أوروبا تحاول أن تنقذ مركبة المريخ بعد الخلاف مع روسيا
رئيس الفريق يقول إن التأخير إلى عام 2028 أو 2030 محتمل جدا
بعد مراجعة تقنية، أكَدت وكالة الفضاء الأوروبية European Space Agency (اختصارا: الوكالة إيسا ESA) الأسبوع الماضي أن مركبة المريخ التابعة لها جاهزة للإطلاق. المشكلة الوحيدة: لا رحلة توصل المركبة إلى الكوكب الأحمر، ولا عربة هبوط لإنزالها بأمان إلى السطح. وكان من المفترض أن تقدَم روسيا الاثنتين، لكن بعد أن اجتاحت روسيا أوكرانيا، علّقَت الوكالة إيسا العلاقات، وألغت إطلاق خُطِّط له في سبتمبر 2022. إذ يقول ثيري بلانكارت Thierry Blanequart رئيس فريق إكسومارس ExoMars من المركز التكنولوجي للوكالة ESA في هولندا: »لا يوجد بديل حقيقي».
هذا وتدرس الوكالة إيسا الآن خيارات للحفاظ على المهمة ذات البليون يورو. وحتى لو استطاعت الوكالة استبدال التكنولوجيا الروسية، و تدفع نظير مثل هذه الخدمات؛ فإن التأخير إلى عام 2028 وحتى إلى 2030 هو أمر وارد جدا، كما يقول بلانكارت. ويقول علماء الكواكب إن المركبة تستحق الانتظار. إذ يعتقد أندرو كوتس Andrew Coats من يونيفرسيتي كوليدج لندن University College London، وهو الباحث الرئيسي لدراسات الكاميرا المَرْكَبَة البانورامية: «ما زالت المهمة مهمةً رائدة حتى ولو تأحر إطلاقها في العقد المقبل».
لم تكن مرحلة التحضير لإكسومارس سهلة. ففي البداية كانت تعاوناً بين الوكالتين إيسا وناسا، لكن الولايات المتحدة انسحبت في عام 2012 لأسباب مالية. ودخلت روسيا على الخط بتوفير الصاروخ بروتون Proton rocket لإطلاق المركبة، ومركبة هبوط تدعى كازاتشوك Kazachok. وفّر العلماء الروس أيضاً معظم الأجهزة على كازاتشوك، والتي ستعمل كمحطة استشعار Sensor station بعد الهبوط. وأسهمت روسيا في اثنتين من تسعة أجهزة للقطعة الرئيسية في الرحلة: مركبة بحجم عربة الغولف، سميت روزاليند فرانكلين Rosalind Franklin على اسم العالمة البريطانية مكتشفة الحمض النووي DNA. وبإمكان هذه المركبة أن تحفر إلى عمق مترين اثنين تحت السطح بحثا عن عينات نقية Pristine قد تقدَم دليلاً على حياة سابقة.
تسبَّب تغير رعاة البرنامج إلى تأخير موعد الإطلاق من عام 2018 إلى 2020. (تُتاح فرص الإطلاق للمريخ مرة كل سنتين تقريباً بحسب تموضع الكوكب). ولكن في أوائل عام 2020 ظهرت مشكلات في المظلات المصممة لإبطاء الهبوط إلى غلاف المريخ وأدت إلى تأخير آخر لمدة عامين.
أما الآن، »المعدات كلها جاهزة لبدء حملة الإطلاق«، كما يقول بلانكارت. وكانت المركبة وكازاتشوك جاهزتين للشحن إلى المحطة الفضائية الروسية في بيكونور Baikonur في كازاخستان، عندما بدأت روسيا حربها على أوكرانيا. ويقول بلانكارت: «حالما رأينا هذه الستارة الحديدية تنزل مرة أخرى، فكَرنا: ما الذي يمكننا فعله لإنقاذ إكسومارس؟»
تزمع الوكالة إيسا إجراء دراسة مدتها ثلاثة أشهر لتقييم ما هو ممكن. ولو أعيدت العلاقات مع روسيا بسرعة، لبقي الإطلاق ممكناً في عام 2024. غير أن بلانكارت يستدرك قائلا: «لو احتجنا إلى تغيير معدات Hardware أخرى، فلن نكون جاهزين». ومع استمرار الحرب في أوكرانيا، يبدو التعاون السريع مستحيلاً.
في تلك الحالة، ستضطر الوكالة إيسا إلى استبدال عدد من التقنيات الضرورية. إحداها وحدات تسخين النظائر Radioisotope heating units (اختصارا: الوحدات RHU’s)، وهي كبسولات صغيرة من البلوتونيوم- 238 المشع الذي يحافظ على حرارة المركبة خلال ليل المريخ المتجلَد. في السابق، وفّرت الوكالة ناسا وحدات RHU’s، ويمكن للمملكة المتحدة أن تصنع بعضها في أواخر هذا العقد، لكن لا يوجد مزوَد أوروبي آخر. ولدى الوكالة إيسا عدد من الوحدات RHUs متبقية من تطوير مسبارها هايغينز Huygens Probe، الذي أُنزل على سطح القمر تيتان في عام 2005. ولأنها تنتج طاقة أقل من الروسية، يجب وضع عدد أكبر منها على المركبة، مما قد يؤدي إلى التخلي عن أحد الأجهزة الأخرى، كما يقول بلانكارت.
تقنية أخرى كانت روسيا ستقدمها وهي صورايخ كابحة Retrorockets، تستخدم لتحل محل المظلات في المراحل النهائية من الهبوط. وقد اختبرت الوكالة إيسا بعض الصواريخ الكابحة البسيطة في عام 2016 بمركبة الهبوط شياباريللي Shiaparelli lander التي تحطَمت في مراحل اقترابها الأخير من المريخ نتيجة خطأ برمجي. ويقول بلانكارت في أوروبا لم نتقن هذه التقنية بعد«.
وقد يكون تاريخ إطلاق في عام 2026 ممكنا لو حصلت الوكالة إيسا على بعض المساعدة. إذ صرحت الوكالة ناسا إنها تخوض مباحثات مع الوكالة إيسا لترى ما يمكنها تقديمه. ويقول مهندس الفضاء زاكاري بوتنام Zachary Putnam من جامعة الينوي University of Illinois بأربانا تشامبين الذي درس أنظمة الهبوط على المريخ لناسا: »ليس لدى الوكالة ناسا بليون دولار لبناء مسبار للوكالة إيسا». ولكن لو كانت الوكالة إيسا بحاجة إلى الوحدات RHUs والصواريخ الكابحة؛ لكان إمكان الشركات الخاصة في الولايات المتحدة تأمين ذلك، كما يقول. و لو أرادت الوكالة إيسا أن تستمر دون الاعتماد على جهة أخرى، فإن عام 2028 قد يكون هو أبكر تاريخ للإطلاق الممكن، إذ يقول بلانكارت: «يعطينا ذلك وقتاً أكثر لاستكمال تطوير التكنولوجيا الأوروبية».
والوكالة إيسا تشعر بارتياح نسبياً مع العناصرالأخرى للمسبار التي اختبرتها المركبة شياباريللي، كالدرع الواقية للحرارة والمظلات ونظام الملاحة. ولدى الوكالة حل جاهز للإطلاق أيضاً: صاروخ آريان-6 (Ariane 6 rocket) الجديد لديها، والذي يمكن إطلاقه قبل نهاية هذا العام.
مثل هذه الصواريخ ليست رخيصة، وسيكلف تعديل إكسومارس من أجل إطلاق جديد المزيد من الأموال. كما أن المحافظة على المركبة الفضائية جاهزة للطيران، واستمرار توظيف فرق الأبحاث يضيف إلى التكاليف. عندما أجَل إطلاق مركبة الهبوط على المريخ إنسايت InSight التابعة للوكالة ناسا، كلَف ذلك الوكالة نحو 150 مليون دولار في العام لتأجيل الخطة، كما يقول بوتنام. وإضافة إلى ذلك، فإن تطوير عربة هبوط جديدة لإكسومارس «يمكن أن يتطلب تكلفة تعادل تكلفة المركبة نفسها».
في هذه الأثناء، تخطط الوكالة إيسا لبناء مركبة جوالة ومركبة مدارين أخريين، ستكونان جاهزتين للإطلاق في عام 2027، وهو جزء من مشروع مشترك مع الوكالة ناسا بتكلفة تعادل سبعة بلايين يورو، بهدف جلب صخور من المريخ إلى الأرض. وسيترقب أعضاء فريق إكسبومارس اجتماع لمجلس الوكالة إيسا في نوفمبر 2022، عندما تُرصد الموازنات، وتقيَّم المهمة المضطربة مع خطط أخرى للمريخ.
بقلم: دانييل كلاري
ترجمة: د.سعد الدين خرفان
©2022, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved