سبعة أسئلة كبيرة يوشك تلسكوب جيمس ويب الفضائي على الإجابة عنها
أصــدرت وكــالــة ناســا أول صــورة كاملة الألــوان من تلسكوب جيمس ويب الفضائي. فيما يلي نستعرض أولاً ما يبحث عنه التلسكوب، وثانياً كيف سيعالج أكبر ألغاز الكون
في 11 يوليو 2022 كشف الرئيس الأمريكي جو بايدن النقاب عن أول صورة مجال عميق Deep field image التقطها تلسكوب جيمس ويب الفضائي James Webb Space Telescope (اختصاراً: التلسكوب JWST)، كاشفةً عن المجرات كما ظهرت قبل نحو 13 بليون سنة- ورافعةً الستار عن حقبة جديدة في علم الفلك. وبعد سنوات من التأخير، والإطلاق المشوق، وأشهرٍ من الاختبارات، أخيراً بدأ أقوى تلسكوب صُنع على الإطلاق بجمع أدلة جديدة للإجابة عن أسئلة ما كان لنا إلا أن نحلم بالإجابة عنها مع التلسكوبات التي سبقته.
يسمح لنا التلسكوب JWST بالنظر عميقاً في الماضي البعيد للكون أكثر من أي وقت مضى، وذلك بفضل مزيج خاص من القدرات. كمرصد للأشعة تحت الحمراء Infrared observatory مع مرآة ضخمة تطفو بعد مدار القمر، يمكنه جمع الضوء من أضعف النجوم والمجرات وأكثرها بعداً عنا- الضوء الذي تمدَّد ليصل إلى أطوال موجات الأشعة تحت الحمراء Infrared wavelengths في أثناء سفره عبر الفضاء المتسع على مدى بلايين السنين. إنه يرى هذه الأشياء بتفاصيل رائعة بسبب الدقة الزاويّة Angular resolution التي لا مثيل لها. كما أن امتلاكه مطيافَ أشعة تحت حمراء Infrared spectrograph يعني أيضاً أنه يمكننا تمييز الجزيئات المتوارية في الغلاف الجوي للكواكب النجمية Exoplanets التي يحتمل أن تكون صالحة للسكن.
ستساعدنا البيانات التي نتلقاها الآن من التلسكوب JWST على الكشف عن بعض أكبر ألغاز الكون، بدءاً من كيفية تشكُّل النجوم والمجرات الأولى، ومدى سرعة توسع الكون، إلى احتمالات الحياة خارج كوكب الأرض.
فيما يلي سنستعرض سبعة من أكبر الأسئلة التي من المتوقع أن يسلط عليها التلسكوب JWST ضوءاً جديداً، ونركِّز على مشروعات بحثية محددة خُصِّصت لها فترة دورة الرصد الأولى، للكشف بدقة عن كيف سيغير هذا التلسكوب الذي تبلغ قيمته عشرة بلايين دولار فهمَنا للكون.
1. أين ومتى تشكلت النجوم الأولى؟
بعد الانفجار الكبير Big bang جاءت العصور الكونية المعتمة. وكانت المادة في هذه المرحلة إما مادة معتمة Dark matter، لا ينبعث منها الضوء ولا تعكسه، أو الهيدروجين المحايد Neutral وغاز الهليوم النبيل. بعد ذلك، على مدار بضع مئات من ملايين السنين،
بدأ الغاز بالالتحام Coalesce، مكوناً نجوماً-
وأُضيئت الأضواء.
أدى الإشعاع الصادر عن هذه النجوم الأولى إلى تأين الغاز المحايد المحيط بها. بحلول الوقت الذي اكتملت فيه هذه الحقبة المزعومة من إعادة التأين، كان الكون قد انتقل من حساء بدائي متجانس إلى ترتيب منظم جدا، مع المجرات والنجوم وربما حتى الكواكب. نحن نعلم أن هذا حدث، لكن لدينا قليلاً من الملاحظات لتُظهر لنا كيف.
حصلت جيهان كارتالتيب Jeyhan Kartaltepe- من معهد روتشستر للتكنولوجيا Rochester Institute of Technology في نيويورك- على 256 ساعة من وقت المراقبة على التلسكوب JWST– وهذه من بين أطول الفترات المخصصة في دورة المراقبة الأولى للأداة- للإجابة عن مجموعة واسعة من الأسئلة حول هذا الفجر الكوني. ما أنواع النجوم التي تشكلت منها النجوم الأولى؟ وفي أي نوع من المجرات تشكلت؟ وفي أي مرحلة مبكرة حدثت إعادة التأين Reionisation، وكم من الوقت استغرق الأمر؟ تقول كارتالتيب: «إن اكتشاف [مجرة بدائية] باستخدام تلسكوب هابل الفضائي هو مجرد لطخة في صورة يمكنك تحديد مدى سطوعها، وهذا هو كل شيء. لكننا الآن، سنكون قادرين على قياس كتلها النجمية Stellar masses ونحدِّد بنيتها Structure، لذلك سنتعلم كثيراً عن الفيزياء».
سيتيح لنا مشروع كارتالتيب نظرةً شاملة على إعادة التأين. وتقول: «لم يحدث ذلك في كل مكان، دفعة واحدة. بل بدأ في جيوب صغيرة، ثم امتد ليشمل فقاعات إعادة التأين هذه».
في الوقت نفسه، فإن روهان نايدو Rohan Naidu- من جامعة هارفارد Harvard University- يعتقد أنه قد تمكن من تحديد أحد هذه الجيوب الصغيرة، والذي يعتقد أنه المكان الذي اندلع فيه الفجر الكوني أول مرة- والآن يمكنه أخيراً إلقاء نظرة عليه. يقول: «نحن نعتقد أن هذه المجرات هي من بين بعض أولى المجرات تشكُّلاً».
نحن نقيس بعد الأجسام في الفضاء العميق من خلال النظر إلى «الانزياح الأحمر» Red shift: أي مدى تمدد ضوئها، ومدى احمرارها، وذلك في أثناء انتقال الضوء عبر كوننا الآخذ بالاتساع على مدى بلايين السنين قبل أن يصل إلينا. ونستخدم الأرقام لتصنيف انزياح هذا الضوء نحو الأحمر؛ كلما كان أكبر كان الجرم أقدم.
نريد تحديد ما إذا كان للكواكب النجمية حول النجوم الأقزام M أي غلاف جوي على الإطلاق
يُعتقد أن الفجر الكوني قد بدأ عند انزياح نحو الأحمر يعادل 10، عندما كان عمر الكون نحو 500 مليون سنة. لكن نايدو يعتقد أننا قد نجد دليلاً على أن النجوم الأولى تشكلت في فقاعة مؤيَّنة Ionised bubble نرصدها الآن بانزياح أحمر يعادل 9. «هذا مكان خاص جداً»، كما يقول، لأن هذه البقعة الصغيرة من السماء تحتوي على ربع جميع المجرات المعروفة والمرشحة لأن تكون ذات معدلات مرتفعة من الانزياح الأحمر- وما نعرفه عن تكوين البنية في الكون يشير إلى أن النجوم الأولى كانت ستتطور في مثل هذا الموقع. ويتابع نايدو قائلا: «أنا متحمس جداً لرؤية هذه المجرات ذات الانزياح الأحمر العالي. فقد نتمكن من رؤية النجوم الأولى».
2. ما أصول الثقوب السوداء الهائلة؟
الثقوب السوداء هي مناطق في الزمكان Space-time كثيفة جدا وملتوية Warped، وذات قوة جاذبية شديدة، بحيث لا يمكن حتى للضوء الهروب منها. فهناك ثقوب سوداء ذات كتلة نجمية، تنشأ عند انهيار النجوم الضخمة، والتي تتراوح بين بضعة أضعاف وبضع مئات أضعاف كتلة الشمس. وهناك ثقوب سوداء فائقة الكتلة، تتراوح بين 100,000 وعشرات بلايين أضعاف كتلة الشمس، وتوجد في مراكز معظم المجرات. وتُشكِّل هذه الوحوشُ تطوُّرَ المجرات، لأنها تتجمع أو تتراكم وتطلق نفاثاتJets قوية تزعزع كل شيء من حولها.
من أكثر الملاحظات المحيرة في الفيزياء الفلكية أننا نرى ثقوباً سوداء فائقة الكتلة كانت كتلتها بالفعل بلايين أضعاف كتلة الشمس حتى عندما كان عمر الكون أقل من بليون سنة. وحتى لو كانت هذه الثقوب السوداء تنمو بمعدل أُسيّ بالتهامها النجوم والغازات، فلا بد أنها بدأت بضخامة آلاف الشموس- وليس لدينا أي فكرة عن كيفية حدوث ذلك نظراً إلى قصور نمذجاتنا Models الحالية لكيفية تشكُّل الثقوب السوداء ونموها.
اقترح علماء الفيزياء النظرية مسارين يؤديان إلى مثل هذه الثقوب السوداء فائقة الكتلة المبكرة. الأول هو انهيار سحابة غاز ضخمة، إما مباشرة إلى ثقب أسود هائل، وإما في البداية إلى نجم هائل ينهار بدوره إلى ثقب أسود. فالفرضية الثانية هي أنها تشكلت من عناقيد كثيفة من النجوم، والتي اندمج بعضها مع بعض، وتزايدت تزايداً كبيراً؛ مما أدى في النهاية إلى نشوء ثقب أسود.
لمعرفة مزيد عن الثقوب السوداء فائقة الكتلة، سيرصد زايْ واي فان Xiaohui Fan- من جامعة أريزونا University of Arizona– الكوازارات (النجوم الزائفة) Quasars البعيدة، وهي أجرام شديدة السطوع تتولد عندما يتدفق الغاز بسرعات عالية في هذه الثقوب السوداء، ويطلق نفاثات عملاقة من الجسيمات والإشعاع. بالنظر من كثب إلى ثلاثة من أبعد الكوازارات التي نعرفها، سيقيس فان وزملاؤه سرعة Velocity قرص الغاز Disc of gas هذا والغبار الذي يدور حول نفسه مغزليا في أثناء سقوطه في الثقوب السوداء، فيستكشف كتلتها استكشافاً مباشراً. اجمع هذا مع مقياس السطوع Luminosity وستحصل أيضاً على المعدل الذي تتراكم Accreting به مادة الثقب الأسود. سيعطيهم هذا أحكم القيود Constraints حتى الآن على الكتلة الأولية للثقب الأسود، وأبكر وقت حدث فيه البذر Seeding في الكون الفتيّ.
لن تتمكن دراسات فان الرصدية من التمحيص بين الأفكار التي تتناول كيفية بذر الثقوب السوداء الهائلة. عوضاً عن ذلك يجب أن يسلطوا الضوء على كيفية نموها، وكيف يؤثر نموها في تطور المجرات. نحن نعلم أن أكثر الثقوب السوداء ضخامة توجد في أكثر المجرات ضخامة. لكن أيهما جاء أولاً، وما إذا كان أحدهما مسؤولاً عن الآخر، إنه هو لغز الدجاجة والبيضة الكوني. وبفضل حساسية التلسكوب JWST، سنرى الضوء النجمي من المجرات المضيفة لهذه الثقوب السوداء لأول مرة. وستعني أرصاده بالأشعة تحت الحمراء أنه يمكننا تحديد أعمارها، ومن ثم معرفة متى حدث تشكُّل النجوم والمجرات بالنسبة إلى نمو الثقب الأسود.
3. هل المادة المعتمة باردة؟
المادة المعتمة هي شكل غامض من المادة لا يمكننا الاستدلال على وجودها إلا من خلال آثارها الجاذبية. نعتقد أنها تمثل نحو %85 من معظم المادة في الكون، لكننا لا نعرف أنواع الجسيمات التي تتكون منها، هذا إذا كانت مكونة بالفعل من جسيمات. في الوقت الحالي نعتقد أن المادة المعتمة «باردة» Cold، بمعنى أنها تتحرك ببطء، مما يسمح للكتل الصغيرة بالتجمع بفعل جاذبيتها الخاصة والنمو إلى هياكل أكثر ضخامة تُعرَف بـــــ«الهالات» Haloes. في أفضل تصور لدينا الآن حول كيفية تطور الكون، ساعدت المادة المعتمة على تشكيل الكون، إذ اجتذبت هذه الهالات الغاز الذي يتكتل وينهار ليشكل النجوم والمجرات.
تأتي هالات المادة المعتمة بأحجام مختلفة، من كوادريليون كتلة شمسية إلى أقل من كتلة الأرض. عندما تكون هالات المادة المعتمة أخف من عشرة ملايين كتلة شمسية، فإنها لا تستطيع جذب ما يكفي من الغاز لتشكيل المجرات. ووفقاً لفهمنا للتطور الكوني، توجَد المادة المعتمة على شكل جيوب صغيرة غير مرئية من المادة المعتمة، وفي هذه الحالة يُفترض أننا محاطون بعديد من هالات المادة المعتمة الأصغر هذه.
ستسعى آنا نيرنبرغ Anna Nierenberg- من جامعة كاليفورنيا University of California في ميرسيد- وزملاؤها إلى اختبار هذا الافتراض، ومن ثم فكرة أن المادة المعتمة باردة وبطيئة، من خلال النظر إلى الكوازارات. في هذه الحالة سينعكس الضوء المنبعث من الكوازارات أو ينحني بفعل جاذبية هالة المادة المعتمة الصغيرة التي لا تحتوي على مجرات. وسوف ينحرف الضوء بطريقة تجعله يخلق صوراً متكررة في التلسكوب، وهو ما ستبحث عنه نيرنبرغ وزملاؤها. وتقول إن اكتشاف هذه الهالات الصغيرة سيكون نجاحاً كبيراً لهذا النموذج. ولكن «غيابها سيعني أن المادة المعتمة لا يمكن أن تكون باردة، بل ذات طبيعة أكثر غرائبية».
4. كيف تتحول النجوم الضخمة إلى سوبرنوفا؟
عندما تموت، فإن نجوماً مثل شمسنا تموت بهدوء نسبياً. أما النجوم الأكثر ضخامة؛ فتنطفئ في وهج المجد على شكل انفجارات عنيفة مذهلة تسمى سوبرنوفا (مستعر أعظم) منهارة النواة Core-collapse supernovae. تضخ هذه الألعاب النارية الكونية كميات هائلة من الطاقة في محيطها، ونتيجة لموجات الصدمة Shock waves الناتجة من حرارة الانفجار والمواد البينجمية المؤيَّنة Ionise interstellar material، فإنها تدفع إلى تكوين أجيال جديدة من النجوم. تطلق السوبرنوفا أيضاً جميع أنواع العناصر الكيميائية، مما يثري السحب الغازية- التي تولِّد كواكب مثل كوكبنا- بالمكونات التي تشكِّلنا.
ونحن نشاهد انفجارات السوبرنوفا طوال الوقت. ونحن نعلم أن النجوم التي تزيد كتلتها على ثمانية أضعاف كتلة الشمس ستنهي حياتها في مثل هذه الانفجارات. في مرحلة ما يكون قلب النجم غير قادر على تحمل وزن طبقاته الخارجية، مما يسبب انهيار النجم وانفجاره. ما لا نعرفه هو ما آليات الانفجار، وهذا يعني بالضبط كيف تنفجر النجوم الضخمة بالطريقة التي تنفجر بها.
هناك نموذجان مطروحان للنقاش لتفسير النجوم الضخمة في الطرف الأدنى من نطاق الكتلة التي يمكن أن تتحول إلى سوبرنوفا. وفي نموذج التقاط الإلكترون Electron-capture model، يحتوي النجم على لبّ Core مكوَّن من الأكسجين والنيون والمغنيسيوم تتماسك بعضها مع بعض بفعل ضغط إلكترونات هذه الذرات، وهي نتيجة لقانون ميكانيكا الكم الذي يقول إنها لا تستطيع جميعها احتلال حالة الطاقة Energy state نفسها. ولكن إذا صار اللب كثيفاً جداً، فإن نواة ذرات النيون والمغنيسيوم يمكنها امتصاص إلكتروناتها فيما نسميه تفاعل التقاط الإلكترون. هذا يقلل من الضغط ويؤدي إلى انهيار الطبقات الخارجية للنجم بفعل جاذبيته، مما يسبب الانفجار. البديل هو نموذج انهيار اللبّ الحديدي Iron-core collapse model. هنا يتشكل لبّ حديدي، ولأن الحديد عنصر مستقر للغاية، لا يمكن أن يندمج في عناصر أخرى ويطلق الطاقة، وبذا لا تُعد التفاعلات النووية قادرة على موازنة الجاذبية، مما يؤدي إلى الانهيار والاشتعال.
من المستحيل رصدُ ما يحدث داخل النجم في لحظة الانفجار، لأن الطبقات الخارجية تحمي اللبّ من الرؤية. ولكن تي تميم Tea Temim، في جامعة برينستون Princeton University، سيستخدم التلسكوب JWST لإضفاء بعض الوضوح من خلال النظر من كثب إلى سديم السرطان Crab nebula، وهو بقايا انفجار سوبرنوفا لنجم من نطاق كتلة يتراوح بين 8 و10 كتل شمسية. وثّق علماء الفلك السديم في عام 1054، وهو أحد أكثر الأجسام الفلكية التي دُرست بدقة في جميع العصور. ومع ذلك، إذا ألقينا نظرة فاحصة عليه، فقد نتمكن من معرفة كيفية انفجاره، لأن كلاً من آليتي الانفجار المحتملتين ستترك بصمات: نسبة مختلفة من الحديد إلى النيكل المستقر، في كل حالة، وتوزيعات مختلفة من الحديد في المادة التي طردها النجم.
يقول تميم: «لسديم السرطان هيكل تأين شديد التعقيد»، لذا فهم في حاجة إلى التأكد من أن قياسات العناصر المختلفة تأتي من الموقع نفسه بالضبط في البقايا. فقط التلسكوب JWST لديه دقة كافية لتمييز التوقيعين المحتملين لانفجار نجم في السديم بهذه الدقة المطلوبة.
5. من أين تحصل كواكب مثل الأرض على مياهها؟
نحن محظوظون لأن كوكبنا هو عالم خصب من المحيطات والبحيرات والأنهار والشلالات. وفقاً لفهمنا الحالي لتاريخ مجموعتنا الشمسية، لم تكن النقطة الزرقاء الباهتة زرقاءَ على الإطلاق عندما تشكلت.
عندما تكثفت الأرض من دوامة من الغاز والغبار منذ نحو 4.5 بليون سنة، كانت داخل «خط الثلج» Snowline للشمس، وهو نصف القطر الذي تكون درجة الحرارة فيه منخفضة بدرجة كافية بحيث تكون كل المياه جليدية. ما هو أكثر من ذلك، في ذلك الوقت، كانت الشمس تطلق طاقة أكثر مما هي عليه حاليا، وكان ضغط الإشعاع يدفع أي بخار ماء بالقرب من الأرض إلى وراء خط الثلج. كل هذا يعني، على حد علمنا، أن المادة التي شكلت الأرض لم تحتوِ على أي ماء. وتقول إيزابيل ريبوليدو Isabel Rebollido من معهد علوم تلسكوب الفضاء Space Telescope Science Institute في بالتيمور بولاية ماريلاند: «لذلك لا بد أن مياه الأرض قد أتت من مكان ما».
اقترح علماء الكواكب Planetary scientists أنه ربما قُدِّم الماء لاحقاً بواسطة الكويكبات أو المذنبات في فترة تُعرف بالقصف الثقيل المتأخر Late Heavy Bombardment. الفكرة هي أن التأثيرات غير المباشرة لحركات الكواكب الغازيّة العملاقة في المجموعة الشمسية الخارجية يمكن أن تدفع الحطام المحتوي على الجليد إلى الداخل، مما يؤدي إلى إرسال المياه إلى الأرض، ويسبب عديداً من حفر فوهات القمر في أثناء هذه العملية.
ستستخدم ريبوليدو التلسكوب JWST للنظر إلى خمسة أنظمة كوكبية نجمية Exoplanetary systems في مرحلة مماثلة من التطور- عندما تكون عمالقة الغاز قد تشكلت بالفعل وحركاتها تؤدي إلى خلط المواد حولها. تقول ريبوليدو: «أحد التفسيرات المحتملة للغاز الذي نكتشفه في المناطق الداخلية لأنظمة الكواكب هو أن الأجسام الصلبة والجليدية المرسلة من المناطق الخارجية تتبخر». الفكرة بسيطة: ابحث عن المياه في المنطقة الوسطى. إذا كان هناك ماء، فإن المعنى الضمني هو أنه يمكن بالفعل نقل الأجرام الجليدية من المناطق الخارجية للمجموعة الشمسية إلى الكواكب الصخرية داخل خط الثلج، مما يسمح للعوالم القاحلة بأن تكون نقاطاً زرقاء شاحبة.
6. هل يمكن للكواكب النجمية الواعدة أن تُؤوي الحياة؟
أثار احتمال وجود الحياة على الكواكب خارج الأرض اهتمامنا عدة قرون. في هذه الأيام نبحث عنها من خلال البحث عن «البصمات الحيوية» Biosignatures في الغلاف الجوي للكواكب الخارجية. في حالة وجود مجموعات معينة من الجزيئات- الميثان وثاني أكسيد الكربون، على سبيل المثال- فهذه علامة على إمكانية وجود الحياة هناك. لكن يجب أولا أن يكون هناك غلاف جوي.
ويمكننا تمييز تركيبة الغلاف الجوي للكواكب النجمية باستخدام تقنية العبور Transit technique: عندما يمر كوكب أمام نجمه المضيف تتفاعل الجزيئات المختلفة في غلافه الجوي مع ضوء النجم، وتنبعث أو تمتص الأشعة تحت الحمراء بأطوال موجية محددة، فتشكل بصمات الجزيئات الموجودة فيه. ومقياس الطيف الموجود على متن التلسكوب JWST حساسٌ لهذه البصمات، مما يعني أنه يمكنه تحديد الجزيئات الموجودة. تقول ميغان مانسفيلد Megan Mansfield من جامعة أريزونا University of Arizona: «سيكون التلسكوب JWST ثورياً تماماً، لأن التلسكوبين هابل وسبيتزر الفضائيَّين كانت لهما نطاقات أطوال موجية محدودة نسبياً، لذلك لا يمكنك قياس كثير من الأشياء في الأغلفة الجوية».
لكي تعمل طريقة العبور، يجب أن تكون الإشارة من الغلاف الجوي للكوكب قابلة للاكتشاف مقابل الإشارة الأكثر سطوعا للنجم. حتى مع القدرات غير المسبوقة للتلسكوب JWST، فمن المحتمل أن يكون العثور على البصمات الحيوية ممكناً فقط للكواكب التي تدور حول نجوم باردة منخفضة الكتلة تسمى الأقزام (M (Mdwarfs. لحسن الحظ هذا يضع مجموعة جذابة بنحو خاص من الكواكب النجمية في نطاق رؤيتنا. ويستضيف نظام ترابيست 1 (Trappist 1)- وهو عبارة عن مجموعة من سبعة كواكب صخرية اكتُشِفت في عام 2016- عدداً أكبر من الكواكب القادرة على الحفاظ على المياه السائلة أكثر من أي نظام آخر نعرفه.
يشير التناقض، المعروف بــ توتر هابل Hubble tension، إلى وجود خطأ خطير في فهمنا للتطور الكوني
المهم هو أننا لا نعرف ما إذا كانت كواكب ترابيست، أو أي عوالم أخرى تدور حول الأقزام M، قادرة على الاحتفاظ بغلافها الجوي فترة كافية لتتطور الحياة عليها، كما تقول مانسفيلد. وذلك لأن هذه الأقزام M تبدأ بنشاط أكبر بكثير من نجوم مثل الشمس، والكمية الغزيرة من الإشعاع عالي الطاقة التي تطلقها يمكن أن تنزع الغلاف الجوي عن كواكبها.
أحد أكثر الأشياء المفيدة التي يمكن أن يضطلع بها التلسكوب JWST للبحث عن حياة خارج كوكب الأرض هو تحديد ما إذا كانت للكواكب النجمية حول الأقزام M أغلفةٌ جوية. سيراقب كيفن ستيفنسون Kevin Stevenson، من جامعة جونز هوبكنز Johns Hopkins University في ماريلاند، خمسة كواكب نجمية أرضية Terrestrial exoplanets تدور حول أقرب الأقزام M في أثناء عبورها، بما في ذلك واحد في نظام ترابيست. وسيُرصَد الغلاف الجوي لكواكب ترابيست المتبقية كجزء من مشروعات التلسكوب JWST الأخرى. يقول ستيفنسون: «إذا لم يكن لأي من الكواكب الخمسة غلاف جوي، فهذا يخبرنا أن الأغلفة الجوية في الكواكب الأقزام M نادرة، وأن علينا أن نبدأ بالنظر إلى الكواكب حول أنواع أخرى من النجوم».
من ناحية أخرى، إذا اكتشفنا غلافاً جوياً، فسيكون لدينا مرشحون جيدون لمتابعة رصد شامل. وحتى لو كان الأمر كذلك، فلا يزال يتعين علينا رؤية ما إذا كنا سنكون قادرين على اكتشاف العلامات الباهتة للحياة الفضائية باستخدام التلسكوب JWST. إذ يعتمد كثير على مدى جودة أداء أدواته. يقول ستيفنسون: «لا أعرف ما إذا كنا سنصل إلى تلك المعرفة في السنوات العشر المقبلة مع التلسكوب JWST، لكننا سنحاول».
7. هل معدل تمدُّد الكون يخرق نموذجنا الكوني الأفضل؟
نحن نعيش في كون متوسع، حيث تنحسر المجرات بعيداً بعضها عن بعض بمعدل يُعرف بثابت هابل Hubble constant. يمكن قياس ذلك بنحو مباشر، من خلال تحديد مسافات الأجرام الفلكية البعيدة، أو بنحو غير مباشر من خلال الجمع بين ملاحظات الكون المبكر وأفضل نظرياتنا حول كيفية تطور الكون. المشكلة هي أن القياسين غير متسقين.
يفترض نموذجنا الكوني الحالي أن الكون يتكون من الإشعاع Radiation والمادة Matter (بما في ذلك المادة المعتمة الباردة) والطاقة المعتمة Dark Energy- وهي شكل محير من الطاقة يُعتقَد أنه مسؤول عن التوسع الذي نلاحظه. بأخذ بيانات من إشعاع بقايا الانفجار الكبير Big bang، المعروف بالخلفية الكونية الميكروية Cosmic microwave background، وإدخالها في هذا النموذج، يقدر علماء الكوزمولوجيا أن الكون يتوسع بمعدل 67 كيلومتراً في الثانية لكل ميغا فرسخ- مسافة ميغا فرسك تساوي 3.26 مليون سنة ضوئية. ومع ذلك، عندما قاس علماء الفلك ثابت هابل برصد الأجسام البعيدة، وجدوا أن القيمة تعادل 73 كيلومتراً في الثانية لكل ميغا فرسخ.
يمكن أن يشير التناقض، المعروف بــ توتر هابل Hubble tension، إلى وجود خطأ خطير في فهمنا للتطور الكوني. ولكن النموذج الكوني القياسي ناجح جداً، إذ يمكنه تفسير جميع أنواع الملاحظات، لذلك سنحتاج إلى سبب وجيه للغاية للتخلص منه.
يمكن للتلسكوب JWST أن يحسم الجدل أخيراً. للحصول على قيمة ثابت هابل، يستخدم علماء الفلك «سلم المسافة الكونية» Cosmic distance ladder. ويستند هذا القياس إلى النجوم المسماة النجوم القيفاوية Cepheids، وهي نجوم يتقلب لمعانها بمعدل مرتبط بسطوعها المطلق Absolute luminosity، مما يسمح لنا بقياس المسافة بيننا وبينها. بعد ذلك ننتقل إلى الدرجة التالية من السلم باستخدام «الشموع القياسية» Standard candles الأخرى، مثل السوبرنوفا، لحساب المسافة إلى المجرات القريبة، وفي النهاية، إلى حافة الكون المرئي.
للتأكد من دقة هذه القياسات، تحتاج إلى تقليل عدم اليقين في كل خطوة. لفهم هذه الشكوك، تخطط ويندي فريدمان Wendy Freedman- من جامعة شيكاغو University of Chicago- لقياس المسافة إلى المجرات نفسها باستخدام مجموعة متنوعة من الشموع القياسية. النجوم القيفاوية، على سبيل المثال، غالباً ما تكون محاطة بنجوم شابة أخرى. ستساعد الصور الأكثر وضوحاً التي يوفرها التلسكوب JWST على التمييز بين المساهمة في الضوء المَقيس من النجوم القيفاوية نسبة إلى جيرانها. إضافة إلى ذلك، ستسمح لنا الحساسية العالية برؤية النجوم القيفاوية في المجرات البعيدة. ستجمع فريدمان بين قياسات النجوم القيفاوية وطرق أخرى لقياس المسافات إلى المجرات الأخرى، وذلك بهدف الوصول إلى فهم أفضل لمدى دقة حساباتنا لثابت هابل.
ولمعالجة المشكلة نفسها، تبحث شيري سويو Sherry Suyu- من جامعة ميونيخ التقنية Technical University of Munich بألمانيا- بدلاً من ذلك في وميض الكوازارات. عندما يكون هناك جرم ضخم بيننا وبين الكوازار، مثل مجرة أخرى، يمكن أن تعمل جاذبيته مثل العدسة، مما تنتج منه صور متعددة للكوازار في تلسكوباتنا. إذ يتأخر وصول وميض الكوازار في الصور المختلفة لأن لكل منها مسار ضوء مختلفاً بسبب تأثير العدسة، وهذه التأخيرات مرتبطة ليس فقط بمسافة الكوازار، ولكن أيضاً بقوة عدسة جاذبية المجرة. باستخدام التلسكوب JWST، ستقيس سويو سرعات Velocities النجوم في المجرة المستخدمة كعدسة، مما يسمح لها بفهم توزيع كتلتها– ومن ثم لتصحيح قوة الجاذبية بنحو أفضل من تقدير ثابت هابل باستخدام الفروقات بين وميض الكوازار، وهي الطريقة الأخرى التي يستخدمها علماء الفلك.
إذا وصلت هذه الطرق المستقلة لتحديد المسافة إلى قيمة ثابت هابل نفسه، فسنعرف أن القياس الفلكي قوي. إذا اتفقوا على قيمة هابل من النموذج الكوني، فإن التوتر يختفي. وتقول فريدمان: «إذا بيّنا أن النموذج القياسي يعمل بالفعل، فهذه نتيجة مهمة حقاً».
ولكن ماذا لو كانت القياسات الفلكية لا تزال تختلف عن النموذج الكوني؟ تقول سويو: «سيكون أمراً مثيراً للاهتمام حقاً إذا اتضح أن هناك فيزياء جديدة. ولكن إذا حدث ذلك، فأنا أريد أن أتأكد من أننا على حق».
توقُّع ما هو غير متوقع
وحتى لو عرف علماء الفلك- ممن حصلوا على فترات في دورة الرصد الأولى لتلسكوب جيمس ويب الفضائي- بالضبط ما الذي سينظرون إليه، فإنهم لا يزالون متحمسين باحتمال رؤية شيء غير متوقع. تقول ويندي فريدمان من جامعة شيكاغو: «آمل بأن نكتشف شيئاً لم نكن نتوقعه».
كما تقول كريستين ماكوين من جامعة روتجرز بنيوجيرسي: «أنا شديدة الحماس بشأن الأسئلة التي لا نعرف ما يكفي لطرحها». وتستشهد بمجال هابل فائق العمق، وهو صورة التقطها بواسطة تلسكوب هابل الفضائي في عام 2004، وذلك بعد توجيهه إلى بقعة صغيرة غير واعدة من السماء. توقع كثيرون ألا نجد سوى الظلام، لكن التعريض الطويل Long exposure كشف عن آلاف النجوم والمجرات المتلألئة التي كانت أقدم مما كان يتخيله أي شخص. فقد غيرت هذه الصورة الجذابة مجال الكوزمولوجيا، تماماً كما حدث في الستينات من القرن العشرين مع الاكتشاف العرضي للفوتونات المتبقية من الانفجار الكبير، أي الخلفية الكونية الميكروية.
بقلم ماريا أرياس
ترجمة Google Translate
© 2022, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.