أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الأخلاقياتقيم العمل

تعزيز السلوك الأخلاقي من خلال السلامة النفسية

يؤدي المديرون المباشرون دوراً أساسياً في توفير مساحات آمنة للموظفين لمناقشة المخاوف.

كيف تشجع المؤسسات الأشخاصَ على التحدث عن الانتهاكات الأخلاقية Ethical breaches، سواء كانت غير مقصودة أو متعمدة؟ لماذا يختار بعض الموظفين التزام الصمت عندما يُبلغ آخرون عن سوء سلوك ما؟ في عالم يتسم بتزايد التدقيق في معظم أنواع الشركات، يصبح من الضروري أكثر من أي وقت مضى أن ينشأ مناخ أخلاقي قوي لاستخراج المعلومات، حتى يتمكن القادة من الاستجابة بسرعة وعلى النحو اللائق، عندما يحدث سوء السلوك أو تنشأ مشكلات صعبة. كذلك تعد البيئة التي يشعر فيها الموظفون بالارتياح في الإبلاغ عن مسائل حيوية كهذه لمنع سوء السلوك في المستقبل.

وكجزء من دراسة عالمية غير مسبوقة حول أخلاقيات مكان العمل، حللنا تصورات هؤلاء الذين يبلغون عن سوء سلوك في مقابل هؤلاء ”المتفرجين الصامتين“. وساعدَنا ذلك على فهم كل من عوامل تشجيع التحدث بصراحة وعوامل عرقلته– وكشف عن تبصرات حول كيفية تشجيع القادة والمسؤولين عن الامتثال للموظفين على التقدم بتقارير كهذه.

وعلى الرغم من أن عملنا له علاقة واضحة بكشف الفساد، ففي سياق السلامة النفسية Psychological safety والأخلاق، نميز تمييزاً مهماً بين كشف الفساد الخارجي وأولئك الذين يتحدثون بصراحة عن سوء السلوك المتصور في العمل. ومن خلال إبلاغ السلطات الخارجية عن الأنشطة غير القانونية أو غير الأخلاقية، يؤدي كاشفو الفساد دوراً حيوياً. وإضافة إلى ذلك من المرجح أنهم شعروا بأن مخاوفهم لا يمكن التعبير عنها أو سماعها أو معالجتها داخلياً. ونطرح أن الثقافة المؤسسية السليمة هي الثقافة التي يسير فيها التحدث بصراحة والاستماع جنباً إلى جنب، ومن ثم تعزز المعايير الأخلاقية. وإذا أُعرِب عن مخاوف، يمكن إجراء تغييرات في الوقت المناسب.

السلامة النفسيةومن حسن الحظ أن هناك عدداً من الأمور التي يمكن أن تضطلع بها المؤسسات لزيادة احتمال أن يتحدث الموظفون بصراحة عندما يلاحظون سلوكيات غير أخلاقية. واكتشفت أبحاثنا أن السلامة النفسية في هذا السياق أمر ضروري. فالسلامة النفسية، وهي الظاهرة التي درستها الكاتبة المشاركة آيمي سي. إدموندسون Amy C. Edmondson على نطاق واسع، تُعرَّف بأنها ”اعتقاد مشترك بين أعضاء الفريق مُفاده أن الفريق آمن في المخاطرة الشخصية”– أو بعبارة أخرى: ”يمكننا أن نقول ماذا نعتقد“، أو ”أن نكون كما نحب هنا“.((A.C. Edmondson and L. Zhike, “Psychological Safety: The History, Renaissance, and Future of an Interpersonal Construct,” Annual Review of Organizational Psychology and Organizational Behavior 1 (March 2014): 23-43; and A. Edmondson, “Psychological Safety and Learning Behavior in Work Teams,” Administrative Science Quarterly 44, no. 2 (June 1999): 350-383.)) ويدرك عدد من المؤسسات العالمية أهمية هذا المفهوم.((A.C. Edmondson, “The Fearless Organization: Creating Psychological Safety in the Workplace for Learning, Innovation, and Growth” (Hoboken, New Jersey: John Wiley & Sons, 2019).)) وبينما تظهر الدراسات السابقة للشركة، مثل مشروع أرسطو Project Aristotle في غوغل Google وفن العمل الجماعي Art of Teamwork في مايكروسوفت Microsoft، أهمية السلامة النفسية لفاعلية الفريق، وأداء الفريق، والإبداع، لم يحقق سوى القليل من الأبحاث في دور السلامة النفسية في أخلاقيات مكان العمل.((“Guide: Understand Team Effectiveness,” Google, accessed Oct. 20, 2021, https://rework.withgoogle.com; and “The Art of Teamwork,” Microsoft, accessed Oct. 20, 2021, www.microsoft.com.))

في بداية العام 2021، وبدعم من المدير التنفيذي في نوفارتيس Novartis والمدير التنفيذي للأخلاقيات والمخاطر والامتثال لديها، أطلقت الشركة مبادرة لدراسة السلامة النفسية والسلوك الأخلاقي. واستناداً إلى الأبحاث المنشورة في مجال العلوم الاجتماعية، وضع فريق الأخلاقيات والمخاطر والامتثال استطلاعاً لقياس التركيبات والسلوكيات النفسية المرتبطة بالأخلاقيات. (انظر: البحث). وكامل الاستطلاع أكثر من 38,000 موظف في أكثر من 100 بلد يشغلون مناصب على مستويات مختلفة في التسلسل الهرمي المؤسسي. وأتاح ذلك فرصة فريدة لدراسة السلامة النفسية في عينة متنوعة على نطاق عالمي فيما يتعلق ببنى نفسية وسلوكية أخرى مرتبطة بأخلاقيات مكان العمل. وتبين نتائج بحثنا أن السلامة النفسية تشكل جزءاً لا يتجزأ من المناخ الأخلاقي للمؤسسة.

دور السلامة النفسية
على رغم أن عديداً من الأشخاص قالوا إنهم تحدثوا بصراحة بعدما شهدوا سلوكاً غير أخلاقي متصوراً، قالت أقلية كبيرة إنها لا تتحدث بصراحة. ومن بين المستجيبين للاستطلاع الذين رأوا سلوكاً غير أخلاقي في العام الماضي أبلغ بعضهم عن هذا السلوك إلى ”خط ساخن للتحدث بصراحة“، أو مسؤول عن الموارد البشرية، أو مديرهم المباشر Line manager، في حين اعترف آخرون بأنهم يشعرون بالارتياح لمشاركة الأمر مع أصدقائهم أو عائلاتهم فقط، أو الاحتفاظ به لأنفسهم.

ومن بين الموظفين الذين لاحظوا سلوكيات غير أخلاقية خلال العام السابق، وجدنا أن أولئك الذين شعروا بأنهم أقل سلامة من الناحية النفسية كانوا أقل ميلاً إلى الإبلاغ عن هذه السلوكيات لقنوات قد يتصرف قادة المؤسسة من خلالها في شأن هذه السلوكيات. (انظر: قنوات الإبلاغ والسلامة النفسية). ومن المرجح أن يكون أولئك الذين يشعرون بسلامة نفسية أكثر من غيرهم قد أبلغوا عن سوء السلوك الذي لاحظوه. وصدق هذا حتى بعد الأخذ في الحسبان مجموعة من العوامل النفسية الأخرى التي قد تؤثر في عملية الإبلاغ عن الحوادث، مثل المستويات المتصورة للعدالة والإنصاف والثقة المؤسسية. لذلك فإن السلامة النفسية مهمة لأكثر من مجرد فاعلية الفريق ورفاهه؛ قد يكون من الضروري أيضاً تشكيل ثقافات أخلاقية قوية حيث يشعر الموظفون بالراحة في التحدث بصراحة.

ولأن أماكن العمل الآمنة نفسياً توفر مجموعة فوائد كهذه، تتشارك وظيفة الأخلاقيات والمخاطر والامتثال وإدارة الموارد البشرية في الاهتمام بتعزيز بيئة كهذه. وينبغي لنتائجنا أن تحفز التعاون بين الوظائف المختلفة كعنصر أساسي في صياغة ثقافة أي مؤسسة. ويجب أن يكون المديرون في كل الشركة على دراية بالأمور الغامضة التي تنشأ عن بيئة غير آمنة نفسياً، إضافة إلى المخاطر المرتبطة بسوء السلوك المبلَغ عنه بنحو غير كاف. وبنمط خاص قد لا يرصد أي برنامج رسمي (أو خط ساخن للإبلاغ) سوى جزء ضئيل من السلوكيات الإشكالية التي تحدث. وقد يساعد قياس السلامة النفسية الشركات على تحديد ما إذا كان يُبلَغ عن سوء سلوك، ومن ثم تعزيز فاعلية برامجها الرسمية للتحدث بصراحة.

هي ليست مجرد نبرة صوتية مفروضة من القمة
الشيء الذي تميل أغلبية المؤسسات هذه الأيام إلى الاضطلاع به على النحو الصحيح هو الكيفية التي تتحدث بها القيادة العليا عن الأخلاق. يؤكد المديرون التنفيذيون أن النزاهة هي قيمة أساسية لمؤسساتهم، وتُكرَّر هذه النقطة في الاتصالات مع المساهمين وفي أثناء الاجتماعات العامة للموظفين. وعلى الرغم من أهمية هذه الرسائل، فإنها لا تكفي لمنع عوامل عرقلة السلوك الأخلاقي التي تحدث بعمق داخل المؤسسة.

ووجدنا أن المديرين المباشرين– وليس فقط قنوات التحدث بصراحة الرسمية– يكونون في الأغلب في الخطوط الأمامية عندما يتعلق الأمر بالاستماع إلى السلوك غير الأخلاقي. والواقع أن 80% من الموظفين الذين اختاروا الإبلاغ عن حادث ما قصدوا مديريهم المباشرين. وهذا يشير إلى أن هؤلاء القادة المرئيين يؤدون دوراً حاسماً في ضمان شعور الشخص الذي يتحدث بصراحة بأنه مدعوم ومسموع. وتُظهر بياناتنا أن كيفية تصرف المديرين المباشرين لها تأثير غير متناسب في طريقة معالجة السلوك غير الأخلاقي المحتمل داخل المؤسسات.

ينبغي للمديرين التنفيذيين الذين يشعرون بالسلامة النفسية ألا يفترضوا أن فرقهم تشعر بالأمر نفسه. والواقع أننا وجدنا أن المديرين وكبار القادة يميلون إلى الشعور بالسلامة النفسية أكثر من موظفيهم، وأن تصورهم للمناخ الأخلاقي لمؤسستهم أكثر إيجابية من تصور بقية القوة العاملة. ويؤكد هذان الاستنتاجان معاً أن الأشخاص الذين هم أعلى في تراتبية المؤسسة قد يواجهون أموراً غامضة أخلاقياً.((A.C. Edmondson and A.W. Dimmock, “Don’t Get Blindsided by Your Blind Spots,” Nov. 5, 2020, https://hbr.org.)) وهذا يجعل دور مديري الفرق أكثر أهمية عندما يتعلق الأمر بتعزيز بيئة تفضي إلى المشاركة في السلوك الأخلاقي والتحدث عن الأخلاقيات بطريقة منفتحة وبناءة.

أخيراً كشفت أبحاثنا أن السلامة النفسية في سياق عالمي ليست موحدة بين البلدان. مثلاً، في استطلاعنا، كان المستجيبون من الأمريكتين وأوروبا يميلون إلى تسجيل نتائج أعلى فيما يتصل بالسلامة النفسية مقارنة بالمستجيبين من آسيا، وذلك عن تساوى معظم العوامل الأخرى. تذكروا أن هذه الاختلافات في متوسط النتائج تشمل تبايناً كبيراً داخل المناطق نفسها. وهذا يعني أن أي منطقة منفردة لم تكن مرتفعة بنمط موحد أو منخفضة بنمط موحد؛ بل إن النتائج كانت متنوعة بين مختلف الفرق. ومع ذلك تشكل هذه الاختلافات أهمية كبرى، وتقدم لمحة عن حل محتمل. هي تشير إلى الفاعلية المحتملة لتكييف التدخلات التي تشجع على التحدث بصراحة من أجل معالجة الظروف الخاصة لمختلف فئات الموظفين. مثلاً يتعين على المؤسسات العالمية التي تسعى إلى بناء السلامة النفسية أن تقيم عواملها للتشجيع والعرقلة- الخاصة بالمنطقة- من أجل تعديل أنشطتها لكي تتناسب مع المستويات الوظيفية والثقافات المحددة.

الخطر المزدوج لثقافة غير آمنة
كذلك كشفت أبحاثنا أن عدم توافر السلامة النفسية حين يحصل، قد يكون نتيجة لتعرض الموظف لسلوك غير أخلاقي. ووجدنا أن السلامة النفسية ترتبط ارتباطاً عكسياً بكمية السلوك غير الأخلاقي الملاحظ. والأمر ببساطة أن الشخص كلما كان السلوك الذي رآه أقل أخلاقية كان أكثر ميلاً إلى الشعور بعدم السلامة النفسية. وهذا يشير إلى أن تجربة رؤية سلوك غير أخلاقي قد تقلل من السلامة النفسية التي يتعرض لها الموظف. (انظر: السلوكيات غير الأخلاقية الملحوظة والسلامة النفسية، الصفحة 42).

وأخذنا بعين الاعتبار ما تشير به كلتا العلاقتين– بين السلامة النفسية ومقدار السلوك غير الأخلاقي الملاحظ، وبين السلامة النفسية واحتمال الإبلاغ عن سوء السلوك– فيما يخص العلاقة السببية Causality. وعلى الرغم من أن العلاقة المتبادلة ليست دليلاً على العلاقة السببية، من غير المرجح أن تسبب السلامة النفسية المنخفضة إشعار الأشخاص بسلوك غير أخلاقي، في حين من المنطقي أن يؤدي العمل في بيئة عمل حيث يسود سلوك غير أخلاقي إلى الحد من السلامة النفسية.

نقترح أن المشكلة التي اكتشفناها– أن الأشخاص أكثر عزوفاً عن التحدث بصراحة في البيئات التي تعاني مشكلات أخلاقية، حيث نحتاج إليهم للاضطلاع بذلك أكثر من أي مكان آخر– لها آثار مهمة في قادة الشركة. وللخروج من هذه المعضلة يتعين على القادة أن يعملوا على إيجاد السبل الكفيلة بتسهيل عملية تحدث الموظفين بصراحة، ولاسيما في أجزاء من المؤسسة حيث قد تعاني الثقافة بقدر أكبر هفواتٍ أخلاقية.

السلامة النفسية

السلامة النفسية

وتشير بياناتنا إلى بعض نقاط البداية. ووجدنا أنه إضافة إلى السلامة النفسية، هناك عديد من العوامل الأخرى المرتبطة بسلوك الحديث الصريح القوي، مع تساوي بقية العوامل الأخرى: المشاركة الأخلاقية، والتنبه الأخلاقي، والعدالة المؤسسية، إلى جانب
وضوح التوقعات.

ويشير كل من هذه العوامل إلى فرص التدخل الإداري:
المشاركة الأخلاقية Moral engagement. عزِّزوا بيئة حيث يشكل السلوك الأخلاقي أهمية كبرى، لكي يصبح لدى الموظفين حين يدركون موقفاً غير أخلاقي محتملاً حافزٌ إلى الاضطلاع بما هو صحيح. مثلاً أنشأت شركة نوفارتيس إطار عمل لاتخاذ القرار يسمى مستكشف القرارات Decision Explorer لدعم الشركاء في اتخاذ القرارات الأخلاقية. وتمتد جذور هذه الأداة إلى مدونة الأخلاقيات الخاصة بالشركة، وهي تساعد الموظفين على العمل من خلال موقف ما لإظهار الاعتبارات الأخلاقية.((“Case Study: How to Apply Behavioral Science and Employee Co-Creation to Reimagine Compliance and Ethics (Novartis),” Gartner, Oct. 21, 2021, www.gartner.com.))

التنبه الأخلاقي Moral attentiveness. درِّبوا الموظفين على التعرف على الأبعاد الأخلاقية لحالات مكان العمل. مثلاً تدير نوفارتيس جلسات تدريبية عملية حول الأخلاقيات، تغمر الموظفين بسيناريوهات افتراضية، يتعين عليهم فيها ممارسة اتخاذ القرار الأخلاقي. وهناك نهج آخر يتمثل في أن يسلط المديرون الضوء على أمثلة للسلوك الأخلاقي وغير الأخلاقي مع فرقهم، وأن يشجعوا الحوار حول أخلاقيات مكان العمل. وتبني مساهمات قاعدية من الموظفين كهذه ثقةً والتزاماً من خلال إعطاء الموظفين دوراً في تعزيز مدونة السلوك التي من المتوقع أن يلتزموا بها.

قياس السلامة النفسية
ما مدى السلامة النفسية لمؤسستكم؟ يمكن للشركات قياس التباين في السلامة النفسية عبر الفرق والمناطق من خلال استطلاع الموظفين. وهذا يمكِّنهم من تركيز الجهود على الفرق التي تحتاج إلى أكبر قدر من المساعدة، وتحديد الفرق التي قد توفر ثقافاتها الآمنة نفسياً أمثلة يمكن أن تتعلم منها الفرق الأخرى.

وعدَّلنا مقياس السلامة النفسية الأصلي الذي وضعته آيمي سي. إدموندسون في العام 1999 لتأكيد التركيز بنحو خاص على التحدث بصراحة، ودمجنا فكرة التفكير قبل التحدث بصراحة على أمل قياس مدى التردد Hesitation.((Edmondson, “Psychological Safety and Learning Behavior,” 350-383.))

وكنا راغبين في إدراك مستويات الراحة لدى التحدث بصراحة، استناداً إلى الحدس القائل إن الناس يميلون في مناخ سليم نفسياً إلى التصريح بشيء ما في الحال، وحين لا يشعرون بالأمان النفسي، من المرجح أن يحتفظوا بالحوادث لأنفسهم.

وطلب استطلاعُنا إلى الموظفين أن يسجلوا، على مقياس من 0 (غير موافق البتة) إلى 10 (موافق تماماً)، مستوى اتفاقهم مع العبارات التالية:
1. في فريقي، إذا ارتكب المرء خطأ ما، يُتحامل في الأغلب عليه.
2. يستطيع أعضاء فريقي طرح المشكلات والمسائل الصعبة.
3. أحياناً يرفض الأشخاص في فريقي الآخرين بسبب اختلاف وجهات النظر.
4. من الآمن أن يخاطر المرء في فريقي.
5. من الصعب طلب المساعدة من أعضاء فريقي الآخرين.
6. أميل إلى التفكير في كيفية الإبلاغ عن المخاوف قبل التحدث بصراحة. ووجدت تحليلات القياس النفسي التي أجريناها لبيانات الاستطلاع وجود اتساق داخلي قوي بين البند السادس الجديد والبيانات الخمسة الأخرى في الاستطلاع العالمي. وهذا من شأنه أن يوفر مزيداً من الدعم لأن السهولة التي يستطيع بها الناس أن يتحدثوا بها عن مخاوفهم تشكل جانباً أساسياً من جوانب السلامة النفسية. كذلك يؤكد على وجود مقياس جديد للسلامة النفسية تستطيع أي مؤسسة استخدامه لتستنير به الجهود الرامية إلى بناء مناخ أخلاقي. إجمالاً ندعو إلى قياس السلامة النفسية مع سؤال الموظفين عن سلوكياتهم بشأن التحدث بصراحة (ولاسيما فيما يتصل بالسلوك الأخلاقي) لتقييم فاعلية ثقافة التحدث بصراحة في أي مؤسسة.

العدالة المؤسسية ووضوح التوقعات Organizational justice and clarity of expectations. إن العمل، وليس مجرد الرسائل، يشكل أهمية بالغة لبناء سمعة العدالة المؤسسية. أولاً، من الضروري أن يضمن القادة أن الموظفين لديهم فهم للمعايير المؤسسية وأن يكون لديهم فهم واضح للتوقعات. ثانياً، يجب أن يتصرف القادة بنحو حاسم رداً على تقارير الموظفين عن سوء السلوك لإظهار أن هناك عواقب على السلوك غير الأخلاقي.

ولرعاية مزيد من السلامة النفسية، دربوا المديرين المباشرين ومكنوهم من إنشاء مساحات آمنة لمناقشة المخاوف الأخلاقية، وساعدوهم على التفاعل بنمط مناسب عند إثارة مسائل كهذه. مثلاً تقدم نوفارتيس التوجيه للمديرين حول كيفية بناء فرق سليمة نفسياً وكيفية تشجيع المناقشة المفتوحة للأسئلة الأخلاقية. تركز الدروس الأساسية على الاستماع النشط وإدارة حوارات جماعية.

وننصح أيضاً بتشجيع التعاون بين إدارة الموارد البشرية ووظيفة الأخلاقيات والمخاطر والامتثال في بناء ثقافة من الأخلاقيات والأداء. مثلاً أنشأت نوفارتيس مجموعة عمل متعددة الوظائف تركز على فكرة القيادة الأخلاقية. لا يحدد القادة الأخلاقيون مثالاً على كيفية التصرف أخلاقياً فحسب؛ هم ينصتون أيضاً عندما يثير أعضاء الفريق مشكلات، ويتخذون الإجراءات اللازمة لمعالجة المخاوف الأخلاقية، ويثق بهم الشركاء في اتخاذ قرارات منصفة، ويحددون النجاح ليس فقط من خلال النتائج، بل أيضاً من خلال كيفية الحصول عليها.

توصلت أبحاثنا إلى أن السلامة النفسية للموظفين ترتبط ارتباطاً مباشراً باستعدادهم للإبلاغ عن السلوكيات غير الأخلاقية، عبر البلدان، والثقافة، والأقدمية، والوظائف. ووجدنا أن هذا النمط شامل وقوي. ومن الآثار المترتبة على أبحاثنا أن الجهود الرامية إلى بناء فرق سليمة نفسياً لا بد من أن تبذل جنباً إلى جنب مع الجهود الرامية إلى إنشاء بيئة أخلاقية إيجابية.

إن بناء بيئة آمنة من الناحية النفسية لتسهيل التحدث بصراحة عن السلوك الأخلاقي أمر ذو صلة بسمعة الشركة وأداء الأعمال البعيد الأمد على حد سواء. قد يظل السلوك غير الأخلاقي مُخفًى بعضَ الوقت، لكن من المرجح أن يكتشف في النهاية، الأمر الذي قد يؤدي إلى أضرار أعظم كثيراً مما لو التُقِط وصُحِّح في وقت مبكر. ومن ثم فإن السلامة النفسية من الممكن أن تساعد المؤسسات على الاستجابة للإساءة وتحسين أدائها بسرعة، بدلا من السماح لسوء السلوك والسلوك غير الأخلاقي بالتفاقم، وبإحداث مزيد من تدهور السلامة النفسية في مكان العمل، ومن ثم الدخول في حلقة مفرغة Vicious cycle. وفي حين أن عديداً من المؤسسات اعتمدت على قنوات التحدث بصراحة أو أمناء المظالم Ombudspersons كآليات للإبلاغ عن السلوك غير الأخلاقي، لا تكفي هذه الفرص وحدها. لا بد من استكمال هذه المبادئ من خلال الجهود الرامية إلى تشكيل مناخ أخلاقي وتعزيزه، بحيث يكون المديرون مجهزين لدعم قدرة الموظفين على التعبير عما يفكرون فيه، ويتفاعلون بنحو مناسب مع ما يسمعونه.

أنطوان فيرير Antoine Ferrère

رئيس عالمي لعلوم السلوك والبيانات في إدارة الأخلاقيات والمخاطر والامتثال لدى نوفارتيس Novartis.

كريس رايدر Chris Rider وبايبا رينيرت Baiba Renerte

عالمان سلوكيان بارزان في تلك الإدارة.

آيمي سي. إدموندسون Amy C. Edmondson

أستاذة كرسي نوفارتيس Novartis للقيادة والإدارة في مدرسة الأعمال بجامعة هارفارد Harvard Business School. وهي مؤلفة مؤسسة لا تخفْ: توليد السلامة النفسية في مكان العمل للتعلم والابتكار والنمو The Fearless Organization: Creating Psychological Safety in the Workplace for Learning, Innovation, and Growth (جون ويلي وأبناؤه John Wiley & Sons، 2019).

Related Articles

Back to top button