السباق لإنقاذ أدلة على ماضي كوكب الأرض من الذوبان مع الثلاجات الجليدية
جليد الثلاجات الجليدية يسجل الكثير من المعلومات الثمينة حول التاريخ البيئي للكوكب، لكنه يذوب بسرعة. مشروع الذاكرة الجليدية يجتهد لاستخراج عينات للأجيال القادمة وحفظها قبل فوات الأوان
كانت مارغيت شويكوفسكي Margit Schwikowski وأعضاء فريقها يحاولون الحفر في الثلاجة الجليدية Glaciers كورباسيير Corbassiére في جبال الألب السويسرية عندما بدأ الطقس بالتغير. كانوا يخيمون على القمم الشاهقة من جبل غراند كومبين Grand Combin. والطريقة الوحيدة لتجاوز هذه الطبقة الشاسعة من الجليد في عاصفة هي الهبوط على جدار جبلي شديد الانحدار، أو اجتياز سطح الثلاجة الجليدية الوعر نفسه، والذي يودي بحياة الكثيرين كل عام. وبدلاً من ذلك، رجعوا بطائرة هليكوبتر قبل أن يتأخر الوقت.
وشويكوفسكي، الاختصاصية في الكيمياء البيئية من معهد بول شيرر Paul Scherrer Institute بفيليغن في سويسرا، ترى أن مخاطر إرسال بعثات مثل هذه البعثة الاستكشافية إلى كورباسيير في أكتوبر 2020 هو أمر يستحق العناء بكل تأكيد. فالفريق الذي كانت تقوده هو جزء من مشروع دولي يهدف إلى الحفاظ على “الذكريات” المجمدة في الثلاجات الجليدية الجبلية في جميع أنحاء العالم، بحفر عينات إسطوانية طولية من الطبقة السطحية للثلوج الجديدة وصولاً إلى الجليد القديم المضغوط في قاعدة الثلاجة الجليدية.
هذه النوى الجليدية Ice cores تعجّ بمعلومات عن ماضي كوكب الأرض، وهي معلومات يمكن أن تكون حاسمة في معركتنا ضد الاحترار العالمي Global warming. ففي داخلها صورة محفوظة عن كيفية تغير مناخ الكوكب مع مرور الوقت، إضافة إلى أدلة على النشاط البشري منذ زمن يعود إلى الرومان، وأدلة حول تطور الكائنات الحية الدقيقة، وأكثر من ذلك بكثير. والآن، يتسابق العلماء مع ارتفاع درجات الحرارة لإنقاذ النوى الجليدية من الثلاجات الجليدية في العالم قبل أن تذوب.
الثلاجات الجبلية، المعروفة أيضاً بالثلاجات الألبية، هي أنهار بطيئة التدفق من الجليد. وهي تبدأ الحياة على ارتفاعات عالية، حيث تتجاوز كميةُ الثلوجِ المتساقطة في فصل الشتاء الكميةَ التي تذوب في فصل الصيف بكثير. ومع مرور الوقت، تتراكم كتل الثلج ويتسبب الوزن الزائد في تحوِّل رقاقات الثلج في الطبقات الأعمق تدريجياً إلى جليد أزرق اللون، يزحف في نهاية المطاف إلى أسفل الجبل تحت وطأة وزنه.
تقول شويكوفسكي: “في أعماق الثلاجات الجليدية هناك عملية مذهلة، حيث يُحفَظ الهواءُ القديم من زمن حُصِر في الجليد”، واصفة تأثير الكثافة المتزايدة مع العمق. ويبلغ هذا العمق الحرج حيث لا يمكن حتى للهواء الهروب نحو 45 متراً في جبال الألب الأوروبية (انظر: ما تتذكره الثلاجة الجليدية). والهواء المحصور هو مجرد أثر تاريخي واحد سيضيع إلى الأبد إذا لم تُجمَع عينة النوى الجليدية قبل ذوبان الثلاجات الجليدية. وتسارع شويكوفسكي وفريقها لاستخراج عينات من الثلاجات الجليدية الأكثر عرضة لخطر الذوبان. وتقول: “وليس هناك كثير من المجموعات البحثية في العالم التي يمكنها حفر واستخراج نوى الجليد، ومن ثم يتعين علينا أن نعمل بجد”.
ومن المحزن أنه في حالة الثلاجة كورباسيير الجليدية، فإن الأوان قد فات بالفعل. فحتى قبل أن يتغير الطقس، أُحبطت البعثة. ففي كل محاولة لاستخراج نواة الجليد، وصل العلماء إلى طبقة صلبة تُعرَف بعدسة الجليد Ice lens. وهذه تتشكل عندما تذوب الطبقات السطحية من الثلاجات، مما يؤدي إلى تسرب المياه عبر الثلج، قبل تجمدها مجددا على شكل غطاء جليدي سميك في أسفل الطبقات. وبتسلسل زمني مختلط لطبقات جليدية مثل هذا، تضيع المعلومات العلمية القيِّمة إلى الأبد.
خلال اختبار عام 2018 بدت الثلاجة الجليدية في حالة جيدة، لكن لابد من أن صيفين دافئين استثنائيا تسببا في خسائر فادحة. تقول شويكوفسكي: “إن الطريقة التي تضرر بها أرشيف الجليد هذا على نطاق واسع في غضون سنتين فقط تخبركم بمدى حساسية هذه الثلاجات الجليدية”.
إنها قصة مماثلة في كل أنحاء العالم. فالثلاجات الجليدية تتقلص بمعدلات مقلقة. وفُقِد أكثر من 9 تريليونات طن من الجليد الجليدي بين عامي 1961 و2016؛ مما أضاف 27 ملليمتراً إلى متوسط مستوى سطح البحر العالمي، وفق دراسة أُجرِيت عام 2019 بقيادة مايكل زيمب Michael Zemp، مدير الخدمة العالمية لرصد الثلاجات الجليدية World Glacier Monitoring Service. وهذا يعادل ذوبان كتلة جليدية بحجم المملكة المتحدة بمتوسط سمك يبلغ 44 متراً، كما يقول. وإذا استمرت معدلات الذوبان الحالية، ستختفي الثلاجات الجليدية تماماً من أوروبا ونيوزيلندا وغرب أمريكا الشمالية، إضافة إلى أجزاء أخرى من العالم، بحلول نهاية القرن الحالي.
وستكون النتيجة زيادة أخرى في مستويات سطح البحر على الصعيد العالمي، وكل ما يصاحبها من الآثار السلبية على البشر، ولاسيما أولئك الذين يعيشون بالقرب من السواحل وفي المجتمعات المحلية الريفية التي تعتمد على المياه الناتجة من ذوبان الجليد الموسمي. وفي رأي علماء مثل شويكوفسكي، فإن ذوبان الثلاجات الجليدية هو خطر يترصد أيضاً أرشيفاً لا مثيل له متضمنًا في جليد الماضي البيئي لكوكب الأرض؛ مما دفع إلى إطلاق مشروع الذاكرة الجليدية Ice Memory في عام 2015. وهذا الجهد الدولي الذي تدعمه الآن اليونسكو ( منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، تعرف اختصارا بمنظمة اليونيسكو UNESCO)، فإنه يجمع باحثين من مختلف المجالات. يقول كارلو باربانتي Carlo Barbante، الاختصاصي بعلم الكيمياء من جامعة البندقية University of Venice بإيطاليا والمؤسس المشارك للمشروع: “كان علينا أن نتخذ إجراءات قبل فوات الأوان. وهذه الأرشيفات هي سجلات هائلة لماضينا ويجب الحفاظ عليها للأجيال المقبلة من العلماء”.
ومن الناحية الجيولوجية، تحمل الثلاجات الجليدية الجبلية سجلاً جليدياً صغيراً إلى حد ما، يمتد عادة على مدى السنوات الـ1000 إلى الـ10,000 الماضية. شيء واحد لا يمكنها فعله هو بناء صورة للمناخ في المدى البعيد حقاً. ولهذا الغرض، يعتمد العلماء في الأغلب على عينات جليدية قديمة من الصفائح الجليدية القارية في أنتاركتيكا (القطب الجنوبي) وغرينلاند. وهذه أيضاً مهددة بالاحترار العالمي، لكن انكماشها سيحدث على مدى آلاف السنين، ومن ثم فهي خارج نطاق مشروع الذاكرة الجليدية.
وعلى الرغم من حداثتها، فإن الثلاجات الجليدية الجبلية تمتازعن الصفائح الجليدية بميزة رئيسية واحدة– انتشارها الجغرافي. فهي موجودة في جميع القارات باستثناء أستراليا. وهذا يساعدنا على بناء صورة عالمية للمناخات الماضية الحديثة نسبياً، ويعني أن المعلومات التي تحتوي عليها هي أيضا خاصة جداً بالمنطقة المحلية.
ومنذ أن بدأت مشاريع النوى الجليدية التي تبحث في الثلاجات الجليدية الأوروبية في سبعينات القرن العشرين، حددت مجموعة من الأدلة على الظروف في أوقات مختلفة، من المادة البيولوجية المحلية إلى الرمال الصحراوية والغبار البركاني الذي تنفخه الرياح. وتميل هذه الثلاجات الجليدية أيضاً إلى أن تكون قريبة بما فيه الكفاية من الأنشطة البشرية لتحمل سجلاً لتأثيرنا أيضاً. فقد تركت أكاسيد النتروجين من السيارات والمعادن الثقيلة من الصناعة والملوثات المشعة الناجمة عن كارثة تشيرنوبيل في عام 1986 بصماتها في الجليد. بل وجدت الدراساتُ حتى جزيئات الرصاص Lead والأنتيمون Antimony المرتبطة بإنتاج الأنابيب والعملات الفضية التي استخدامها الرومان.
وهذا شيء مهم جداً، لكن فهم المناخات الماضية هو الجائزة الحقيقية عندما يتعلق الأمر بالنوى الجليدية من الثلاجات الجليدية الجبلية. وتُرمَّز المعلومات في أنواع مختلفة من المياه في أعماق مختلفة في الجليد. فخلال الفترات الأكثر دفئاً، تتبخر من المحيطات كميات أكبر من أشكال أثقل من الماء- ذرات الهيدروجين والأكسجين في جزيئات الماء لديها عدد أكثر من المعتاد من النيوترونات. وبعض من هذه المياه الأثقل ينتهي متساقطاً مرة أخرى على كوكب الأرض كثلوج الثلاجات الجليدية، مما يوفر وسيلة أنيقة لإعادة رسم خريطة درجات الحرارة الماضية.
الحياة المجمدة
بل قد يكون من الممكن إلغاء بعض آثار التغيرات المناخية السابقة في النُّظم الإيكولوجية. وإحدى طرق فعل ذلك هي من خلال الكائنات الحية الدقيقة المخزنة داخل الثلاجات الجليدية الجبلية. تقليدياً، كانت الأبحاث على الميكروبات التي تعيش في الجليد تقوم على زراعة هذه الميكروبات من عينات ميدانية، مما كشف عن جزء منها فقط، ذلك الجزء الذي ينمو في المختبرات”. غير أن تكنولوجيات السلسلة الجينية تتجاوز هذا الشرط، مما يمكن البيولوجيين من الحصول على صورة أكثر اكتمالاً للنظم الإيكولوجية الجليدية مباشرة من عينات الميدان نفسها.
تقول كاثرين لاروز Catherine Larose، الاختصاصية بعلم الميكروبات من مدرسة ليون المركزية École Centrale de Lyon في فرنسا: “هناك كثير من الأسئلة التي يمكننا أن نبدأ بطرحها. فإذا كانت لديك هذه النوى الجليدية القديمة، هل يمكنك العثور على أشكال قديمة جداً من الحياة؟ هل الأشياء التي كانت موجودة في الماضي مشابهة لما نراه الآن؟” ويتمثل أحد خطوط هذا البحث ببناء صورة للنظم الإيكولوجية من خلال تتبع كيفية تطور الكائنات الحية الدقيقة وجيناتها استجابة للضغوط البيئية. مثلاً، ضمنياً، تعني وفرة الجينات المرتبطة بمقاومة الزئبق توفر هذا العنصر الشديد السمية، وانبعاثه من مصادره الطبيعية كالبراكين وحرائق الغابات.
وحرصاً على عدم ضياع هذه الأدلة على الماضي، انتشر الباحثون المشاركون في مشروع الذاكرة الجليدية في جميع أنحاء العالم لجمع العينات. وفي عام 2016 استخرجت البعثة الاستهلالية ثلاث نوى جليدية من ثلاجة كول دو دوم Col du Dôme على ارتفاع 4,300 متر في مون بلان Mont Blanc بفرنسا. ومنذ ذلك الحين، استُخرِجت نوى عام 2017 من ثلاجة إيليماني Illimani في بوليفيا– حيث تحتفظ الثلاجات بسجلات يعود تاريخها إلى 18,000 سنة – ومن موقعين بروسيا في عام 2018. وتتمثل الخطة باستخراج النوى من 20 موقعاً آخر من جميع أنحاء العالم على مدى السنوات الـ10 إلى الـ15 المقبلة.
يحفر العلماء بالقرب من أعلى نقاط الثلاجات الجليدية، حيث تتراكم الثلوج والجليد، بدلاً من أسفل اللسان الجليدي Glacier tongue، حيث يمزج تدفق الانحدار سجل الجليد. ولكن الطبيعة لا تتعاون دائماً. يتذكر باتريك جينو Patrick Ginot ، من معهد العلوم الجيولوجية البيئية Institute of Environmental Geosciences (اختصارا: المعهد IGE) في غرونوبل بفرنسا، والذي قاد بعثة بوليفيا، الرياحَ العاتيةَ وتساقط الثلوج بغزارة لمدة أسبوعين على ارتفاع 6,300 متر فوق مستوى سطح البحر. ويقول: “كانت هناك أيام في قمة ثلاجة إيليماني الجليدية لم نتمكن فيها من العمل على الإطلاق”.
كذلك أدى سوء الأحوال الجوية في شهر مايو إلى تأجيل أعمال الباحثين في مشروع الذاكرة الجليدية من المشاركين في بعثة الثلاجة كولي غنيفيتي Colle Gnifetti بالجزء الرئيسي من مونتا روزا Monta Rosa على الحدود الإيطالية السويسرية حتى يونيو، عندما استخرجوا النوى وصولاً إلى صخر الأديم Bedrock. وعلى ارتفاع 4,500 متر، تُعَد منطقة التراكم في كولي غنيفيتي الأعلى في أوروبا، حيث يعود تاريخ الجليد إلى 15,000 سنة. وتقول شويكوفسكي: ” إلى جانب سجل مناخي طويل، يحتوي الموقع أيضاً على معلومات عن التاريخ البشري، مثل التغيرات في استخدام الأراضي وزراعة المحاصيل أو أنشطة التعدين قبل الثورة الصناعية”.
أما خارج أوروبا؛ فالهدف التالي هو جبل كليمنجارو Mount Kilimanjaro في تنزانيا، حيث يمكنك العثور على الثلاجة الجليدية الوحيدة المتبقية في إفريقيا مع ما يكفي من الجليد ليكون مفيداً للدراسات المناخية. فعلى ارتفاع 6,000 متر تقريباً، يوفر الجليد في كيبو Kibo، أعلى قمة في كليمنجارو، فرصة فريدة لدراسة التكوين السابق للتروبوسفير الأوسط الاستوائي Tropical middle troposphere – وهي منطقة مهمة في الغلاف الجوي للطقس العالمي والعمليات المناخية. ولكن الساعة تدق، إذ إن ما يقرب من 85% من الغطاء الجليدي لكليمنجارو قد ذاب على مدى القرن الماضي.
المشهد الطويل
ليست محاربة عناصر الطبيعية هي التحدي الوحيد الذي يواجه هذه البعثات، فهناك عقبات لوجستية على صعيد التنقل أيضاً. إذ يحتاج العلماء إلى تصاريح من الحكومات، ومساعدة محلية في مجال النقل، وسلسلة تبريد موثوق بها لضمان عدم ذوبان العينات. وهذه الشراكات المحلية هي عنصر أساسي من الذاكرة الجليدية. ويدرك علماءُ المشروعِ تماماً الضررَ الذي يمكن أن يلحقه العلماء الأوروبيون الذين “يهبطون بالمظلات” على الدول الأقل تقدماً علمياً لاستخراج عينات لصالح حياتهم المهنية. يقول جينو: “طريقتنا هي دائماً البدء ببناء تعاون مع العلماء المحليين، ومن ثم تنظيم العملية من هناك”.
وحتى بعد كل هذا، ليس استرجاع النوى الجليدية سوى نصف المعركة، لأنها تحتاج أيضاً إلى تخزينها. وتتمثل الخطة بتخزينها في مرفق “ملاذ جليدي” Ice sanctuary مصمم لهذا الغرض في محطة كونكورديا الفرنسية الإيطالية للأبحاث Concordia Research Station، على بعد أكثر من 1,000 كم من الساحل الجنوبي الشرقي لأنتاركتيكا. واختير الموقع لكونه محايداً سياسياً وبارداً وموثوق في المدى البعيد، لذلك لا يوجد تهديد بحدوث فشل في التجميد قد يقضي على آلاف السنين من البيانات. وهناك، سيُحتفَظ بالنوى في كهوف جليدية أُنشِئت بنفخ بالون على شكل نقانق مغطى بالثلوج في عملية تذكرنا بالورق المعجن Papier mâché. وستكون الكهوف على عمق 10 أمتار تحت سطح الأرض، مع درجة حرارة محيطة تبلغ -50 ْس. وجمّدت جائحة كوفيد-19 الجداول الزمنية، لكن النوى الأولى يمكن أن تصل إلى المحمية الجليدية في وقت مبكر من عام 2023.
وفي حين أن التخزين أبعد ما يكون عن أن يكون عادياً، إلا أنه حيوي لمشروع الذاكرة الجليدية. ففي بعثة نموذجية تهدف فرق البعثة إلى استرداد ثلاث نوى جليدية، مع واحدة فقط للتحليل الفوري واثنتين تُحفَظ للأجيال المقبلة من العلماء. فمن المؤمل، مع المعرفة والتكنولوجيا التي لا نمتلكها بعدُ، أنه يمكن استخراج معلومات من هذه المحفوظات الجليدية أكثر مما يمكننا أن نحلم به الآن. مثلاً، تقول لاروز إن البيولوجيين بدؤوا للتو بفهم كيفية تواصل الكائنات الحية الدقيقة مع بعضها البعض، وكذلك الدور المعقد الذي تؤديه الفيروسات في الطبيعة، فتقدِّم جينات بقاء المفيدة للبكتيريا من ناحية، بينما تقضى على مجاميعها من ناحية أخرى. تقول: “هناك هذا التفاعل التطوري المستمر، وسيكون من الرائع تتبع ذلك مع مرور الوقت”.
وحتى التحليل الفوري للنوى يجري برؤية بعيدة المدى: إنشاء بيانات مرجعية للدراسات المستقبلية، وإتاحتها مجانا في قاعدة بيانات عامة. وبذلك، اجتذبت المراكز الرئيسية للتحليل الفوري استثمارات كبيرة. مثلاً، تطور المعهد IGE على مدى العامين الماضيين بفضل مليون يورو من الذاكرة الجليدية ومصادر داخلية وجهات مانحة خاصة. وفي قلبه هناك نظام “تحليل التدفق المستمر” Continuous-flow analysis، حيث تُحوَّل أجزاء من نوى الجليد إلى ماء وغاز، قبل أخذ القياسات.
تتناقض النظرة الطويلة لمشروع الذاكرة الجليدية، والتي تركز على الأجيال المقبلة من العلماء، تناقضاً صارخاً مع المشاحنات السياسية القريبة المدى التي كثيراً ما تحبط المفاوضات المناخية.
وبالنسبة إلى باربانتي، لا تؤدي الإثارة حول الأدوات الجديدة التي تتطور لفك رموز الدروس المستفادة من الماضي إلا إلى زيادة الحاجة الملحة إلى الحفاظ على عينات الجليد. ويقول: “في غضون عقود قليلة من الآن، عندما تكون هذه التقنيات متاحة لكشف مزيد من الرؤى (التبصرات) Insigts حول المناخ، لن يكون الجليد في العديد من الثلاجات المرتفعة متاحاً يومها”. حقاً، ليس هناك وقت لنضيعه.
بقلم: جايمس دايسي
ترجمة: عبد الرحمن أياس
© 2021, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC