطريقة أقل تطرفاً مما قد يبدو. فلطالما كان التدريب أداة لا تُقدَّر بثمن في إعداد الحيوانات المهددة بالانقراض التي تُربَّى في الأسر للعيش في البرية. وقد يفترض الناس أنها تعرف غريزياً كيفية التصرف، لكن العديد من هذه الحيوانات غير كفؤة في الهروب من الحيوانات المفترسة أو في الرعي ولن تنجو ما لم  تكتسب هذه السلوكيات. هذا، مثلاً، ما يحصل قبل أن تطلق غريغور غربان هاواي النادرة التي تسمى ألالا Alala؛ هي تساعد على تكاثرها، وقالت إنها يجب أن تعلمها فتح قرون البذور التي  توفر لها الطعام. “أولاً، نعطيها قروناً Pods مفتوحة بالفعل. وبعد ذلك نترك القرون مغلقة بعض الشيء، ثم نقدم المغلقة بالكامل”. وبالمثل، عندما ينقل دعاة الحفاظ على الطبيعة الحيوانات البرية من منطقة إلى أخرى، قد يحتاجون إلى تعليمها سلوكيات جديدة للتعامل مع بيئتها الجديدة.

إلى جانب ذلك، نحن بالفعل نؤثر في الحياة البرية بطرق متعددة بفعل وجودنا الكثيق. فالطيور في المدن تغرد تغريدًا مختلفاً لتطغي على حركة المرور. والثعالب الحضرية Urban foxes تكون أقل خجلاً. لكن تطويع سلوك الحيوانات البرية عن قصد مسألة مختلفة. تقول ليف فان دي غراف Liv Van de Graaff، الاختصاصية بعلم السلوك من كلية هنتر Hunter College بنيويورك: “من المهم التفكير في الأمر حقاً. فالبشر لديهم طريقة للتغافل عن التأثير إذا كانت نواياهم جيدة”. وتصف فكرة راميريز لتعليم الشمبانزي الصراخ لحمايتها من الصيادين بأنها “عظيمة”. وتقول: “إنها طريقة غير باضعة Non-invasive وتشبه ما تفعله هذه الحيوانات على أي حال”. لكنها تشير إلى أن عواقب غير مقصودة قد تترتب عليها أيضاً. مثلاً، قد ترفع مستويات التوتر لدى القردة للمشاركة في كثير من التنبيه. وبعد ذلك هناك مسألة تغيير الديناميكية الاجتماعية للمجموعة إذا كانت كل قردة الشمبانزي حارسة .

عندما يتعلق الأمر بالآثار الجانبية، يجب أن ننظر في أسوأ السيناريوهات، وتقول ليسان شنايدرز Lysanne Snijders، الاختصاصية بعلم الإيكولوجيا السلوكية من جامعة واغنينغن Wageningen University بهولندا: “مثلاً، نريد أن نتأكد عند تعليم الحيوان عدم تناول طعام معين من أنه لن يعمم ذلك على طعامه الطبيعي. فلن تكون هذه هي المرة الأولى التي يحاول فيها الناس حل مشكلة ما وخلق مشكلة أكبر”.

ربما لا يكون الوكز في العزول أفضل سياسة أيضاً. فحتى أشد المدافعين عنها يقرّون بأن الوكز يعمل أفضل عند مزجه مع تكتيكات أخرى. مثلاً، هناك طريقة أساسية لإبعاد الدببة عن المدن تتمثل بأن يغلق الناس أغطية حاويات القمامة، ويسيجوا أشجار الفاكهة وصناديق السماد العضوي. وتقول سانت كلير: “عادة لا يوجد حل واحد سحري”.

ويوافق راميريز على أن علينا أن نكون حذرين من الآثار المتتالية المحتملة الناجمة عن تغيير سلوك الحيوانات. ولكنه يشير إلى أن أنصار الحفاظ على الطبيعة قد تكون لديهم بدائل قليلة للوكز. مثلاً، لم يتمكن الحراس في سيراليون من إيجاد طريقة أخرى للحد من الصيد غير المشروع. يقول: “يتعلق الأمر بالسؤال التالي: هل تستحق التغييرات كل هذا العناء؟ أشعر بأننا نحن البشر مدينون للحيوانات بمحاولة إيجاد حلول للمشكلات التي نخلقها”.

بقلم: أوتي إيبرلي

ترجمة: عبد الرحمن أياس

© 2021, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى