كيف ينتهي عصر الوقود الأحفوري – وأربعة احتمالات لما يليه
طاقة الرياح والطاقة الشمسية الأرخص من أي وقت مضى تعني أن تراجع الفحم والنفط والغاز لا يمكن إيقافه. وسؤال التريليون دولار هو كيف سيزولان ومدى سرعة زوالهما
متى سينتهي عصر الوقود الأحفوري؟
في حين أننا لا نعرف بالضبط كيف سينجح التحول في مجال الطاقة، سينتهي عصر الوقود الأحفوري كما بدأ، إذ نتعلم استغلال مورد للطاقة واسع ورخيص وسهل الاستخدام ومن الواضح أنه متفوق على الخيارات القائمة. والآن المورد هو طاقة الرياح والطاقة الشمسية. يقول كينغسميل بوند Kingsmill Bond، الخبير الاستراتيجي من مركز متتبع الكربون Carbon Tracker لأبحاث الطاقة: “إن ذروة عصر الوقود الأحفوري هو الآن أو أنها صارت قريبة . وستستمر قليلاً، لكن بعد ذلك ستنحسر”
ويعتمد مدى الانحسار على أي سيناريو من السيناريوهات المتاحة لنا سنختار. وبالنسبة إلى مختلف أنواع الوقود الأحفوري، سيكون النوع الذي دخل أولاً هو أول نوع يخرج. ويقول أندرياس غولدتاو Andreas Goldthau، من جامعة إرفورت University of Erfurt في ألمانيا: “لقد انتهى الفحم. فالضغوط التنظيمية، والاقتصادات المتغيرة، والقدرة التنافسية للطاقة المتجددة، تسبب ضغطاً على الفحم، الملك القديم”.
وحتى عندما حاولت الحكومات دعم الفحم أو إحيائه، كما حدث في بولندا والولايات المتحدة في عهد الرئيس ترامب، فشلت. ويقول غولدتاو: “السؤال ليس كيف ينتهي الفحم. يتعلق الأمر أكثر بكيفية إدارة الانتقال لمنح العاملين ومجتمعات التعدين المحلية هبوطاً سلساً”. وهذا أمر مهم خصوصا في الصين والهند وإندونيسيا، أكبر البلدان المستهلكة للفحم المتبقية. ووفق خريطة طريق صادرة عن الوكالة الدولية للطاقة International Energy Agency (اختصارا: الوكالة IEA)، التي دافعت كثيراً في الماضي عن الوقود الأحفوري، ينبغي أن تمثل طاقة الفحم القذرة من الطراز القديم 1% من الناتج العالمي للطاقة على الأكثر بحلول منتصف القرن الواحد والعشرين إذا أردنا أن نصل إلى الصافي الصفري.
أما النفط؛ فسيبقى لفترة أطول. وفي مايو قالت فيكي هولوب Vicki Hollub، الرئيسة التنفيذية لأوكسيدنتال بتروليوم Occidental Petroleum، بمؤتمر علوم المناخ والاستثمار Climate Science and Investment Conference في نيويورك : “الحقيقة هي أن العالم سيحتاج إلى النفط لعقود مقبلة”. ويقول غولدتاو: “ستظل هناك سوق للنفط عام 2050، لكنها ستكون أصغر بكثير”. وتتوقع الوكالة IEA انخفاضاً من 90 مليون برميل يومياً عام 2019 إلى 24 مليون برميل يومياً عام 2050، مدفوعاً في الأغلب بالتحول إلى النقل الكهربائي.
ويقول غولدتاو إن هذا الاستخدام المتبقي للنفط، لتشغيل بعض الشاحنات والسفن والطائرات والصناعات الثقيلة التي يصعب إزالة الكربون منها، وصناعة البتروكيماويات والبلاستيك، سيكون متوافقاً مع صافي انبعاثات الكربون الصفرية طالما أننا نستخدم تكنولوجيا حبس الكربون. ولكن حتى هذه الاستخدامات ستقع في أحضان الشمس والرياح. ويقول: “ببطء لكن بثبات، سيجدون بدائل للوقود الأحفوري، على الرغم من أن الطائرات ستمثل صداعاً هائلاً وأعتقد أن آخر القطاعات هي صناعة البلاستيك”.
وسيتبع الغازُ الطبيعيُّ، المستخدم الآن على نطاق واسع في الطهي والتدفئة المنزليين وتوليد الكهرباء وفي الصناعات الثقيلة، المسارَ المتدهور نفسه الذي يتبعه النفط، حتى وإن كان ذلك مع جدول زمني يبقيه في مزيج مصادر الطاقة لفترة أطول. ووفق خريطة الطريق التي نشرتها الوكالة IEA، سينخفض الطلب على الغاز من الآن وحتى عام 2050 بنسبة 55% فقط ليصل إلى 1750 بليون متر مكعب في اليوم، لتحل محله إما كهرباء نظيفة أو غاز الهيدروجين المنقول بالأنابيب.
من غير المعروف بالضبط كيف ومتى ستُستخرَج آخر قطرة من النفط أو نفحة من الغاز. ولكن متتبع الكربون احتسب الإمكانات العالمية للطاقة الشمسية وطاقة الرياح ووجد أن هناك طاقة متجددة متاحة بأكثر من 100 ضعف مما يحتاج إليه العالم بالفعل. ويمكن بالفعل استغلال نحو 60% منها اقتصادياً، مع ارتفاع هذه النسبة إلى 100% بحلول عام 2030.
وحتى شركات النفط الكبرى تقر بأن صناعتها تموت ببطء: تتوقع شل Shell تاريخ انتهائها بحلول عام 2070. ويرى بوند يوماً يزور فيه الناس مصافي النفط السابقة في عطلة نهاية الأسبوع، بقدر ما نشرب الكابتشينو الآن بجوار القنوات والمستودعات المجددة العائدة إلى عصر صناعي مضى. ويقول: “حتى الوكالة IEA، المدافعة الكبرى عن استمرار الوقود الأحفوري، لا تقول أي أشياء جديدة، ذروة الوقود الأحفوري عام 2019، تتراجع من الآن فصاعداً. إذا لم تكن هذه نهاية عصر الوقود الأحفوري، لا أعرف متي هي”.
أربع حالات مستقبلية للطاقة
عام 2019، اقترح غولدتاو وزملاؤه أربع طرق يمكن أن يؤدي بها انتقال الطاقة إلى الانتعاش الجيوسياسي، على الرغم من أن أحداً، كما هي الحال دائماً، لا يمكنه أن يقول على وجه اليقين إلى أي اتجاه تسير الأمور.
- صفقة خضراء كبيرة
يؤدي التوصل إلى توافق عالمي في الآراء عن الحاجة إلى انتقال الطاقة إلى اتفاق دولي وتعاون وثيق بين الأمم. وتشجع إشارات السياسة الواضحة المستثمرين على أخذ أموالهم من الوقود الأحفوري ووضعها في تكنولوجيات منخفضة الكربون.
وتساعد صفقات التمويل الأخضر الدول ذات الدخل المنخفض والدول النفطية على الانتقالات التي تحتاج إلى تنفيذها. ويخلص الفريق إلى أن هذا هو السيناريو الوحيد الذي يصل إلى الصفر الصافي بحلول عام 2050.
- القومية غير الخضراء
يفوز الأمن القومي للطاقة على التصدي لتغير المناخ Climate change. فالدول تضع سياسات داخلية تحبذ مصادر الطاقة المتجددة حيثما تكون متاحة بأسعار زهيدة، لكنها تستغل أيضاً أي مورد من الوقود الأحفوري. وتتشظى الأسواق العالمية؛ مما يكسر الزخم نحو انتقال عالمي إلى الطاقة الخضراء. وتفشل الجهود الرامية إلى الحد من الاحترار العالمي Global warmingإلى 1.5 سْ.
- اختراق التكنولوجيا
يحصل تقدم كبير نحو الصافي الصفري، إذ تستمر تكلفة طاقة الرياح والطاقة الشمسية بالتراجع، بمساعدة مزيد من الاختراقات في تقنيات البطاريات والشبكات. لكن زعيمتي التكنولوجيا، الصين والولايات المتحدة، تتنافسان تنافساً متزايدًا على التفوق العالمي من خلال التكنولوجيا الخضراء. وهما ترفضان تقاسم التكنولوجيا والموارد الرئيسية مثل المعادن الأرضية النادرة؛ مما يقسم العالم إلى كتل. وصارت أوروبا وروسيا مهمشة تهميشاً متزايداً.
- التخبط
يعني الافتقار إلى التعاون والتخطيط أن العالم يفشل في الحد من الاحترار إلى 1.5سْ. ومع ذلك، تتراجع تكلفة مصادر الطاقة المتجددة وتنمو بسرعة كافية لإفلاس العديد من شركات الوقود الأحفوري الكبيرة؛ مما يتسبب في فوضى مالية. فأجزاء مختلفة من العالم، مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والصين، تتبع على نحو متزايد أجنداتها الخاصة، مع تعزيز الاختلالات الاقتصادية والجيوسياسية والطاقة القائمة.
الكفاءة هي الكلمة
كلما أمكن فعل المزيد للحد من كمية الطاقة التي نستخدمها، كانت مهمة تحويل أنظمة الطاقة في العالم لتحقيق هدف صافي الانبعاثات الصفري بحلول عام 2050 أكثر جدوى.
ويتوخى التقرير الأخير للوكالة IEA عن كيفية الوصول إلى الصافي الصفري أن ينخفض الاستخدام العالمي الإجمالي للطاقة بنسبة 8% بحلول عام 2050، على الرغم من أنه سيخدم اقتصاداً عالمياً أكبر بضعفين وسكاناً أكثر ببليوني شخص مقارنة باليوم.
وسيتطلب تحقيق ذلك سلسلة من التدابير لتحسين الكفاءة والتحقق من الطلب. وهذا يعني كل شيء من عزل المنازل عزلاً أفضل، للحد من متطلبات الطاقة خلال فصل الشتاء البارد عندما تكون الطاقة الشمسية المتاحة أقل، إلى جعل الأجهزة أكثر كفاءة وتشجيع الناس على قيادة أقل حتى ولو كانت لديهم سيارات كهربائية. و يكمن الخطر في أن الزيادات الكبيرة في الطلب على الطاقة من بعض القطاعات، مثل بث الفيديو، والعملات المشفرة، والألعاب، والرحلات الجوية الخاصة، يمكن أن تلغي أي مكسب.
وتبرر العديد من الشركات استخدام مزيد من الطاقة لأنها تحصل عليها من مصادر متجددة. ولكن إذا جرت تلبية الطلب المتزايد على الطاقة باستخدام مصادر الطاقة المتجددة الحالية التي يمكن أن تحل محل توليد الوقود الأحفوري، لا يقربنا ذلك من الصافي الصفري.
لإحراز تقدم، فإنه يجب على الشركات بناء مشاريع إضافية لطاقة الرياح أو الطاقة الشمسية. وهناك عدد قليل منها، مثل الشركة أبل Apple، تفعل ذلك الآن.
بقلم: غرايام لاوتون
ترجمة: عبد الرحمن أياس
© 2021, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC