النظر إلى الألم المزمن بوصفه مرضاً في حدِّ ذاته سيقدِّم علاجاتٍ أفضل
بدأ الأطباء ينظرون إلى الألم المزمن بوصفه حالةً مرضيةً في حد ذاته، مما سيؤدي إلى خياراتٍ علاجيةٍ جديدةٍ وأكثر فاعليةً
عندما يستمر الألم مدة ثلاثة أشهر أو أكثر، فإنّه يُصَنَّفُ ألماً مزمناً، وهي حالةٌ تؤثر في أكثر من 30 % من سكان العالم. كان يُعتقَد منذ فترةٍ طويلة أن الألم المزمن هو نسخةٌ مستعصيةٌ من الألم الحاد – الذي يزول في أقل من ثلاثة أشهر بمجرد التعافي من الضرر – وقد عولج بالطريقة نفسها تقريباً. ومع ذلك فإن مجموعةً متناميةً من الأبحاث قادت الأطباء إلى الاعتقاد بضرورة معالجة الألم المزمن بوصفه مرضاً في حد ذاته، لا عَرَضاً مستمراً لتلف الأنسجة أو الرضِّ الجسدي Trauma. قد تكون لهذا تأثيراتٌ كبيرةٌ في علاج الألم المستمر، إلى جانب تأثيراتٍ في الطريقة التي نصف بها المواد الأفيونية Opioids التي تُسبب الإدمان.
كشفَتْ أبحاثٌ حديثةٌ أن الألم المزمن يُمَثِّل مشكلةً في الدماغ لدى بعض الأشخاص. يمكن أن تؤدي الإصابة إلى ألمٍ يستمر بعد تعافي الأنسجة؛ لأن الدماغ أعاد ترتيب توصيلاته وتعلَّم إرسال إشارات الألم، على الرغم من عدم وجود سببٍ لذلك. وهو ما يُعْرَفُ باسم التحسس المركزي Central sensitisation، ويبدو الأمر كأن قدرة الإحساس بالألم ازدادتْ.
إحدى الطرق التي يبدو أن هذا يحدث بها هي معاناةُ الدماغِ الألمَ من دون تخفيفٍ فترة طويلة. يقول آلان غوردون Alan Gordon، وهو مدير مركز علم نَفْس الألم Pain Psychology Center في كاليفورنيا California: «يُفَسِّرُ الدماغُ تَلَفَ الأنسجةِ ويُطْلِقُ إشاراتِ الألم خطاً بالطريقة نفسها تماماً». «[الألم] في الحالتين واقعي ومبررٌ بالقدر نفسه».
للمساعدة على التعامل مع هذه المشكلة، طوّر غوردون علاجاً حديثاً يُسَمى إعادة معالجة الألم Pain Reprocessing Therapy (اختصاراً: العلاج PRT)، والذي يتضمن تغيير معتقدات الأشخاص عن أسباب الألم وخطر الإصابة به (انظر: أخيراً علاجات الألم الجديدة التي قد تلغي الحاجة إلى المواد الأفيونية).
هناك تفسيراتٌ أخرى للألم المزمن. في كتابه أغاني ندباتنا The Song of Our Scars، يشير حيدر واريتش Haider Warraich من مستشفى بريغهام والنساء Brigham and Women’s Hospital في ماساتشوستس Massachusetts إلى أنّ الألم المزمن لا يرتبط دائماً بالأحاسيس الجسدية، بل بمزيجٍ من الإحساس الجسدي والصدمات العاطفية والذاكرة.
يتوافق هذا مع واقع أنّ الألم المزمن يمكن أن يحدث من دون أي إصابةٍ جسديةٍ على الإطلاق. ويذكر غوردون أشخاصاً يراجعونه بشكايات ألمٍ مزمنٍ من دون أن يكون ممكناً تحديدُ أي إصابةٍ أوليةٍ.
يُعتقَد أن الألم المزمن يمكن أن ينتج حين يعاني الأشخاص ضغوطاً جسديةً أو ضغوطاً نفسيةً كذلك، والتي قد تكون نتيجة استجابة خوفٍ مفرطةٍ. يقول غوردون: «في وقتٍ ما في حياتهم، صارتْ علاقتهم بالخطر أو الخوف شديدة الحساسية». هذه الفكرة مدعومةٌ بدراساتٍ متعددةٍ تُظْهِر ارتباطاً بين الألم المزمن وأعراض اضطراب ما بعد الصدمة Post-traumatic stress disorder.
الآلياتُ المختلفةُ المسبّبة للآلام الحادة والمزمنة التي بدأتْ الأبحاث الكشفَ عنها تعني أنّه على مدار عقودٍ من الزمن، أُهمِلَ أشخاصٌ عانوا الألم المزمن أو عالجهم الاختصاصيون الطبيون علاجاً خاطئاً، والذين استمروا في وصف العلاجات المخصصة للألم الحاد، علاجات اتضح فيما بعد أنّها ببساطةٍ لا تجدي نفعاً مع الألم المستمر. يوفِّر الفهم المُحَسَّنُ للاختلافات الآن مستقبلاً أدعى إلى التفاؤل، مع علاجاتٍ لا تسبب الإدمان وتعمل على استهداف السبب الفعلي للألم.
© 2022, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC
بقلم لوسيا أوزبورن-كراولي