كيف نحقق أقصى استفادة من وقتنا؟ قوة مواجهة الموت
الوعي الفريد لجنسنا البشري بفنائنا يمكن أن يولد إحساساً مزعجاً بأننا نضيّع وقتنا - لكن الميل إلى حقيقة أن وقتنا محدود يمكن أن يغير الطريقة التي نتعامل بها مع الحياة
بغض النظر عما إذا كان يمكن قياس الزمن من مشاهدة حركة الشمس عبر السماء أو باستخدام ساعة ذرية، فإن الوقت هو شيء نرغب في استخلاص أكبر قيمة منه قبل أن نموت. قد يكون ذلك بسبب وعينا الفريد بأننا سنموت حتماً، وهو ما يعطينا إحساساً مزعجاً بأننا نضيع وقتنا المحدود.
ووفقاً لنظرية إدارة الذعر Terror management theory في علم النفس، تدفع مخاوف العقل الباطن من الموت الكثير من الفكر والسلوك البشري. ويقول شيلدون سولومون Sheldon Solomon، عالم النفس من كلية سكيدمور Skidmore College في ساراتوغا سبرينغز بنيويورك: «إنّ الفكرة هي أننا سنغرق بالذعر الوجودي إذا لم تكن لدينا طريقة ما لإدارته». إذ تذهب الفكرة حين إدارتها، من خلال أداء أشياء تمنحنا إحساساً بالمعنى والقيمة، من الإيمان بالحياة الآخرة إلى خلق الفن.
وبالنسبة إلى سولومون، يؤدي هذا إلى استنتاج مذهل: أننا جميعاً مجرد «دمى لحمية قلقة تُهدئها تفاهات مبنية ثقافياً». لكن في حين أظهر سولومون وزملاؤه أن التذكير الخفي بالموت يجعل الناس أكثر عرضة للتشبث برؤيتهم للعالم والتمييز ضد الغرباء، يوجد هناك أيضاً جانب مشرق لهذا الوعي بحتمية الموت.
بدايةً، عندما يُنظر إلى سلعة ما على أنها نادرة، تزداد قيمتها – ولا يوجد سبب للاعتقاد بأن الزمن مختلف عن ذلك. وتحديداً، يوضح البحث أنه عندما يفكر الناس بوعي في الموت، يمكنهم تعزيز إحساسهم بقيمة الذات، ويصيرون أكثر إيثاراً اجتماعياً وأكثر انفتاحاً على التجارب الجديدة.
والتجارب الجديدة، يمكن أن تساعدنا على الاستمتاع بوقتنا، وفقاً لمارك ويتمان Marc Wittmann، من معهد المناطق الحدودية لعلم النفس والصحة العقلية Institute for Frontier Areas of Psychology and Mental Health في فرايبورغ بألمانيا. وقد أجرى ويتمان وساندرا لينهوف Sandra Lenhoff، عندما عمل كلاهما في جامعة لدفيغ ماكسميليان Ludwig Maximilian University في ميونخ آنذاك، مسح على 499 شخصاً تتراوح أعمارهم بين 14 و94 عاماً، وجدوا فيه أن كبار السن شعروا بأن السنوات العشر الماضية مرت أسرع مما شعر به المشاركين الأصغر سناً. ويمكن إيجاد السبب في الطريقة التي تعمل بها ذاكرتنا (انظر: ما الذي يؤثر في إدراكنا للزمن؟). يقول ويتمان: «كلما زادت الأحداث غير المنسية التي خزنتها الذاكرة، زاد وقتك الذاتي». لذلك إذا كنت تريد أن تشعر على الأقل بأنك تستفيد من وقتك إلى أقصى حد، فابحث عما هو جديد. ويقول ويتمان: «لإبطاء الوقت، يجب أن يكون لديك دائماً شيء جديد».
لكن ويتمان يقدم أيضاً إستراتيجية أخرى: إدراك الحاجة إلى تبديل تركيزك بين الماضي والحاضر والمستقبل – «الأبعاد الزمنية الثلاثة» Three time dimensions. خذ مثالاً على مراهق لا يريد المذاكرة لتقديم امتحان كبير: فهو عالق في الحاضر على حساب المستقبل. ويقول ويتمان: «ينصب تركيز حياتهم على بُعد زمني واحد». ما يجب أن نهدف إليه بدلاً من ذلك هو تحقيق توازن صحي بين الأزمنة الثلاثة. ويضيف قائلاً: «تُظهر الدراسات أن أولئك الذين لديهم منظور زمني أكثر توازناً يكونون أكثر نجاحاً في حياتهم المهنية، كما أنهم أكثر سعادة عموماً».
بقلم دانييل كوسان
ترجمة مي منصور بورسلي
© 2022, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.