كيمياء «الليغو» التي تربط الجزيئات ببعضها تفوز بجائزة نوبل لهذا العام
ابتكر الباحثون تقنية تسمى الكيمياء النقرية ساعدت على تصميم الأدوية والمواد الصناعية
فكر في الأمر على أنه يشبه مكعبات الليغو ولكن في الكيمياء. ذهبت جائزة نوبل هذا العام في هذا المجال إلى طريقة رائدة لربط الجزيئات ببعضها – تُعرف بالكيمياء النقرية [من طقطقة مكعبات الليغو عند وصلها ببعضها] Click chemistry. فهذا التقدم العلمي سهّل تجميع العديد من المواد، من أدوية السرطان إلى المواد الصناعية، ومن دون كل المنتجات الثانوية التي تنتج من الطرق التقليدية. كما سمح للبيولوجيين برسم خريطة للجزيئات الحيوية في الخلايا دون تعطيل الكيمياء الطبيعية للخلايا، مع تمكين الشركات المصنعة من نقر (إضفاء) Click مهارات جديدة على المواد، مثل القدرة على توصيل الكهرباء، أو اقتناص ضوء الشمس، أو محاربة البكتيريا.
ستتقاسم كارولين بيرتوزي Carolyn Bertozzi من جامعة ستانفورد Stanford University، ومورتن ميلدال Morten Meldal من جامعة كوبنهاغن University of Copenhagen، وباري شاربلس Barry Sharpless من معهد سكريبس للأبحاث Scripps Research، جائزة قدرها 10 ملايين كرونة سويدية (915 ألف دولار) بالتساوي. قال أولوف رامستروم Olof Ramström، الكيميائي في جامعة لينيوس Linnaeus University وعضو لجنة نوبل، في مؤتمر صحفي صباح يوم 5 أكتوبر 2022 إن عمل الفائزين الثلاثة «كان له تأثير هائل في العلوم». وحول الجائزة، قالت بيرتوزي للصحفيين المجتمعين: «ما زلت غير متأكدة تماماً من حقيقة فوزي، لكن الأمر يكون واقعيا مع مرور الوقت».
على مدى قرون، طور الكيميائيون مجموعة متنوعة من الأدوات لصنع جزيئات أكثر فأكثر تعقيداً. لكن إقناع جزيئين للارتباط ببعضهما من خلال تفاعل كيميائي غالباً ما يكون بطيئاً ويؤدي إلى مجموعة متنوعة من المنتجات التي يجب فصلها قبل أن ينتقل العلماء إلى المرحلة التالية من التركيب المعقد.
وشاربلس هو من الفائزين القلائل الذين فازوا بجائزة نوبل ثانية. حاز على أول فوز له مع اثنين آخرين في عام 2001 للتفاعلات التي تولّد جزيئات هي صورة مرآة للجزئيات الأصلية. وفي الوقت نفسه تقريباً، انطلق في اتجاه آخر، باحثاً عن جزيئات بسيطة يمكن أن ترتبط ببعضها البعض بشكل موثوق به عند الحاجة. وصف هدفه بأنه كيمياء نقرية. جادل وقتها في أن الاعتماد على بناء روابط كربون-كربون Carbon-Carbon bonds -الشائعة في جميع الجزيئات الحيوية – يجعل عمل الكيميائيين معقداً جداً.
بدلاً من ذلك، دعا شاربلس إلى بناء هياكل معقدة عن طريق أخذ جزيئات حيوية صغيرة وربطها معاً باستخدام جسور من ذرات النتروجين أو الأكسجين، والتي هي أكثر ميلا إلى الارتباط. وقال إنه من بدايات جزيئية بسيطة، يجب أن يكون من الممكن بناء جزيئات أكثر تعقيداً.
أحد الروابط التي حددها شاربلس في البداية كان يجمع بين الألكاين Alkyne، الذي يحتوي على كربونين مرتبطين برابطة ثلاثية، مع هاليد الأسيل Acyl halide. كان التفاعل، الذي اكتشفه الكيميائي الألماني رولف هويسجن Rolf Huisgen في عام 1960، فعالاً وأنتج القليل من التفاعلات الجانبية غير المرغوب فيها. لكنها تتطلب قدرا كبيرا من الحرارة. وتقول لورا كيسلينغ Laura Kiessling، عالمة الكيمياء في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا Massachusetts Institute of Technology، لمجلة ساينس Science: «ولا يتحمل الكثير من الجزيئات العضوية مثل تلك الحرارة العالية».
في عام 2001، بدأ ميلدال بإضافة مقابض كيميائية Chemical handles إلى بروتينات قصيرة تسمى الببتيدات Peptides، في تجربة مزيج أزيد-ألكين Azide-alkyne. في وقت واحد تقريباً، اكتشف فريقان بقيادة شاربلس وميلدال بشكل مستقل في عام 2002 أن النحاس يسرع التفاعل ويقلل الحاجة إلى إضافة حرارة إضافية.
وصفه شاربلس بأنه ردة فعل النقر المثالي: إذا أراد الكيميائيون توصيل جزيئين توصيلاً موثوقاً به، أضف ألكين إلى أحدهما وأزيد إلى الآخر واستخدم النحاس لربطهما معاً. ويقول كيسلينغ: «لقد فتح هذا حقاً الباب أمام المجال العلمي بكامله».
قارب عمل بيرتوزي حل المشكلة من اتجاه مختلف. ففي تسعينات القرن العشرين، كانت تدرس الغليكانات Glycans، وهي كربوهيدرات معقدة على سطح الخلايا، تؤدي دوراً غامضا، وذلك عندما تصيب الفيروساتُ الخلايا أو ينشط جهاز المناعة. فلم تؤثر معظم أدوات البيولوجيا الجزيئية في ذلك الوقت في الغليكانات، لذلك كانت بيرتوزي تبحث عن طريقة لاستكشاف أدوارها. وأرادت إضافة مقبض جزيئي إلى الغليكانات حتى تتمكن بعد ذلك، مثلا، من إضافة علامة الفلورسنت Fluorescent tag عليها ومعرفة مكان وجودها في الخلية. ولكن يجب أن لا يتفاعل المقبض مع أي شيء آخر في الخلية، وهي خاصية وصفتها بأنها ذات وظيفة «متعامدة بيولوجيا» Bioorthogonal.
في عام 2000، اكتشفت بيرتوزي استخدام أزيد باعتباره هذا المقبض. وهكذا ربطت الأزيد بالسكريات وأدخلت المجموعة في الخلايا، حيث ربطتها مع الغليكانات على سطح الخلية.
وبدى ألكين شاربلس وميلدال كأنه الطريقة المثلى لربط مركبات أخرى بتلك الأزيدات على الغليكانات. لكن النحاس سام للخلايا. لذلك، في عام 2004، تخلصت بيرتوزي من النحاس وأعادت تشكيل الألكينات من كونها جزيئات خطية Linear إلى جزيئات دائرية Circular. يقول كيسلينغ: «يبدو الأمر كما لو كنت تحول الرابطة إلى زنبرك مملوء»، مما يجعلها أكثر تفاعلاً. وكان التفاعل يشبه تفاعل تركيب مكعبات الليغو الذي طورّه شاربلس وميلدال، ولكن من دون محفز النحاس الضار بالخلايا.
استخدمت بيرتوزي التفاعل النقري هذا لإضافة جزيء أخضر فلورسنت إلى الغليكانات حتى تتمكن من رؤيتها وهي تعمل في الخلية. قادها ذلك إلى اكتشاف أن بعض الغليكانات الموجودة على سطح الخلايا السرطانية تحمي الخلايا عن طريق إطفاء نظام الخلايا المناعية. ولعرقلة هذه الآلية، طورت بيرتوزي وزملاؤها عقاراً يحتمل عمله كمضاداً للأورام، بربط جسم مضاد للغليكان بالإنزيمات التي تكسر الغليكانات على الخلايا السرطانية. والعقار الآن في مرحلة التجارب البشرية.
قال رامستروم: «الشيء الجيد في [الكيمياء النقرية] هو أنه يمكن استخدام نظام الاستكشاف هذا في كل شيء تقريباً». لذلك انتشر انتشاراً واسعاً، واستخدم، مثلا، لصنع مركبات دوائية جديدة لعلاج الأمراض. كما استخدم لصنع العديد من المواد المختلفة مثل البوليمرات Polymers والمواد الهلامية Gels.
أما أليسيو تشيولي Alessio Ciulli، عالم الأحياء البنائية الكيميائية في جامعة دندي University of Dundee، فقد تحدث إلى مجلة ساينس Science قائلا إن التقنيات التي طورها الثلاثي سمحت للكيميائيين بالتفكير في تفاعلات ربط الجزيئات بطريقة جديدة. طريقة يمكننا من خلالها القيام بذلك بسهولة ولطف، وبطريقة صديقة للبيئة، دون أي نفايات، حيث يكون من السهل التحكم فيها بسرعة وصرامة.
بقلم دانييل كليري
© 2022, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved