كيف ستغير بوتات الدردشة بالذكاء الاصطناعي المدمجة في محركات البحث الإنترنتَ بالكامل
قد تؤدي تحركات غوغل ومايكروسوفت وبايدو لدمج بوتات الدردشة المزودة بالذكاء الاصطناعي في محركات البحث الخاصة بهم إلى مزايا كبيرة، ولكنها قد تضر بالعديد من الصناعات وتغيير الطريقة التي نتفاعل بها مع الويب
كان تقدُّمُ نمذجات الذكاء الاصطناعي modles Artificial intelligence خلال السنوات القليلة الماضية أسرع مما توقعه أي شخص تقريباً. فقد تركت بعض التطورات المجتمعَ في حالة تأهب لكيفية التكيف معها. إذ يكافح المعلمون لمنع الطلبة من استخدام بوتات المحادثة لكتابة مقالاتهم، ويزعم الفنانون أنهم يخسرون العمل المدفوع الأجر بسبب الرسومات المولًّدة بالذكاء الاصطناعي، وتجري بعض الجهود في بعض الأماكن لاستبدال الصحفيين بنمذجات لغوية معقدة. ولكن التغييرات الأكبر تجري على قدم وساق.
أعلنت كل من غوغل Google ومايكروسوفت Microsoft وبايدو Baidu، التي تدير محركات البحث الثلاثة الأكثر استخداماً في العالم، أنه ستتم ترقية خدماتها، أو على الأقل تعزيزها، باستخدام بوتات الدردشة القائمة على الذكاء الاصطناعي AI chatbots. وبدلاً من إدخال استعلام بسيط والحصول على قائمة بالمواقع ذات الصلة المحتملة، سيتمكن المستخدمون بدلاً من ذلك من طرح أسئلة متخصصة ومُفصَّلة والحصول على إجابة مُخصَّصة.
يبدو أنه تغيير بسيط، لكن التداعيات قد تكون أكبر بكثير بل أكثر جوهرية مما قد تبدو للوهلة الأولى، بما في ذلك الإضرار بالتجارة عبر الإنترنت، وجعل المزيد من الخدمات تعتمد على الاشتراكات المدفوعة، وتهديد مجالات مثل الفن والصحافة، وستهز صناعة الإعلان عبر الإنترنت.
الفوائد المحتملة لبوت محادثة يعمل بالذكاء الاصطناعي، فيجيب عن استفسارات البحث، هي بالتأكيد فوائد كبيرة. هل تريد إرشادات لكيفية إصلاح إطار دراجة مثقوب؟ نعم يحقق لك ذلك. هل تريده أن يكتب قطعة سوناتا شعرية بأسلوب شكسبير؟ لا مشكلة. بل يمكنك أن تطلب إليه التخطيط لقضاء عطلة تراعي أهواء وأذواق كل فرد من أفراد أسرتك، أو حتى كتابة خطاب طلب لوظيفة جديدة. ليس من الضروري أن تكون الإجابة موجودة بالكامل في أي مكان على الإنترنت، لكن الذكاء الاصطناعي قادر على صياغة الاستجابة المناسبة لسؤالك.
يقول ريتام غاندي Ritam Gandhi، من وكالة الوسائط الرقمية استيديو غرافين Studio Graphene، إن محركات البحث التي تعمل بالذكاء الاصطناعي يمكن أن تكون تحويلية للمستخدمين، مما يزيد من الكفاءة والإنتاجية – إذا تمكّنا من حل المشكلات التي تواجهها أنظمة الذكاء الاصطناعي في بعض الأحيان بدقة.
قد تكون الزيارات السريعة، التي تبدأ وتنتهي عند محرك بحث، بشرى سارة للكثيرين، ولكنه خبر أفضل بكثير لشركات التكنولوجيا التي تدير هذه البرامج. وستتمكن محركات بحث غوغل وبايدو ومايكروسوفت بينغ Bing من تقليل مقدار إعادة توجيه الأشخاص إلى مواقع الويب الأخرى، وبدلاً من ذلك الحفاظ على تفاعلهم على مواقعهم نفسها، حيث يمكن عرض الإعلانات عليهم وتحقيق المزيد من الدخل منها.
هذا النقص في الحركة عبر الإنترنت هو لبّ المشكلة الكبيرة. فسيستبدل بحر الإجابات المتنوعة ووجهات النظر المتعارضة التي نراها أثناء استعراضنا لقائمة نتائج البحث بمخرجات من كيان واحد.
تقول كاريسا فيليز Carissa Véliz ، من جامعة أكسفورد University of Oxford، إن مثل هذه المركزية تخاطر بإنشاء إنترنت حيث «قد تكون غرف الصدى أصغر وأكثر صلابة». قد يعني هذا أن الناس ستتلقى بشكل أساسي الآراء والمعلومات التي تعزز وجهات نظرهم الخاصة، بدلاً من التعرض لآراء متباينة من المجتمعات الأخرى.
ونظراً لأن هذا الذكاء الاصطناعي الفردي ستتحكم فيه شركة تعتمد على الأرباح، فهناك خطر أيضاً من أن ردودها قد تكون مصممة لخدمة محتوى معين، كما تقول فيليز.
وتتابع فيليز قائلة: «يقلقني أنهم قد يحصلون على دخل مالي من ناشري الإعلانات الذين يؤثرون بدورهم في ناتج الذكاء الاصطناعي… وقد ينتهي الأمر بالذكاء الاصطناعي إلى التوصية بالعلامات التجارية التي تدفع فواتيره».
سبق أن غرّم منظمو الاتحاد الأوروبي غوغلَ ببلايين اليوروات لإعطاء الأولوية لخدماتها التسويقية
إنشاء المحتوى الفوري
هذه النتائج ليست غير مسبوقة. فقد سبق أن غرّم منظمو الاتحاد الأوروبي غوغلَ ببلايين اليوروات لإعطاء الأولوية لخدماتها التسويقية مقارنة بالخدمات الأخرى. وعلى الرغم من أن طريقة عمل نمذجات الذكاء الاصطناعي غامضة، إلا أن الشركات التي تقف وراءها لا يزال بإمكانها التوجيه أو التأثير في الإنتاج أو اللغة المستخدمة.
سيكون نموذج الذكاء الاصطناعي أيضاً قادراً على تقديم محتوى تم إنشاؤه على الفور، مثل قصة قصيرة عن كلبك الأليف للترفيه عن طفلك. يقول مارك لي Mark Lee، من جامعة برمنغهام University of Birmingham بالمملكة المتحدة، إن القيام بذلك بدلاً من الغوص في الثروة المتنوعة للكتابة والصور ومقاطع الفيديو والفنون التي يولدها الإنسان على الإنترنت قد يؤدي إلى تجانس الثقافة نفسها.
إنه يتخيل وقتاً تتم فيه كتابة منشورات المدونات Blog posts للأشخاص والمؤسسات البارزين تلقائياً بواسطة الذكاء الاصطناعي نفسه، وستكون هناك صور وأعمال فنية تولدها الشبكة العصبية Neural-network بناء على مجموعة من الإعدادات الخاصة والتجارية، وسيتم ذلك بسرعة وبتكلفة زهيدة عن طريق إدخال نص بسيط. سيكون هذا الفن المصطنع جيداً بما يكفي ليبدو مقنعاً للوهلة الأولى، لكنه سيكون مُفرَغا من الإبداع الحقيقي، كما يقول.
ويتابع لي قالا: «إذا كنت تعتقد أن موسيقي البانك Punk كان حدثاً ثقافياً عفوياً، فمن غير المحتمل أن يتكرر مع الذكاء الاصطناعي… أعتقد أن شيئاً واحداً لا يستطيع الذكاء الاصطناعي فعله هو شرح المعنى أو القصة وراء فنه، لذلك ربما يمكنه توليد لوحة غرنيكا Guernica ولكن لن يكون قادرا على وضعها في سياقها من حيث رسّامها بيكاسو Picasso ورد فعله على الحرب الأهلية الإسبانية».
لقد وصلنا إلى مرحلة تكون فيها بوتات الدردشة بالذكاء الاصطناعي مثيرة للإعجاب من الناحية الفنية، ولكنها ليست موثوقاً بها تماماً من الناحية الواقعية. فهذا النقص في الدقة يمثل مشكلة أخرى محتملة. تُخرج نمذجات اللغة – مثل بوت المحادثة تشات جي بي تي ChatGPT من أوبن أي آي OpenAI، والتي تدمجها مايكروسوفت في بينغ – بشكل أساسي سلسلة من الكلمات بناءً على الاحتمال الإحصائي لظهورها معاً في العالم الحقيقي. ومع ذلك، هذا يختلف عن تقييم الدقة أو الموضوعية.
أخطاء بارزة في الذكاء الاصطناعي
انخرط كل من موقع بز فيد BuzzFeed ومجلة سبورتس إلستريتر Sports Illustrated وسي نت CNET مؤخراً في استخدام الذكاء الاصطناعي لكتابة مقالات لها، على الرغم من أن سبورتس إلستريتر سرعان ما تراجعت عن الفكرة بعد العثور على مخرجات مليئة بالأخطاء.
بدأت محركات البحث التي تعمل بالذكاء الاصطناعي أيضاً بداية صعبة. فقد أطلقت غوغل إعلاناً عن نمذجة بارد للذكاء الاصطناعي Bard AI model الخاص بها ادعت فيه خطأً أن تلسكوب جيمس ويب الفضائي James Webb Space Telescope التقط الصور الأولى لكوكب نجمي Exoplanet. وتمخض عرض لبينغ – من قبل مايكروسفت – عن أخطاء مماثلة. فلم تستجب غوغل هذا وبايدو ومايكروسوفت لطلب التعليق على هذه المقالة. وقد تكون النتائج غير الصحيحة أكثر من مجرد إزعاج إذا كنت تبحث عن وصفة، ولكنها قد تكون مهددة للحياة إذا كنت تبحث عن نصيحة طبية في حالة الطوارئ.
وبغض النظر عن الأخطاء، فإن تغيير طريقة عمل البحث يمكن أن يغير الإنترنت بشكل أساسي. تبحث محركات البحث مثل غوغل عبر الويب، وتتبع الروابط من صفحة إلى أخرى، وتنشئ قاعدة بيانات واسعة من المعلومات عنها: ما تحتوي عليه، وعدد المواقع الأخرى التي ترتبط بها، ومن ثم مدى تأثيرها وجدارتها بالثقة. وتُستخدم هذه المعلومات لتخصيص النتائج وتقديم المعلومات الأكثر صلة بالشخص الذي يبحث عن موضوع معين.
عندما يغادر الأشخاص محرك البحث لزيارة أحد تلك المواقع المقترحة، فإن هذا الموقع يستقبل القراء وغالباً ما يحصل على عائدات إعلانية بناءً على عدد الزوار. بمجرد أن تقدم محركات البحث المزيد من نتائج الذكاء الاصطناعي، فإن تدفق حركة المرور هذا سيجف لأن الناس لن يحتاجوا إلى مغادرة موقع محرك البحث. إذا قررت غوغل إضافة توصيات الذكاء الاصطناعي إلى السلع أو الخدمات، فمن المحتمل أن ينخفض عدد العملاء على مواقع التسوق غير الموصى بها بين عشية وضحاها.
من المرجح أن تعاني الصحافة على الإنترنت أيضاً، على سبيل المثال. كيف يمكن للصحف أو المجلات أن تمول نفسها إذا تراجعت حركة الإنترنت – مثل مبيعات المطبوعات الورقية قبل ذلك؟
يقول تشارلي بيكيت Charlie Beckett، من كلية لندن للاقتصاد London School of Economics، إن الذكاء الاصطناعي سيسمح لبعض الناشرين بأتمتة الكثير من الصحافة، مما قد يؤدي إلى تسريح الناس من العمل. يقول: «الناس بحاجة إلى الصحافة، لكنهم لا يحتاجون إلى صحفيين».
غير أن بيكيت يقول إنه على الرغم من ذلك سيظل هناك سوق للتحليل الثاقب عبر الإنترنت لا يمكن للذكاء الاصطناعي توفيره، حتى ولو كانت الصحافة الإخبارية المباشرة مكتوبة بواسطة الذكاء الاصطناعي. لكن من المرجح أن يؤدي انخفاض عدد الأشخاص الذين يصلون من محركات البحث إلى المواقع إلى أن تتبنى الشركات نماذج الاشتراك مع القُرّاء المخلصين، وذلك بدلاً من البحث عن عائدات الإعلانات التي تأتي مع النقرات، كما يقول.
ويستطرد بيكيت: «يقول المتفائل بداخلي، في هذا العالم الجديد، ستكون هناك قيمة إضافية للإنسان والإبداع الحاسم والمستقل والحزبي والشخصية البشرية».
تضعضع الإعلان
لن يؤثر انخفاض حركة مرور الإنترنت في المواقع التي تتم زيارتها بشكل أقل فحسب. إذ يقول غاندي إن محركات البحث نفسها ستفقد أيضاً عائدات الإعلانات إذا لم تعد ترسل حركة المرور من خلال مواقع ويب تابعة للجهات الأخرى.
يقول غاندي: «نموذج الإعلان بكامله سيتضعضع حقاً». وهذا يعني أن نمذجات الاشتراك في محركات البحث محتملة أيضاً، وسيغير كيفية جني المواقع من جميع الأنواع للأموال، كما يقول.
سيتعين على المتاجر والشركات الأخرى الابتكار لتجنب الانقطاع والخروج من الدائرة، كما يقول غاندي، وسيكون البريد الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي أكثر أهمية في زيادة المبيعات.
قد تكون هناك حاجة إلى تشريعات من المنظمين للمساعدة على إعادة التوازن، لتغيير الطريقة التي يمكن لأصحاب المحتوى – سواء كان فناً أم نصاً أم صوتياً – والبيانات الشخصية الاحتفاظ بحقوقهم الفكرية، وتعديل القدرة على الاستفادة منها في عالم حيث يقول إن الذكاء الاصطناعي يستخدم هذه البيانات للتدريب والتعلم.
«هناك مجموعة ضخمة من الأسئلة المتعلقة بالعلامات التجارية والملكية الفكرية التي يجب الإجابة عنها. أعتقد أننا متأخرون جداً فيما يتعلق بتنظيم الذكاء الاصطناعي وقانونه، وأعتقد أنه سيكون التحدي الأكبر أمامنا والأكثر إعاقة للتقدم. لأن وضع كل هذه اللوائح يستغرق سنوات عديدة»، كما يقول غاندي.
توضح الأخطاء العامة الأخيرة التي ارتكبتها أنظمة الذكاء الاصطناعي أنه من غير المرجح أن يستخدم معظم الأشخاص بوتات محادثة الذكاء الاصطناعي في عمليات بحثهم على المدى القصير، كما يقول غاري ماركوس Gary Marcus من جامعة نيويورك New York University. ولكن علينا بالتأكيد الاستعداد لوصولها على نطاق واسع.
«إن مخاطر الحقيقة والثقة هي مخاطر هائلة. وقلة من الناس يولون اهتماماً جاداً كافياً بها. إن الديمقراطية نفسها مهددة بشدة… البحث بأسلوب الدردشة، إذا نجح، يمكن أن يضر أو يقتل المنظمات إذا لم يكن مرتبطاً بها».
بقلم ماثيو سباركس
© 2023, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC