استخدِموا الشبكات لدفع التغير الثقافي
لدراسات استطلاع الموظفين حول قيمهم حدودُها. غيرَ أنكم ستكتسبون مزيداً من التبصر في الثقافة المؤسسية– وتجدون طرقاً محددة لتغييرها– من خلال تحليل أنماط التعاون أيضاً.
قليلةٌ هي العادات التي يكون كسرها أصعبَ من ”الطريقة التي ندير بها الأمور هنا“.
من المعروف عن الثقافة المؤسسية أن تغييرها أمر بالغ الصعوبة، ويرجع هذا جزئياً إلى أنها تعكس قيم Values الأفراد– معتقداتهم الراسخة بشأن ما هو جيد، ومرغوب فيه، ومناسب.((H. Ibarra, “Take a Wrecking Ball to Your Company’s Iconic Practices,” MIT Sloan Management Review 61, no. 2 (winter 2020): 13-16.)) والعلاقات قد تزيد من تعقيد الأمور. فعندما يكون الزملاء جزءاً لا يتجزأ من الشبكات غير الرسمية مع آخرين، فإنهم يتشاركون قيمَهم ويعززونها، وفي الأغلب يترسخ ذلك بدلاً من أن يكونوا منفتحين على مواقف وسلوكيات جديدة.
لكن ليس بالضرورة أن يكون الأمر كذلك. ومن الممكن أن تساعد الشبكات نفسُها القادةَ أيضاً على التعرف على العقبات التي تحول دون التغيير الثقافي Cultural change، والتغلب عليها، واكتشاف حلفاء غير متوقعين. وأظهرت أبحاثنا وتجربتنا العملية أن عديداً من القادة لا يدركون هذه الإمكانية، ويرجع هذا إلى حد كبير إلى أن التقييمات التقليدية للثقافة المؤسسية تميل إلى التركيز على إيجاد القواسم المشتركة.((For example, see N.M. Ashkanasy, C.P.M. Wilderom, and M.F. Peterson, “The Handbook of Organizational Culture and Climate,” 2nd ed. (Thousand Oaks, California: Sage Publications, 2010).)) ومن بين التوجهات الشائعة في هذا السياق استخدام الاستطلاعات لتقييم قيم الموظفين ومواقفهم Attitudes ومعاييرهم Norm وسلوكهم Behavior، ثم استخدام متوسط الاستجابات لقياس موقع المؤسسة ككل. وهناك نهج آخر يتلخص في إجراء مقابلات عميقة، ثم صياغة شخصيات Personas توضح كيف تُوجه قيم الموظفين ”النموذجية“ سلوكياتهم. ولأن هذه التوجهات تكشف عن ميول مركزية، فإنها تفتقر إلى تبصرات (رؤى) عميقة في المجالات التي يختلف فيها الموظفون في قيمهم. وبدلاً من حساب نتيجة متوسطة– مثلاً 4– لقيمة معينة، يحتاج القادة إلى معرفة مكان جيوب النتائج 3 و5 (وحتى مجموعات النتائج 1 و2). كما يتعين عليهم أن يروا مَن يتفاعل مع مَن داخل هذه الجيوب والمجموعات وبينها، هذا إذا رغبوا في إقناع الموظفين بتبني أولويات ثقافية جديدة.
ويُعَد الجمع بين بيانات الاستطلاع وتحليل الشبكات طريقةً مفيدة لاكتساب هذا التبصر. (انظر: بيِّنوا قيم فريقكم). تبيان أنماط التعاون في مؤسسة ما يشبه التقاط صورة بالأشعة السينية لأعمالها الداخلية. فهي تعرض، مثلاً، المكان أين يتقوقع الموظفون في جيوب منعزلة Silos في شبكة ما، ومَن المعزولون في الطرف الخارجي، ومَن قادة الرأي، وأي منهم موجودون في موقع فريد يمكِّنهم من الربط بين الموظفين ودمج القيم المختلفة.((M. Gladwell, “The Tipping Point: How Little Things Can Make a Big Difference” (Boston: Back Bay Books, 2002).)) وبمجرد أن يعرف القادة ذلك كله، يمكنهم متابعة التغيير الثقافي بطريقة أكثر استهدافاً.
درسنا أكثر من 40 مثالاً لقادة يتخذون هذا النهج على مدى السنوات الخمس الماضية. ومن خلال تحليل ما نجحوا فيه، حددنا خمس طرق لتوجيه التغيير الثقافي في الشبكات غير الرسمية.
1. اكشِفوا الثقافات الفرعية
يمكن للثقافة المؤسسية أن تصف المعتقدات والقيم والسلوكيات السائدة للمؤسسة ككل، لكن المجموعات الفرعية مثل الوظائف أو الأقسام أو المناطق الجغرافية لها ثقافاتها الخاصة أيضاً.((D.D. Warrick, “What Leaders Need to Know About Organizational Culture,” Business Horizons 60, no. 3 (May-June 2017): 395-404.)) ويفكر القادة في الأغلب في ثقافة الجزء الخاص بهم من المؤسسة، ويتخذون الإجراءات على هذا المستوى– الرئيس التنفيذي CEO للمؤسسة بكاملها، وكبار المسؤولين التنفيذيين عن وحداتهم المحددة، وما إلى ذلك. لكن الثقافة تتأثر جزئياً فقط بالهياكل المؤسسية الرسمية Formal organizational structures؛ وهي تتشكل وتتعزز أيضاً بشبكات فرعية من الموظفين الذين قد يمثلون شريحة واحدة من الوحدة الرسمية، مثلاً، أو قد ينتشرون عبر عديد من الوحدات المختلفة. والقادة الذين يستطيعون أن يروا تنوع القيم الموجودة في الشبكات الفرعية الثقافية المختلفة، يمكنهم اتخاذ إجراءات أكثر دقة لدعم هذه الثقافات الفرعية أو تغييرها.
فلننظر إلى مثال. في شركة عالمية للبضائع الاستهلاكية، دخلت أخيراً في عملية استحواذ كبيرة، طُلِب إلى كبار القادة تحديدُ الأولوية الأكثر أهمية للشركة المتكاملة حديثاً. وبدلاً من الإجماع على أولويات محددة، أنتجوا قائمة من 18 أولوية عليا مختلفة، كان عديد منها يتعارض بعضه مع بعض.
ثم جاء تحليل للشبكات واستطلاع للثقافة طلب إلى الموظفين الإشارة إلى الأولوية العليا الحقيقية. وكانت الأولوية الأكثر عُرضةً للاختيار هي ”توجيه النمو القوي للعلامات التجارية القائمة“، لكن الاتفاق كان بعيداً عن الاتساق. وبدلاً من تعبئة الجهود حول هذا الأمر ببساطة باعتباره أولوية موحدة (وهو التحرك النموذجي بعد استطلاع عادي للثقافة)، لجأ القادة إلى البيانات الشبكية لفهم كيفية عمل الروابط غير الرسمية بين الأشخاص لصياغة معتقداتهم بنحو أفضل.
وكشف ذلك عن فرصتين متميزتين للتغيير. الفرصة الأولى ركَّزت على الأفراد المؤثرين والبعيدين جداً عن المتوسط (الاستثنائيين) Outliers، ممن لديهم روابط ثقافية متشعبة: أشخاص مؤثرين ذوي معتقدات قوية تختلف عن تلك التي يعتقدها مَن حولهم. وطلب القادةُ إلى الأنصار المتحمسين لمنتجات العلامات التجارية Brand enthusiasts أن يرتبطوا بهؤلاء الاستثنائيين في مجال الثقافة، وأن يستمعوا إلى مخاوفهم، ثم يشاطروهم حماستهم ونجاحاتهم في منتجات العلامات التجارية. والواقع أن رؤية حماسة الآخرين كثيراً ما ساعدت الاستثنائيين على إعادة النظر في معتقداتهم الخاصة، والتحول إلى شركاء أكثر إنتاجية، في حين ساعدت في بعض الأحيان المتحمسين للعلامات التجارية على رؤية ما يغفُلون عنه.
وفي إحدى الحالات أصيبت مديرة منتجات Product manager كانت مؤيدة قوية لمنتج غذائي يحمل علامة تجارية بالإحباط من الميزانية الصغيرة المخصصة لها كل سنة من أجل مشروعات ترويجية مهمة. وعلى الرغم من ارتفاع العائد على الاستثمار، كان عديد من هذه المشروعات محروماً- روتينياً- من التمويل، لكن قبل أن ترى نتائج تحليل الشبكة Network analysis والثقافة لم تدرك أن شخصاً استثنائياً كان يحول دون حصولها على ما تحتاج إليه: أحد كبار المديرين ذوي الروابط الجيدة في المجموعة المالية التابعة للقسم، كان يؤثر سلباً في قرارات التمويل التي اتخذها عديد من مرؤوسيه.
بعد إيلاء المشكلة بعضَ التفكير، وجهت مديرة المنتجات الدعوة إلى المدير المالي Finance manager للمشاركة في مسابقة سنوية تستضيفها الشركة، حيث أحضر مستهلكون أطباقاً إبداعية استخدمت منتج الشركة بطرق جديدة مبتكرة. وستحكم على الأطباق لجنة من ذواقة الطعام، وعديد منهم كانوا في شبكتي المديرين. والواقع أن هذا الحدث المرح والصاخب أحياناً فتح عيني المدير المالي على مقدار حب المستهلكين للمنتج ومقدار اهتمام زملائه به. كان قبل ذلك يعتقد أن المنتج بلا طعم، لكن النهج الخالي من التهديد الذي تبنته مديرة المنتجات أعطاه حيزاً لتعديل معتقداته. وسرعان ما أصبح مؤيداً– وأصبح اتخاذه القراراتِ أكثر اتساقاً مع الأولوية الثقافية لتعزيز النمو في العلامات التجارية القائمة.
أما الفرصة الثانية لتغيير الثقافة فركزت على الخلافات بين الشبكات الفرعية، والتي سعى القادة إلى إعادة صياغتها بوصفها تعبيرات عن طموحات ضمنية مختلفة، من دون إصدار أي حكم على ما هو صحيح أو خاطئ. وبدلاً من مطالبة أي شبكة فرعية بتغيير وجهات نظرها، عمل القادة معها كلها لاكتشاف كيف يمكنهم المساهمة مساهمة منتجة، وبما يعمل على تعزيز استراتيجية المؤسسة. وساعدت بيانات الشبكة القادةَ على تحديد الأشخاص الأكثر ارتباطاً في كل شبكة فرعية، بهدف جمعهم معاً لتوليد أفكار قد تنتشر انتشاراً جيداً إلى الآخرين.
وشجع القادة بعض الشبكات الفرعية على الدفع بمزيد من القوة في الاتجاه الذي كانت تميل إليه بالفعل. وفي إحدى الحالات كان هذا يعني إنشاء فريق من الموظفين- كانوا أكثر حماسة من الآخرين في مجموعة منتجاتهم- لتطوير علامات تجارية جديدة تماماً. وكُلِّفوا باستخدام مهاراتهم في تطوير المنتجات، وأبحاث المستهلكين، وعلوم المواد والأدوات، سعياً إلى تبني أفكار جريئة لم تكن مرتبطة بالمنتجات القائمة. وكانت جهودهم تعزز الاستراتيجية الشاملة، وليست ابتعاداً عنها، الأمر الذي ساعد الفريق الجديد على البحث في اتجاهات جديدة، مع الحفاظ على القدرة على العودة إلى الاستفادة من الخبرات من الآخرين الأكثر التزاماً بالمنتجات القائمة ذات العلامات التجارية.
2. اعثروا على قادتكم الثقافيين الحقيقيين
على مدى سنوات أدرك كبار القادة أنهم يتحملون مسؤولية رئيسة في تحديد الثقافة ونشرها.((E.H. Schein, “Organizational Culture and Leadership,” 5th ed. (Hoboken, New Jersey: John Wiley & Sons, 2016).)) ونتيجة لذلك كثيراً ما يستثمرون جهداً كبيراً في صياغة بيانات قوية بشأن قيم جديدة مهمة أو توقعات سلوكية، ثم إما أن ينقلوا هذه المعلومات مباشرة إلى الموظفين، وإما أن يتركوها تتدرج عبر التسلسل القيادي وصولاً إلى الموظفين.((D. Sull, S. Turconi, and C. Sull, “When It Comes to Culture, Does Your Company Walk the Talk?” https://sloanreview.mit.edu, July 21, 2020.)) ولا شك في أن القادة الرسميين يسهلون التغيير الثقافي، لكن عملنا يكشف عن أنهم لا يفعلون ذلك بمفردهم. فالمؤثرون غير الرسميين الموجودون داخل المؤسسة هم عوامل تمكين مهمة للتغيير– لكنهم يكونون في الأغلب مُخْفَين. والاستعانة بهم أكثر فاعلية بكثير من اتباع نهج من أعلى إلى أسفل Top-down approach.
ويعمم عديد من القادة الرسائلَ عبر الاجتماعات المعقودة في أماكن خارج مبنى المؤسسة، والتي تجمع المديرين معاً لتوضيح القيم أو الأولويات. وقد تدعو الشركات التقدمية أيضاً موظفين ممن تكون آراؤهم موضع احترام الأقران. لكن من المؤسف، وفي حين أن هذه الإضافات قد تولد شعوراً بالشمول، أظهرت أبحاثنا أن الشركات، من خلال تحديد المهمين بالتخمين، تتجاوز عادة ما لا يقل عن نصف المؤثرين الثقافيين الحقيقيين.
وهذا إخفاق خطير. فمعظم الموظفين يتعلمون الثقافة من المحادثات غير الرسمية التي تشير إلى الزملاء الذين يجب عليهم التعامل معهم بجدية، وما يجب الاهتمام به، و”كيف نضطلع بالأمور من هنا“. ويشكل المؤثرون الشبكيون هذه المحادثات بقدر كبير. إذ يميل المسؤولون التنفيذيون وكبار القادة إلى التواصل بقدر جيد مع آخرين في أعلى التسلسل الهرمي، لكن تواصلهم مع أولئك الذين هم في القاع يكون رديئاً. وعلى النقيض من ذلك لا يتاح للمؤثرين غير الرسميين وصول Reach إلى المستويات العليا، غيرَ أن تأثيرهم واسع النطاق في كل مكان آخر. ففي مؤسسة درسناها– قسم يتألف من 1,100 شخص في شركة مصنعة معروفة– كان أفضل 50 من المؤثرين غير الرسميين يرتبطون بروابط مع 60% من الموظفين، في حين كان لدى أفضل 50 من كبار القادة روابط مع 31% فقط. (انظر: التأثير الرسمي في مقابل التأثير غير الرسمي). وإذا كنتم تنوون استثمار الوقت والمال في جهود التغيير المهمة، فلماذا تركزون على المجموعة التي وصولها هو نصف وصول المجموعة الأخرى؟
وعندما تقاوم مؤسسة ما التغيير، قد يشكل المؤثرون غير الرسميين نواة حركات عريضةِ القاعدة، قد تنجح حيثما يكون من المرجح أن تفشل الأساليب من أعلى إلى أسفل. وإليكم مثالاً لتوضيح كيفية عمل ذلك.
عانى أحد البنوك العالمية لتطوير تكنولوجيات جديدة تركز على العملاء، لأن الوظائف Functions المختلفة أسبغت قيمة عالية على تخصصاتها، لكنها انتقدت غيرها. ولقيادة التحول الثقافي استخدم القادة بيانات شبكية لتحديد 80 شخصاً مؤثرين غير رسميين في أربع وظائف هي: البنية التحتية للتكنولوجيا Technology infrastructure، وتطوير البرمجيات Software development، والتسويق Marketing، وخدمة العملاء Customer service. ولم يقع عليهم الاختيار فقط لأن كثيرين من العاملين في مجال هذه الوظيفة يقدرونهم، بل لأن لهم أيضاً روابط بالمؤثرين في وظائف أخرى. كذلك استقطبت المؤسسة عدداً من العملاء الساخطين الذين جسدوا الأسواق الناشئة التي لم يخدمها البنك بعد بنحو جيد: شخص من جيل الألفية يعمل في اقتصاد العمل المؤقت Gig-economy millennial الذي لم يحمل النقود قط، ورائد أعمال مشروع ميكروي Micro business entrepreneur، وما إلى ذلك. وجمع القادةُ بين المؤثرين والعملاء في برنامج للتفكير التصميمي Design thinking program.
وفي سلسلة من ورش العمل، قُسِّم الحضور إلى فرق يتألف كل منها من ثمانية أشخاص (بمن فيهم شخصان من كل مجال وظيفي). وعمل كل فريق مع عميل ساخط، وسرعان ما سبب وجوده تحويل مواقف الموظفين. وبدلاً من توجيه بعضهم أصابعَ الاتهام إلى بعض لإبعاد اللوم عن أنفسهم كالمعتاد، وجد أعضاء الفريق أنفسهم وقد انجذبوا إلى فهم الاحتياجات الأساسية للعميل. وشاركوا في تفكير يتمحور حول السؤال ”ماذا لو؟“ وسرعان ما توصلوا إلى تصور عروض جديدة يستطيع البنك استكشافها. وكانت الأفكار مهمة بطبيعة الحال، لكن المكسب الحقيقي من ورش العمل هذه كان الطريقة التي ساعدت بها الموظفين على فهم القيمة التي جلبتها وظائف أخرى إلى هذه العملية.
وبمجرد انفتاح عقول الموظفين على الأفكار الجديدة، طرح عليهم قائد ورشة العمل السؤال الذي كان يبيِّته: كيف ينبغي أن تتغير ثقافة البنك لدعم هذا النوع من الابتكار الذي يركز على العملاء؟ بعد قضاء اليوم في العمل مع أشخاص من وظائف أخرى، رأى الحضور كيف كانوا أقوى معاً. وعلى الرغم من تباين درجة الإطناب، فإن عديداً من الملاحظات التي جُمِعت من مختلف ورش العمل أشارت إلى القيم المرغوب فيها نفسها: احترام مواقف الآخرين، والمسؤولية المشتركة عن النجاح التنافسي Competitive success، والمسؤولية المشتركة Joint ownership عن تجربة العملاء.
وبعد المشاركة في ورش العمل هذه شعر المؤثرون غير الرسميين بالمسؤولية عن القيم التي شاركوا في إبداعها، وفي الأسابيع والأشهر التالية نشروها من خلال المحادثات المحلية في إطار وظائفهم. وبينما كانوا يعبِّرون عن حماستهم الشخصية بشأن الاحتمالات الجديدة، ألهموا الآخرين للنظر في التعاون عبر الوظائف في هذا الضوء الجديد. وفكر قائد مبادرة التغيير قائلاً: ”حاولنا تصميم جهود التفكير بشأن احتياجات العملاء من قبل، لكن الأمور فشلت دائماً. وكان العثور على المؤثرين وجمعهم معاً هو الشيء الذي جعل النشاط يحقق هذا النجاح“.
3. سلِّطوا ضوءاً على التوترات الخفية
لطالما نُصِح قادة جهود التغيير بتشكيل تحالف توجيهي قوي قادر على معالجة مقاومة الموظفين.((J.P. Kotter, “Leading Change: Why Transformation Efforts Fail,” Harvard Busines Review 73, no. 2 (May-June 1995): 259-267.)) لكن القول أسهل من العمل بالفعل. فالخلافات الصغيرة المُخفاة في أنحاء المؤسسة كلها تشتمل على طريقة لقتل مبادرات التغيير ببطء وهدوء- الموت بألف جرح كما يقول المثل الإنجليزي. ومن الممكن أن يؤدي تحليل بيانات الشبكة وبيانات الثقافة إلى تسليط الضوء على هذه التوترات، حتى يتمكن القادة من إدارتها.
مثلاً ابتُلِيت إحدى المؤسسات التكنولوجية التي درسناها بمشكلات عديدة. إذ سعت إلى توجيه تغيير ثقافي وكافحت لتحديد مصادر المقاومة. وأجرى الرئيس التنفيذي حملة استماع واسعة، وتوِّجت الجهود بمناقشات عامة، لكن جهوده حسنة النوايا لإقناع الموظفين بالتغيير من خلال الاستماع إليهم ومعالجة مخاوفهم بدت كأنها تجعلهم أقل رغبة في التحدث عن قيمهم، خشية أن يتعرضوا إلى لتصحيحها علناً. ونتيجة لهذا لم يتغير شيء.
جلب رئيس تنفيذي جديد تركيزاً جديداً على الثقافة، لكن هذه المرة بهدف جعل المعارضة والاختلاف بنّاءَين أكثر. وكشف جمع بيانات الشبكة والثقافة عن نوعين من المشكلات: (1) مواءمات سيئة سامة Toxic misalignments، حيث تفاعل المؤثرون الثقافيون الذين لهم قيم مختلفة جداً بطرق سلبية ومختلة، و(2) مواجهات غير محلولة Unresolved standoffs، حيث كانت للمؤثرين الثقافيين روابط إيجابية فيما بينهم، لكنهم اختلفوا بشأن القيم الثقافية الأساسية.
وانطوت إحدى المواءمات السيئة على خلاف قوي حول تحقيق الفائدة المالية من بيانات المستخدمين Monetizing user data؛ رأى بعض المؤثرين أن بيع بيانات العملاء إلى أطراف ثالثة Third Parties غير مقبول، في حين أيد آخرون الاضطلاع بذلك على أساس أنه ببساطة يساعد الأطراف الثالثة على التسويق بمزيد من الكفاءة. وكانت المجموعة الأولى تعتبر الثانية غير أخلاقية، وشعرت المجموعة الثانية بإهانة كبيرة. وامتد النزاع بينهما إلى اجتماعات وتفاعلات أخرى لا علاقة لها بتحقيق الدخل من البيانات، الأمر الذي قوض التقدم على مجموعة من الجبهات. وتدخلت مسؤولة تنفيذية كبيرة ورُتب للاجتماع بالمؤثرين المهمين في كلا الجانبين. وقالت: ”تظاهروا بأنكم على وشك التقاعد عن قريب. في عالم مثالي، ما هو الإنجاز الذي تتخيلون أنكم ستفخرون به فيما يتعلق ببيانات العملاء؟“ وطلبت إلى الأشخاص تدوين إجاباتهم.
وعندما قرأت الردود بصوت عال، كانت القواسم المشتركة بينهم أكبر كثيراً مما كان يمكن لأحدهم تخمينه. ولم يكن التوتر الأساسي بين الاضطلاع بما هو أفضل للعملاء وما كان أفضل للشركة. ولم يكن أحد يسعى إلى استغلال العملاء. لكن الأشخاص توصلوا إلى استنتاجات مختلفة حول ما كان أخلاقياً. بعد قدر من المناقشات، بدؤوا في استكشاف طرق لتحقيق مزيد من الفوائد للعملاء من خلال مشاركة البيانات، وكيفية تحقيق ذلك مع احترام خصوصيتهم. والآن بعدما اتفقوا على القيمة الشاملة لاحترام العملاء، أثمر هذا التوتر فوائد جديدة.
ومثل مستشاري العلاقات الزوجية Marriage counselors، يدرك الميسرون Facilitators ذوو المهارات العالية أن أي سمة جذابة لقيمة مشتركة عليا من الممكن أن تحل الجمود في الحوار، لكن فقط بعد الكشف عن سوء مواءمة القيمة، واكتشاف مَن هم الأفراد في كل طرف من الطرفين. فتحليلات الشبكة يمكن استخدامها لتحديد مكان وجود المؤثرين في كل جانبي الاختلاف؛ إنهم دائماً موزعون في الشبكة، وليسوا البتة من دور واحد أو وظيفة واحدة أو منطقة جغرافية واحدة. ويمكن أيضاً استخدام التحليلات لتحديد طبيعة تفاعلات المؤثرين– الإيجابية أو المحايدة أو السلبية. وبهذا يصبح في وسع القادة أن يروا العلاقات المختلة التي تغذي النزاع، وأن يعالجوها.
وعلى النقيض من ذلك، تنطوي المواجهات غير المحلولة على أشخاص مؤثرين ليست لديهم أسباب تدعوهم إلى عدم الثقة بعضهم ببعض، لكن خلافهم بشأن القيمة الثقافية يؤدي إلى الإضرار بإنتاجيتهم. فيما يلي مثال وجدناه في شركة التكنولوجيا نفسها، بعدما جلبت عملية إعادة الهيكلة ثلاث وظائف متباينة– التطوير المؤسسي Organizational development، وتحسين الإجراءات Process improvement، وتطوير البرمجيات Software development– إلى الوحدة نفسها. وعلى الرغم من النوايا الحسنة والأهداف المشتركة، بعد ستة أشهر لم تحرز الوحدة الجديدة إلا أقل القليل من التقدم فيما يتعلق بالمشروعات المشتركة.
وتمثلت المشكلة الأساسية في خلاف ثلاثي الاتجاهات بشأن أهم أولوية لتوجيه جهود الوحدة المشتركة. هل يتعلق الأمر بالموظفين أو الإجراءات أو التكنولوجيات؟ مع عجزها عن إحراز أي تقدم انحرفت المجموعات الوظيفية عن العمل، فابتكرت نُهُجها الخاصة وشجعتها، وظلوا يتراشقون الحلول الجزئية من دون اتفاق على أي منها. والواقع أن الأشخاص في هذه المجموعات كانوا معجبين بعضهم ببعض على المستوى الشخصي، لكنهم لم يتمكنوا من فهم الأسباب التي جعلت الآخرين لا يرون الأمور على النحو نفسه.
وبعد تحديد مجموعة أساسية من المؤثرين، جمع رئيس الوحدة بينهم في ورشة عمل. وهناك طرح رؤيته للكيفية التي يمكن بها لكل مجموعة وظيفية أن تؤدي دوراً قيادياً حاسماً في نقاط مختلفة من مشروع افتراضي. ثم قسم الأشخاص إلى فرق متعددة الوظائف لمناقشة أمثلة التفاعلات الفعلية التي كانت قد تباعدت بنحو حاد عن هذا النموذج الطموح. وحاول كل فريق- من خلال جلسة عصف ذهني Brainstorming- تناول ما كان سيحدث بنحو مختلف لو تبنى رؤية القائد.
ومن خلال هذه العملية تعلموا بعضُهم عن قيم بعض وأولوياتهم، وأدركوا كيف يمكن لكل منهم أن يضطلع بأدوار قيادية في أوقات مختلفة. ولأن القائد اختار المؤثرين المرشحين للحضور، كانت القيم والأولويات المشتركة الجديدة التي نشأت سبباً في العودة إلى كتلة الموظفين الأكبر حجماً، وتحفيز التحول الثقافي إلى وحدة أكثر تعاوناً.
4. استنهِضوا مشاعر إيجابية
كثيراً ما تفترض النُّهج التقليدية للتغير الثقافي أن العملية عقلانية: يحدد القادة القيم الجديدة ويثقفون الموظفين حولها، باستخدام النوادر والأمثلة والمنطق المُقنِع، على أمل إقناعهم بالالتزام بطرق جديدة للعمل.((Warrick, “What Leaders Need to Know.” 395-404)) لكن أبحاثنا تظهر أن الثقافة تنتشر بقدر أكثر فاعلية من خلال الروابط الشبكية ذات الجانب العاطفي.
تنتشر الثقافة بنحو أكثر فاعلية من خلال الروابط الشبكية ذات الجانب العاطفي. وبنحو خاص يتفوق الأشخاص الذين يحضّون على المشاعر الإيجابية في زملائهم على غيرهم في حمل الآخرين على تبني القيم الثقافية المرغوب فيها.
وبنحو خاص، الأشخاص الذين يحضون على المشاعر الإيجابية في زملائهم يتفوقون على غيرهم في حمل الآخرين على تبني القيم الثقافية المرغوب فيها. مثلاً في قسم البحث والتطوير التابع لشركة بتروكيميائية درسناها، كان من المرجح أن يتبنى المساهمون الفرديون أولويات ثقافية إذا نُشِرت من خلال مشرفين كانت تربطهم بهم صلة شبكية إيجابية نشطة. وبهذه المعرفة بدأت الشركة في تدريب المشرفين من المستوى الأول لكي يصبحوا أكثر مهارة باعتبارهم ”منشطين“ Energizers. وتعلموا كيف يشركون الموظفين في إمكانيات واقعية تستحوذ على خيالاتهم وقلوبهم، مثلاً، وكيف يساعدون الآخرين على رؤية كيفية مساهمة جهودهم في التوصل إلى خطة طموحة. وبعد تسعة أشهر كشفت بيانات جديدة عن تبني أكبر بكثير للقيم الثقافية الجديدة فيما بين المساهمين الأفراد.
وعلى النقيض من هذا يكون الأشخاص الذين يبثون مشاعر سلبية، مثل الخوف أو الاستياء، بارعين جداً في نشر القواعد الثقافية غير المرغوب فيها أو خنق انتشار القيم المرغوب فيها. جمع القادة في وحدة أعمال تابعة لشركة تكنولوجيا كبيرة بيانات شبكية عن الأشخاص الذين لم يرغب المستجيبون في أن يشاركوهم أفكاراً- أو وجهات نظر مختلفة- في المراحل المبكرة. وعندما استعرض المسؤول التنفيذي الأعلى النتائج، خلص بفزع إلى التالي: “لدينا ثقافة خوف”. وعلى الرغم من المواهب الرائعة التي تتمتع بها مؤسسته، تجنب عديدٌ من الأشخاص التحدثَ بصراحة لأنهم لم يرغبوا في مواجهة الرفض. لقد عانى ابتكار الشركة، وتسامحها مع المجازفة، ووجودها في السوق.
فقد كشف التحليل أن أقل من 5% من كبار القادة ونحو 8% من الخبراء الرئيسين كانوا مسؤولين بنحو جماعي عن الاستجابات المشوبة بالخوف من قِبل أغلبية الموظفين. ومن دون تحديد هوية هؤلاء الأفراد بالاسم، تبادلنا النتائج مع قادة المؤسسة وخبراء المواضيع Subject matter experts على نطاق أوسع. ومن خلال سلسلة من المناقشات، نشأت مجموعة مشتركة من الأفكار حول كيفية تكليف الموظفين بمهام العمل، وكيفية البحث عن المدخلات Input، وكيفية صياغة النصائح، وكيفية التعامل مع الخلافات. ثم أعقبت ذلك مجموعة من الدورات التدريبية للخبراء والقادة جميعاً، وليس فقط مولدي الخوف (الذين أُبقِيت هوياتهم مُستترة Anonymous). وتعلم القادة السعي إلى المشاركة بدلاً من المطالبة بالامتثال، في حين اكتسب الخبراء مهارات في الاستماع الفاعل Active listening وحل النزاعات Conflict resolution. وفي كلتا الحالتين، كفل الشركاء في المسؤولية وجلسات المتابعة التي تعقدها المجموعات النظيرة متابعة تلك المسائل.
كذلك كشف التحليل عن أكثر من 80 موظفاً خائفاً، يمثلون 2% فقط من الجميع، لكنهم شعروا بأن الخوف كان موجوداً في تفاعلاتهم كلها تقريباً. كان تحديد هؤلاء الموظفين خطوة مهمة، فمن دون تحقيق ذلك يؤدي الخوف دوراً في الحفاظ على ثقافة الخوف، من خلال القصص التي يقصُّونها. فقد أسس القادة ممارسات جديدة لتشجيع مزيد من السلوك المسؤول Accountable behavior من جانب الجميع– مثلاً الحد من انتشار الإشاعات والنميمة. كذلك نصحوا الموظفين الخائفين بنحو مباشر، فساعدوهم في التعرف على مدى عدم تناسب ردود أفعالهم. ولأن مواقفهم تؤثر في الأغلب في الآخرين، كان لهذا تأثير مهدئ في رقعة أوسع من الشبكة.
5. امنحوا عملية التبني الوقت الكافي
قد تختلف المدة التي يستغرقها إتقان القواعد أو السلوكيات الثقافية الجديدة تبايناً مدهشاً. وقد يرى القادة أن تبني الأفكار الثقافية الجديدة على نحو بطيء أو متفاوت من شأنه أن يؤدي إلى فشلها في الانتشار، في حين قد يكون ذلك في واقع الأمر دالة Function لمدى تعقيد القيم أو كونها ضمنية. وفي حين تؤدي الشبكات دوراً مهماً في التعجيل بالتبني، فإن الأسرع ليس بالأفضل في جميع الأحوال.
انظروا في شركة علوم حيوية Life sciences company مبتكرة كانت تخسر موظفين حاسمين ممن هم من جيل الألفية، اشتكوا من ضغوط العمل التي تتداخل في عطلات نهاية الأسبوع. وفي مواجهة المنافسة الشديدة من أجل الفوز بالمواهب الراقية أدرك كبار القادة أن افتراضاتهم التقليدية بشأن إنتاجية الموظفين والتقدم المهني كانت تنفر الأشخاص الذين حاربوا من فورهم لتوظيفهم.
لذلك دفعوا باتجاه قيمة جديدة تتعلق بـ“العمل من أجل الحياة”، تؤكد على مرونة العمل، وصحة الموظف، والتوازن بين العمل والحياة. ونشروا أكثر من 12 سلوكاً معززاً لدعم هذه القيمة الجديدة– لكن بعد ثمانية أشهر كان التبني متفاوتاً في أفضل الأحوال. والواقع أن عديداً من المشرفين والمديرين من المستوى المتوسط لم يدركوا بنحو كاملٍ التحولَ الثقافي الأكثر عمقاً الذي انطوى عليه الأمر، ومن ثم تعاملوا مع السلوكيات الداعمة على النحو الذي أدى إلى تقويض مرادهم. مثلاً حُظِر البريد الإلكتروني في عطلة نهاية الأسبوع، لكن عديداً من المديرين عمدوا فقط إلى إرسال رسائلهم الإلكترونية بمواعيد تسليم مؤجلة، مما أدى إلى هجمة من الطلبات الجديدة في الصباح الباكر من كل اثنين. وعلى نحو مماثل، أُسِيء تفسير السلوكيات الأخرى أو لم يُعمَد إلى تبنيها إلا جزئياً، واستمرت المشكلات المرتبطة بالاحتفاظ بالمواهب.
ومع إدراك كبار القادة أن هذا التغيير الثقافي سيستغرق وقتاً وجهداً أطول كثيراً مما كان يُعتقَد، بدؤوا عمداً في نمذجة السلوكيات في تفاعلاتهم مع الآخرين في شبكاتهم. وبمرور الوقت، ومع تعرض عديد من المديرين من المستوى المتوسط إلى تغييرات إيجابية ناجمة عن ذلك في حياتهم العملية، أصبحت القيمة الأساسية ثابتة في معتقداتهم، وأصبح تبنيهم للسلوكيات الثقافية أكثر طبيعية.
مثال آخر من مؤسسة- شركة لخدمات الأعمال Business services firm- تجمع بين البيانات الشبكية المستندة إلى استطلاعات وتقييمات المستجيبين لما إذا كان أقرانهم قد أظهروا سلوكيات ثقافية جديدة مهمة، من أجل تحديد الأماكن التي يمكن للشركة أن تعجل فيها بتبني هذه التغييرات. وقد كشف التحليل أن بعض السلوكيات الأكثر دقة– بما في ذلك تطبيق حكم بالغ البراعة على كل فكرة، وركوب مخاطر كانت كبيرة لكنها جديرة– استغرق تعلمها وقتاً أطول من غيرها. لكن مجموعة صغيرة من الموظفين كانوا في حاجة إلى قدر أقل من ”وقت للفهم“، لأن شبكاتهم منحتهم الفرصة لمشاهدة كبار القادة وهم يستنتجون هذه السلوكيات ويتعلمون ماذا تعني حقاً. لذلك أنشأت المؤسسة محطات ”مراقبة غير ملحوظة“، فدعت مزيداً من الموظفين إلى حضور الاجتماعات حيث يمكنهم رؤية القادة- في بعض الأحيان من عديد من المستويات- ينخرطون في هذه السلوكيات الضمنية جداً. (حدد تحليل الشبكة روابط من شأنها أن تضفي الشرعية على وجود موظف مبتدئ في اجتماع لكبار القادة، وأن تضمن الثقة والسرية). وعجلت هذه التجارب بتبني سلوكيات مرغوب فيها، وذلك من خلال بناء خبرات ما كان الموظفون يتمتعون بالقدرة على الوصول إليها عادةً على مدى سنوات، بل ربما عقود.
وفي الشركة نفسها، كانت سلوكيات أخرى أكثر دقة سيئة جداً لأن الوافدين الجدد حاولوا استيعابها بسرعة أكبر مما ينبغي. فقد حاكى هؤلاء الموظفون ما اعتقدوا أنه يُنمذَج Modeled لكنهم لم يفهموا المغزى، لأنهم لم يفهموا القيم الثقافية الأساسية بنحو كامل. وقامت إحدى هذه القيم على اختبارات مكثفة لأفكار جديدة عن الضعف، وذلك من خلال مناقشتها مناقشة محتدمة ومستنيرة. لكن مما يدعو إلى الأسف أن هؤلاء الآتين الجدد اعتقدوا أن هذا دليل على أن الثقافة معادية للأفكار المبتكرة، ولذا هاجموا بكل بساطة أي شيء تصوروا أنه بعيد جداً عن الاستراتيجية القائمة التي تتبناها الشركة.
وكانت السلوكيات المقصودة أقل وضوحاً بكثير. مثلاً: لا تنتقدوا البيانات ما لم يكن لديكم بيانات أفضل، ولا تعترضوا على رأي ما لم يكن في إمكانكم شرح كيف توفر تبصراتكم منظوراً مختلفاً. ويستغرق فهم معنى هذه السلوكيات وكيف تتجلى وقتاً طويلاً. لكن قادة الشركات لم يكتفوا بمجرد مطالبة الآتين الجدد بعدم المشاركة في هذه المشروعات سنة أو سنتين؛ بل استخدموا البيانات الشبكية لوضع الموظفين مع مرشدين توجهيين Mentors- على مستوى الأقران- ممن أظهروا فهماً ناضجاً للقيمة الأساسية. ونصح هؤلاء المرشدون الآتين الجدد بشأن توقيت وكيفية الصمود، الأمر الذي أدى إلى إنشاء الحيز اللازم لهم لكي يتعلموا الفوارق الدقيقة بمرور الوقت، ولا ينخرطوا في الأعمال إلا عندما يفهمون السلوكيات فهماً سليماً.
ومن الآثار الجانبية المدهشة لهذا الإرشاد تحسين الاحتفاظ بالوافدين الجدد. في السابق، أولئك الذين شنوا معارك من دون فهم القواعد الثقافية تركوا المؤسسة بسرعة. لكن الآن وبعدما أدركوا الحاجة إلى التراجع في مستهل الأمر، تمكنوا من بناء روابط شبكية أكثر إنتاجية مع آخرين، وفي وقت مبكر من توظيفهم.
الجمع بين تحليل الشبكة وتقييم الثقافة المؤسسية يزود القادة بفهم ثري لكيفية ترسيخ القيم الجديدة. فهذا يمنحهم نظرة أكثر ”محلية“ للثقافة– نظرة على أين تُنقَل السلوكيات المرغوب فيها، وتُنمذَج وتُلاحَظ وتُتبنَّى على الأرض، ولا تُبَث من فوق. ويسمح هذا المنظور للقادة بتوجيه التغيير بطرق أكثر استهدافاً. وهم يتعلمون كيف تنتشر الأفكار والمعتقدات الجديدة، ومن هم المؤثرون الحقيقيون في مؤسستهم، وكم قد تستغرق العملية– الأمر الذي يسهل نشر قيم جديدة حيث تكون هناك حاجة إليها، ويتمخض عن نتائج دائمة.