في بحيرة سولت ليك الكبرى، الملوحة التي بلغت أرقاماً قياسية وانخفاضُ مستوى المياه يُعرِّضان ملايين الطيور للخطر
الجفاف يحشد الجهود لإعادة تأهيل إمدادات المياه المتقلصة للبحيرة
بحيرة سولت ليك الكبرى في يوتا هي أصغر وأكثر ملوحةً من أي وقت مضى في التاريخ المسجَّل. ففي يوليو 2022 أفادت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية (USGS) أن ثالثةَ أكبر بحيرة مالحة في العالم قد انخفضت إلى أدنى مستوًى ثبت توثيقُه على الإطلاق. وفي الأسبوع الماضي قاس الباحثون أعلى تركيزات مِلح شوهدت على الإطلاق في الذراع الجنوبية للبحيرة، وهي موطن رئيس للطيور. ارتفعت الملوحة إلى 18 %، متجاوزةً الحدَّ الذي تبدأ عنده الكائنات الحية الدقيقة الأساسية طريقها إلى الموت.
هذه الاتجاهات من التدهور، مدفوعة بالجفاف وتحويل المياه، جعلت العلماءَ يحذِّرون من أن أرض تغذية حرجة لملايين الطيور المهاجرة معرضة لخطر الانهيار.
تقول عالمة الكيمياء الحيوية بوني باكستر Bonnie Baxter من كلية وستمنستر Westminster College، التي كانت توثق التغييرات المقلقة في البحيرة: «نحن نخوض في مياه مجهولة». «في أسبوع واحد اختفت الطيور من مكان نراه عادة. في الأسبوع التالي نرى الذباب الميت على طول الشاطئ. وفي كل أسبوع علينا أن نمشي مسافة أبعد للوصول إلى حافة الماء».
بعد سنوات من التقاعس عن العمل، فإن احتمال احتضار البحيرة، إضافةً إلى خطر الغبار الضار الذي ينبعث من قاع البحيرة الجاف، يحفزان صانعي السياسات إلى إيجاد طرق لإعادة المياه إلى البحيرة المتقلصة.
إن بحيرة سولت ليك الكبرى Great Salt Lake هي في الحقيقة بحيرتان، يفصل بينهما منذ العام 1959 جسر للسكك الحديدية. بمرور الوقت أصبحت الذراع الشمالية، التي يغذيها القليل من روافد المياه العذبة، أكثر ملوحةً من الذراع الجنوبية، التي تغذيها ثلاثة أنهار. تاريخياً كانت الملوحة في الذراع الشمالية تتراوح حول 32 % – مالحة جداً لدعم أكثر من الكائنات الحية الدقيقة – ونحو 14 % في الذراع الجنوبية.
على الرغم من أن الجزء الجنوبي أكثر ملوحة بنحو أربع مرات من مياه البحر، فإنه يدعم نظاماً إيكولوجيا Ecosystem نابضاً بالحياة يتميز ببلايين من روبيان الملح Brine shrimp وذباب الملح Brine flies، والتي تتغذى بالبكتيريا الزرقاء Cyanobacteria التي تقوم بالبناء (التمثيل) الضوئي والكائنات الحية الدقيقة الأخرى. الطيور، بدورها، تلتهم أعداداً هائلة من الذباب والروبيان عند وصولها إلى البحيرة لتُعشِّش، أو تغير ريشها Molt، أو تستريح في أثناء الهجرة. على سبيل المثال يحتاج الطائر المائي الغطّاس Eared grebe إلى 28,000 روبيان ملحي بالغ كل يوم للبقاء على قيد الحياة.
يقول الباحثون إن انخفاض المياه وارتفاع الملوحة يهددان بتدمير قاعدة الشبكة الغذائية هذه. لقد جفف الخط الساحلي المتراجع بالفعل عديداً من حصائر البكتيريا الزرقاء الشبيهة بالشعاب المرجانية، والمعروفة باسم الميكروبيليت Microbialites، والتي تنتشر على قاع البحيرة. وتخشى باكستر من أن المياه المالحة تهدد الآن حتى المجتمعات الميكروبية التي لا تزال مغمورة بالمياه. وتقول: «في الفحوص المخبرية، عندما تتجاوز الملوحة17%، نرى البكتيريا الزرقاء تبدأ في الموت».
وتقول باكستر إن فقدان الحصائر الميكروبية يمكن أن يضر بمجموعات ذباب الملح. إذ يضع الذباب بيضاً على سطح البحيرة، ويُنتج يرقات تسبح حتى تصل إلى الميكروبيليت، حيث تتحول إلى شرنقة Pupa قبل أن تتحول إلى كائن بالغ. وتتغذى بعض أنواع الطيور على اليرقات أو البالغات، في حين يأكل البعض الآخر الشرانقَ – التي ظهرت ميتة على شاطئ البحيرة بالبلايين خلال موسم الهجرة هذا الخريف.
وسرعان ما يمكن أن يتضاءل روبيان الملح أيضاً. إذ كتب عالمان من علماء الإيكولوجيا في الولاية أخيراً: «المخيفُ هو أنه في بعض السنوات المقبلة، ستصبح [البحيرة] مالحة جداً إلى درجة أن سكانها… سينهارون». في غضون ذلك يتحرك الباحثون لتتبع الأزمة الآخذة في التّكشُّف. فتستعين باكستر بخبير ذباب الملح لتقييم الوضع. وتتعقب مجموعاتُ الحفاظ على الطبيعة Conservation groups تجمعات الطيور الساحلية عبر الجبال الغربية. وأنشأت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية برنامجاً لرصد الهيدرولوجيا والإيكولوجيا في بحيرات مالحة أخرى في أوريغون وكاليفورنيا ونيفادا ويوتا، والتي تواجه ضغوطاً مماثلة.
يهدد انكماشُ البحيرة الناسَ وكذلك الحياة البرية. وفي تقرير ممول من الدولة للعام 2019، قدَّر عالم الغلاف الجوي كيفين بيري Kevin Perry من جامعة يوتا University of Utah أن 9 % من رواسب قاع البحيرة المكشوفة تحتوي على مستويات مرتفعة من الزرنيخ أو المعادن، ويُعتقَد أنها مشتقة من الصناعة أو معالجة مياه الصرف الصحي أو الزراعة. ومن المحتمل أن تؤدي الرياح إلى تآكل القشرة التي تُبقي الرواسب في مكانها، وتنشر الغبار على نطاق واسع. مع وجود أكثر من مليون شخص يعيشون بالقرب من البحيرة، في مدينة سولت ليك وضواحيها، فإن السيناريو الأسوأ سيكون كارثة تلوث الهواء – على غرار تلك الكارثة التي عانتها المجتمعاتُ في إيران بالقرب من بحيرات مالحة أخرى. حتى منحدراتُ التزلج الشهيرة في يوتا تتعرض للخطر بسبب الغبار. لقد وثَّق العلماء كيف تعمل العواصف بالفعل على إلقاء جزيئات قاع البحيرة على الجليد، مما يؤدي إلى تعتيمها وتسريع الذوبان.
على مدار سنوات، حث دعاةُ الحفاظ على البيئة صُناعَ السياسة على تقليل المياه التي يُلقيها المزارعون والمستخدمون الآخرون في الجداول التي تتدفق إلى البحيرة. لكن «الحكمة التقليدية كانت: إنها مجرد بحيرة مالحة – ولا مانع من سكب المياه في الجداول المؤدية إليها»، كما يقول ممثل ولاية يوتا تيم هوكس Tim Hawkes (جمهوري). «بالنسبة إلى كثيرين في ولاية يوتا، كانت البحيرة بعيدة عن الأنظار، بعيدةً عن الأذهان».
لكنْ هذا العامَ بدأ صانعو السياسات في العمل. في أبريل 2022، وقَّع حاكم ولاية يوتا سبنسر كوكس Spencer Cox سلسلة تاريخية من مشروعات القوانين التي تهدف إلى إنقاذ البحيرة ومعالجة الجفاف. وهي تتضمن قوانين جديدة تسمح للمزارعين ببيع حقوق المياه التي لا يستخدمونها للمجموعات التي تعمل على توفير المياه للبحيرة. خصصت الدولة 450 مليون دولار لمشروعات البنية التحتية للمياه والمحافظة عليها، بما في ذلك صندوق بقيمة 40 مليون دولار يمكن أن يؤمِّن المياه للبحيرة في المستقبل.
قد تستغرق هذه السياسات سنواتٍ حتى يكون لها تأثير ملحوظ، خاصة إذا استمر الجفاف الحالي. تتساءل باكستر، على سبيل المثال، «هل يكفي أي من هذا؟»، لكن مارسيل شوب، التي تترأس برنامج البحيرات المالحة لجمعية أودوبون الوطنية، تقول إنها «متفائلة، لأن هناك كثيراً من الأشخاص الذين يحاولون تطوير حلول».
في غضون ذلك قد تحصل البحيرة على علاج مؤقت من مصدر مختلف: موسم الأمطار الشتوي المقبل. إذا نتجت عنها كتلةٌ ثلجية جيدة في الجبال القريبة، فقد يساعد الجريان السطحي على إعادة ملء الجداول الجافة في المنطقة.
© 2022, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved