تتخذ الصين إجراءات صارمة ضد تجارة الحياة البرية. هل هذا يكفي؟
يمكن أن تمنع القواعد الأكثر صرامة تفشي الأمراض، لكن السماح لمزارع الفراء تثير القلق
لسنوات، حث العلماء ودعاة الحفاظ على البيئة الحكومة الصينية على اتخاذ إجراءات صارمة ضد التجارة المزدهرة في الحيوانات البرية التي يقولون إنها تهدد التنوع البيولوجي الغني للبلاد وتزيد من خطر انتقال مرض خطير من الحياة البرية إلى البشر. الآن، يتم الرد على بعض هذه المناشدات: في 1 مايو 2023، سيبدأ المسؤولون بتطبيق قانون حماية الحياة البرية Wildlife Protection Law المعزز الذي يوسع، إلى جانب القوانين الأخيرة الأخرى، قائمة الأنواع المحمية في الصين ويُجرِّم بيع أو استهلاك اللحوم من بعض الحيوانات بما في ذلك كلاب الراكون Raccoon dogs – المعروفة بإيوائها فيروسات يمكن أن تصيب البشر.
يرحب العديد من العلماء بالقانون الجديد الذي تمَّ تفعيله في ديسمبر 2022. فيقول جياهاي لو Jiahai Lu، عالم الأوبئة من جامعة صن يات Sun Yat-Sen University في غوانغتشو: «إنه يحظر بوضوح استهلاك وصيد وتجارة ونقل الحيوانات البرية التي تنمو وتتكاثر بشكل طبيعي في البرية». ويقول آخرون إن القيود يمكن أن تساعد على كبح تجارة لحوم الحيوانات البرية التي أدت إلى اندلاع متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد الوخيم Severe acute respiratory syndrome (اختصاراً: المتلازمة سارس SARS) في عام 2002، وربما تسببت في انتشار جائحة كوفيد-19 COVID. وفي شهر فبراير 2023، على سبيل المثال، أصدر الباحثون تحليلاً للمواد الجينية التي تم جمعها في سوق هوانان Huanan للمأكولات البحرية بالجملة في ووهان بالصين، والذي يشير إلى أن كلاب الراكون وغيرها من الحيوانات البرية التي تباع بشكل غير قانوني في السوق كانت تحمل الفيروس سارس-كوف- SARS-CoV-2.
يقول الباحثون إن القوانين الحالية تعاني أيضاً نقاطَ ضعفٍ مقلقة. فهي تسمح، على سبيل المثال، للمزارعين بتربية كلاب الراكون والثدييات الأخرى من أجل فرائها – مما أثار مخاوف من أن المزارع يمكن أن تعزز ظهور أمراض بشرية جديدة، بفعل تدفق العوامل الممرضة Pathogens بين الحيوانات المكدسة بشكل تكديسا كثيفا في المزارع ومربيها من البشر. وتقول أليس هيوز Alice Hughes، عالمة بيولوجيا الحفاظ على البيئة من جامعة هونغ كونغ University of Hong Kong: «لا يزال استمرار البيع القانوني لهذه الحيوانات يمثل خطراً حيوانياً، بغض النظر عن الغرض المقصود».
كما خففت الحكومة من القوانين التي تحكم التربية في الأَسْر للحيوانات المستخدمة في الطب الصيني التقليدي والأسمدة. ويخشى دعاة الحفاظ على البيئة من أن يتمكّن الصيادون من استخدام المزارع «لغسل» الحيوانات التي يتم صيدها بشكل غير قانوني في البرية والدفع بها إلى أسواق قانونية.
تمثل هذه التحركات أحدث تطور في جهود الصين لتنظيم تجارة الحياة البرية. في أوائل عام 2003، حظرت الحكومة مؤقتاً جميع مبيعات الحيوانات البرية بعد تفشي وباء السارس، والتي تشير الدراسات إلى انتقالها من الخفافيش إلى البشر عن طريق حيوان زباد النخيل Palm civets، وهو عماد تجارة اللحوم. لكنها خففت القيود بعد تلاشي تهديد السارس. بعد ذلك، في فبراير 2020، بعد وقت قصير من ربط كوفيد19- بسوق هوانان، حظر المسؤولون بشكل دائم استهلاك اللحوم من الأنواع البرية «للقضاء على العادة السيئة للاستهلاك العشوائي للحياة البرية، [و] بشكل فعال لمنع مخاطر الصحة العامة الرئيسية»، كما قالت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) في ذلك الوقت. وخففوا تأثير ذلك من خلال دفع تعويضات للمزارعين الذين لديهم تراخيص لتربية الحيوانات وبيعها.
في مايو 2020، حددت وزارة الزراعة والشؤون الريفية Ministry of Agriculture and Rural Affairs مدى الحظر، وأصدرت قائمة بالأنواع التي يمكن للمزارعين تربيتها بشكل قانوني للحوم والبيض والحليب. وإضافة إلى الماشية التقليدية مثل الخنازير والدجاج، فقد حددت 16 حيواناً «خاصاً» يُعتقد أنها تشكل مخاطر منخفضة على صحة الإنسان. وتشمل هذه الأنواع عدة أنواع من الغزلان، وكذلك الحيوانات غير الفطرية في الصين، مثل النعامة والإيمو.
كما وافقت الوزارة بشكل أساسي على تربية حيوانات المنك والثعالب الفضية والقطبية وكلاب الراكون من أجل الفراء ولكن ليس اللحوم. وتعد الصين بالفعل واحدة من أكبر منتجي الفراء في العالم، حيث أنتجت 27 مليون جلد حيوانات في عام 2021، وفقاً لمجموعة آكت آسيا ACTAsia، وهي مجموعة رعاية للحيوانات. هذا، ويخشى الباحثون أنه من دون إجراءات صارمة لضمان السلامة الحيوية، يمكن أن تكون مزارع الفراء في الصين بؤراً ساخنة للأمراض. إذ توفر الزراعة إمكانية انتشار الفيروس وانتشاره وانتقاله إلى البشر، كما يقول عالم الفيروسات البيطري كونراد فرولينغ Conrad Freuling من معهد فريدريش لوفلر Friedrich Loeffler Institute. إذ وجدت مجموعته البحثية، على سبيل المثال، أن كلاب الراكون يمكن أن تصاب بـالفيروس سارس-كوف-2 وتنقل الفيروس إلى حيوانات أخرى حتى «وبالكاد تظهر عليها أي علامة على إصابتها بالمرض».
ويشير آخرون إلى تفشي بالفيروس سارس-كوف-2 في مزارع المنك الأوروبية كمثال على مخاطر زراعة الفراء. في هولندا، في أوائل عام 2020، انتشر الفيروس على ما يبدو من عمال المزارع إلى حيوانات المنك، ثم قفز من مزرعة إلى أخرى، بل أصاب البشر بالعدوى. أعدَمَ المزارعون مليون منك بالغاز السام للحيلولة دون أن تكون بؤرة للفيروس. يقول فرولينغ: «بالنظر إلى العواقب كما رأينا مع كوفيد-19، يجب أن يؤخذ خطر تفشي المرض في المزارع على محْملِ الجد».
كما يقول لو أن الصين كانت قد اتخذت خطوات لتعزيز مراقبة الأمراض الحيوانية، وتطبيق ضوابط الحجر الصحي، واستخدام معدات الحماية بين عمال المزارع. ولكن بالنظر إلى حجم مزارع الحيوانات في الصين، فإنها «حتماً قنبلة موقوتة لظهور الأمراض الحيوانية المنشأ»، كما تقول سيريس كام Ceres Kam، الناشطة في الحياة البرية بوكالة التحقيقات البيئية Environmental Investigation Agency، وهي منظمة غير حكومية.
في خضمِّ هذا كله، يقول دعاة الحفاظ على البيئة، إن تسهيل تربية الحيوانات المستخدمة في الطب الصيني التقليدي على المزارعين يمكن أن يعرض البنغولين والثعابين والحيوانات الأخرى المهددة بالانقراض إلى خطر أكبر. فأحد مصادر القلق الرئيسية هو أن المزارعين «سيستخدمون الحيوانات البرية التي يتم صيدها لزيادة أعداد الحيوانات المُستزْرَعة»، كما يقول باحث صيني في الحياة البرية، والذي تحدث دون الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع. ويقول الباحث الصيني إن التغيير هو «الجزء الأكثر تعرضاً للانتقاد في هذا القانون المُعدّل».
بقلم: دينيس نورمايل
ترجمة: Google Translate
تنقيح: فريق تحرير مجلة العلوم
المصادر العلمية:
doi: 10.1126/science.adi0279
نبذة عن الكاتب:
دينيس نورميل Dennis Normile مراسل مقيم في شنغهاي، الصين.
حقوق المقالة:
©2023, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved