كيف تنمو كتل من الخلايا عديمة الشكل إلى ديدان تتلوى بنشاط
يرصد العلماء تحول الدودة -من اليرقة إلى مرحلة البلوغ - خلية تلو الأخرى
أوستن، تكساس – يبدو الرضيع حديث الولادة بشرياً بشكل لا لبس فيه، مع وجود أرجل وفم وأذنين ومؤخرة في مكانها. فلا يمكن قول الشيء نفسه عن أصغر نجوم البحر أو الديدان أو الفراشات: العديد من صغار اللافقاريات Invertebrates لا تبدو مثل البالغين منها. الآن، راقب الباحثون خلايا يرقات Larval cells إحدى هذه الديدان أثناء التحول Metamorphosis إلى مرحلة البلوغ، وتابعوا مصيرها وكيف تغيرت هوياتها. يقدم العمل، الذي تم الإبلاغ عنه في وقت سابق من يناير 2023 في الاجتماع السنوي لجمعية علم البيولوجيا التكاملية والمقارنة Society for Integrative and Comparative Biology، بعض الأدلة الأولى الواضحة حول ما يحدث أثناء هذه التغييرات الجذرية في شكل الجسم لكل خلية من خلاياه.
تقول كريستينا زاكاس Christina Zakas، عالمة البيولوجيا التطورية من جامعة ولاية كارولينا الشمالية North Carolina State University (اختصاراً: الجامعة NCSU) التي لم تشارك في هذا العمل: «لقد بدأنا بالتعرف على كيفية إنتاج اليرقة لمخطط الجسم البالغ Adult body plan». كما أن اعتماد الدراسة على تقنية متطورة لتتبع نشاط الجينات في الخلايا المفردة يعد أيضاً علامة فارقة. حتى الآن، ركزت معظم تحليلات السَّلْسَلة أحادية الخلية Single-cell sequencing على حيوانات «نموذجية» Model مدروسة جيداً مثل ذبابة الفاكهة أو الفأر أو سمك الزرد Zebrafish. ويقول غريغ روس Greg Rouse، عالِم الأحياء البحرية من معهد سكريبس لعلوم المحيطات Scripps Institution of Oceanography والذي لم يشارك في العمل: «إن تطوير [المؤلف] لهذه التكنولوجيا الجديدة للعمل على شيء لم يكن كائناً نموذجياً بل كان أمراً مذهلاً». ويقول إن العمل يمكن أن يلهم البيولوجيين الآخرين لدراسة التحول Metamorphosis المفضل لديهم على مستوى الخلايا المفردة.
تخضع اللافقاريات لعدة أنواع من التحولات من اليرقة إلى الحيوان البالغ. فتكون اليرقات فراشاتٍ من خلال عملية مفهومة جيداً تسمى التحول الكارثي Catastrophic metamorphosis، حيث تتكاثر مجموعة صغيرة من الخلايا التي كانت نائمة في اليرقة وتتنوع Diversify لتصبح بالغة، تاركة وراءها جسم اليرقة الميت. ولكن بول بومب Paul Bump، وهو الآن زميل ما بعد الدكتوراه في جامعة هارفارد Harvard University، أراد معرفة ما يحدث في الأنواع التي تفتقر إلى مثل هذه المجموعة من الخلايا.
ركز بومب، الذي كان آنذاك طالب دراسات عليا في جامعة ستانفورد Stanford University يعمل مع البيولوجي التطوري كريستوفر لوي Christopher Lowe، على الدودة سكتيسوكارديوم كاليفورنيكوم Schizocardium californicum، وهي دودة بحرية تعيش في المسطحات الطينية بكاليفورنيا. ينمو البالغ طوله 30 سنتيمترا من يرقة لا يزيد حجمها قليلا على نقطة بحجم حبة السمسم مع نقطة عين في أحد طرفيها ومجموعة من الأهداب Cilia حول جسمها. بعد عدة أشهر من بدء الحياة، في غضون 48 ساعة فقط أو نحو ذلك، تتحول اليرقة إلى دودة صغيرة مع أجزاء فم منتفخة، وجذع سميك، وجسم طويل متعرج.
لتتبع ما يحدث لخلايا اليرقة أثناء انتقالها إلى مرحلة البلوغ، سَلْسَل Sequenced بومب وزملاؤه أولاً جينوم الدودة واكتشفوا كيفية تحديد الخلايا الفردية. بعد ذلك قاسوا النشاط الجيني في الخلايا المعزولة من اليرقات في مراحل مختلفة من التحول ومن الدودة اليافعة Juvenile. باستخدام هذه النتائج، صنف خلايا اليرقات واليافعة إلى أنواع مختلفة – خلايا عصبية وخلايا عضلية وما شابه ذلك. كما وضع أيضاً علامات على الحمض النووي حتى يتمكن من رؤية مكانها، والخلية التي تحتوي عليها، عند نقاط زمنية مختلفة مع تقدم التحول.
يمكن لهذه الطريقة تحديد الخلايا التي تشكلت أثناء التحول. تقول كارولين ألبرتين Caroline Albertin، عالمة البيولوجيا التطورية من المختبر البيولوجي البحري Marine Biological Laboratory والتي لم تشارك في العمل، إن هذا البروتوكول هو «طريقة جديدة لطرح الأسئلة حول هويات الخلايا».
اعتماداً على نوع الخلية، حدث أحد الأمور الثلاثة التالية. نجت خلايا العضلات وبعض أنواع الخلايا الأخرى من التحول دون تغيير يذكر. ماتت خلايا اليرقات الأخرى، بما في ذلك عدد قليل من الخلايا العصبية، واختفت. ولكن لدهشة بومب، بدا أن العديد من الخلايا – ربما نصفها تقريباً، بما في ذلك الخلايا العصبية الأخرى وخلايا الأمعاء – تتسكع ولكنها غيرت مخزونها من الجينات النشطة، لتؤدي أدواراً مختلفة في البالغين. قال في الاجتماع: «ما الخلية، وما هي قادرة عليه، أكثر مرونة مما كنا نتوقعه سابقاً». يقول خوسيه أغيلار Jose Aguilar، عالم البيولوجيا التطورية من الجامعة NCSU الذي يأمل باستخدام تقنية الخلية الواحدة في عمله على الديدان الأخرى: «يبدو أن هناك أنواعاً مختلفة من الخلايا في مراحل نمو مختلفة».
لاحظ بومب أيضاً أدلةً على الجذور التطورية للتحول. في الوقت الذي بدأت فيه يرقة الدودة تحولها، بدأ العديد من الخلايا بإنتاج إنزيم يساعد على تنشيط جزيء يسمى هرمون اليافعين Juvenile hormone في الحشرات. يبدو أن الدودة تصنع هرموناً مرتبطاً بها، كما ذكر بومب، ويشير توقيت الإنتاج إلى أن الهرمون يؤدي دوراً في تحول الدودة. نظراً لأن هرمون اليافعين معروف بقدرته على تنظيم التحول في الحشرات، فقد يعني الاكتشاف أن بعض الآليات الجزيئية التي تتحكم في العملية قد تطورت في سلف مشترك للديدان والحشرات.
تقترح إلين سيفر Elaine Seaver، عالمة البيولوجيا التطورية من جامعة فلوريدا University of Florida، أن المزيد من الإنجازات العلمية الخارقة قد تكون وشيكة. «لقد بدأنا بتطبيق السَّلْسَلة أحادية الخلية على جميع أنواع الحيوانات. إنها أداة قوية لمعرفة المزيد عن التطور وتواريخ الحياة life histories».
© 2023, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved
بقلم إليزابيث بنيسي