نوع جديد من الخلايا التائية القاتلة قد تحول دون تطور أمراض المناعة الذاتية
دراسة تجد نسخة بشرية من منظمات المناعة لدى الفأر
الثمن لنظام مناعي يقظ يمكنه الهجوم على خلايا سرطانية أو عوامل ممرضة Pathogens هو أحياناً نيران صديقة – هجوم مناعي ذاتيAutoimmune attack . فقد ميَز العلماء الآن نوعاً جديداً من الخلايا التائية T cellلدى البشر يصد الهجوم على أنسجة سليمة. وهو اكتشاف يمكنه اقتراح العلاج لحالات متنوعة جداً مثل مرض الذئبة Lupus و السرطان. « إنها خطوة رئيسة إلى الأمام في فهم كيفية تنظيم الاستجابة المناعة Immune response، والمناعة الذاتية Autoimmunity» كما يقول عالم المناعة هارفي كانتور Harvey Cantor من معهد دانا- فاربر Dana-Farber Cancer Institute للسرطان، والذي لم يشارك في هذا البحث.
فعلماء المناعة يعرفون بالفعل أن الفئران و البشر يستخدمون نوعاً واحداً من الخلايا التائية المُنظَمة – مجموعة فرعية تدعى ترغز Tregs تحتوي على البروتين CD4 وتثبط Suppresses هجمات المناعة الذاتية. أما المُنظِّمات الأحدث؛ فتنتمي إلى نوع من الخلايا التائية يتميز ببروتين سطحي مختلف – البروتين CD8. تعرف الخلايا التائية CD8 بقتلها للخلايا السرطانية أو تلك المصابة بالعدوى. لكن في الفئران، يقتل بعضها أحياناً خلايا تائية تنسَق تفاعلات المناعة الذاتية. وعلى الرغم من أن الباحثين شكوا لفترة طويلة في أن البشر يمتلكون خلايا مشابهة إلا أنه لا أحد أكد وجودها.
إحدى العقبات هي أن البشر لا يصنعون المُستقبِلات Receptors المميزة التي تحدد المجموعة الفرعية من خلايا CD8 في الفأر. مع ذلك، فإن بعض الخلايا التائية CD8 لدى البشر تعرض مستقبلات مماثلة، وهي البروتينات KIR . لتحديد ما إذا كانت هذه الخلايا البشرية مثبطات مناعية، قاس جينك لي Jing Li -وهو زميل ما بعد الدكتوراه يعمل في مختبر عالم المناعة مارك ديفيس Mark Davis في كلية الطب بجامعة ستانفورد Stanford University’s School of Medicine- وزملاؤه وفرتها في مرضى المناعة الذاتية مثل التصلب المتعدد Multiple sclerosis و مرض الذئبة و المرض البطني (السيلياك) Celiac disease. كانت الخلايا أكثر شيوعا في دم المرضى من دم الأصحاء: كما نشر الفريق على الشبكة (أونلاين) في مجلة سيانس Science في الأسبوع الثاني من مارس 2022. أظهرت عينات الأنسجة Tissue samples أنها تتجمع في تلك الأجزاء من الجسم المتضررة من جراء هجوم المناعة الذاتية، مثل المفاصل في مرضى التهاب المفاصل الروماتويدي Rheumatoid arthritis و الأمعاء الدقيقة في مرضى السيلياك.
كما اكتشف الباحثون ارتفاعات حادة مماثلة للخلايا التائية المنتجة للبروتين KIR في الأشخاص الذين يكافحون العدوى، وخاصة جائحة فيروس الكورونا. ففي 56 مريضًا مصابًا بكوفيد-19 ( COVID-19) «شاهدنا أعداد النتائج الإيجابية لخلايا البروتين KIR ترتفع ارتفاعاً قياسياً»، كما يقول ديفيس. فهذه الخلايا المنظِمة الجديدة قد تُهدِّئ الجهاز المناعي إثر عدوى حادة، وهي وظيفة رئيسة بالنسبة إلى كوفيد-19، إذ يعزى كثير من الوفيات ليس إلى الفيروس، و إنما إلى فرط تفاعل جهاز المناعة ضده.
لتفحص دور الخلايا في المناعة الذاتية، نظر العلماء في مرض السيلياك الذي يحفزه بروتين الغلوتين Gluten في الخبز و الأغذية الأخرى المشتقة من الحبوب . في هذه الحالة، فإن ما يدعى بخلايا تائية مساعدة Helper T cells يتعرف على البروتينات الغلوتينية مثل غليادين Gliadin، ثم تفرز جزيئات تُحرَّض الاستجابة الالتهابية. لكن في دراسات مزارع الخلايا Cell culture، وجد لي وزملاؤه أن خلايا تائية CD8 بشرية تحمل البروتينات KIR قتلت خلايا تائية مساعدة كاشفة للغليادين. كما يقول لي: «فتح هذا حقاً نافذة لنا لفهم بيولوجيا تلك خلايا[KIR+] ».
لمعرفة مقدار الحماية التي تقدمها هذه الخلايا ضد المناعة الذاتية، حلَّل الفريق فأراً مُعدَّلا جينيا يحتوي على خلايا CD8 القامعة أقل من الفأر العادي بنسبة 50% إلى 75%. وبعد تعريضه لفيروسات معينة يمكنها تحفيز مرض مناعي ذاتي، طوَر الفأر علامات على الضرر مثل التهاب الكلى. وبالمقابل، فإن فأرControl التحكم بمجموعة كاملة من الخلايا التائية CD8 القامعة لم يظهر أي دليل على تطور مرض مناعة ذاتية بعد إصابته بالعدوى .
كما أن علماء آخرين مقتنعون بأن الفريق أبرز المقابل البشري الذي طال البحث عنه لمُنظِّمات المناعة في القوارض Rodent . فيقول عالم المناعة نو زانغ Nu Zhang من مركز العلوم الصحية Health Science Center بجامعة تكساسUniversity of Texas في سان أنطونيو: «تقدم الورقة العلمية بيانات قوية حقاً على أن هذه الخلايا موجودة لدى البشر».
أما عالم المناعة ستيفان جيمسون Stephen Jameson من كلية الطب في جامعة مينوسيتا University of Minnesota Medical School ؛ فيقول إن المقاربات التي تزيد وفرة الخلايا ربما تخفف من شدة أمراض المناعة الذاتية التي تصعب معالجتها مثل مرض السيلياك. كما يضيف أنه من الممكن أيضاً أن الخلايا «تقبع داخل الأورام» وتحميها من هجمات المناعة، وفي هذه الحالة فإن خفض عدد الخلايا يمكنه إطلاق عنان نظام المناعة لدى الشخص لمكافحة السرطان. وحاول الباحثون الحصول على حاملات للبروتينات CD4 للعلاج، لكن – كما يشير كانتور- لم تتم الموافقة على أي طريقة من طرق العلاج هذه بعد. ويستطرد قائلا: «الآمل هو أننا سنتمكن من استخدام هذه المجموعة الجديدة من الخلايا المُنظِّمة بفاعلية أكبر».
بقلم : ميتش ليزلي
ترجمة: د.سعد الدين خرفان
2022, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved©