طرقٌ جديدةٌ لقياس الألم يمكن أن تساعدنا على تبيان شدة الألم فعلاً
تساعد التطوراتُ في التصوير العصبي والذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا القابلة للارتداء على التغلب على المشكلات التي نواجهُها حين نضطر إلى التعبير عن ألمنا على مقياسٍ ذاتي من 1 إلى 10
يقول حيدر واريتش Haider Warraich من مستشفى بريغهام وومان Brigham and Women’s Hospital في ماساتشوستس Massachusetts: «يتوق الألم إلى أن يُعبَّر عنه». تجعلنا الغريزةُ نصيح حين نتأذى، وغالباً ما يوصف التعبير عن الألم بأنه علاجٌ بحد ذاته – حتى أنّ الصراخ بشتيمةٍ أو اثنتين بعد صدم إصبع قدمك يبدو أنّه يخفف الألم. ومع ذلك يتخبَّط الطب الحديث حين يتعلق الأمر بتفسير ألم المرء. في كثيرٍ من الأحيان يحاول ضَغْطَ التعقيد الجسدي والعاطفي الذي يساهم في تجربة الألم في رقمٍ واحدٍ على مقياس شدة الألم.
يقول جيفري موغيل Jeffrey Mogil من جامعة مكغيل McGill University في كندا، إنّ هذا يمثل مشكلةً، لأسبابٍ ليس أقلَّها أهميةً كونُ تصنيف ألمِكَ بين 0 (لا ألم) و10 (أسوأ ما يمكن تخيله) أمراً ذاتياً في جوهره.
أحد البدائل هو اختبار الاستشعار النوعي Qualitative sensing testing، وهنا نُطبّق مُحفِّزات Stimuli ونطلب إلى الشخص تحديد متى يبدأ الشعور بها ومتى يشعر بعدم الارتياح ومتى يريد أن نتوقف. يقول موغيل إنّ هذا يسمح لك بمقارنة تجربة الشخص العامة للألم بالمتوسط، لكنه لا يخبرنا إلا بالقليل عن الألم الذي يعانيه هذا الشخص في ذاك الوقت.
خيارٌ آخر هو استبانة مكغيل للألم McGill Pain Questionnaire. نُشِرَتْ أولَ مرةٍ في العام 1975، وتقترح 78 وصفاً للألم، من “كاوٍ” إلى “مزعجٍ” و “مُعْمٍ”. يختار الشخص عدداً من الكلمات، لكلٍّ منها درجةٌ مرتبطةٌ بها يمكن حسابها. يشير الشخص أيضاً إلى أجزاء الجسم التي تؤلمه ويعطي تقديراً لشدة الألم. يقول موغيل إنّه على الرغم من كون الاستبانة ذاتيةً، فإن تقييم الشدة فيها هو الذي يشيع استخدامه أكثر من غيره.
يعتقد عديد من الباحثين أن هناك حاجةً إلى مقياسٍ أكثر موضوعيةً. إنهم يعملون على أنظمةٍ تتجاوز الإخبار الذاتي، يحاولون العثور على إشاراتٍ بيولوجيةٍ، مثل معدل النبض وأنماط النوم أو حتى نشاط الدماغ، التي يمكن أن تساعد على تحديد نوع وشدة ألم الشخص.
تقول عالمة الأعصاب من جامعة أكسفورد University of Oxford إيرين تريسي Irene Tracey إنّنا أحرزنا تقدماً. على سبيل المثال، تكشف عمليات مسح الدماغ عن اختلافٍ في الاستجابة لاثنين من مسكنات الألم – بين ترامادول Tramadol، المسكن الأفيوني Opioid، والبريغابالين Pregabalin – وهو ما لا تعكسه درجات تقييم الشخص للألم. قد تتساءل عن فائدة ذلك إذا كان الشخص الذي يتناول الدواء لا يحسّ بالفائدة. تقول تريسي إنّ هذه الرؤى تساعد على إدراك مدى مساهمة العوامل المختلفة في الشعور بالألم، والتي يمكن أن تشير كلُّها إلى علاجاتٍ مختلفةٍ، وقد شرحَتْ التجربة في مؤتمر التقدم في الألم Advances in Pain في نيويورك New York في وقتٍ سابقٍ من العام 2022.
على سبيل المثال يمكن أن يؤدي القلق Anxiety والاكتئاب Depression إلى تفاقمِ شعور الشخص بالألم، وتقليلِ فعالية المواد الأفيونية وزيادة خطورة الإصابة بالألم المزمن (انظر: لماذا يمكن أن تكون العواطف مؤلمةً جداً – وماذا يعني ذلك بالنسبة إلى مسكنات الألم). قوةُ شبكات الدعم الاجتماعي والاختلافاتُ الصغيرة في الجينات Gene تؤثر أيضاً في الكيفيةِ التي يشعرُ بها الشخص وفي التوصّلِ إلى أفضل طريقةٍ لمعالجته. إذا كان النشاط الدماغي لشخصٍ يشير إلى أنه يستجيب استجابةً جيدةً لدواءٍ مسكنٍ للألم، ومع ذلك لا يزال يشعر بالألم، فقد يكون أحدُ العناصر الأخرى هو العاملَ المهيمن الذي يؤثر في تجربته بصورةٍ عامةٍ.
يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي Artificial intelligence (اختصاراً: الذكاء AI) أيضاً على تحليل مقاييس ألمٍ متعددةٍ. تبنّتْ شركتا التكنولوجيا والابتكار IBM وبوستون ساينتيفيك Boston Scientific هذا النهج بمشروعٍ مشتركٍ بدأ بتسجيل 34 مقياساً مختلفاً من 1700 شخصٍ يعانون ألماً مزمناً. بالجمع بين خبرة بوستون ساينتيفيك في المقاييس وقوة IBM في تعلّم الآلة Machine learning، قلّص فريقٌ من الباحثين الـ 34 مقياساً إلى سبعة أنواعٍ فقط من البيانات المفيدة التي تجمع 12 مقياساً. باستخدام ساعةٍ ذكيةٍ يمكن تسجيل عديد من هذه المقاييس، وهي مزيجٌ من التقارير الذاتية عن الحالة المزاجية والصحو والنوم وما إلى ذلك، إضافةً إلى مقاييس موضوعيةٍ، مثل التحرُّك.
يستخدم المشروعُ الذكاءَ الاصطناعي لتقييم ألم الشخص والتنبؤ بكيفية تطوره، مما يسمح بتدخلاتٍ مُشخْصَنَةٍ ووقائيةٍ. لإثبات فعاليته أدخل الباحثون في تجربةٍ 76 شخصاً كانوا يستخدمون مُحَفِّزاتِ العمود الفقري لتدبير آلام أسفل الظهر أو الساق المزمنَين. في أول 30 يوماً من التجربة، اتّبع المشاركون برنامج التحفيز المُعتاد، والذي كان يعتمد على التوصيات القياسية. في الـ 30 يوماً التي تلَتْ ذلك، حلَّلَ الذكاءُ الاصطناعي مقاييسهم وقدّم توصياتٍ يوميةً بشأن برنامج التحفيز الذي يجب استخدامه. سجل المشاركون شدة آلامهم وكمية المسكنات الأفيونية المستخدمة يومياً. في نهاية التجربة أظهر 84 % من المشاركين تحسناً ملحوظاً في الألم الذي يعانونه، وفي نوعية الحياة باستخدامهم توصيات الذكاء الاصطناعي.
حالياً لا يزال هذا النهج يستخدم درجات شدة الألم المُخبَرِ عنها ذاتياً جنباً إلى جنب مع المقاييس البيولوجية. في النهاية قد لا يكون الإبقاء على عنصر الإخبار الذاتي أمراً سيئاً، شرطَ أن يظلّ مدى تعقيد الألم الذي يعانيه وتأثيره في نوعية الحياة موضِع اهتمامٍ. يقول واريتش إنّ الألم في نهاية المطاف: «ذاتي». «التجارب الذاتية هي فعلاً في صميم ما يجعلنا بشراً».
تحيزاتٌ مؤلمةٌ
إنّه واقعٌ مؤسفٌ: من المرجح أن تُتَجَاهَل تجربة المرأة للألم أكثر من تجربة الرجل. تنعكس “فجوة الألم بين الجنسين” في فترات انتظارٍ أطول في أقسام الإسعاف، وزيادة الفشل في تشخيص النوبات القلبية Heart attack وحتى في انخفاض احتمال تلقي علاجٍ للألم.
تؤدي تحيزاتٌ أخرى دوراً في تقييم الألم. يقول حيدر واريتش Haider Warraich من مستشفى بريغهام ووومان Brigham and Women’s Hospital في ماساتشوستس إنّ جاذبية الشخص ولون بشرته ولغته وحالته الاجتماعية والاقتصادية يمكن أن تؤثر جميعها في كيفية وتوقيت علاج الألم. يقول: «تؤثر كل هذه الأمور في الشخص الذي يتألم، ربما أكثر من أي مريضٍ آخر يطلب رعايةً طبيةً». يُسلِّطُ الضوءَ على دراسةٍ أمريكيةٍ شَمِلَتْ أطفالاً يعانون التهاب الزائدة الدودية Appendicitis، وهي حالةٌ مفهومةٌ فهماً جيداً وذات اختباراتٍ وعلاجٍ مباشرَين. يقول واريتش: «كنتُ أعتقد أنّه سيكون لدينا نهجٌ أرقُّ وألطفُ مع الأطفال». لكن كان احتمال أن يتلقى الأطفال السود المواد الأفيونية، وهو العلاج القياسي لتخفيف الآلام، أقل مقارنةً بالأطفال البيض.
© 2022, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC