أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
أعمال

أَطلِقوا العِنان للقوى العظمى لموظفيكم الاستثنائيين

”متلازمة جاكي روبنسون“ JACKIE ROBINSON SYNDROME هي الحالة التي تكونون فيها، بصفتكم عضواً من مجموعة ممثلة تمثيلاً ناقصاً Underrepresented group، الأول في شيء ما، ”الاستثنائي“، وهناك تصور أنه يجب أن تكون استثنائياً وأن تعمل بمستوى أعلى من الآخرين. (يطلق على هذه ”المتلازمة“ اسم الرياضي الأمريكي الخارق الذي أصبح في العام 1947 أول لاعب أسود يُدعَى إلى بطولة البيسبول الكبرى Major League Baseball). وفي الأغلب ينظر إلى عديد ممن هم كذلك على أنهم حالات شاذة.

وعلى الرغم من أن تبني هذه الصفات الفريدة من الممكن أن يؤدي إلى العزلة، ولا سيما في البدء، مع استمرار الحالات الفريدة، تحدد مع الوقت خطوط أساس Baselines جديدة ”طبيعية“ Normal. يُعتبَر الاستثنائيون مُجدِّدين Trailblazers لأنهم يُروننا ما هو ممكن. هم يفهمون هذه الخصوصية الإنسانية بنحو غريزي: هم يعملون جاهدين على احتضان اختلافاتهم، ويُصرّون على التميُّز وعدم التماثل مع الآخرين. عندما يعيش الاستثنائيون حياتهم مختلفين دائماً، يعني ذلك أنهم تعلموا بنحو متأصل أن يفكروا بنمط مختلف.

غيرَ أن توفير الدعم للموظفين الفريدين لايتوافر بنحو طبيعي في أغلب المؤسسات. وقد يكون هناك تحيز ضد تبني الاستثناءات، حتى على الرغم من كونها استثنائية. غير أن الاستثنائيين يمتلكون القدرة على أن يقودوا التغيير، الذي يجب على المؤسسات تبنيه وتوفير دعائم لتضخيمه.

التحيُّز ضد المغردين خارج السرب
في عالم الهندسة، نشجع عادةً على التخلص من الحالات الشاذة. نظراً إلى أن الحالات الشاذة قد تؤثر سلباً في تحليل البيانات أو كيفية تصميم حل معياري، لذا يُتعمَّد في الأغلب تجاهلُها.

وهذا التحيز ضد المغردين خارج السرب والبيانات التي يصعب قياسها من الممكن أن يُغرَس في إجراءات ضارة جداً. في العام 1977، مثلاً، أوصت سياسة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية U.S. Food and Drug Administration باستبعاد النساء في سن الإنجاب من التجارب المبكرة للأدوية بعد اكتشاف أن العقار المستخدم لمنع الغثيان الصباحي قد يسبب عيوباً شديدة في المواليد، مثل فقدان الأطراف. وأعقب ذلك كثير من السخافات، بما في ذلك دراسة تجريبية حول ما إذا كان العلاج بالهرمونات هو علاجاً فاعلاً لتخفيف مرض القلب بعد سن اليأس ضمت 8,341 رجلاً مسجلين وصفراً من النساء. ولم تتمكن إدارة الغذاء والدواء من قلب التوصيات بوضوح في سياستها للعام 1977 إلا في العام 1993. ولم يُعالَج الضرر الذي ألحقته هذه التوصيات علاجاً كاملاً، لأن معظم أوجه التقدم التي أحرزتها العلوم الطبية لا تزال متأصلة في الدراسات الأصلية التي أُجريت على الجسم الذكري وحده. لقد كشفت دراسة أُجريت في العام 2020 استناداً إلى بيانات عن وجود مَيل واضح إلى عدم تقديم العلاج الموصى به إلى أكثر من مليوني مريض من النساء المصابات بأمراض القلب.

وابتُليت صناعة السيارات بتحيز مماثل لإجراء الاختبارات على الذكور بوصفهم المعيار. فمنذ سبعينات القرن العشرين، يَستخدم كثير من اختبارات التصادم المُعَدة لتقييم سلامة تصاميم السيارات دُمى اختبار للتصادم موحدة المعايير وفق الجسم الذكري الأمريكي. ولم تبدأ الإدارة الوطنية لسلامة المرور على الطرق السريعة National Highway Traffic Safety Administration – وهي وكالة تابعة للحكومة الفدرالية الأمريكية تتولى الإشراف على سلامة السيارات – في التوسع في استخدام دمى أنثوية في اختبارات التصادم حتى العام 2003. العواقب؟ من المرجح أن تصاب راكبة سيارة أنثى بجروح خطيرة أكثر بنسبة 73% من إصابة ذكر في حادث تصادم أمامي.

تُظهر هذه الأمثلة ما قد يحدث عندما تكون تجارب وأصوات أولئك القابعين خارج ”المعتاد“ المُعيَّن خافتةً في عملية الابتكار.

الجانب الإيجابي لتبني الحالات الشاذة
في بعض الأحيان يختار العلماء التعاملَ مع الحالات الشاذة ليس من خلال تخليص مجموعة البيانات منها، بل من خلال تحليلها لمعرفة سبب وجودها. كيف تنجو بضع مصابات بسرطان الثدي المنتشر في حين لا تنجو أغلبيتهن؟ أو عندما يصاب مجتمع صغير بكامله بكوفيد-19، كيف لا تظهر أي أعراض على شخص أو شخصين؟ كيف يموت أغلب الناس قبل سن 100 سنة، لكن قلة مختارة من الناس تعيش إلى ما بعد هذه السن؟ هذه هي التساؤلات التي تستحق التبني بكل وضوح.

ينبغي لنا ألا ننظر إلى أبعد من هذا لكي نجد الدليل على أن حالات شاذة كهذه حين لا يُعمَد إلى تجاهُلها، بل تُعامَل معاملة مميَّزة، من الممكن أن تغير العالم. انظروا فقط في قصة هنرييتا لاكس Henrietta Lacks، وهي امرأة إفريقية أمريكية شُخصت بسرطان عنق الرحم في المرحلة النهائية في العام 1951. بعد جمع خلاياها السرطانية وزرعها، تبين أنها مرنة إلى حد غير عادي في المختبر، واستُخدِمت لإطلاق العنان لبعض أكبر التطورات في العلوم الطبية. كانت هذه أول خلايا خالدة تعيش خارج جسم الإنسان، وعلى مدى السنوات الـ60 الماضية كانت خلايا لاكس، والتي يطلق عليها خلايا هيلا HeLa، أساسية لتحقيق تقدم طبي رائع يتراوح بين لقاح شلل الأطفال والعلاج الكيماوي ورسم الخريطة الجينية. ومع الأسف أُخذت خلاياها من دون إذن صريح منها، وهو ما يتعارض مع الممارسات التي ينبغي أن تتبعها المؤسسات عندما تواجه حالات شاذة.

تستطيع الحالات الشاذة إحداث فارق كبير، سواء في المختبرات كخلايا لاكس، أو في العالم المهني، مثل جاكي روبنسون.

أطلِقوا العِنان للمواهب في أعمالكم
بالنسبة إلى المؤسسات يمكن النظر إلى الحالات الشاذة على أنها تلك الموهبة التي تقع ضمن صفوفها – أي الأشخاص الذين يبرزون من بين أقرانهم، والذين قد يعتبرهم الكثيرون نجاحاً غير متوقع.

لتعزيز القدرة التنافسية إلى الحد الأقصى، يجب على الشركات ليس فقط أن تميل إلى رعاية الاستثنائيين، بل أيضاً إنشاء بيئة داعمة حيث يمكنهم أن يزدهروا حتى قبل أن يمكن تحديدهم كجوهرة نادرة شاذة.

فيما يلي ثلاثُ طرق يمكن للشركات من خلالها استخدام الاختلافات لقيادة التغيير:

وضع الحالات الشاذة في مواقع القيادة. تعني حقيقة أن الاستثنائيين حاضرون في عوالم يتربعون فيها وحدهم على المرتبة الأولى أنهم عبروا تحديات أصعب مقارنة بأكثرية الآخرين. مثلاً وجدت إحدى الدراسات أنه على الرغم من نمو عدد الشركات المملوكة للنساء على المستوى الوطني بنسبة 21% من العام 2014 إلى العام 2019، سجلت أعداد النساء السوداوات نمواً أسرع بنسبة 50%. عند وضع الاستثنائيين في مناصب القيادة، يجب دعمهم بنحو فاعل من قِبل الإدارة – ولا سيما أن عديداً منهم أقل عرضة لتلقي المساعدة من الهياكل المؤسسية، أو التوفير العلني للموارد التي يحتاجون إليها للنجاح، أو الترويج لإنجازاتهم.

دعم الشجاعة. قد يتطلب الأمر قدراً هائلاً من الشجاعة لكي يتحدث الاستثنائيون بصراحة، ولا سيما إذا كانت آراؤهم مختلفة عما يعبر عنه الجميع من حولهم. فالقادة لهم دور مهم في تهيئة بيئة تشجع على تباين وجهات النظر. ويتعين على القادة أن يطلبوا صراحةً رأي الجميع في أثناء اجتماعات الفريق من أجل تشجيع هذا الاكتشاف الشاذ. لا تصدوا أي أفكار، حتى لو كانت غير مريحة. تماماً كأنكم تعملون مع موهبة مختلفة عصبياً Neurodiverse talent، فتقديم ملاحظات تفصيلية وفق وجهة النظر المتنوعة لدى الفرد قد يساعد على إنشاء بيئة عمل أكثر شمولاً.

العودة إلى النبع. يتعين على الشركات أن تعيد النظر في خط إمداد الموظفين Sourcing pipelines الذي قدم إليها نطاقاً أوسع من المرشحين للوظائف. هناك استثنائيون آخرون قد يكونون في المكان نفسه حيث عُثِر على الاستثنائي الأول. فما كاد روبنسون يقتحم البطولات الرئيسة في التيار السائد، حتى تنبه عالَم البيسبول إلى وجود مجموعة كاملة من اللاعبين في بطولات الزنوج Negro Leagues يمكن الاستفادة منهم. وغيَّر هذا من الوضع المعياري للرياضة بالكامل.

أيانا هاورد Ayanna Howard (@robotsmotts)

عميدة كلية الهندسة College of Engineering في The Ohio State University.

Related Articles

Back to top button