في ليلة عاصفة من عام 1816، حلمت ماري شيلي Mary Shelley حلما مرعبا بعودة جثة للحياة – كابوس ألهمها كتابة فرانكشتاين Frankenstein. بعد أكثر من قرن من الزمن، أدى لحن سمعه بول مكارتني Paul McCartney في الحلم إلى تأليف واحدة من أكثر أغاني لفرقة البيتلز Beatles شعبية – ألا وهي أغنية الأمس Yesterday.
هل هناك شيء ما في الحلم يعزز إبداعنا؟ أم أنه مجرد نوم نفسه؟ يقول العلماء إنهم أقرب إلى الإجابة، وذلك بفضل دراسة غير عادية استخدمت قفازاً إلكترونياً لتوجيه أحلام الناس أثناء نومهم.
يقول جوناثان سكولر Jonathan Schooler، الذي يدرس الإبداع في جامعة كاليفورنيا University of California في سانتا باربرا، لكنه لم يشارك في العمل: «هذه مساهمة علمية جوهرية حقاً… إنها تقطع خطوات كبيرة في موضوع أدهش البشرية لقرون، إن لم يكن آلاف السنين».
لإجراء البحث، دعا الباحثون 50 متطوعاً، معظمهم من الطلبة والأساتذة، إما للبقاء مستيقظًيين أو أخذ قيلولة في مختبر في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا Massachusetts Institute of Technology (اختصاراً: المعهد MIT). أولئك الذين في مجموعة القيلولة وضعوا قناعاً العين، في حين كانوا يرتدون دورميو Dormio، وهو جهاز يشبه القفاز مزود بأجهزة استشعار تقيس معدل ضربات القلب وتغيرات قوة العضلات لتتبع مراحل النوم. ينقل الحاسوب المرتبط بالجهاز إشارات صوتية لإلهام مرتديها على الحلم بموضوعات محددة – وهي عملية تسمى «حضانة الأحلام المستهدفة» Targeted dream incubation.
في المجموعة الأولى من التجارب، طلب الحاسوب إلى المتطوعين إغلاق أعينهم والاسترخاء. فعندما بدؤوا بالانجراف في النوم، أخبرهم أحد التسجيلات أن «يفكروا في الأشجار». ثم انتظر الفريق حتى يكتشف القفاز أن المشاركين قد دخلوا في المرحلة الأولى من النوم، أو «N1»، وهي حالة شبه شفافة تعتبر بقعة إبداعية جميلة. خلال هذه المرحلة، لا يزال بإمكاننا معالجة المعلومات من الخارج، لكن أذهاننا أقل تقييداً مما كانت عليه عندما نكون مستيقظين، وتتدفق أفكارنا دون سيطرة. في المرحلة N1، يمر الناس بأحلام قصيرة وواضحة والتي عادة ما تفلت من دون أن يلاحظها أحد إلا إذا قاطعها الاستيقاظ.
وهذا ما فعله الفريق. بعد أن أمضى المتطوعون في N1 نحو 5 دقائق، أيقضتهم إشارة صوتية ثانية من غفوتهم من خلال الطلب إليهم بالتحدث بصوت عالٍ عما كان يدور في أذهانهم. ثم وجههم التسجيل للعودة إلى النوم. تكررت هذه العملية عدة مرات على مدار 45 دقيقة، مما أدى إلى إيقاظ المشاركين للإبلاغ عن أحلامهم والسماح لهم بالنوم مرة أخرى.
أفاد جميع المتطوعين الذين استخدموا دورميو أنهم كانوا يحلمون بالأشجار: تذكر أحدهم أن ذراعيه في الحلم كانتا مصنوعتين من الخشب القديم؛ وذكر آخر أنه كان كبيراً جداً لدرجة أنه يستطيع «أكل الأشجار مثل قطع صغيرة من الطعام».
العديد من المشاركين الذين اعتبروا أنفسهم «عالقون وغير مبدعين» فوجئوا بمدى قدرتهم على الإبداع في أحلامهم، كما يقول المؤلف المشارك في الدراسة آدم هار Adam Haar، عالم الإدراك في المعهد MIT. «معظم الناس لا يعرفون أن هناك قطعة من أنفسهم مصممة بيولوجياً بحيث تظل متحررة تماماً، لكنهم ينسونها كل ليلة».
لم يُطلب إلى الجميع أن يحلموا بالأشجار. ففي إحدى مجموعات التحكم Control group، نام الناس دون أي مطالبة محددة. في مجموعتين أخريين من مجموعات التحكم، ظل الناس مستيقظين، إما يفكرون في الأشجار أو ينتبهون فقط لأفكارهم العامة.
بعد الجلسات، خضع جميع المتطوعين لاختبارات إبداعية تطلب منهم وضع قائمة باستخدامات بديلة لشجرة – وتنوعت الإجابات من «صنع الآلات الموسيقية» إلى «عود أسنان Toothpick لعملاق» – دون الإجراءات المرتبطة بالأشجار، مثل «أكل» و«حرق» – وتأليف قصة عن الأشجار.
صنف المقيِّمون المستقلون القصص على مقياس للإبداع Scale of creativity يستخدم على نطاق واسع في دراسات علم النفس، مع الأخذ بعين الاعتبار أصالة السرد وروح الدعابة والعاطفة. (أجرى جميع المتطوعين استبياناً قبل التجربة حيث حددوا بأنفسهم مستويات إبداعهم. وهذا يضمن عدم وجود اختلافات كبيرة في الإبداع بين المشاركين قبل التدخل، كما يقول الفريق).
استخدم الباحثون أيضاً برنامج حاسوب لقياس «المسافة الدلالية» Semantic distance في إجابات المتطوعين، أو مدى ارتباط الكلمات التي اختاروها بكلمة «شجرة». غالباً ما يستخدم هذا القياس في دراسات الإبداع: فكلما كان الشخص أكثر إبداعاً، قل ارتباط إجاباته. (على سبيل المثال، تكون كلمة «أوراق الشجر» أقرب إلى «شجرة» من كلمة «عود أسنان»).
بشكل عام، سجل المتطوعون الذين حلموا بالأشجار درجات أعلى بنسبة 78% في مقاييس الإبداع من أولئك الذين ظلوا مستيقظين وهم يتابعون أفكارهم، و63% أعلى من أولئك الذين ظلوا مستيقظين وهم يفكرون في الأشجار. في 15 مايو 2023، أفاد المؤلفون في مجلة ساينتيفيك ريبورتس Scientific Reports أن المشاركين الذين أخذوا قيلولة دون سماع طلب محدد حصلوا أيضا على دفعة إبداعية، لكن أولئك الذين حلموا بالأشجار كان أداؤهم أفضل بنسبة 48%.
كما لاحظ الباحثون أن المتطوعين استخدموا محتوى أحلامهم للإجابة عن أسئلة الاختبارات. فالشخص الذي يحلم بأن أطرافه مصنوعة من خشب قديم كتب قصة على سبيل المثال عن ملك من خشب البلوط بجسم خشبي. الشخص الذي حلم بأن يكون أكبر من الأشجار، في غضون ذلك ذكر «عود أسنان لعملاق» كإستخدام بديل للشجرة.
تقول المؤلفة المشاركة كاثلين أصفهاني Kathleen Esfahany، التي كانت طالبة بكالوريوس وشاركت في إجراء في المعهد MIT: «كلما كانت الأحلام المرتبطة بالأشجار لدى الناس أكثر، كانوا أكثر إبداعاً». توضح أصفهاني أن النتائج تشير إلى أنه ليس مجرد نوم، ولكن «الحلم بهذا الموضوع المحدد يساعدنا على أن نكون مبدعين فيه».
تقنية الاستيقاظ مباشرة بعد النوم لتعزيز الإبداع ليست جديدة. إذ ذكر سلفادور دالي Salvador Dalí وتوماس إديسون Thomas Edison استخدام هذه الطريقة. وأكدت دراسة نُشرت في عام 2021 أن هذه الطريقة تساعد الناس على أن يكونوا أكثر إبداعاً، وفي التوصل إلى رؤى لحل المشكلات.
ولكن جهاز دورميو يسمح بمستوى غير مسبوق من التحكم في هذه العملية، كما يقول المؤلف المشارك في الدراسة روبرت ستيكغولد Robert Stickgold، عالم الأعصاب من جامعة هارفارد Harvard University الذي يدرس الأحلام منذ أربعة عقود من الزمن (ويتبنى هذه الاستراتيجية أيضاً في حياته الشخصية). ويقول إن القفاز سيسمح للعلماء باستكشاف «الوعي والأحلام بطريقة لم تكن ممكنة من قبل».
وقد تمتد التطبيقات إلى ما هو أبعد من تعزيز الإبداع. إذ يعمل الباحثون حالياً مع الأشخاص الذين يعانون اضطراب ما بعد الصدمة Post-traumatic stress disorder لمعرفة ما إذا كان القفاز يمكن أن يساعدهم على السيطرة على كوابيسهم والتعافي بشكل أفضل من الصدمات.
أما كين بالير Ken Paller، عالم الأعصاب من جامعة نورث وسترن Northwestern University والذي يدرس الأحلام أيضاً، معجب نتائج الدراسة، ولكنه يعتقد أنه لا تزال هناك أسئلة يجب الإجابة عنها حول العلاقة بين الأحلام والإبداع. لسبب واحد، يلاحظ بالير أنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كان تحسين الإبداع الذي لوحظ في التجربة يحدث أيضاً بعد الأحلام العادية، والتي لا يتم توجيهها بأي شكل من الأشكال. يقول: «إن ارتباط [الإبداع] بالحلم العادي لا يزال بحاجة إلى مزيد من التمحيص… فالكثير غامض فيما يخص الحلم».
بقلم: صوفيا موتينهو
ترجمة: Google Translate
تنقيح: فريق تحرير مجلة العلوم
المصادر العلمية:
doi: 10.1126/science.adi7060
نبذة عن الكاتبة:
صوفيا موتينيو Sofia Moutinho صحافية علمية تقيم في ريو دي جانيرو.
حقوق المقالة:
©2023, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved