قد تبدو مبادئ الفيزياء وكأنها منقوشة في الحجر، فسرعة الضوء ثابتة، وهناك أربع قوى أساسية. لكن نظريا، جميع تلك القوانين مفتوحة أمام المراجعة، لكن على القادمين إلى هذا المضمار تحضير إزميل ومطرقة كبيرين جدا.
معذور إذا اعتقدت أن درجة الثقة نفسها تنطبق على الحالات الأساسية للمادة. فكما تعلمنا في المدرسة، هنالك ثلاث منها: الصلبة والسائلة والغازية، صحيح؟
في الواقع، تلك هي البداية فقط. فنحن نعرف الآن بالعديد من الحالات الغريبة للمادة، بدءا من الموصلات الفائقة Superconductors، مرورا بتكاثف بوز-آينشتاين Bose-Einstein Condensates، والسوائل المغزلية الكمية Quantum Spin Liquids، ووصولا إلى العوازل الطوبولوجية Topological Insulators. فهذا الرقم الكبير محير كأسماء حالات المواد تلك. وما هو أغرب من ذلك، أنه ليس بوسع أحد أن يعطيك قائمة نهائية بتلك الحالات: على الأقل هناك أربع منها، أو ربما الآلاف.
ومحاولة ترتيب تلك الفوضى لا تهدف فقط إلى إشباع فضولنا. فإذا كان باستطاعتنا معرفة ما يُشكِّل المادة بالضبط، سنتمكن حينها من التنبؤ تنبؤا أفضل بالحالات الجديدة، وسيقدم ذلك إلينا طرقا جديدة لسبر أغوار طبيعة الواقع.
إن تلك القدرة التنبؤية مركزية بالنسبة إلى الفيزياء، فنحن تنبأنا بوجود بوزون هيغز Higgs Boson، ومن ثم بنينا مصادم جسيمات Particle Collider للعثور عليه. ولكن عندما يرتبط الأمر بحالات المادة، فإننا نعاني عندما يرتبط الأمر بالدقة والتنبؤ، وذلك صحيح حتى يومنا هذا الذي اكتشفنا فيه طبقة كاملة جديدة من المادة Class of matter.
إن القوانين تحديد حالة المادة التي تعلمناها في المدرسة، والمعتمدة على أسس لا يتجاوز تعقيدها الشكلَ المشاهد، هي قوانين بسيطة بما فيه الكفاية. فالمواد الصلبة شكلها ثابت. أما السائلة؛ فتتدفق لتأخذ شكل قاع الوعاء الذي يحتوي عليه. في حين يتمدد الغاز ليملأ الوعاء.
إقصاء الأشكال
إذا وضعنا الشكل جانبا، فسلوك تلك الحالات ينسجم مع ما تفعله ذرات Atoms وجزيئات Molecules المادة. ففي المواد الصلبة، ترتبط الذرات ببعضها البعض داخل شبكة ثلاثية الأبعاد. وفي السائلة تكون الذرات حرة الحركة تمر بجوار بعضها البعض، ولذلك فإن كتلتها الإجمالية تدفق. أما بالنسبة إلى الغازية، فللجسيمات طاقة كافية لجعلها تتطاير في أرجاء المكان وتتصادم ببعضها. وللانتقال من حالة إلى أخرى، أنت بحاجة فقط إلى إضافة أو امتصاص الحرارة.
لكن منذ زمن بعيد، عرفنا العديد من الأشياء الأكثر تعقيدا. فعند وجود ضغوط مرتفعة ودرجات حرارة منخفضة، إضافة إلى أشكال هندسية غريبة، سيقودك ذلك إلى سلوكيات غريبة جدا، ويصعب شرحها اعتمادا على الحالات التقليدية للمادة. فحتى شيء بسيط كالزجاج يسبب ارتباكا، فهو يحتفظ بشكله الصلب حتى ولو جرى ترتيب ذراته عشوائيا كما هي الحال في السوائل. فهنالك أيضا حالة أخرى من المادة حملها كثيرون منا بين أيديهم: البلورات السائلة Liquid Crystal. ولدى هذه المواد خصائص بصرية Optical Properties تجعلها مفيدة في صناعة شاشات الهواتف الذكية، كما أنها تستطيع التدفق مثل السائل على الرغم من أن ذراتها مرتبة كما هي حال الأجسام الصلبة. لكن على الرغم من فائدتها التقنية، إلا أن الأمر ليس سهلا عندما يرتبط الأمر بتصنيف المواد.
بل تعكر اللدائن البلورية السائلة Liquid-Crystal Elastomers المياه أكثر. فهذه المواد التي صُنعت لأول مرة في العام 1975 تتألف من جزيئات تتحاذى Parallel مع بعضها، ويؤدي ذلك إلى بعض الخصائص الغريبة. حاول أن تبعد الجسيمات عن بعضها البعض وستقاوم ذلك. لكن افرك أحد أوجهها لتبدأ بالتدفق. ويقول مارك ورنر Mark Warner، من جامعة كيمبريدج University of Cambridge : “تتحدى تلك المواد بشدة مفهومنا عن المواد الصلبة والسائلة”. ويقترح ورنر أن استخدام تعريف أكثر دقة للشكل قد يوضح الأمور أكثر. لكن ذلك لا يحقق الكثير. على سبيل المثال، لا يساعدنا هذا في حالة البلازما Plasmas- تلك المادة التي تؤلف معظم أجزاء الشمس. فالبلازما كغازات انقسمت فيها الذرات إلى جسيمات مشحونة، ولذلك فهي موصلة للكهرباء. إن سلوك البلازما استثنائي، لكنها مشابهة للغازات من حيث الشكل. ماذا عن الأشكال المختلفة للمغناطيسية Magnetism فعادة ما يجري الحديث عنها وكأنها حالات من المادة. فالخصائص الفريدة لتلك المواد ناتجة من خاصية كمية Quantum property تُعرف بالدوران المغزلي (التدويم) Spin، الذي يمكن تخيله على شكل سهم متصل بكل إلكترون من إلكترونات المادة. إن الترتيبات التي يصطف وفقا لها هذا الدوران -وليس الشكل- هي ما يعطي المغناطيسات قدرتها على الجذب.
قد يبدو من السهل النظر إلى تلك القضايا على أنها مجرد قلق حول دلالات غير مهمة. ففي نهاية المطاف، أليست البلازما غاز مشحون كهربائيا؟ أليس المغناطيس مجرد مادة صلبة مغناطيسية؟ بالنسبة إلى الفيزيائي، الأمر ليس بتلك البساطة، إذ لا توجد طريقة موضوعية لوصف خاصية الصلابة بأنها أكثر جوهرية من المغناطيسية، أو الغازية بأنها أكثر جوهرية من الشحنة.
ولذلك، لتصنيف حالات المادة، نقل الفيزيائيون اهتمامهم إلى مفهوم مختلف هو التناظر Symmetry. تخيل أنه لديك دائرتين من الورق. إحداها مغطاة بنقاط موضوعة على شبكة، والأخرى مغطاة بنقاط موزعة عشوائيا. الآن، أدر الورقتين قليلا. سيكون واضحا لك أن تلك المغطاة بشبكة قد دارت، أما بالنسبة إلى تلك العشوائية، فسيكون ذلك أقل وضوحا بكثير، ويكمن سبب ذلك في أن للنقاط العشوائية تناظرًا مرتفعًا جدا لا تمتع به النقاط الموزعة على نمط شبكة.
تشبة النقاط العشوائية والشبكة ترتيب الذرات في المواد الصلبة والسائلة. ولذلك، فمن الممكن استخدام التناظر للتمييز بين الحالتين. يُطبق هذا المفهوم على مجال واسع أيضا، بما في ذلك ترتيب الدوران المغزلي داخل المغناطيسات، وكذلك الشحنات الكهربائية في البلازما. ويقول دوغلاس ناتيلسون Douglas Natelson، من جامعة رايس Rice University في هيوستن بتكساس: “التناظر مفهوم قوي”.
اكتشافات مفاجئة
قوية جدا! ربما. فعند تعريف المادة وفقا لمفهوم التناظر، فقد يكون لشيء بسيط كجليد الماء 17 حالة مادة مختلفة تبعا لطريقة اصطفاف ذراته. يقول فرانك ويلتشك Frank Wilczek، من معهد ماساشوستس للتكنولوجيا Massachusetts Institute of Technology: “يمكنك أن تجادل في أن العديد من تلك الحالات هو مجرد تنويعات Variations على الحالة نفسها”، ويتابع: “إذا صنفت الأشياء تصنيفا وفقا للخشونة، فعندها سيكون لديك عدد محدد من الحالات المختلفة للمادة، أو ربما حالة واحدة فقط”. إن التناظر مفيد، لكنه لا يحل مسألة تصنيف المادة.
ويعني ذلك عدم وجود قائمة متفق عليها بالحالات المختلفة للمادة. يكمن جذر المسألة في عدم القدرة على التنبؤ بحالات جديدة. فتاريخيا، جسّدت معظم الحالات الجديدة للمادة اكتشافات مفاجئة، كما أن القليل منها، الذي تنبأنا به، ينتمي إلى مجموعة تخضع لقوانين رياضياتية بسيطة تنطبق في ظروف استثنائية جدا، وأحد الأمثلة على ذلك هو تكاثف بوز-آينشتاين: نوع من السوائل الفائقة التي أثبتت فائدتها في نمذجة حواف الثقوب السوداء (انظر: أشياء غريبة: القوى الخارقة).
في عام 2000 أكد روبرت لافلين Robert Laughlin، الفيزيائي من جامعة ستانفورد Stanford University، ولاحقا ديفيد باينز David Pines على حجم مسألة عدم القدرة على التنبؤ. فقد جادلا في أنه عند وجود ما يزيد على عشرة إلكترونات في المواد الفعلية، فإن التفاعلات قريبة المدى Neighbour-to-Neighbour Interactions ستجعل من محاكاة تأثيرها في سلوك المادة مستحيلا تقريبا، فالرياضيات تصير صعبة جدا. ويقول ناتيلسون: “إن الأمر مشابه لوضع خطة جلوس في حفل زفاف”، ويتابع: “إذا لم يهتم أي فرد بمن يجلس بجانبه، سيكون ذلك سهلا. لكن، يا إلهي، ماذا لو لم يكن بوسعنا وضع آلان بجانب باربارا، وباربارا لا تجلس بجانب تشارلي، سيكون الأمر صعبا جدا”.
يقودنا عدم قدرتنا على التنبؤ إلى عدم القدرة على معرفة ما إذا كانت الحالة التي نحددها موجودة أم لا. ويجادل لافلين وباينز في أن علم المواد مختلف عن المجالات الأخرى من الفيزياء بالنسبة إلى القدرة على التنبؤ والتجارب. فكما هي الحال مع الباحثين عن النباتات المتجهين إلى الحقل، فإن دراسي المواد يجب أن يكونوا سعداء إذا وجدوا شيئا ما مصادفة، أما التصنيف والتفسير فهما أمران سيتحققان لاحقا.
على الأقل، كانت الحال كذلك سابقا. فعلى مدار 15 عام مضت، اكتشفنا مجموعة جديدة من الحالات التي يمكن التنبؤ بأعضائها. فقد نشأت أسس هذه الثورة عام 1980 عندما اكتشف كلاوس فون كليتزينغ Klaus von Klitzing حالة هول الكمية Quantum Hall State للمادة. وتحدث هذه الحالة في أشباه الموصلات Semiconductors كتلك المستخدمة في شرائح الحاسوب، عندما تكون مسطحة جدا ومحشوة بين مواد أخرى. فقد شغل مجالا مغناطيسيا لتشاهد حينها تغير حالة المادة شبه الموصلة لتصير أكثر موصلية عند حافتها، وعازلة في جميع الأجزاء الأخرى.
لم يُشاهد شيء بهذه الغرابة سابقا. لم يكن التناظر كافيا لتفسير المشهد، وكانت هناك حاجة إلى تصنيف جديد. وتكمن الإجابة في الطوبولوجية Topology، وهي فرع من الرياضيات يصف سمات الأشكال Features of shapes ، كالثقوب والالتواءات بغض النظر عن التغيرات التي تشوه Deformations أشكال المادة. وقد تبين أن الطريقة التي تسرع من خلالها “حالة هول الكمية” الإلكتروناتِ في مسارات محددة هي طوبولوجية بطبيعتها.
قاد ذلك العلماء النظريين إلى التفكير بالأمر. وبحلول عام 2005 تنبأ باحثون من جامعة بنسلفانيا University of Pennsylvania ومجموعة أخرى من جامعة ستانفورد كل على حدة باحتمال وجود حالة للمادة تعتمد على الطوبولوجية فقط. تُعرف هذه الحالة حاليا بحالة هول المغزلية الكمية Quantum Spin Hall State. وتكمن فكرة تلك الحالة في أن كل المواد التي تتبنى هذه الحالة ستنظم الإلكترونات فيها بطريقة تعتمد على دورانها المغزلي. فالإلكترونات ذات الدوران المغزلي السفلي Spin-down ستدفق حول حافة المادة، أما تلك ذات الدوران المغزلي العلوي Spin-up فستمضي في الاتجاه الآخر. وبعد عامين من ذلك التنبؤ، رُصدت تلك الحالة من المادة فعليا في مُركَّب Compound حقيقي. يقول اندري بيرنيفغ Andre Bernevig، من جامعة ستانفورد وهو أحد مؤلفي الورقة العلمية: “كانت هذه أول مرة في الفيزياء”.
لا تحل الطوبولوجيا محل التناظر بل هي مُكمِّلة له. لكنها سمحت لنا أخيرا بالتنبؤ. بعد سنتين من اكتشاف حالة هول الكمية، وجد الباحثون النظريون أنه بوسعهم رسم خريطة الطوبولوجية بالاستعانة بثلاثة تناظرات أساسية لإنتاج “جدول دوري” Periodic Table للحالات الطوبولوجية. وقد وسع بيرنيفغ وآخرون ذلك الجدول ليشمل كل التناظرات التي تقوم على أساسها البلورات. وعموما، وجد الباحثون آلافا من حالات المادة الطوبولوجية، وهذا مثير جدا. ويقول ناتيلسون: “مع تطور مناهج الحساب Calculational methods، سيواصل عالم التنبؤ توسعه”.
داخل منجم الذهب
تقترح الأدلة الأولية أن هذا المشهد الهائل من الحالات الطوبولوجية هو مشهد واعد جدا بالنسبة إلى التكنولوجيا، وذلك صحيح خصوصا عندما يتعلق الأمر بالحوسبة الكمية Quantum Computing (انظر: أشياء غريبة: ملتوٍ بشدة). ويكمن التحدي حاليا في تحديد أي المواد هو طوبولوجي. وتشير التقديرات التي وضعها بيرنيفغ وآخرون إلى أن أكثر من أربعة أخماس المركبات البسيطة والمعروفة، تلك المواد التي يُمكن تقريب سلوكها دون النظر إلى التفاعلات قريبة المدى بين الإلكترونات والتي أقلقت لافلين وباينز، قد تكون في الواقع حالات طوبولوجية للمادة. يقول بيرنيفغ: “نحن داخل منجم ذهب”.
ماذا عن حالات المادة غير الطوبولوجية. هل ستكون لدينا قائمة كاملة لها؟ ويلتشيك واثق تماما أنه لايزال أمامنا الكثير لنكتشفه – ويجب أخذ ذلك على محمل الجد لأن هذا ذلك الكلام صدر عن شخص تنبأ بحالة غريبة من المادة تعرف ببلورة الزمن Time Crystal (انظر: أشياء غريبة: غريبو الأطوار).
مع ذلك، لم تختف مسألة الإلكترونات التي شغلت تفكير لافلين وباينز. ويقول روس ماكينزي Ross McKenzie -من جامعة كوينزلاند University of Queensland في أستراليا- إن آخر التنبؤات الناجحة فيما يخص الحالات المعقدة من المادة كان عام 1983، عندما تنبأ الفيزيائي دونكان هالدين Duncan Haldane “السائل الدوراني” Spin Liquid، الذي يكون الدوران المغزلي لإلكتروناته عشوائيا حتى عند درجات حرارة منخفضة جدا. ويعلق ماكينزي قائلا: “توحي حقيقة عدم وجود جديد منذ أكثر من 40 عام أن التفاؤل ليس في موضعه”، ويتابع: “أود أن أكون مخطئا”.
ويعتقد بيرنيفغ أنه قد يكون محقا، ويضيف أن الحوسبة الحديثة تواصل العمل على ترويض الرياضيات المعقدة للتفاعلات بين الإلكترونات. وربما في يوم ما، سينتهي بنا المطاف إلى الحصول على قائمة نهائية ستكون مرضية لمعظم الفيزيائيين، ويضيف: “إذا سألتني قبل عشرة أعوام عمّا إذا كان مثل هذه الأشياء متوقع، كنت سأقول حينها: لا”، ويتابع قائلا: “أما الآن، فأنا لست متأكدا”.
أشياء غريبة: تحت الضغط
زيادة الضغط هو إحدى الطرق التي يلجأ إليها الفيزيائيون لاكتشاف حالات جديدة ومتطرفة من المادة
المادة المتحللة DEGENERATE MATTER
عندما يصل الضغط إلى قيم تتجاوز بآلاف بلايين أضعاف قيمة الضغط في مركز كوكب المشتري، تنحشر المادة حتى أنها تكون عند الحدود القصوى لقوانين الفيزياء الأساسية. وينص مبدأ الاستبعاد لباوليPauli Exclusion Principle على استحالة أن تشغل الجسيمات الحالة الكمية في الذرة نفسها أو الجزيء نفسه. ولكن في أماكن غريبة كالنجوم القزمة البيضاء White Dwarf Stars، يُعتقد أن ذلك يقود إلى إنتاج مادة غازية من الناحية التقنية، لكن لديها خصائص غريبة، مثل كونها غير قابلة للضغط Incompressible.
مادة الكواركات QUARK MATTER
زدْ كمية الضغط أكثر لتجد أن أكثر مكونات المادة أساسية وهي الكواركات Quarks تقاوم مبدأ باولي، وتشكل -نظريا- مادة الكواركات. وقد توجد هذه المادة في “نجوم كواركية” Quark Stars مختبئة في مكان ما داخل مراكز النجوم النيوترونية Neutron stars. إذا صح ذلك، فإنها ستكون أشد مواد الكون كثافة باستثناء تلك المحتجزة داخل ثقب أسود Black Hole.
أشياء غريبة: القوى الخارقة
برِّد الأشياء العادية بدرجة كافية لتحصل حينها على خصائص كمية يُمكنك رؤيتها بالعين المجردة
الموصلات الفائقة SUPERCONDUCTORS
لا تتصرف الموصلات الفائقة على أنها مواد مؤلفة من زليونات من الجسيمات المفردة، وإنما كجسيم هائل واحد. وتوصل هذه الموادُّ الكهرباءَ دون أي مقاومة، ولذلك فهي تسمح بنقل الكهرباء دون أي هدر. اكتشفت هذه المواد للمرة الأولى عام 1911، لكنها عملت عند درجات حرارة منخفضة جدا فقط -نحو- 273 سْ. حاليا، لدينا موصلات فائقة تعمل عند درجات حرارة أكثر ارتفاعا، لكننا نواصل البحث عن تلك التي تعمل عند درجة حرارة الغرفة.
السوائل الفائقة SUPERFLUIDS
برد الهليوم إلى درجة حرارة قريبة من الصفر المطلق، وسيكون حينها سائلا فائقا Superfluid، وهي مادة لزوجتها صفر تقريبا. وتستطيع هذه المواد التدفق باتجاه الأعلى عند تحريكها، ولن تتوقف عن الدوران أبدا. وتنتج اللزوجة الصفرية تلك في تكاثف بوز-آينشتاين أيضا، وهي مثال عن حالة من حالات المادة جرى التنبؤ بها في الماضي (انظر: المقالة الرئيسية).
تنبأ ألبرت آينشتاين Albert Einstein وفيزيائي هندي هو ساتيندرا بوز Satyendra Bose بتلك المادة في عشرينات القرن العشرين. ورُصدت بعد ذلك بنحو 70 عاما عندما كان الفيزيائيون يعملون على تبريد سحابة من الذرات باستخدام الليزر. وفي هذه الحالة، تبدأ الذرات تلقائيا بالتصرف كسائل أثيري Ethereal fluid يدور وقد ينفجر. وبفضل خصائصها الكمية، فتلك السوائل مفيدة في نمذجة الأحداث الكمية عند القريبة من حافة ثقب أسود.
المواد الصلبة الفائقة SUPERSOLIDS
في عام 1969 اقترحت نظرية تنص على أن الثقوب الموجودة في شبكة صلبة من الذرات بوسعها عند درجات حرارة منخفضة جدا أن تشكل نوعا من المواد الشبحية Ghostly Matter التي يُمكنها عبور المواد الصلبة الأخرى. وفي عام 2004 نشر موسيس تشان Moses Chan وأونسيونغ كيم Eunseong Kim، من جامعة بنسلفانيا أدلةً عن وجود مثل هذه المواد الصلبة الفائقة، عندما بدا قدر من مذبذب Oscillator مصنوع من الهليوم الصلب كما لو كان قد توقف عن الحركة، في حين ظلت البقية تتحرك دون أي عوائق. تراجع تشان لاحقا عن ذلك وقال إن ما رُصد كان تغير عادي في المرونة Elasticity نتيجة للتبريد. وبصرف النظر عن الادعاءات المتعلقة بوجود سلوك المواد الصلبة الفائقة في تكاثفات محددة لبوز-آينشتاين، فإنه لا يزال يتعين علينا معرفة ما إذا بوسعنا صنعها أم لا.
أشياء غريبة: ملتوٍ بشدة
قد تشكل مواد أساسها خاضع لنوع من الأشكال الهندسية يعرف بالطوبولوجية أسس أجهزة الحواسيب المذهلة
العوازل الطوبولوجية TOPOLOGICAL INSULATORS
يتألف أبسط المواد الطوبولوجية من مواد عازلة ذات طرق غريبة في التوصيل عندما توضع فوق بعضها البعض. ويُسرع العازل الطوبولوجي ثنائي الأبعاد الإلكترونات “علوية الدوران المغزلي” Spin up في اتجاه ما، وتلك “سفلية الدوران المغزلي” Spin down في الاتجاه الآخر. ويُمكن استغلال هذا المفعول في صناعة حواسيب “مغزلية” Spintronic. فلا تعالج هذه الحواسيب المعلومات بناء على شحنة الإلكترون فقط، وإنما على اتجاه دورانه المغزلي أيضا.
الموصلات الفائقة الطوبولوجية TOPOLOGICAL SUPERCONDUCTORS
يبدو أن هذه الحالة تحتوي على جسيم استثنائي جدا. يُعرف ذلك الجسيم بفرميون ماجورانا Majorana Fermion. فلم تُرصد تلك الجسيمات على الإطلاق في العوازل، لكن تستطيع إلكترونات الموصلات الطوبولوجية التجمع مع بعضها لتتصرف تصرفا مشابها لتلك الجسيمات. ونظرا لقدرتها على تحمل التداخل Interference تحملاً أفضل من الالكترونات، يمكن استخدام فيرميونات ماجورانا كأساس للبتات الكمية Quantum Bits في الجيل القادم من الحواسيب الكمية.
أشباه المعادن الطوبولوجية TOPOLOGICAL SEMI-METALS
كما هي حال الموصلات الطوبولوجية الفائقة، يمكن أن تتصرف أشباه المعادن وكأنها تستضيف جسيما استثنائيا جدا. في هذه الحالة، يُعرف ذلك الجسيم بفرميون ويل Weyl Fermion وهو يشبه إلكترونًا عديم الكتلة، وإحدى النتائج المذهلة لهذه الحالة هي الموصلية الكهربائية الفائقة. مع ذلك، وبصرف النظر عن الشوائب الموجودة، ستوصل أشباه المعادن الطوبولوجية الكهرباءَ توصيلا مذهلا. وقد يكون ذلك مفيدا لصناعة حواسيب قوية، أو كواشف ذات حساسية فائقة.
أشياء غريبة: غريبو الأطوار
بعض حالات المادة غريبٌ لدرجة تتحدى معها أي تصنيف
بلورة الزمن TIME CRYSTALS
في عام 2010 تساءل الفيزيائي فرانك ويلتشيك عما كان سيحصل إذا جرى توزيع الذرات داخل بلورة صلبة توزيعاً مرتبا ليس مكانيا فقط، وإنما زمنيا أيضا. وسرعان ما توصل إلى فكرة بلورة الزمن. وتشكل هذه البلورة حالة غريبة من المادة التي تهتز ذاتياً ولا تتوقف أبدا. وبحلول عام 2017، صنع كريستوفر مونرو Christopher Monroe، من جامعة ميريلاند University of Maryland وزملائه بلورة زمنية: شريط من أيونات الإيربيوم المحتجزة Ytterbium Ions. وعندما غير الفريق مؤقتاً الدوران المغزلي المغناطيسي Magnetic Spin لأحد الأيونات باستخدام الليزر، بدأت بقية الأيونات بالتقلب ذهابا وإيابا كموجة مكسيكية [حركة التشجيع في الملاعب] ذرية لا تتوقف أبدا.
مستقطبات ريدبيرغ RYDBERG POLARONS
تتألف الذرات في العادة من حزمة من البروتونات Protons والنيوترونات Neutrons يدور حولها مجموعة من الإلكترونات. ولكن في عام 2018 استخدم فريق من جامعة رايس في تكساس انفجارا ليزريا لدفع إلكترون من داخل الذرة نحو مدار كبير – مدار كبير أدى لاحتجاز نحو 100 ذرة. وتقلب هذه الذرات المحتجزة داخل ذرة، والمعروفة جمعا بمستقطب ريدبيرغ، مفاهيمنا الاعتيادية عن المادة رأسا على عقب.
بقلم: جون كارترايت
ترجمة: همام بيطار
© 2021, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC