«قشرة» قاسية على سطح التربة تساعد على الحد من هبوب العواصف الرملية
تغير المناخ والدوس على التربة يهددان «القشرات البيولوجية» Biocrusts، مما يسمح للرياح بمهاجمة التربة الجافة
قبل عامين ارتفع 24 مليون طن من الغبار عالياً فوق إفريقيا كغطاء عَبَرَ المحيط الأطلسي ليغطي بورتوريكو بطبقة وردية اللون. وساعد تيار نفاث Jet stream متعرج على غير العادة على دفع غيمة الغبار الهائلة هذه. ولكن علماء الإيكولوجيا أشاروا هذا الأسبوع إلى عامل آخر يتسبب في إطلاق هذه العواصف: اختفاء القشرة البيولوجية Biocrusts، وهي حصيرة ميكروبية Microbial mat تغطَي تربة الأرض الجافة، وتساعد على بقاء الغبار في مكانه. «إنها تلصق الرمل بعضه ببعض»، كما تقول بيتينا ويبر Bettina Weber الإيكولوجية من جامعة غراز University of Graz، ومؤلفة مشاركة في الدراسة الجديدة.
تدوسها أقدام الماشية ويصليها تغير المناخ، من المحتمل أن يكون ذلك الصمغ أضعف في المستقبل، كما يقول الباحثون، مما يترك التربة فريسة لمهب الرياح. توضح دراسة الغبار «أن فقدان القشرة البيولوجية في منطقة ما من العالم يمكن أن تكون له تأثيرات متعددة وبعيدة المدى»، كما تقول ريبيكا فينغر-هيغينز الإيكولوجية من هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية U.S. Geological Survey.
القشرة البيولوجية عبارة عن غطاء سطحي قاس أو «قشرة» بسماكة عدة ميلليمترات، تحتوي على مجتمع مزدهر من الفطريات Fungi والأشنات Lichen والطحالب Moss والبكتيريا الزرقاء Cyanobacteria والميكروبات الأخرى. تاريخياً لم يُبالِ الإيكولوجيون كثيرا بالقشرات البيولوجية التي تغطي التربة في المناطق الجافة وشبه الجافة والمناطق الباردة جداً في العالم. لكن الباحثين أدركوا أن هذه الأغطية تنتج مغذيات Nutrients، تحتاج إليها الكائنات الحية التي تعيش في المناطق المجاورة لها كي تزدهر، وتعالجها خاصة في البيئات الجافة. وهي أيضاً تساعد التربة في الأراضي الجافة على الحفاظ على رطوبتها المنخفضة.
في عام 2018 مسحت ويبر مع باحث ما بعد الدكتوراه إيمليو رودريغيز كاباليرو Emilio Rodriguez Caballero وزملاء آخرين القشراتِ البيولوجيةَ في العالم كله، واستنتجوا أنها تغطي نحو 12% من سطح الأرض. بعد ذلك انضموا إلى فريق مع منمذجي مناخ Climate modelers وخبراء غبار لتقدير كمية الغبار التي تحولُ القشرةُ البيولوجية دون انبعاثها حالياً. أولاً، جمع الباحثون بيانات حول كمية الرياح اللازمة لتدمير القشرة البيولوجية وجرف التربة بعيداً. وحسبوا كمية الانبعاثات من 31 موقعاً مختلفاً، ثم أدخلوا النتائج في نموذج يتنبأ بانبعاثات الغبار في العالم كله – وكمية الغبار الذي سينبعث من دون وجود قشرات بيولوجية. واستخدموا في ذلك «توليفة أنيقة من البيانات الميدانية والنمذجة»، كما يقول فيرناندو ماستر Fernando Maestre، وهو إيكولوجي مختص بالمناطق الجافة في جامعة أليكانتي University of Alicante.
تخفَض القشرات البيولوجية الغبار في الهواء بمقدار 700 مليون طن في العام، وفقا لما نشرته ويبر وفريقها في مايو 2022 بـ نيتشر جيوسيانس Nature Geoscience. تلك الكمية يمكن أن تدفن مدينة نيويورك بكاملها تحت 35 سنتيمتراً من الغبار. وتصنّف الدراسة »القشرات البيولوجية كلاعب أساسي في منع انبعاثات الغبار عالمياً«، كما يقول ماستر.
على مدى السنوات الـ 65 التالية، سيختفي ما بين 25% إلى 40% من هذه القشرات، كما يقول رودريغيز كاباليرو الذي يعمل الآن في جامعة ألميريا University of Almeria. وسيكون تغير المناخ الذي يهدد متعضيات التربة مسؤولاً عن نصف التخريب تقريباً، وسيتدهور النصف الآخر بفعل دعس التربة بأقدام البشر والماشية والآلات الزراعية.
وثَقت فينغر-هيغينز Finger Higgens وزملاؤه تأثير المناخ. في مسح نصف سنوي لفترة طويلة لمواقع في منتزه كانيون لاندز الوطنية Canyonlands National Park في أوتا، ووجدوا أن أشنات القشرة البيولوجية تعاني بالذات عند ارتفاع درجة الحرارة. ومع ارتفاع درجة حرارة منتزه كانيون لاندز بمقدار 0.27˚س كل عقد من الزمن، فإن الأشنات -وعلى الأخص تلك التي تساعد على تحويل النتروجين في الهواء إلى شكل يمكن للمتعضيات الأخرى أن تستخدمه- قد اختفت تقريباً، كما ذكر الفريق في ورقة نشرت في وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم Proceedings of the National Academy of Sciences، في 11 ابريل 2022. ومع وجود كمية أقل من النتروجين سيتمكن عدد أقل من النباتات من البقاء حياً، تاركاً مساحة أكبر باستمرار من الأرض القاحلة، وكميات أكثر فأكثر من انبعاثات الغبار، كما تقول فينغر-هيغينز.
لا تزال بعض الآثار الناجمة عن مناخ أكثر غباراً غير واضحة، كما يقول الباحثون. إذ يعتمد تأثير الغبار المحمول بالهواء في درجة الحرارة -جزئياً- على حجم الجسيمات. وتشكِّل جسيمات الغبار نوى لتشكل الغيوم، ويمكن أن تتسبب في ذوبان الثلوج بسرعة أكبر. وعلى الرغم من أن الغبار يساعد على نقل مغذيات ضرورية لحياة النباتات، إلا أنه يسبب مشكلات تنفسية ومشكلات صحية أخرى أسوأ للبشر.
حتى الآن، كان يتوقع أن تصبح أماكن مغبرَة مثل منطقة الساحل الإفريقي Sahel أكثر خضرة وأقل غباراً مع تأثير التخصيب بالأسمدة الناجمة عن ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون. ولكن فقد القشرة البيولوجية قد يعكس هذه العملية إلى درجة ما، كما تشير ويبر وزملاؤها. »القشرة البيولوجية والغبار والمناخ كلها تؤثر في بعضها البعض«، كما تقول ديانا فرانسيس Diana Francis -عالمة الغلاف الجوي من جامعة خليفة Khalifa University، والتي لم تشارك في العمل.
وغالباً ما أهمل منمذجو المناخ تأثير القشرات البيولوجية في درجة الحرارة وهطول الأمطار، فكما يقول مايكل مان Michael Mann -عالم الغلاف الجوي من جامعة ولاية بنسيلفانيا Pennsylvania State University في يونيفرسيتي بارك. ولن تكون تأثيرات تأكل القشرات البيولوجية كبيرةً بما يكفي لإحداث تغيير كبير في النمذجات المناخية للعالم، كما يقول. لكن جوزيف بروسبيرو Joseph Prospero، عالم كيمياء الجو من جامعة ميامي University of Miami، يحذَر من «وجود مناطق واسعة من الأرض ليس لدينا معلومات عن» القشرات البيولوجية فيها. وربما يتغير هذا، لأن ويبر وماستير وفينغر-هيغينز وخبراء آخرون في القشرة البيولوجية يبحثون عن تمويل لإجراء قياسات موحدة للقشرات البيولوجية حول العالم.
لكن الباحثين يقولون إن الحاجة إلى حماية هذه المجتمعات الهشة معروفة مسبقاً. وتخفيض الانبعاثات وتغيير أساليب الزراعة والإجراءات الأخرى لاستخدامات الأراضي، كلها يمكن أن تساعد على عكس هذا التدهور، كما يقول ماستر. ويستطرد قائلا: «هذه الاكتشافات تقدم حججاً قوية لحفظ مجتمعات Communities القشرة البيولوجية حول العالم».
بقلم: إليزابيث بينيسي
ترجمة: د.سعد الدين خرفان
©2022, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved