كيف تتحكم في منظورك الشخصي للحياة بحيث تحصل على حياة أفضل وأسعد
القصة التي ترويها عن نفسك، أو ما يعرف الهوية السردية، لها تأثير كبير في عافيتك وقدرتك على تحقيق أهدافك الشخصية. سنخبرك بكيفية استغلالها لصالحك
يعلم الجميع العناصر اللازمة للقصة الجيدة. يبدأ البطل رحلته كشخص ذي عيوب غير أنه قريب بشكل ما من القارئ وله هدف يخصه. ويواجه البطل مشاهد متتالية وتحديات وعثرات تدفعه إلى سلك سبل جديدة في مغامرته. وفي نهاية الحكاية، ينتصر البطل ويصير شخصاً أفضل خلالها. فكر في قصة جين إير Janer Eyre، وسكاي ووكر Skywalker أو جلجامش.
تميل قلوبنا إلى هذه الحبكات في الروايات التي نقرأها، وفي الأفلام التي نراها، وألعاب الفيديو التي نلعبها. ولكن مبادئ القصة الجيدة توفر لنا أكثر بكثير من مجرد الاستمتاع. فقد أظهر بحث حديث أن السرديات التي نخبر أنفسنا بها حول حيواتنا يمكنها أن تشكل وبشكل قوي مرونتنا تجاه الضغوط النفسية؛ فالأشخاص الذين يبنون قصصاً حول الكفاح والخلاص فيما يتعلق بحياتهم يبدو أن لديهم صحة نفسية أفضل. ويمكن أن نصف ذلك بأنه أثر البطل ذي العيوب.
بل إن علماء النفس وجدوا أن حبك ذكرياتنا لتكون سردية حياة جيدة، ورؤية مستقبلنا على أنه امتداد لهذه القصة، يمكنه مساعدتنا في تحقيق طموحاتنا في تحسين أنفسنا. وإن كنت تريد طي صفحة الماضي، فإنها تساعدك على اختيار تاريخ ذي أهمية ليشكل بداية «الفصل» الجديد. وبعكس التشكيك الشائع، فإن قرارات السنة الجديدة التي تُتَّخَذُ في الأول من يناير تكون أكثر فاعلية لهذا السبب الذي ذكرنا. ومن ثم، سواء أكان هدفك ادخار الأموال، أم الدراسة للامتحانات، أم ترك التدخين، أم تحسين لياقتك، فإن هذا هو الوقت الأمثل للبدء بذلك. كل ما عليك فعله هو أن تعرف كيف تستغل قوة السردية الشخصية لتعزيز قوة إرادتك، وتحسين عافيتك لصنع نسخة أفضل منك.
البطل الأصلي في مجال علم النفس السردي، وهو مجال متسارع النمو، هو دان ماك آدامز Dan McAdams في جامعة نورث ويستيرن Northwestern University في إلينوي. فخلال دراسته تخصصه الرئيسي في الإنسانيات بالمرحلة الجامعية، دائماً ما كان مُنشدّاً إلى السرديات الكبيرة للرواة من أمثال ليو تولستوي Leo Tolstoy. وبعدها، عندما انتقل إلى دراسة علم النفس، بدأ بالتفكير في القصة التي نحكيها حول أنفسها وتساءل عمّا إذا كانت هذه حقاً هي أساس الهوية الشخصية.
في السابق، كانت نظرة علماء النفس للهوية على أنها خليط من قيم المرء ومعتقداته، وأهدافه، وأدواره الاجتماعية، مع تأكيد خاص على الطرق التي يقارن بها المرء نفسه بالآخرين. فلا يشكك ماك آدامز في أهمية هذه العناصر، ولكنه يقترح أن السردية الشخصية، المبنية على ذكريات السيرة الذاتية لدينا Autobiographical memories، تربط هذه العناصر ببعضها. إن تفكيرنا الخاص فيما يتعلق بهذه القصة هو ما يعطينا إحساساً قوياً بهويتنا، كما أنها عنصر مهم في تشكيل طريقة تفسيرنا للأحداث الحالية والمستقبلية. ويقول: «يفترض بالهوية أن تجعل حياتك متكاملة زمنياً. هي شيء موجود في عقلك يقرر مختلف الأدوار في حياتك ويحدد مكانك في العالم، وكما هي الحال مع كل قصة، فإن لها صفات، ولها خطة معينة، وبها مراحل تمر بها».
وضع ماك آدامز هذه الفكرة، والتي يطلق عليها اسم نموذج قصة الحياة للهوية life story model of identity، في ثمانينات القرن العشرين. وبعد تحليل ذكريات الناس وسؤالهم حول إحساسهم بالذات، تقترح أبحاثه أن هويات الناس مستخلصة في الواقع من قصص حياتهم بهذه الطريقة. فعلى مرِّ العقدين الماضيين، جذبت نظريته اهتماماً متزايداً من العديد من علماء النفس.
ركزت الكثير من الأبحاث المبكرة على منشأ السرديات الذاتية؛ فقد وجد ماك آدامز وآخرون أن الأطفال الصغار يميلون لئلا يروا حيواتهم على أنها قصة تتكون من أحداث مترابطة، وبدلاً من ذلك تكون ذكريات السيرة الذاتية لديهم متجزئة. وبالنسبة إلى أغلب الناس، فإنهم يبدؤون بالانخراط في «تفكير متعلق بالسيرة الذاتية» فقط في الأطفال اليافعين Adolescence وبداية مرحلة البلوغ، ويشمل ذلك إعادة تقييم معنى ذكرياتنا ووضعها في خانات مع بعضها لتشكل تركيباً أكثر ترابطاً. ويقول ماك آدامز: «العمليات المعرفية المطلوبة لخلص سردية في حياتك لا تصير متاحة حتى سنوات اليفع. ويصف ذلك على أنه الانتقال من دور «الفاعل» إلى دول «المؤلف». ونتيجة لذلك، على سبيل المثال، فإنه من غير المرجح أن يرى الطفل ذو العشر سنوات طلاق والديه على أنه نقطة تحول في حياته، في حين سيميل الطفل ذو الخمس عشرة سنة إلى ذلك.
كما أنه صار من الواضح أن التركيب الأساسي لسرديتنا الشخصية يشبه تركيب الكتاب؛ حيث إننا نرتب قصة حياتنا في فصول محددة تمثل الانتقالات المهمة في هويتنا. وتقول دورتي كيركيغارد تومسين Dorthe Kirkegaard Thomsen من جامعة آرهوس Aarhus University في الدنمارك: «تفكر في الحياة على أنها فترات زمنية: الفترة التي كنت فيها في المدرسة الابتدائية، أو الفترة التي عشت فيها في هذا البيت أو هذه المدينة، أو الفترة التي كنت فيها في هذه العلاقة».
وبتطور الأبحاث في هذا المجال، صار من الأوضح أن الأشخاص يتباينون في قدرتهم على قص سردية شخصية؛ فعن طريق تحليل الباحثين لوجهات نظر الناس حول أحداث حياتية مهمة، يستطيعون الحكم على ترابط قصصهم -إن كان لديهم تسلسل زمني واضح وعلاقة سببية واضحة بين الحدث والآخر. وتظهر أمثال هذه الدراسات أن بعض قصص الناس تمتلئ بالتفاصيل، في حين البعض الآخر أكثر إبهاماً، ولها أثر مناوئ على صحة الناس. ويميل الأشخاص ذوو السرديات الأكثر ترابطاً لأن يمتلكوا حساً أقوى بالهوية، ويشعرون بأن حياتهم لها مقدار أكبر من حيث المعنى، والاتجاه، والإحساس بالغاية. ويظهر أمثال هؤلاء الأشخاص رضاً كلياً أكبر كذلك.
كما بحث ماك آدامز وزملاؤه في العلاقة بين العافية وبعض السمات المعينة للسردية، واكتشفوا أن الوكالة (الفاعلية) Agency (أي إن كان الشخص يعتبر أنه كان يمتلك التحكم في الأحداث بماضيه) هي عامل تنبؤٍ مهم للصحة النفسية. ويقول ماك آدمز «غالباً ما يصف الأشخاص المكتئبون أو شديدو التوتر سرديات حياتهم بطريقة لا تشير إلى الوكالة (الفاعلية). ولسان حالهم يقول ”تتحكم في حياتي قوًى لا أستطيع التحكم فيها“».
قوة الخلاص
هناك موضوع جوهري آخر، وهو الخلاص، والذي يشتمل على إيجاد نوع من المعنى الإيجابي بعد الأحداث المسببة للضغط النفسي. يقول ماك آدامز «يمكن للناس التكلم حول الحصول على المعرفة أو تطوير الذات». كما تظهر أبحاثه أن هذا الأمر غالباً ما يكون مفقوداً عند المصابين بأمراض الصحة النفسية كالاكتئاب. ويقول «يخلص الناس قصصاً عن كيف أنهم أفسدوا كل شيء أو أنهم لا يمكنهم بناء علاقات إيجابية وأنه قُدِّر لهم العيش كذلك للأبد».
قد تكون مواضيع الخلاص مهمة بشكل خاص عندما نحاول التخلص من عادة سيئة أو إدمان سيئ. ففي إحدى الدراسات طُلِب إلى الأعضاء الجدد في منظمة «مدمنو الكحول المجهولون» Alcoholics Anonymous أن يصفوا مشروبهم الأخير، فأعطى البعض وصوفاً ذات حقائق مباشرة، في حين وصفه آخرون كأنه لحظة شخصية من الإدراك، والتي قادتهم إلى تغيير إيجابي في أنفسهم. فعلى سبيل المثال، وصف أحدهم استعادته لقوته بقوله: «أشعر بأن هذا الهوس قد أُخرِجَ مني مرة أخرى، وأحتاج إلى أن أتمعن في كل خطأ اقترفته في المرة الأخيرة لأجعل المحاولة أفضل هذه المرة». وكانت النتيجة أن أكثر من 80% من الأشخاص الذين رووا قصة خلاص بقوا ممتنعين عن الشرب خلال الأشهر الأربعة التي تلت، مقارنة بـ44% من الذين لم يرووا قصة كذلك.
قادت مثل هذه النتائج علماء النفس الذين يدرسون علم النفس السردي للتساؤل حول إن كان بالإمكان تعليم الأشخاص رواية قصص أفضل حول أنفسهم، قصصٍ بإمكانها جلب تطوير إيجابي للنفس.
جاءت أولى بوادر الأفكار التي تشير إلى إمكانية هذا الأمر في 2010؛ حيث طلب فريق تقوده شارون دانوف بيرغ Sharon Danoff-burg، والذي كان مقره جامعة ألباني University at Albany في نيويورك، إلى ثلاث مجموعات من المتطوعين أن يملؤوا استبانات حول صحتهم النفسية، قبل أن يقضوا 20 دقيقة في الكتابة حول ماضيهم. طُلِب إلى البعض إعطاء وصف واقعي للبيت الذي عاشوا فيه من قبل. وشُجِّع آخرون على التعبير عن أعمق أفكارهم ومشاعرهم. كما كتبت المجموعة الثالثة عن أحداث محددة، وطُلِب إليهم التركيز على عناصر سرد القصص، كخلفية الأحداث، وتفاصيل وقوع الحدث، ونتائج الحدث. وأظهرت مقالات المجموعة الثالثة تركيباً سردياً أفضل وترابطاً أفضل مقارنة بالمجموعتين الأخريين، كما أن أفراد هذه المجموعة أحسوا بتحسنات على صحتهم النفسية على مدار الشهر الذي تلا ذلك. وكتب بعض الأشخص من المجموعة التي طلب إليها التعبير عن المشاعر تلقائياً بشكل سردي أيضاً، ومن اللافت للنظر أن عافيتهم في الفترة التالية كانت أفضل كلما كان ترابط قصصهم أكبر.
تشير أبحاث جديدة إلى أنه من الممكن تحسين مهارات سرد القصص عند الصغار حديثي المشي، وهو أمر له فوائد طويلة الأمد على عافيتهم. في الوقت الحالي، تثبت العديد من الدراسات أنه يمكن تحصيل فوائد مذهلة بالمثل عن طريق مجرد كتابة سرديتك الذاتية. فعلى سبيل المثال، وجدت كيركيغارد تومسون أن ذلك بإمكانه أن يعزز من ثقتك بنفسك. في ثلاث دراسات أجريت على أكثر من 400 مشارك بالمجمل، طلبت هي وزملاؤها إلى الناس الكتابة عن أحداث محددة في الحياة قبل أن يُسألوا عن آرائهم بأنفسهم، والذي يشتمل على ثقتهم بأنفسهم. وأبلغ المشاركون عن إدراك أكثر إيجابية عن أنفسهم مقارنة بالأشخاص الذين طلب إليهم بدلاً من ذلك أن يكتبوا عن حياة شخصيات مشهورة من مثل جيمس دين James Dean. وتقول كيركيغارد تومسون: «التفكير في فصول السردية يعطيك إحساساً أقوى أن لك قيمة كشخص، كما أن عملية الكتابة تجعلك تشعر شعوراً غامراً».
الأخبار الجيدة لكل من يحاول طي صفحة الماضي في عام 2023 أن هذا الإحساس الراسخ بالقوة يمكنه تحسين انضباطك الذاتي كذلك. فقد طلب ماك آدامز، بالتعاون مع زميلين من جامعة نورث ويستيرن برادي جونز Brady Jones وميسمين ديستن Mesmin Destin، إلى متطوعين بعمر 14 و15 سنة أن يكتبوا عن فترة فشلوا فيها وأخرى نجحوا فيها. وبعدها، أُعطي نصفهم تعليمات إضافية بأن يصفوا الطرق التي حققوا فيها نجاحهم (مع التشجيع على التفكير في مفهوم الوكالة (الفاعلية)) وكيف غيرهم فشلهم للأفضل (مع التشجيع على التفكير في مفهوم الخلاص). وبعدها بثمانية أسابيع، أبلغ أعضاء هذه المجموعة إصراراً أكبر في أعمالهم المدرسية، وحصلوا على علامات أفضل.
ومع أن هذه النتائج مثيرة جداً، إلا أن كيت ماك لين Kate McLean من جامعة ويستيرن واشنطن Western Washington University في ولاية واشنطن لها بعض الملاحظات التي تدعو إلى الحذر. أول مخاوفها هو أن العديد من الناس عندما يسمعون عن قوة السردية الخلاصية، فإنهم يشعرون بأنهم مجبرون على إيجاد معنى إيجابي من وراء الأحداث الصادمة. وإن لم يستطيعوا، فإن المطاف سينتهي بهم بأن يشعروا بالذنب حيال كونهم «فشلوا» بشكل أو بآخر، وهو ما سيزيد من ضغطهم النفسي. وتقول ماك لين إن الثقافة الغربية، وبالتحديد الثقافة الأمريكية، تدفع لتوها بالناس إلى النظر إلى بارقة الأمل المختبئة خلف كل سحابة. وتقول: «يمكن لهذا الضغط أن يشكل مشكلة حقيقية».
التركيز على سردية حياتنا قد يقلل أحياناً من الجهود التي تبذل على تحسين النفس
كما تحذر ماك لين من تعزيز الثقة بالنفس، والذي يأتي من التركيز على سردية حياتنا قد يقلل أحياناً من الجهود التي تبذل على تحسين النفس. وبالتعاون مع لاورين جيننغز Lauren Jennings والتي كانت وقتها في جامعة ويسترن واشنطن، أعطت المتطوعين ملاحظة نفسية خاطئة حيث أوحت للمتطوعين أنهم متحيزون. وقد أدى ذلك بالمتطوعين إلى أن تقل ثقتهم بأنفسهم. ولكن، إن كتب المتطوعون قصة يفصلون فيها نقطة كانوا فيها بحال جيدة في حياتهم، فإنهم سرعان ما يتعافون من المشاعر غير المريحة التي نتجت وعادوا لرؤية أنفسهم على أنهم أشخاص قادرون على التحمل. تقول ماك لين: «يمكننا أن نخبر أنفسنا قصصاً من أجل ألاَّ نحتاج في التفكير بشيء غير مريح، أو أن نغير من سلوكنا».
من الواضح أن التدخلات العلاجية السردية ليست دواءً شاملاً. وعندما نواجَه بحقيقة قاسية حول أنفسنا، فإننا نميل إلى أن نبالغ في تحسين حالنا وأن نرى ذلك سبباً للتغيير، ولا نقتصر على مجرد طرح ما كنا تعلمناه. ومع ذلك، فإن إن كنت تطمح إلى تطوير ذاتك، يمكنك استخدام النتائج المتعلقة بالسردية الذاتية لإحداث آثار حسنة، والسنة الجديدة وقت مثالي للبدء.
سنة جديدة، نفس جديدة
فكر في عمل كيتي ميلكمان Katey Milkma، والتي تدرس التغيرات السلوكية في جامعة بنسلفانيا University of Pennsylvania في فيلادلفيا؛ حيث استلهمت من أبحاث علم النفس السردي، وفحصت إن كان بإمكاننا استخدام التواريخ المهمة كإشارة لبدء فصل جديد في حياتنا، وإذا كان ذلك، بدوره يحفزنا لبناء عادات أكثر صحية. فقرارات السنة الجديدة هي أكثر الأمثلة وضوحاً على هذا المبدأ فعلياً، وتشير استطلاعات الرأي إلى أن هذه العلامة الزمنية لا شك محفزة؛ فنحو ثُلث الناس يستطيعون الحفاظ على كل قراراتهم السنوية، ويلتزم نصفهم ببعض أهدافهم على الأقل خلال السنة. تشير نتائج ميلكمان إلى أن الأثر ليس مقتصراً على السنة الجديدة؛ فأمور من مثل أعياد الميلاد، أو الفصل الأكاديمي الجديد، أو الانتقال إلى منزل جديد يمكنها أيضاً أن تلهم للتغيير. في إحدى الدراسات، وجدت هي وزملاؤها أن مجرد وسم 20 مارس على أنه «بداية الربيع» عزز من تحفيز الناس على اتخاذ عادة جديدة، من مثل زيادة الذهاب للنادي الرياضي، في هذا التاريخ.
لم يفحص فريق ميلكمان إن كانت هذه النوايا قد تُرجِمت إلى أفعال، ولكن هناك دراسة ميدانية كبيرة يقودها جون بيشيرز John Beshears في مدرسة هارفارد للأعمالHarvard Business School، وقد وجدت أن هذه الاستراتيجية يمكنها أن تحدث فرقاً حقيقياً. فقد عمل الفريق مع أربع جامعات أمريكية لتوفير فرص لـ6000 موظف لأن يزيدوا مدخراتهم مع خطة تقاعد جديدة. وأُعطِي بعض المشاركين تواريخ بداية محتملة تمثل بداية جديدة، من مثل تواريخ ميلادهم، أو يوم بداية السنة، أو «أول يوم في الربيع»، في حين أُعطِي آخرون تواريخ بداية أقل أهمية، من مثل «خلال شهرين». وكانت النتيجة تماماً كما هو متوقع: زاد دفعُ الناس إلى التفكير بفصل حياة جديد من نسبة قبولهم للبرنامج.
بغض النظر عما إذا كنت تريد اتخاذ قرارت سنة جديدة معينة، فإن بدايات 2023 هي الفرصة الأمثل للتفكر في قصة حياتك، ولتفكر في مستقبلك. ربما تقرر أن تبدأ بكتابة المذكرات لمساعدتك على بناء سردية أكثر ترابطاً لماضيك كطريقة لفهم حاضرك. أو ربما يمكنك التطلع للحظات مهمة في الأشهر القادمة والتي ستسمح لك بأن تبدأ بداية جديدة فيما يتعلق بهدف مهم.
ربما لا تكون حيواتنا بالدرامية الموجودة في شخصياتنا الخيالية المفضلة، ولكننا عن طريق معرفتنا لأنفسنا على أنها البطل في مركز معاناتنا الخاصة، يمكننا جميعاً، وبالمعنى الحرفي تماماً، أن نصير مؤلفين لمصيرنا الخاص وأن نغير أنفسنا للأفضل.
كيف تبني قصة مترابطة
يقد يكون لخلق سردية مترابطة حول حياتك منافع كبيرة لعافيتك (انظر: المقال الرئيس)، ولكن الأطفال يحتاجون إلى سنوات لتطوير هذه المهارة. قضت عالمة النفس إلين ريس Elaine Reese في جامعة أوتاغو University of Otago، في نيوزيلندا، العقدين الماضيين تفحص الطرق التي يمكن أن تساعد بها محادثات الآباء مع أطفالهم حديثي المشي.
عندما يستذكر طفل صغير رحلة لمتحف التاريخ الطبيعي فإنه قد ينطق بكلمة واحدة، من مثل «عظام». ببساطة، يترك العديد من الآباء المحادثة لتنتهي عند هذه النقطة، ولكن ريس طلبت إلى المشاركين في دراستها أن يهتموا بمثل هذه التلميحات وأن يتبعوها بأسئلة مفتوحة، مشجعين أطفالهم على التوضيح أكثر عن القصة. تقول ريس: «هذا هو المفتاح لهذه الطريقة، أن تدعهم يعطون أصواتاً تمثل ذكرياتهم». ويجب على الأب أو الأم بعدها أن يؤيد إجابة الطفل، وأن يبني عليها، كدليل على اهتمامه.
وجدت ريس أن الآباء عندما أُعطوا هذه الإرشادات كانوا لا يزالون يطبقون هذه الاستراتيجيات بعدها بسنة وأن هذا حسَّن من تفاصيل ذكريات السيرة الذاتية للأطفال مقارنة بأقرانهم. ومن المدهش أن هذه الفروق بقيس مستمرة في الأطفال اليافعين؛ فعندما قابلت ريس الأطفال نفسهم على عمر 15 سنة، وجدت أنهم أفضل من الآخرين في سرد قصص مترابطة حول نقاط تحول في حياتهم يحتمل أنها صعبة السرد. تقول ريس: «كانوا قادرين على استخلاص المزيد من المعاني والمغزى من الحدث الصعب». وعلى ما يبدو، فإن ذلك ارتبط بعافية عاطفية أفضل.
© 2022, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC
بقلم دافيد روبسون