الاحترار العالمي يُـسَرع تيارات المحيطات… إليك السبب
الحرارة الزائدة تحــدُّ من تدفق المياه في الطبقات السطحية الضحلة
قبل عامين، حقق علماء المحيطات Oceanographers اكتشافاً مدهشاً: لم ترتفع درجة حرارة المحيطات بسبب تغير المناخ المدفوع بشريا فقط، لكن التيارات التي تتدفق خلالها تسارعت أيضاً – بنحو 15% كل عقد من 1990 حتى 2013. في ذلك الوقت شكَ العديد من العلماء في أن رياح المحيطات الأسرع هي المسؤولة عن هذا التسارع. ولكن دراسة باستخدام نمذجة Model جديد تشير إلى سبب آخر: ميل المحيطات نفسها إلى الاحترار من الأعلى إلى الأسفل، مما يؤدي إلى تشكيل طبقات سطحية محصورة يتحرك الماء فيها بسرعة أكبر، مثل الدم في شرايين مسدودة. وتقترح الدراسة أن تغير المناخ سيستمر بتسريع تيارات المحيطات، مما قد يحد من الحرارة التي يمكن للمحيطات أن تلتقطها Capture، وهذا يجعل هجرة الأحياء البحرية المجهدة بالفعل اكثر تعقيداً.
»هذه الآلية مهمة، إذ تربط الورقة العلمية الجديدة مباشرة بين الاحترار السطحي وتسارع الدوران في أعلى المحيطات«،كما يقول هو شيجيان Hu Shijian عالم المحيطات في معهد علم المحيطات في الأكاديمية الصينية للعلوم Chinese Academy of Sciences’s Institute of Oceanology، والذي كان المؤلف الرئيس للورقة العلمية عام 2020.
التيارات مثل تيار الخليج Gulf Stream في المحيط الأطلسي هي بمثابة ممرات للحياة البحرية، ومؤشرات على الحرارة، ودوافع Drivers للعواصف. مدفوعة إلى حد كبير بالرياح، فإن كل واحدة منها تُحرَك كتلة من المياه تعادل كمية المياه في أنهار العالم جميعها. وعلى الرغم من أن المحيطات امتصت أكثر من 90% من الحرارة الناجمة عن الاحترار العالمي حتى عام 2020، إلا أنه لم يكن هناك سوى القليل من الدلائل على تغيَر هذه التيارات.
عندما رأى شانغ-بينغ تسييه Shang-Ping Xie وهو عالم مناخ في مؤسسة سكريبس لعلم المحيطات Scripps Institution of Oceanography دراسة شيجيان، شك فوراً في أن بنية المحيطات –وليست الرياح– هي التي أدت دوراً رئيساً في عملية التسريع. وكان يعلم أن الاحترار الزائد الناجم عن تغير المناخ لا يتوزع بالتساوي عبر المحيطات، لكنه بدلاً من ذلك يتركز في سطحها. ويؤدي هذا إلى جعل المياه السطحية أكثر قابلية للطفو – وأقل اختلاطاً بالمياه في الأسفل. وقد رصد العلماء مثل هذه الطبقات السطحية الأقل عمقاً الناجمة عن هذه العملية في محيطات العالم كله.
أدرك تشييه وزملاؤه أن التيارات في الطبقات الأقل عمقاً لا بد وأن تتسارع بشكل طبيعي: الرياح فعلاً تدفع الكمية نفسها من المياه خلال أنبوب أضيق. » ولو افترضنا أن الكمية الكلية المنقولة لا تتغير، إلا أن هذه الكمية ستتسارع«، كما يقول تشييه.
لاختبار هذه الفرضية، لجأ فريق تشييه لنمذجة محيطات العالم كلها باستخدام نمذجة مناخية. فقد زاد الباحثون فيها شدة الرياح أو الملوحة أو درجة حرارة السطح، كلاً على حدة، بينما أبقوا المتغيرات Variables الأخرى جميعها مستقرة. وأدت زيادة درجات الحرارة لوحدها إلى تسريع التيارات بأكثر من 77% من سطح المحيط. شكَل هذا العامل الزيادةَ الأكبر بكثير، كما وجدوا في دراسة جديدة نشرت في 20 أبريل 2022 في سيانس أدفانسيس Science Advances. فالاستثناء الملاحظ الوحيد كان تيار الخليج، والذي ربما يتباطأ لأسباب أخرى: مع ذوبان جليد القطب الشمالي فإنه يُخفِّف Dilutes الماء المالح الهابط في شمال الأطلسي والذي يسحب التيار نحو الشمال.
» هذه دراسة مثيرة للاهتمام باكتشافات تدفع إلى التفكير« كما تقول سارا جيل Sarah Gille عالمة فيزياء المحيطات في سكريبس. وتضيف قائلة: »نفترض عادة أنك لو رفعت درجة حرارة المحيط بشكل متجانس، فلن يكون هناك تأثير كبير على دوران المحيط «Ocean circulation. لكن بأخذ طبيعة احترار المحيط من الأعلى للأسفل، فإن هذا يغير هذه الصورة.
تقترح الاكتشافات الجديدة أيضاً أن المياه الأدنى في معظم المحيطات، نحو 400 متر أو ما يقرب من ذلك نحو الأسفل، ستتباطأ مع استحواذ المياه الدافئة في الأعلى على كمية أكبر فأكبر من الحركة، كما يقول تشييه. غير أن شيجيان غير متأكد من ذلك. فالقياسات غير المنشورة عن سرعة طوَافات آرغو Argo floats، وهي مجموعة من الروبوتات التي تنجرف خلال المحيط منذ نحو 20 عاماً تظهر تسارعاً مهما في التيارات السطحية – وزيادة بسيطة عند أعماق أدنى. إذ يقول شيجيان: »أنا أثق بما تخبرنا به الملاحظات«. الاكتشاف الجديد كما يضيف »ربما ليس هو بالقصة الكاملة«.
لكن لو صارت تيارات المحيط أسرع وأضحل فعلاً، فسيكون لها عدد من التداعيات بالنسبة إلى الكوكب. فعلى سبيل المثال، التيارات الضحلة والسريعة يمكن في النهاية أن تحد من قدرة المحيط على امتصاص الحرارة، مما يسبب زيادة الحرارة المتبقية في الجو. ويمكن أن تتعرض الكائنات الدقيقة والأحياء البحرية إلى مياه سطحية أقل عمقاً وأعلى حرارة وأسرع حركة. وبافتراض أن التسارع مدفوع بالتواتر الثابت والمستمر للاحترار العالمي، فإن هذا يعني أنه من المحتمل أن تستمر هذه الاتجاهات في المستقبل- طالما استمرت انبعاثات غازات الدفيئة من قبل البشر.
مصادر: doi: 10.1126/science.abq6332
بقلم : بول فوسن
ترجمة: د.سعد الدين خرفان
©2022, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved