هل يمكننا العيش من دون زمن؟ ليس إذا كنا نثمِّن الشعور القوي بالذات
يمكن أن يوفر التخلي عن الضوء الاصطناعي والعيش مع الدورة الطبيعية للشمس الكثير من الفوائد لصحتك. ولكن عندما تفقد أي إحساس بالزمن على الإطلاق، فإنك تخاطر بفقدان نفسك أيضاً
حياتنا يحكمها الزمن منذ اللحظة التي ينطلق فيها المنبه في الصباح. قد يبدأ أي شخص يتوق إلى الهروب من الكد اليومي بالتساؤل: ماذا سيحدث إذا تخليت عن ساعتك وحاولت العيش من دون وقت تماماً؟
أجسادنا تطورت لتكون متزامنة مع دوران الأرض حول محورها، وهذا الارتباط القريب أمر حيوي لصحتنا. تستقبل خلايا متخصصة في شبكية أعيننا Retinas ضوء النهار فترسل إشارات عن الوقت من اليوم إلى ساعة رئيسية في الدماغ (انظر: كيف نشعر بالزمن؟). وهذا ينظم عدد دقات الساعات في الخلايا والأعضاء في جميع أنحاء الجسم، مما يجعلنا نعمل كوحدة متكاملة.
مع توفر الإضاءة الاصطناعية، يبقى الكثير منا مستيقظاً عندما تتوقع أدمغتنا وأجسادنا النوم، مما يلقي بالجسم في فوضى غير منسقة. لإثبات أن هذا الأمر سيئ، خُذْ عُمَّال النوبات الليلية كمثال. هذا النوع من نمط العمل سيئاً جداً على صحتنا إلى درجة العديد من التقارير ا-التي صدرت في السنوات القليلة الماضية- قد صنف العمل في النوبات الليلية على أنه «من المحتمل أن يكون مسرطناً» Probably carcinogenic. كما أنه مرتبط بزيادة خطر الإصابة بداء السكري من النوع الثاني وأمراض القلب والسكتة الدماغية ومشكلات النوم والاكتئاب. كما أنّ معدلات الطلاق مرتفعة في هذه المجموعة أيضاً. ومن المحتمل أن يكون التخلي عن ساعتك مفيداً لصحتك، وربما حتى علاقتك، ما دام أنك تخلصت أيضاً من الإضاءة الاصطناعية واتبعت ساعة الطبيعة في النهار والليل.
ولكن لتجربة حياة من دون زمن حقاً، قد ترغب في التخلص من ضوء الشمس تماماً. وهذا ما فعله ميشيل سيفر Michel Siffre، الجيولوجي الفرنسي، في عام 1962. حيث أمضى 63 يوماً في كهف عميق، معزولاً عن كل الضوء باستثناء شعلة مصباحه. كشفت مغامرته أن الجسم لديه ساعته الخاصة التي ستتحول إذا ضُبطت بالتعرض إلى الضوء والظلام. وفي تجربة متابعة، مدد سيفر وقته في الكهف إلى ستة أشهر ملحمية، امتد خلالها إيقاع ساعته اليومية Circadian rhythm إلى 48 ساعة، وتباطأ إحساسه بمرور الوقت وصار مكتئباً أيضاً، تماماً مثل هؤلاء العمال الذين يعملون بنظام النوبات الليلية.
كانت هذه التجارب مجرد البداية. حالياً، يمكن لمختبرات النوم المتخصصة إنشاء بديل لحياة الكهوف يكون أكثر راحة، ولكنه معزول عن العالم الحقيقي بالطريقة نفسها. رُفعت الأرضية في هذه المختبرات لعزل الضوضاء، وهي خالية من النوافذ أو الساعات، وعلى الموظفين أن يحرصوا على عدم ذكر الوقت من اليوم أو ارتداء الملابس التي يمكن أن تعطي انطباعاً عن الوقت من اليوم. حتى الباحثين في المختبر عليهم أن يكونوا حليقين حتى لا يُستدل من خلالهم المدة التي مرت.
ومن دون هذه الأدلة الزمنية Time cues، يمكن استخدام الإضاءة الاصطناعية والساعات المجهزة للتلاعب بإحساس الأشخاص بمرور الوقت، وبذلك يمكنك الإجابة عن معظم أنواع التساؤلات. من بين بعض الأمور الأكثر إلحاحاً ما يحدث لصحتنا العقلية عندما تكون ساعات أجسامنا غير متزامنة، وكذلك النظر في الكيفية التي تستجيب بها العديد من الساعات عبر الجسم استجابة أفضل لأشياء مثل الطعام أو الأدوية في أوقات مختلفة من اليوم.
وفائدة أخرى للازمن Timelessness، كما ذكر سيفر في كهوفه، هي الشعور الشديد بالتواجد في الحاضر. هذا ما كان يستكشفه أيضاً مارك ويتمان Marc Wittmann، من معهد المناطق الحدودية لعلم النفس والصحة العقلية Institute for Frontier Areas of Psychology and Mental Health في فرايبورغ بألمانيا، وحتى أنت أيها القارئ- لا تحتاج إلى كهف. فقط استلق داخل خزان تعويم Flotation tank.
الدماغ هو آلة تنبؤ فعالة، مما يجعل من المنطقي ما حدث تواً يجعلك تتوقع ما سيحدث بعد ذلك. ومن دون مدخلات حسية من العالم من حولنا؛ سواء في كهف أم خزان، ينهار هذا النظام. من دون الزمن، على ما يبدو، قد نفقد أنفسنا حرفياً في اللحظة الحالية. ويقول ويتمان: «في البداية، لديك وعي قوي جداً بالجسم وبأن الوقت يمر ببطء شديد… ولكن بعد ذلك، في مرحلة ما، تدخل في هذه الحالة المتغيرة للوعي ثم تفقد إحساسك بالذات». قد تكون مثل هذه التجربة تشتيتاً ممتعاً عن استبداد الساعة، لكن القدرة على تتبع الزمن تساعد على جمع الأفراد معاً أيضاً. لذلك ربما يجب أن نكون حذرين من الرغبة بالتخلص من ساعاتنا للأبد.
بقلم كاثرين دو لانج
ترجمة مي منصور بورسلي
© 2022, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.