جهاز ليزر أشعة سينية مضغوط سيقلص الحجم الذي تحتاج إليه آلات قيمتها بليون دولار إلى حجم غرفة
يمكن لنبضات الجهاز فائقة القصر التقاط حركة الجزيئات الفردية
في عام 2009، عندما افتتح أول ليزر الإلكترون الحر للأشعة السينية X-ray free-electron laser (اختصارا: الليزر XFEL) في سلاك مختبر المسرع الوطني SLAC National Accelerator Laboratory بكاليفورنيا، قدم طريقة جديدة للنظر إلى عالم المقاييس الذرية، وكشف تفاصيل عمليات كيميائية حيوية مثل البناء (التمثيل) الضوئي Photosynthesis والمواد الغرائبية مثل المُوصِّلات الفائقة Superconductors. ولكن منذ ذلك الحين، لم يُبنَ سوى أربعة مرافق أخرى من هذا النوع -تبلغ تكلفة الواحدة منها بليون دولار- في معظم أنحاء العالم، ومن الصعب حجز الوقت لاستخدامها.
الآن، تخطط مجموعة من الباحثين في جامعة ولاية أريزونا Arizona State University (اختصارا: الجامعة ASU)، تيمبي، لبناء نوع جديد من ليزر الإلكترون الحر، أصغر وأرخص بكثير من أي مما مضى. فهذا الشهر، أعلنت الجامعة ASU أنها ستطلق مشروع كومباكت ليزر إلكترون حر للأشعة السينية Compact X-ray Free Electron Laser (اختصارا: الليزر CXFEL) بقيمة 170 مليون دولار بعد أن تلقت منحة قدرها 91 مليون دولار من المؤسسة الوطنية للعلوم National Science Foundation. يمكن أن يضع التصميم مثل الآلات في متناول مختبرات جامعات ويزيد من فرص الوصول إليها.
يقول كلاوديو بيليغريني Claudio Pellegrini، الفيزيائي في سلاك الذي اقترح لأول مرة الليزر XFEL في عام 1992: «إنها فكرة رائعة. إذ يرغب الجميع في إنشاء نظام أصغر حجما».
الليزرات XFELs هي مجسات ممتازة للعالم الذري لأن الأشعة السينية ذات الطول الموجي القصير يمكنها تمييز التفاصيل التي قد تكون غير مرئية للضوء ذي الطول الموجي الأطول. إضافة إلى ذلك، تعمل نبضات الأشعة السينية القصيرة -فيمتوثانية- ككاميرا عالية السرعة، مما يساعد الباحثين على التقاط عمليات فائقة السرعة مثل حركة الإلكترونات والذرات.
للوصول إلى مثل هذه الدقة المكانية والزمنية الفائقة، يتطلب الليزر XFEL القياسي مُسرِّعاً خطيّاً Linear accelerator بطول كيلومتر. إنه يعزز الإلكترونات حتى طاقات تصل إلى 10 غيغا إلكترون فولت (GeV)، أو 99.9999995% من سرعة الضوء. بعد ذلك، تمر الإلكترونات من خلال «المُموِّجات» Undulators – وهي سلسلة من المغناطيسات مرتبة في قطبية متناوبة. وتصدر الإلكترونات أشعة سينية أثناء اهتزازها عبر المجالات المغناطيسية. فالتفاعلات بين الضوء والإلكترونات تجعل الإلكترونات تتجمعُ وتشعُّ في تناغم مثل الليزر.
يخطط فريق جامعة ولاية أريزونا لاستبدال المموجات المغناطيسية Magnetic undulators الضخمة بأشعة ليزر يتم تسليطها مباشرة على القطار القادم من الإلكترونات. الليزر، مثل كل الانبعاثات الكهرومغناطيسية، له مجال مغناطيسي مرتبط به، كما يقول بيل غريفز Bill Graves، عالم الفيزياء من الجامعة ASU وكبير علماء الليزر CXFEL: «عندما تواجه الإلكترونات الليزر، فإنها ستهتز تماماً كما تفعل في التموج». ولكن عندما تتبدل قطبية المجالات المتموجة عبر بضعة سنتيمترات، فإن مجال الليزر يتأرجح مع الطول الموجي للضوء – 1 ميكرومتر فقط.
هذا المُموِّج فائق التردد Ultrahigh-frequency undulator يعني أنه يمكن جعل الإلكترونات تهتز وتصدر أشعة سينية باستخدامات طاقات أقل بكثير. إذ لا يحتاج تسريعها إلا إلى مجرد 30 ميغا إلكترون فولت، وهو إنجاز أسهل بكثير من 10 GeV التي يتطلبها الليزر XFEL القياسي. وهذا بدورة يقلل بشكل كبير من مساحة الليزر XFEL، فيقل من كيلومتر واحد إلى 10 أمتار فقط.
مع شعاع إلكترون منخفض الطاقة، يمكن للفريق استخدام بلورات ومغناطيسات انعراج Diffractors لتشكيل الإلكترونات بدقة في مجموعات متراصة بإحكام. تتذبذب الإلكترونات المجمعة بشكل أكثر تزامناً مع بعضها بعضا، ونتيجة لذلك، تنتج ضوءاً أكثر تماسكاً من الأشعة السينية. وتنتج من التجميع أيضاً نبضة أقصر – أقل من فيمتوثانية.
يمكن أن تكشف مثل هذه النبضات القصيرة عن الطريقة التي تلتقط بها جزيئات الكلوروفيل ضوء الشمس أثناء عملية البناء الضوئي، كما تقول بيترا فروم Petra Fromme، عالمة الكيمياء الحيوية من الجامعة ASU وعضو فريق الليزر CXFEL. «يمكننا أن نرى الأشياء التي لم يرها أحد من قبل».
يخطط سام تيتلباوم Sam Teitelbaum، الفيزيائي من جامعة ASU لاستخدام الليزر CXFEL كمسبار حساس Sensitive probe لسلوك الإلكترون في المواد، والذي يمكن أن ينتج مجموعة من الظواهر غير المبررة، من الموصلية الفائقة عند درجات الحرارة العالية إلى الحالات المغناطيسية الغريبة. يمكن أن تلهمنا الدروس المستفادة كيفية تطوير مواد جديدة فائقة التوصيل أو أجهزة تخزين بيانات أكثر موثوقية.
على الرغم من أن الجهاز الجديد سيحتوي على نبضات سريعة ومتماسكة، إلا أنه لن يحزم قوة الليزر XFEL القياسي نفسه تقريباً. فنبضاته أقل سطوعاً، وفوتونات الأشعة السينية الفردية ذات أطوال موجية أطول من تلك في أسلافها الأكبر حجماً. فهذا يعني أن الليزرات CXFEL ستغفل عن بعض من أصغر التفاصيل التي يمكن أن تراها الليزرات XFELs الأكبر حجماً. لكن من ناحية أخرى، فإن نبضات الطاقة المنخفضة ستصيب العينات بتلف أقل، إذ إن المنشآت الأكبر تُدمِّرُها تماما.
ويقول غريفز: «الآلات الكبيرة، مثل المطرقة. نحن أشبه بالمشرط».
ويظل بيليغريني متحفظا حيال مثل هذا المشروع الطموح. ويقول، على وجه الخصوص، إن خطة الفريق لتشكيل Shape النبضات الإلكترونية لم يتم توضيحها بعد. «قبل تسويقها على أنها ليزرات XFEL، هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به».
لا يزال الباحثون القائمون على المشروع متفائلين. لقد بدؤوا بالفعل ببناء الليزر CXFEL ويتوقعون تشغيله في غضون خمس سنوات. ويقول تيتلباوم: «في أي وقت ترى فيه الأشياء تتحرك بشكل أسرع، ستشعر بمدى ديناميكية العالم على هذا النطاق الزمني. ستكون هناك بالتأكيد بعض المشكلات التي سيتم حلّها بفضل هذه الحقيقة».
بقلم كاتي مكورميك
© 2023, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved