مفاعل توروس الأوروبي المشترك
أكبر توكاماك في العالم يُمهِّد لتجربة الاندماج ITER بتفاعل عدد كبير من النبضات التي تستخدم التريتيوم المُنتِج للطاقة.
في تجارب توَجَت 40 عاماً من تشغيل المفاعل الأوروبي المشترك توروس Joint European Torus (اختصارا: المفاعل JET)، وهو أكبر مفاعل اندماج في العالم، أعلن الباحثون هذا الأسبوع أنهم حطمَوا الرقم المسجل في إنتاج طاقة اندماج مُتحكِّم فيها. ففي 21 ديسمبر 2021 سخَّن المفاعل JET في المملكة المتحدة غازاً من نظائر الهيدروجين حتى 150 مليون درجة سيليزية، وحافظ المفاعل على ذلك لمدة خمس ثوان اندمجت في أثنائها النوى مع بعضها البعض مطلقة 59 ميغاجول (MJ) من الطاقة – نحو ضعفي الطاقة الحركية Kinetic energy لشاحنة نصف مقطورة محملة بالكامل تسير بسرعة 160 كم/الساعة. فالطاقة في النبضة أكبر بــ 2.5 ضعف الرقم السابق 22 ميغا جول MJ الذي سجل من المفاعل JET قبل 25 عاماً. «إن رؤية طلقات تحبس طاقة هائلة لمدة خمس ثوان كاملة أمر مدهش»، كما يقول ستيفان كاولي Steven Cowley، مدير مختبر برنستون لفيزياء البلازما Princeton Plasma Physics Laboratory (اختصارا: المختبر PPPL).
ولكن إنجاز المفاعل JET لا يعني أن الكهرباء المولَدة بالاندماج ستنقل بالشبكة قريباً. إذ ضَخّ الباحثون طاقة في الغاز بما يعادل تقريباً ثلاثة أضعاف الطاقة التي أنتجها التفاعل. أما النتيجة؛ فتمنحهم الثقة في تصميم المفاعل ITER، وهو مفاعل اندماج ضخم قيد البناء في فرنسا، والذي يتوقع أن ينتج على الأقل عشرة أضعاف الطاقة التي سيزود بها. «بالتأكيد، هذه أخبار طيبة جداً بالنسبة إلى المفاعل ITER»، كما يقول ألبرتو لورتي Alberto Loarte رئيس قسم العلوم في ITER، ويتابع قائلا: «إنها تدعم بقوة استراتيجيتنا».
لطالما قُدَم الاندماج كمصدر للطاقة الخضراء في المستقبل . لو استخدمنا التفاعل نفسه الذي يزود الشمس بالطاقة على الأرض؛ لكان من الممكن توليد كميات كبيرة من الطاقة بكميات بسيطة من النفايات النووية، ومن دون غازات دفيئة Greenhouse gases. فإنتاج صافي طاقة Net energy لم يكن ممكناً. وفي أغسطس 2021 سجَل الباحثون في منشأة الإشعال الوطنية National Ignition Facility، والتي تولد الاندماج بتسخين أقراص ضئيلة من الوقود وتحطيمها بتسليط 192 شعاع ليزري، أنهم وصلوا إلى 71% من مؤشر التعادل Break-even mark في الطاقة. وأقرب مما وصل إليه أي شخص آخر، لكن لبرهة قصيرة فقط (Science , 20 August 2021, p. 841).
يمثل المفاعل JET وITER مقاربة مختلفة، مقاربة ملائمة أكثر لإنتاج طاقة مستدامة. كلاهما مفاعل توكاماك: أوعية تشبه كعكة الدونت مغلفة بشبكة من المغانظ القوية التي تُطبق على الغاز المؤين أو البلازما بدرجات حرارة فائقة وتبقيها في مكانها، وتمنعها من ملامسة جدران المفاعل وصهرها. ففي الثمانينات اعتقد الباحثون أن المفاعل JET وآلة منافسة أخرى في المختبر PPPL (لم تعد مستخدمة الآن) ستصلان بسرعة إلى مرحلة التعادل. اقترب المفاعل JET إلى ذلك في عام 1997، مولداً تفجراً قصيراً لمدة 15 ثانية وصل إلى إنتاج ما يعادل ثلثي الطاقة المستخدمة لتحفيز التفاعل.
لكن التقدم البطيء دفع الباحثين في التسعينات إلى تصميم المفاعل ITER، وهو توكاماك عملاق بعرض 20 متراً يحتوي على 10 أضعاف البلازما في المفاعل JET. كما تنبأت النمذجات، فإن حجما أكبر من البلازما سيحافظ على ظروف الاندماج لمدة أطول بجعل تسرب الحرارة أصعب. فالمفاعل ITER -المُموَّل بـ 25 بليون دولار من الصين والاتحاد الأوروبي والهند واليابان وكوريا الجنوبية وروسيا والولايات المتحدة- من المقرر أن يبدأ العمل في 2025، لكنه لن ينتج كميات كبيرة من الطاقة حتى 2035. فعندما يبدأ بحرق نظائر الديوتيريوم Deuterium والتريتيوم Tritium (الوقود) D-Tالمنتجة للطاقة.
أعطى تشغيل المفاعل JET المبكر مصممي المفاعل ITER درساً مهماً. فقد بُطَّن المفاعل JET بالكربون المقاوم للانصهار. ولكنه تبين أن هذا الكربون «يمتص الوقود مثل إسفنجة»، كما تقول فريناندا ريميني Frenanda Rimini خبيرة تشغيل بلازما المفاعل JET. لذا اختار مصممو المفاعل ITER استخدام المعدنين بيريليوم Beryllium وتنغستين Tungsten.
لم يعرف أحد كيف سيكون أداء المعدنيْن، لذا شكل المفاعل JET منصة اختبار. وبدءاً من 2006، طوَر المهندسون مغانطه، ونظام تسخين البلازما، والجدار الداخلي لجعله ما أمكن مثل جدار المفاعل ITER. وعندما أعيد تشغيله في عام 2011، لم تكن المؤشرات جيدة، كما يقول كاولي الذي كان آنذاك مدير مركز كالهام لطاقة الاندماج Culham Centre for Fusion Energy الذي يشغَل المفاعل JET لصالح وكالة إيروفيوجين في الاتحاد الأوروبي EuroFusion agency. ويوضح قائلا: «لم نستطع الوصول إلى الأنظمة [ذات القدرة العالية] نفسها».
واجتهد فريق المفاعلي JET لاكتشاف المشكلة. ووجدوا أن أيونات البلازما ذات الطاقة العالية تطرد أيونات التنغستن من الجدار، فتُشعَ الطاقة، وتتسرَب الحرارة من البلازما. فقد عمل الفريق لسنوات عدة على استراتيجية لمعالجة المشكلة. وبحقن طبقة رقيقة من الغاز مثل النتروجين والنيون أو الآرغون بالقرب من جدار الوعاء، أمكنهم تبريد الحافة الخارجية من البلازما وإيقاف الأيونات من ضرب التنغستن. «شيئا فشيئاً استرجعنا مستوى الآداء»، كما يقول كاولي.
في سبتمبر2021 شرع باحثو JET في رؤية ما يمكن لآلتهم التي أعيد تصميمها عمله . وكان هذا يعني تحويل الوقود إلى الوقود D-T ( Science, 5 April 2019, p.14) . فمعظم مفاعلات الاندماج تعمل على الهيدروجين العادي أو الديوتيريوم؛ مما يسمح للعلماء باستكشاف سلوك البلازما، وفي الوقت نفسه تجنَب تعقيدات التريتيوم النادر والمشع معاً. ولكن العاملين في المفاعل JET كانوا يتحرَقون لاختبار آلتهم في ظروف الإنتاج الفعلية للطاقة . وكان عليهم أولاً أن يعيدوا تشغيل أجهزة معالجة التريتيوم في المفاعل التي لم تستخدم لعقدين، والتي تستخلص أيونات التريتيوم والديوتيريوم غير المحترقة من عوادم الغازات بعد كل طلقة وتعيد تدويرها.
لقد هيأت النجاحات الأخيرة الطريق للمفاعل ITER، وأظهرت أن رهان مصمَميه على جدار معدني بالكامل لابد أن ينجح. ويقول لورتي: »هذا يؤكد أننا أخذنا المستوى الصحيح من المخاطرة«. ولكن بالنسبة إلى المفاعل JET؛ فإن تجربة التشغيل بالوقود D-T كان نهاية المطاف. ويقول جو ميلنز Joe Milnes، رئيس عمليات المفاعل JET، إن المفاعل سيقوم بتجربة اختبار واحدة من منتصف 2022 إلى نهاية 2023 قبل إغلاقه. «كانت أكثر اختبارات الاندماج نجاحاً على الإطلاق «كما يقول، لكن الوقت حان» لنقل المسؤولية إلى المفاعل TER».
بقلم: دانييل كليري
المترجم : د. سعد الدين خرفان
©2022, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved