مقابلة مع ستيف شين: لماذا ناسا مُنهمكة باختراع ذكاء اصطناعي يتسم بالفضول للفضاء العميق؟
يقول ستيف شين من وكالة ناسا: إن المسابير الفضائية ستكون أول ما سيكتشف أبعد مدى من مجموعتنا الشمسية وما بعدها. ولتحقيق اكتشافات، مثل العثور على حياة فضائية، ستحتاج إلى التفكير أكثر مثل البشر
من المعروف أن البشر ليسوا مُناسبين تماماً لرحلات الفضاء الطويلة الأمد. فعندما يتعلق الأمر باستكشاف مجموعتنا الشمسية وعوالم أبعد من ذلك، فمن المنطقي إرسال الآلات.
لكن، للأسف ، فإن الآلات لا تقاسمنا فضولنا الفطري. إذ إن المركبات الفضائية التي صُممت لتلتقط صوراً لسطح الكوكب لن تندهش في حال ظهر كائن فضائي فجأة على الشاشة، ولن تغير المركبة فورا تركيز عدسة الكاميرا لتتحقق منه، بل ستستمر بالتقاط صور الصخور وما صُممت لأجله. ولكن ستيف شين Steve Chien وزملاؤه يعملون على تغيير ذلك.
يترأس شين القسم الذي يضطلع بالذكاء الاصطناعي Artificial intelligence (اختصارا: الذكاء الاصطناعي AI) أثناء التخطيط للبعثات المختلفة في مختبر الدفع النفاث Jet Propulsion Laboratory (اختصارا: المختبر JPL) التابع لناسا، مسقط رأس المهمات الفضائية مثل فوياجر Voyager التي جازفت بالوصول إلى حافة المجموعة الشمسية، ونيو هورايزونز New Horizons التي حلقت حول كوكب بلوتو. وفي خِضمِّ وظيفته اليومية ينهمك في ابتكار برامج وأنظمة تسمح لمُستكشافات الفضاء العميق، ومركبات الكواكب السيارة المُشابهة لبعثة المسبار روزيتا Rosetta mission التي هبطت على المذنب، والمركبة بيرسيفيرانس (المُثابرة) Perseverance إلى المريخ، بمُحاكاة طريقة تفكير البشر وتصرفاتهم محاكاة أفضل. إنهُ يهدف إلى تحويل المركبة الفضائية إلى مستكشفين حقيقيين عوضاً عن مجموعة من الكاميرات وأجهزة الاستشعار التي تعمل بمحرك صاروخي.
وعندما لا يكون مشغولا بالبعثات الفاضية، يجهد شين في توظيف الذكاء الاصطناعي على الأرض. فقد شارك مؤخراً في كتابة تقرير حكومي أمريكي حول مستقبل الذكاء الاصطناعي. ويشير التقرير إلى أن الولايات المتحدة بحاجة إلى إعادة موضعة نفسها لتكون رائدة في هذا المجال، أو أن تواجه العواقب المُحتملة للهجمات الإلكترونية القائمة على الذكاء الاصطناعي في المستقبل.
نيل بريسكو: كيف هو العمل في مختبر الدفع النفاث؟
ستيف شين: أنا مختلف عمن يعملون في المختبر JPL إذ إنني لم أحلُم بالعمل هناك منذ طفولتي مثل البقية. وعلى الرغم من ذلك، فقد أتيحت لي فرصة كبيرة للعمل على عدد من البعثات المُذهلة بما في ذلك بعثة روزيتا التابعة وكالة الفضاء الأوروبية Eropean Space Agency (اختصارا: الوكالة إيسا ESA)، وحالياً مركبة المريخ بيرسيفيرانس 2020، وهذا ما أبقاني مهتماً جداً بالعمل في المختبر JPL. فقد حُظيتُ بشرف العمل مع هؤلاء العلماء والمهندسين الرائعين.
ما البعثة المُفضلة لديك مما عملت عليه؟
من الصعب عليّ اختيار بعثة مُفضلة. لكن بالتأكيد عملي على بعثة المسبار روزيتا مُذهلة لأسبابٍ عديدة. وكان من المُدهش أن نرى علماء من كل أوروبا ومن جميع أنحاء العالم، مجتمعين حول هذا الهدف المشترك الذي ينطوي على تشغيل هذا المسبار الفضائي لاكتشاف آلية العمل الداخلي للمذنبات، بل في الواقع آلية العمل الداخلية لمجموعتنا الشمسية. فقد كان من المُدهش رؤية العالم كله منخرطاً في العلم.
أي نوعٌ من الذكاء الاصطناعي لدى المركبة التي تستكشف المريخ حالياً؟ هل المركبات ذكية؟
حسناً إن الذكاء هو مُصطلحٌ نسبي. إن المركبة قادرة على أداء ما هو أكثر مما قد تفعله المركبات السابقة، ولكنها لا تزال بعيدة جدا عن تحقيق ما يستطيع أن يفعله فريق من العلماء والمهندسين البشر على كوكب المريخ. فعلى سبيل المثال: بمقدور المركبة السيارة طبقاً لبعض أدواتها “أن تبحث عن الأهداف” نظراً لمعايير معينة مثل اللون والشكل ومدى بُعدها من المركبة. وستحصل على مجال واسع من الصور البصرية، التي ستُفضي إلى إيجاد أهدافاً ضمن النطاق الذي يُطابق المعايير على أفضل وجه، ومن ثم تُطلق أشعة الليزر لتسجيل قياس أكثر تفصيلاً.
كما تمتلك مركبة بيرسيفيرانس نظام ملاحة أكثر قوة يسمح لها بالسير أسرع وباستقلالية. ولكن التقدم يجري بصورة متدرجة، وأمامنا طريق طويلة ينبغي علينا قطعهُا. كما نعمل أيضاً على البرمجيات التي تسمح للمركبة بضبط الخطة المُرسلة لها من الأرض، في حال كانت الأنشطة أقصر أو أطول مما كان متوقعاً مع تغيير الأنشطة وإضافتها وإسقاطها لتتناسب مع الغرض.
لقد وصفت عملك بأنهُ يجعل من المسابير الفضائية آلالاتٍ أكثر فضولاً. هل بمقدورك توضيح ذلك أكثر؟
حتى الآن، كان الذكاء الاصطناعي الذي برمجناه في المركبات الفضائية والمركبات السيارة كان يهدف إلى التعرّف على الأشياء التي نفهمها. مثلا، استهداف أنواع مُحددة من الصخور بالليزر، أو للبحث عن زوبعات تُرابية ضمن سلسلة من الصور.
وفي المستقبل عندما نسافر عبر المجهول تماما سنحتاج إلى ما هو أكثر من ذلك. فسنحتاج إلى البحث عن أنماط في البيانات. فعلى سبيل المثال، على الأرض قد ننظر إلى الصور العامة ونجمعها طبقاً للونها وملمسها وخشونتها وغيرها من الخصائص الخطية. وبناء على هذه الخصائص قد نُميز طبيعياً بين البحيرات والأنهار والجبال والغابات. ولكن هذه الخصائص على كوكب آخر أو قمر آخر قد تتطابق مع أنواع مختلفة من الكثبان الرملية أو المحيطات أو الغطاء النباتي، وهلم جراً.
لماذا لا نرسل البشر لاستكشاف الكواكب والأقمار الأخرى؟
يتميز البشر بالحساسية والهشاشة المُفرطة. إن إرسال البشر إلى مدارٍ أرضي مُنخفض يتطلب مسعىً مدهشًا، وإلى القمر يتطلب مسعىً هائلًا، أما إرسالهم إلى المريخ فهو الأكثر تحدياً. وكُلُّ هذه أمكنة مُتأكدون من عدم وجود الحياة فيها. إذا نظرتم داخل المجموعة الشمسية ؛ فسنجد هناك عدة أماكن حيث نعتقد أنه يُحْتَمَلُ أن تكون هناك حياة. وتقوم الاستراتيجية الأساسية للعثور على حياة بالبحث عن الماء السائل. والقمر “يوروبا” أحد أقمار المشتري هو أحد أكثر الأماكن الواعدة. ولكن لا يتسنى حقاً إرسال رواد الفضاء إلى هناك نظراً لأن الإشعاع على المُشتري قاس جدا، إضافة إلى أن السفر إلى هناك سيستغرق فترة طويلة جداً. ومن ثم، ينبغي علينا إرسال الروبوتات للبحث عن الحياة. ولكن بسبب المسافات الطويلة، سيكون التواصل مع هذه الروبوتات أمرٌ صعب جدا. سيتحتم على الروبوتات أن تكون ذكية بما فيه الكفاية لتبحث بمفردها.
هل بمقدور الذكاء الاصطناعي جعل المسابير والمجسات تتعرف على الأشياء بالطريقة نفسها التي يتعرف بها الإنسان؟
هناك مسألة جوهرية تمتحن حدود الذكاء الاصطناعي العام Artificial general intelligence حول مدى الذكاء الذي يجب أن تكون عليه الآلات الذكية. وهذا ما يعنيه الناس عندما يُفكرون في شخصيات مثل داتا Data في فيلم ستار تريك Star Trek، أن شيء قادر على التفاعل كقرين للبشر على نطاق واسع من المواضيع تماماً مثل الإنسان. لسنا بحاجة إلى ذلك في الفضاء، فما نحتاج إليهُ هو ذكاءٌ متخصص. إن المركبات الفضائية الذكية لا تحتاج إلى معرفة كيفية أخذ حافلة في دبلن أو كيفية حجز رحلة، إنها بحاجة إلى معرفة أشياء محددة جداً مثل: كيفية عمل أجهزة الاستشعار. وتحتاج إلى معرفة العلم الذي يتطّلع إليه الناس.
إذن، هل الذكاء الاصطناعي وسيلة لما هو أكثر من مجرد مسبار يلتزم بقائمة مرجعية مُحددة؟
بالفعل إن البعثات الروبوتية تعمل إلى حد ما بمفردها على نحوٍ مُستقل، لكننا نحاول الوصول إلى حدود المعقول. ويتجلى أحد الأمثلة الرائعة بالمهمة الرائعة نيو هورايزونز، والتي كان يُديرها الزميل آلان ستيرن Alan Stern. فقد أجروا بعض الأشياء المدهشة مثل: التحليق بالقرب من كوكب بلوتو، والتحليق بالقرب من أروكوث Arrokoth -جرم في حزام كويبر Kuiper ، إضافة إلى إجراء بعض التجارب العلمية المذهلة. ولكنهم خططوا مُسبقاً لكيفية طيرانها في تلك الأماكن.
ما نسعى إليه في المستقبل هو أن تكون المركبة الفضائية أكثر ذكاء وأن تبحث عن أشياء معينة. وستبحث عن الأقمار الاصطناعية والأقمار والقُميرات Moonlets، وإذا وجدها سيأخذ صوراً إضافية لها. كذلك، فإن نفثات غازيّة Plume ونوافير السوائل الحارة Geysers صغيرة هي ظواهرة علمية مدهشة، لذلك ستنتبه المركبة الفضائية لذلك لالتقاط المزيد من الصور لتلك الظواهر.
كيف لنا أن نجهِّز المسابير بمثل هذه القُدرات؟
قد يبدو أن هذا سيكون سهلاً جداً، كل ما عليك هو أن تخبر البرنامج بأن يفعل ذلك. ولكن تبين لنا في الواقع أنه أمر معقد حقاً. ويجب أن تعرف كيف تتحرك المركبة الفضائية، وكيف وإلى أي اتجاه ينبغي أن تتجه، ومعظم المركبات الفضائية يجب أن تُدرك أن هذه ظاهرة هي “نفثات غازيّة”.
هذه جميعها أشياء يتعرف عليها البشر جيداً. فنحن نتنقل حول العالم، ونقول “هذا كرسي” أو “هذا مطر يهطل”. ولكن جعل الحواسيب تُدرك هذه الأشياء ليس بالأمر السهل. وعندما نتحدث عن الفضول، وعندما نتكلم عن الدهشة، فإن ما يفضي إلى ذلك بالأساس هو القدرة على تحديد ما هو غير عادي و ما هو مختلف.
ما نُريد عمله هو البحث بذكاء، ونحن نقوم بذلك باستخدام ما نُسميه قوائم بيضاء وقوائم سوداء. تنطوي القائمة البيضاء على أشياء محددة تبحث عنها. وعلى سبيل المثال: قد تشمل الكبريت؛ لأن الكبريت هو علامة على وجود الحياة. أما القائمة السوداء؛ فهي حيثُ تتوقعون رؤية أشياء معينة لاتُثيرُ الإهتمام، لكن إذا رأينا شيئا آخر، شيء لم نكن نتوقع رؤيته هذا سيكون أمرٌ لافت للاهتمام. فبمقدورك البحث ورؤية كل الأشياء التي كنت تتوقعها ولكن مهلاً! تَكتشفُ شيئًا لم تكن مستعدَّاً لهُ، رُبَّمَا مرور كائناتٍ مريخية عبر عدسة الرصد. فهذه هي الخطوة الكبيرة التي تفضي نحو الفضول الذكي- إدراك أن ذلك أمر غير عادي ولافت للإهتمام.
ما صلة عملك على الذكاء الاصطناعي في الفضاء بما هو هنا على الأرض؟
لقد حُظيتُ بشرف العمل على تقرير الكونغرس عن دور الذكاء الاصطناعي في الأمن القومي. وفي العالم السيبراني بالإمكان إنشاء مئات أو آلاف من “عملاء البرمجيات” Software agents بسهولة أكبر من بناء الدبابات فعليا أو الطائرات أو السفن أو حتى القذائف الصاروخية. ما أعنيه بعميل برمجيات هو البرامج التي تسمح للقراصنة بالاستيلاء على الحواسيب، وشن هجمات على عدد كبير من المُضيفين عبر الإنترنت.
إنها تكون أذكى وأكثر تعقيداً يوما بعد يوم. فهو سباق تسلح برمجيات عالمي، يمنح العديد من المزايا للمهاجم. ويحتاج المدافع إلى الفوز طوال الوقت. غير أن المُهاجم يحتاج إلى الفوز بعض الوقت فحسب لتحقيق النجاح. والعامل الحاسم هو السرعة والذكاء المستمدة من الذكاء الاصطناعي. وكل من يمتلك أذكى العملاء سيفوز في الحرب الإلكترونية، وكل من يفوز في مسابقة الذكاء الاصطناعي سيهيمن على الفضاء الإلكتروني.
وفي عالم اليوم تتحكم الحواسيب في كل شيء: من الطاقة والمياه إلى الاتصالات والنقل. ومن هنا تأتي أهمية الذكاء الاصطناعي للأمم. والأمن السيبراني مهم جداً للبعثات الفضائية أيضاً، نظراً لاستخدامنا الحواسيب لتخطيط وتشغيل هذه البعثات المُعقدة جداً. وأي تهديد إلكتروني قد يُعرض البعثة برمتها للخطر.
وخبرتي الأساسية في مجال بالذكاء الاصطناعي مرتبطة بالفضاء، وهو مجال مهم وكبير. ولكن على الرغم من أن هذا لا ينطبق على كل التطبيقات Applications، إلا أنهُ يتشارك مع ذلك في قدر كبير من القواسم المشتركة. ويُركز جزء كبير من تقرير الكونغرس على القضايا العامة مثل: التحديات التي تواجه أبحاث الذكاء الاصطناعي، وتطبيق الذكاء الاصطناعي وتدريب القوى العاملة، والتعاون العالمي.
إلى أي مدى نحنُ بعيدون عن مسبار ذكي اصطناعي بإمكانه الاستكشاف كما البشر؟
هذا سؤال تصعُبُ الإجابة عنه. فهناك بالفعل اكتشافات باستخدام الآلات يوميا. في هذه الحالات يضخم الذكاء الاصطناعي الذكاء البشري، ويتمكن الفريق المشترك من النظر في المزيد من الخطط لإيجاد خططٍ أفضل.
للبشر رؤية إستراتيجية أفضل، ويستطيع الحاسوب أن يتحقق من المسارات ويبحث في الحلول، بناء على توجيهات عالية المستوى من البشر. آلة تحقق اكتشاف ما بشكل مستقل؟ هذا أقل شيوعاً. ولكن هناك حالات- عادةً عندما ما يكون الإدراك البشري للمشكلة محدوداً بسبب للكميات الهائلة من البيانات التي يتعين معالجتها. وحتى في هكذا الحالات، فإن الوظائف الرياضياتية والموضوعية التي يقودها الإنسان هي جزءٌ جوهريٌ من العملية.
وفيما يتعلق بالكفاءة البشرية في الميادين التي يُهيمن عليها البشر، لا أرى إمكانية تحقيق ذلك في المستقبل القريب، مثلاً: في السنوات الخمس المقبلة. غير أن وتيرة التقدم مذهلةٌ في بعض المجالات. ولا أود أن أدلي بأي توقعات تتجاوز خمسًا إلى عشر سنوات؛ مما يجعلني أبدو كخبير اقتصادي!
بقلم: نيل بريسكو
ترجمة: شوان حميد
© 2021, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC