لمَ يبدو أن بعض الأشخاص يتمتعون بجهازٍ مناعي قوي بصورةٍ طبيعيةٍ؟
كلّ واحدٍ منا يعرف شخصاً يبدو أنّه لا يمرض أبداً. يكتشف العلماء الآن ما الذي يجعل الأجهزة المناعية لدى بعض الأشخاص أقوى من غيرهم
كلنا نعرف ذلك الشخص. الشخص الذي نادراً ما يمرض. أبرزَتْ جائحةُ Pandemic كوفيد-19 أنه حين يتعلق الأمر بالإصابة بالفيروسات Virus والبكتيريا Bacteria، فإننا لسنا جميعاً سواسيةً: إذ قد يقاوم بعض الأشخاص الإصابة بالكائنات الممرضة Pathogen حتى بعد التعرض الغزير لها. معرفة السبب يمكن أن يساعد على إبقاء بقيتنا في صحةٍ أفضل.
قد يقاوم شخصٌ ما مرضاً لأنه تعرّض مؤخراً للكائنات الممرضة التي تسببه، وجسمه يعرفُ كيف يحاربه. لم يكن هذا هو الحال بالنسبة إلى كوفيد-19 لأنّه لم يتعرض أحدٌ لفيروس كورونا الذي سبّبَه قبل نهاية عام 2019. لكن يبدو أنّ للبعض مقاومةً له، بفضل إصاباتٍ سابقةٍ بفيروساتٍ أخرى مشابهةٍ – فهناك على الأقل أربعة فيروسات كورونا تُسبب نزلات البرد العادية. في عام 2021، تبين وجود «عدوى مُجهَضة» لدى عددٍ صغيرٍ من مقدمي الرعاية الصحية الذين لم يكن اختبار تحري كوفيد-19 إيجابياً قطُّ لديهم على الرغم من تعرضهم الغزيز له، وفي هذه الحالة يُسْتَنْسَخُ الفيروس لفترةٍ وجيزةٍ داخل الأنف والمجرى الهوائي قبل القضاء عليه. وجِد أن أجهزتهم المناعية تتفاعل مع إنزيمٍ Enzyme يستخدمه الفيروس المُسَبِبُ لكوفيد-19 ومع فيروسات كورونا المُسببة لنزلة البرد.
قد يتمتع الأشخاص بمقاومةٍ للعدوى بفضل تركيبتهم الجينية. وبالنسبة إلى كوفيد-19، استُقصيتْ علاقة التركيبة الجينية مع خطر وفاة الأشخاص أو احتياجهم إلى دعمٍ تنفسي بسبب العدوى. ففي وقتٍ سابقٍ هذا العام، وجد جوناثان كوبر نوك Johnathan Cooper-Knock من جامعة شِفيلد University of Sheffield في المملكة المتحدة وزملاؤه أكثر من 1,300 متغيرٍ جيني Genetic variant مسؤولٍ عن رفع أو خفض خطر إصابة الفرد بكوفيد-19 الشديد. أثّرتْ معظم المتغيراتِ في نوعين من الخلايا المناعية: الخلايا التائية T-cell والخلايا القاتلة الطبيعية Natural killer cell. يقول كوبر نوك إنّ المتغيرات الجينية نفسَها قد تُفسر لمَ لا يُصاب بعض الأشخاص بالعدوى على الإطلاق. لكنّه يقول إنّه بعد أنْ لُقّحَ الآن معظم الأشخاص ضدّ كوفيد-19، فإن العوامل التي تؤثر في مدى استجابة الأشخاص لتلك اللقاحات قد تكون أكبر أهميةً.
تغيّر جيني
قد تشارك جيناتٌ أخرى في قابليتنا للتأثر بالكائنات الممرضة المختلفة. لدى 1 من كل 100 شخصٍ من أصل أوروبي متغيرٌ جيني يجعل من غير المحتمل أن يُصاب بفيروس عوز المناعة البشري HIV، وهذا المتغير يؤثر أيضاً في الخلايا التائية. فهناك متغيرٌ جيني آخر يؤثر في نوعٍ مختلفٍ من الخلايا المناعية تُسمى الماكروفاجات (البلاعم/البالعات) Macrophage قد يغير احتمال الإصابة بالسلّ Tuberculosis، وذلك بحسب دراسةٍ أُجريت على عينةٍ متنوعةٍ عرقياً من الأمريكيين.
بالنظر إلى فوائد الجينات المعززة للمناعة، لمَ لا توجد في الجميع؟ السبب هو أن العديد من المتغيرات الجينية يمكن أن تكون لها تأثيراتٌ مفيدةٌ وضارةٌ. فعلى سبيل المثال، صار أحد المتغيرات الجينية أكثر شيوعاً بين السكان البريطانيين في العصور الوسطى، ربما لأنّه عزز الاستجابة المناعية للبكتيريا التي تَسَبَبَتْ في الموت الأسود Black Death. لكن في العام الماضي، اكْتُشِفَ أن هذا المتغير شائعٌ الآن في الأشخاص المصابين بداء كرون Crohn’s disease. فكما هي الحال مع أمراض المناعة الذاتية الأخرى، سببه هو مهاجمةُ الجهاز المناعي خلايا الجسم خطاً – في هذه الحالة، خلايا الجسم المبطنة للأمعاء.
هذا تنبهٌ لنا، فمع أنّه قد يبدو من الجيد محاولة زيادة قوة الجهاز المناعي، إلا أنّ التوازن هو المهم فعلاً حين يتعلق الأمر بتوفير أكبر قدرٍ من الحماية الشاملة.
بقلم كلير ويسلون
© 2023, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC