كيف نشعر بالزمن؟ خلايا الدماغ التي تنظم ذاكرتنا
تشير الدراسات الحديثة إلى عدم وجود جزء واحد من الدماغ مخصص لقياس المدة Duration، مقارنة بالحواس مثل الذوق والشم. بدلاً من ذلك، تتبع شبكة من «الخلايا الزمنية» مرور الزمن
هل سبق لك أن دخلت المطبخ في اللحظة نفسها التي يصدر فيها الفرن تنبيهاً بأن العشاء جاهز؟ يمكن لمعظمنا تقدير مرور الزمن بدقة مذهلة بفضل شبكة معقدة من الآليات العصبية. على مدى السنوات الخمس الماضية، توسع فهمنا لهذه الأمور بسرعة، مما أوضح أنه لا يوجد «ضابط زمن» Timekeeper واحد في أدمغتنا. ولا يوجد مسار عصبي معين يتعلق بالزمن، كما هو في الحواس الأخرى، مثل الشم أو البصر.
وبعض ضبط الزمن يحدث دون وعي Unconsciously – فأجسامنا لها إيقاعات يومية Circadian rhythms تساعد على حدوث العمليات البيولوجية في الزمن المناسب من اليوم (انظر: هل يمكننا العيش من دون زمن؟). ولكن الآليات الموجودة في دماغنا تسهم أيضاً في قدرتنا على الإحساس بمرور الزمن.
لنبدأ بـ«الخلايا الزمنية» Time cells. وهي موجودة في الحُصين Hippocampus – وهي منطقة دماغية تشارك في الذاكرة Memory- واكتشفت لأول مرة في الفئران في عام 2018. ومؤخراً، حدد برادلي ليغا Bradley Lega، من مركز جامعة تكساس ساوثويسترن الطبي University of Texas Southwestern Medical Centre وزملاؤه، الخلايا الزمنية أيضاً لدى البشر. يقول ليغا إنه لفهم وظيفة الخلايا الزمنية، نحتاج أولاً إلى التفكير في «خلايا المكان» Place cells- خلايا الدماغ التي تحدد مكان وجود الكائن في البيئة المكانية. إذا كان الكائن يسير على طول نفق خطي، فإن خلايا المكان ستطلق إشارات خطية. تفعل الخلايا الزمنية شيئاً مشابهاً، لكن بمرور الزمن.
وعندما تكون في حدث – فيلم أو حفل عشاء، مثلاً – سوف يتعرف دماغك على ذلك على أنه جزء محدد أو بارز من الزمن يسميه علماء الأعصاب «حدث» Episode. في كثير من الحالات، تعرف أدمغتنا المدة التي يحتمل أن يستغرقها كل حدث. يقول ليغا: «يمتلك الدماغ نموذجاً Template تقريبياً لمعظم المواقف». مزودة بهذه المعرفة، ستطلق Fire كل خلية زمنية إشارة في نوافذ مختلفة خلال كل حدث. قد تطلق أحدها إشارة بعد 10 ثوانٍ، في حين ستطلق أخرى إشارتها بعد دقيقتين، وهكذا.
والخلايا الزمنية قد تشرح سبب الشعور بأن بعض التجارب تمر مروراً أسرع من غيرها (انظر: ما الذي يؤثر في إدراكنا للزمن؟). ويقول ليغا إن التجربة الذاتية للزمن قد تعتمد على عدد الأحداث التي تنشئها والتفاصيل التي تخصصها لكل حدث. في تجربة مكثفة، قد ينتج دماغك أحداث متعددة باستخدام العديد من الخلايا الزمنية المرتبطة بالعديد من الأحداث، مما يجعل الزمن يبدو وكأنه يتباطأ.
ولتتبع مرور الزمن، قد نحتاج أيضاً إلى «خلايا متدرجة» Ramping cells. في حين أن الخلايا الزمنية تنتظر دورها في إطلاق الاشارة، فإن الخلية المتدرجة ستطلق إشارات بكثافة في بداية الحدث، ثم تتباطأ تدريجياً. ويقول ليغا: «ستنسق الخلايا المتدرجة مع الخلايا الزمنية… إنهما طريقتان متكاملتان لرسم خرائط المعلومات الزمنية Temporal information».
فكيف نربط مرور الزمن ببعضه؟ يجمع الدماغ المعلومات من خلايا المكان حول مكان حدوث الحدث والمعلومات الحسية حول ما يحدث – ما هو عطر الشخص، وما الذي كان يتحدث عنه. بعد ذلك، أضف الزمن ونشاط الخلية المتدرجة ويمكن للدماغ وضع معظم المعلومات في الإطار الزمني المناسب. تُجمع هذه البيانات في ذاكرة عرضية Episodic memorie وتُخزّن، مما يسمح لنا بإدراك الترتيب الزمني لحياتنا.
وهذه هي النظرية الأساسية. يقول ليغا إنه قد تكون هناك آليات أخرى معنية أيضاً. فإيقاعات ثيتا Theta rhythms – موجات نشاط الدماغ التي تتذبذب Oscillate من نحو 4 إلى 8 هرتز – قد تضع ختما زمنيا على الأحداث، اعتماداً على مكان حدوثها داخل الموجة. ويقول: «يعتقد بعض الباحثين أن الدماغ يستطيع معرفة الزمن من دون الخلايا الزمنية والخلايا المتدرجة تماماً».
كيف تستشعر الكائنات الزمن؟
سنة كلب واحدة تكافئ سبع سنوات بشرية، كما يقال. لكن هل هذا يعني أن سنة كلب واحدة تبدو كأنها سبعة؟ تشير الأبحاث إلى أن إدراك الزمن يختلف باختلاف الحيوانات، وأن كتلة الجسم ومعدل الأيض هما العاملان المحددان. استخدم كيفن هيلي Kevin Healy، الذي كان حينذاك في جامعة ترنيتي كوليدج دبلن Trinity College Dublin في أيرلندا، وزملاؤه تقنية تسمى تردد اندماج الوميض الحرج Critical flicker fusion frequency، التي تقيس السرعة التي يمكن للعين أن تعالج بها الضوء الوامض قبل أن تتحول لتراه كضوء مستمر. وجد فريق هيلي أن الحيوانات الصغيرة تدرك الزمن كما لو كان يمر بحركة بطيئة لأنها ترى معلومات أكثر في ثانية واحدة، وذلك مقارنة بالثدييات الكبيرة مثل الفيل. كما أظهر المزيد من التحليل أن التمثيل الغذائي (الأيض) Metabolism المرتفع وصغر حجم الجسم يرتبطان أيضاً بالقدرة على الحصول على مزيد من المعلومات، ومن ثم الشعور بأن الزمن يمر ببطء أكبر.
بقلم هيلين تومسون
ترجمة مي منصور بورسلي
© 2022, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.