الذكاء الاصطناعي المناعي الذي سيغير فهمنا لصحة الإنسان
أنظمة المناعة الاصطناعية هي خوارزمياتٌ ذكيةٌ تعتمد على الكيفية التي يتعلّم بها الجهاز المناعي ويتذكر، ويمكنها إحداث تحويلٍ في قدرتنا على حماية أنفسنا من الغزاة البيولوجيين والتكنولوجيين
من أهم سمات الجهاز المناعي قدرته على التعلّم والتذكر، وهو نوعٌ من الذكاء البيولوجي لا يُضَارِعُه إلّا الدماغ. ومثل الدماغ تماماً، يحاول الباحثون استنساخ هذا الذكاء بصورةٍ اصطناعيةٍ بإنشاء ذكاءٍ اصطناعي Artificial Intelligence (اختصاراً: الذكاء الاصطناعي AI) يُسمى الذكاء المناعي الاصطناعي Artificial Immunological Intelligence (اختصاراً: الذكاء AII) والذي سيُحَسِّنُ فهمنا لجهاز المناعة وسيكون من الممكن استخدامه في الحوسبة لمنع الغزاة المؤذيين من إلحاق الضرر في مجال الحوسبة أيضاً.
يتجسد ذكاء الدماغ في اتصالاتٍ ثابتةٍ بين العصبونات (الخلايا العصبية) Neuron، في حين يعتمد الجهاز المناعي على التفاعلات العابرة بين الخلايا المناعية المتنقلة. ومع ذلك، فإن المبدأ هو ذاته، ويمكن استنساخ كليهما في برنامجٍ حاسوبي.
في الأعوام القليلة الماضية، كان يوهانيس تيكستور Johannes Textor من جامعة رادبود Radboud University في هولندا وزملاؤُه يبنون ذكاء AII في شكل مجموعاتٍ من الخلايا التائية T-cell باستخدام المُحاكَاة الحاسوبية. وتتمتع كل خليةٍ مناعيةٍ مُحَاكَاةٍ بخصائص فريدةٍ وتتعلم تعلّماً جماعياً بالتعزيز، فالخلايا المُحَاكاة التي تقدّم مساهمةً إيجابيةً في القضاء على الكائنات الممرضة Pathogen تتكاثرُ، وتلك التي لا تقدّم مساهمةً تموتُ.
حالياً، يساعدُ الذكاء AII علماءَ المناعة على إحراز تقدمٍ في بعض المشكلات القديمة. فعلى سبيل المثال، بنى تيكستور وزميلته إنغا فورتِل Inge Wortel ذكاءَ AII لاختبار فكرةٍ قائمةٍ منذ وقتٍ طويلٍ في علم المناعة تشرح كيفية تعلّم الخلايا التائية ما هو التهديد.
تحتوي الخلايا التائية الواقعية على مُسْتَقْبِلَاتٍ سطحيةٍ تتعرّفُ إلى بروتيناتٍ أو أجزاء بروتيناتٍ تُسمى الببتيدات Peptide، والتي تظهر على سطح أنواع الخلايا الأخرى. عادةً ما تكون هذه الببتيدات نواتج تحلّلِ البروتينات القديمة المُتَعَطِلَة داخل الخلية، والتي تُنْقَلُ إلى السطح وتُعرَضُ على الخلايا التائية لفحصها. إذا اعتبرَتْ الخلايا التائية أنّ الببتيداتِ «ذاتيةٌ»، فإنها تدع الخليةَ وشأنها. ولكن إذا كانت الخلية تصنع ببتيداتٍ غير ذاتيةٍ، بسبب إصابتها بفيروسٍ أو لأنها سرطانيةٌ، فإنّ الخلايا التائية تهاجمُها.
أحد أهم الدروس التي يجب أن تتعلمها مجموعة الخلايا التائية هو كيفية التمييز بين الذات والغير كي تتجنب شن هجمات مناعةٍ ذاتيةٍ. والطريقة القياسيّة التي يجري تدريب الخلايا بها هي إرسال الخلايا التائية اليافعة، التي تُسمى الخلايا التيموسية Thymocyte، إلى التيموس Thymus لتخضع لاختبارٍ لولائها. بعد تقديم جميع الببتيدات الذاتية الممكنة، يُقْضى على أي خليةٍ تهاجُمها.
وعلى الرغم من ذلك، هناك مشكلات. ويبلغ عدد الببتيدات الذاتية في الإنسان نحو مليون، أمّا العددُ الذي يُقَدّرُ أنّ الخلايا التيموسية يمكن أن تواجهها أثناء إقامتها الممتدة ليومين أو ثلاثة أيام في التيموس أقل بكثيرٍ. وقد صار واضحاً أن قسماً من الخلايا التائية المتمردة تهرب من الاختبار.
أحد التفسيرات المحتملة هو أن هذه كلها عمليةُ تعلّمٍ، إذ تواجه الخلايا التيموسيّة مجموعةً فرعيةً من الببتيدات الذاتية، ثم يُعَمِّمُ النظامُ انطلاقاً منها. لذا، صمّم تيكستور ذكاء AII للعملية وأظهر أنّه يمكن للخلايا التائية في ظل الظروف المناسبة أن تُعَمِمَ انطلاقاً من مجموعةٍ فرعيةٍ من الببتيدات الذاتية، ثمّ تستجيب لاحقاً بقوةٍ أكبر بكثيرٍ للببتيدات غير الذاتية، كتلك من فيروس الإيبولا Ebola وفيروس عوز المناعة البشرية HIV وغيرهما من الكائنات الممرضة.
مع أن استخدام الذكاء AII ما زال في مهده، إلّا أنّ استخداماته تتجاوز تحسين فهمنا للجهاز المناعي. يقول تيكستور إنّه يمكنه رؤية تطبيقاتٍ في مجالٍ يُسمى المعلومات التعارضية Adversarial information، إذ يجري التلاعب تلاعباً ضاراً بجزءٍ من مجموعة بياناتٍ، مثل نتائج محرك البحث، ويصير واجباً التخلص منه. ويقول إنّ الذكاء الاصطناعي التقليدي يواجه مشقةً في هذا الأمر، لكن من المحتمل أن ينجح الذكاء AII في التعامل معه، فهو يعتمد في نهاية المطاف على نظامٍ تطوّر لاكتشاف الدخلاء والقضاء عليهم.
بقلم غرايام لاوتون
© 2023, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.