كيف تعرف ما إذا كان جهازك المناعي ضعيفاً أم قوياً
يمكن أن تكشف اختبارات الدم الجديدة ما إذا كان جهازك المناعي يقاتل بقوةٍ بتحري توازن خلايا مناعيةٍ مختلفةٍ، لكن قد تكون هناك طريقةٌ أبسط لتقدير صحتك المناعية
عندما تكون تحت اللحاف، وأنفكُ محتقنٌ بسبب الزكام الثالث في عامٍ واحدٍ، قد تتساءل عمّا إذا كان جهازك المناعي يؤدي واجبه كما يجب. إنه سؤالٌ نود جميعاً الإجابة عنه: هل جهازنا المناعي معافىً أم لا؟ الآن، يحاول مجالٌ متنامٍ في علم المناعة تحقيق ذلك باختباراتٍ «تُصَنِّفُ في درجاتٍ» الجهازَ المناعي، والفكرة هي أنه يمكن أن يساعد هذا الأشخاصَ على تفادي المشكلات ويُحَفزهم على إجراء تغييراتٍ في نمط الحياة لتجنّب تردي صحتهم.
لإدراك مقدار صحة جهازك المناعي إدراكاً صحيحاً، ناهيك عن تحسينه، سيكون من المفيد أولاً التعرّف إلى طبيعة عمله. بإمكانك أن تتخيل أنه جيشك الداخلي، الحاوي على وحداتٍ مختلفةٍ تنسق عملها للقضاء على العدو الغازي، وتتجنب في الوقت نفسه إحداث أضرار جانبيةٍ لأنسجتك، وتتكيف باستمرارٍ مع التحديات الجديدة.
وكجيشٍ واقعي، يمكن أن يقع الجهاز المناعي في حالةٍ من الفوضى، فيصير أداءُ بعض الوحدات ضعيفاً، ويتمرد بعضها الآخر. يمكن لهذا أن يسبب أمراضاً خطيرةً.
إذن، كيف يمكنك أن تعرف ما إذا كان جيشك يبذل قصارى جهده؟ لنبدأ باستعراض المكونات المختلفة. خطّ الدفاع الأول هو الخلايا المناعية الفطرية Innate immune cell مثل الماكروفاج (البلاعم/البالعات) Macrophage، التي تبتلع البكتيريا Bacteria وتطلق مواد كيميائيةً تؤدي إلى الالتهاب Inflammation، مما يجعل الخلايا أقل ملاءمةً للكائنات الممرضة Pathogen.
ما إن يُحَدَدُ التهديدُ، يبدأ العملَ خطُ دفاعٍ ثانٍ يُسَمى جهاز المناعة التكيفي Adaptive immune system، ولديه أدواتٌ أكثر تخصصاً. فالخلايا البائية B-cell، على سبيل المثال، تُشَكِلُ أجساما مضادة Antibodies ترتبط بالوافد الجديد غير المرغوب فيه وتجعله غير ضارٍ. وهناك أيضاً الخلايا التائية T-cell التي تشتمل على الخلايا القاتلة Killer cell التي تهاجم الخلايا المُصابة، وهناك كذلك الخلايا المُساعدة Helper cell التي تُنسّق أنشطة الخلايا المناعية الأخرى وتساعد الخلايا البائية على إنتاج الأجسام المضادة. وتوجد أيضاً الخلايا التائية المُنَظِمَة Regulatory T-cell التي توقفُ المعركة حين يزول الخطر كي يتمكن الجسم من إصلاح الضرر.
تقول جينا ماتشوكي Jenna Macciochi، وهي اختصاصيةٌ بالمناعة من جامعة ساسكس University of Sussex في المملكة المتحدة: «إنهم في بطانة الغشاء المخاطي للمسالك الهوائية والجهاز الهضمي والجلد – وفي أي مكانٍ قد تدخل إليه أشياء يمكن أن تضايق الجسم».
تساعدهم أيضاً الميكروباتُ Microorganism الموجودة في الجسم، والمعروفة بالميكروبيوم Microbiome. تقول ماتشوكي: «عندما نفكّر بالميكروبيوم، فإنّ ذلك غالباً ما يكون في سياق علاقته مع الأمعاء، لكن هناك ميكروبيوتا Microbiota تعيش على جميع أنحاء أجسامنا».
عندما تكون صحتنا في أوجها، تكون هذه المكونات المختلفة متوازنةً بصورةٍ تامةٍ – لكن هناك حالاتٌ قد تنحرف بها الأمور. قد تعوزك الميكروبات الصديقة التي تحمي جهازك الهضمي، مما يعني أنك تصير أكثر عرضةً للإصابة بالتهابات الأمعاء. وقد يجعلك النظامُ الغذائي السيِّئ أو التوترُ أبطأ في إنتاج الخلايا المناعية المناسبة لمحاربة العدوى. وبعد أن تتعافى، ربّما تخسر الخلايا المسؤولة عن «تَذَكُرِ» الكائن الممرض إن تعرضتَ له مرةً أخرى. نظراً لأن الجهاز المناعي يمكنه أيضاً اكتشاف الأورام وإزالتها، فإن انخفاض نشاطه يمكن أن يجعلك أكثر عرضةً للإصابة بالسرطان.
يسبب فرط النشاط مشكلاتٍ أخرى، إذ يبدأ الجهاز المناعي العملَ بقوةٍ غير متناسبةٍ، مما يؤدي إلى الإضرار بالجسم. على سبيل المثال، قد يصير الجهاز المناعي شديد الحساسية تجاه أجسامٍ غريبةٍ لا تشكل تهديداً فعلياً، مثل حبوب الطلع، مما يؤدي إلى الحساسية Allergy. أو قد يبدأ مهاجمةَ أعضائه، مما يؤدي إلى الإصابة بأمراض المناعة الذاتية Autoimmune disease. حتى إنّ نشاطاً مناعياً ضعيفاً لفتراتٍ طويلةٍ من الزمن، مثل الالتهاب الخفيف Low-grade inflammation، يمكن أن يكون ضاراً، ويُعتقد أنه يسهم في كل شيءٍ من أمراض القلب والأوعية الدموية Cardiovascular disease إلى الاكتئاب Depression.
تاريخياً، هناك بعض الطرق الأساسية لتقييم صحة الجهاز المناعي – منها على سبيل المثال قياسُ مستويات الجزيئات الالتهابية وعدد الخلايا المناعية في الدم. لكن حديثاً، صارتْ إجراءاتُنا أكثر تعقيداً، مع التركيز تركيزاً أكبر على فحص التوازن الدقيق لمكونات الجهاز المناعي المختلفة.
على سبيل المثال، صمّم فريق سونيل أهوجا Sunil Ahuja من مركز العلوم الصحية Health Science Center بجامعة تكساس University of Texas، طريقةً لتصنيف «الدرجة المناعية» للأفراد بناءً على المستويات النسبية للخلايا التائية المختلفة. بحسب هذا التصنيف، الأشخاص الذين لديهم أعدادٌ أعلى من المتوسط من الخلايا التائية المساعدة، مع مستوياتٍ أقل من الخلايا التائية القاتلة، هم ذوو الدرجة المناعية العليا. وأظهر الفريقُ أن نتائج تعرّض الأشخاص ذوي الدرجة المناعية الأولى لكائنٍ ممرضٍ تميلُ إلى أن تكون أفضل بكثيرٍ، فعلى سبيل المثال، كان معدل الوفيات بعد الإصابة بفيروس Virus كوفيد-19 أخفض بنسبة 88 % مقارنةً بأولئك الذين هم في الدرجات الأدنى.
الأهم من ذلك، أثبتَتْ درجاتُ الفريق أنّها مؤشرٌ أفضل للاستجابة لفيروس كوفيد-19 من العمر وحده، مما يعني أنّ هذا النوع من القياس قد يساعد في المستقبل على تحديد الأفراد المعرضين لخطرٍ عالٍ بدقةٍ أكبر. يقول أهوجا: «إن كان عمرك 80 عاماً وكانتْ درجة مناعتك عاليةً، فستكون أفضل بكثيرٍ من شخصٍ أصغر بكثيرٍ إن كانتْ درجةُ مناعته منخفضةً».
ربما مازال أمامنا بعض الوقت قبل أن يتمكن الأطباء من تقييم صحتنا بهذا الدرجة من الدقة، لكنه يمكنك الحصول على فكرةٍ جيدةٍ عن حالة جهازك المناعي دون أي اختباراتٍ. وتقول ماتشوكي إنّ القاعدة العامة هي أنّه يُتَوقَعُ أن يُصابَ الشخص العادي بمرضٍ أو مرضين خفيفين كل عامٍ. إن كنتَ ممن يمرضون كثيراً، وإذا مالتْ العدوى التي تصيبك إلى أن تستمر لفترةٍ أطول وكانت أكثر شدةً من الأشخاص من حولك، فقد تكون هذه علامةً على أن وحدةً أو أكثر من وحدات جيشك المناعي لا تعمل كما ينبغي لها. يجب أن يكون طبيبك هو أول من تقصده، لكن هناك أيضاً أشياء يمكنك فعلها لمنح مناعتك يد العون (انظر: الأطعمة والمشروبات التي يمكنها أن تعزز فعلاً جهازك المناعي).
تعرّف إلى جهازك المناعي
خلايا المناعة الفطرية
هذا هو خط دفاع الأول عن الجسم ضد الكائنات الممرضة. تستجيب بسرعةٍ للتهديدات العامة ويمكنها أن تميّز بين فئات الكائنات الممرضة المختلفة لتجنّد الشكل الأكثر فعاليةً للاستجابة المناعية التكيفية للقضاء عليها.
جهاز المناعة التكيفي
يُنَشَّطُ هذا النظام استجابةً لكائناتٍ ممرضةٍ محددةٍ. يشكّل ذاكرةً مناعيةً عن التهديدات التي واجهناها، مما يعزّز استجاباتنا المناعية في المستقبل.
الخلايا التائية
الخلايا التائية هي جزءٌ من جهاز المناعة التكيفي، تهاجمُ الكائناتِ الممرضةَ الغازية والخلايا المُصابة. يمكن أن تعمل كـ«خلايا مساعدة» بدعمها الخلايا البائية لإنتاج الأجسام المضادة.
الخلايا البائية
تشارك هذه الخلايا في شِقيّ جهاز المناعة، الفطري والتكيفي، وهي مسؤولةٌ عن توسّط إنتاج الأجسام المضادة ضد كائناتٍ ممرضةٍ محددةٍ.
الخلايا القاتلة الطبيعية
توفّر خلايا جهاز المناعة الفطري هذه استجابةً سريعةً لمواجهة الفيروسات والكائنات الممرضة الأخرى. يمكنها قتل الخلايا دون الأجسام المضادة.
نيوتروفيلات (العَدَلات) Neutrophil
تنتقل هذه الخلايا إلى موقع الإصابة، حيث تدمّر البكتيريا أو الفيروسات بابتلاعها وإطلاق إنزيماتٍ تقتلها.
مونوسايتات (الوحيدات) Monocyte
تنتقل خلايا الدم البيضاء الكبيرةُ هذه إلى موقع الإصابة أو العدوى وتتحول إلى بلاعم أو إلى خَلِيَّةٍ تغصُّنيةٍ Dendritic cell. وتحيط البالعات بالمواد الغريبة وتبتلعها أو تقتلها أو تزيلها. تعزز الخلايا التغصنيّة الاستجابةَ المناعية بتقديم المستضدات Antigens الموجودة على سطحها إلى الخلايا التائية.
المستضد
جزيءٌ من مادةٍ غريبةٍ مثل الفيروس أو حبوب الطلع، يرتبط بجسم مضاد معينٍ أو بخليةٍ تائيةٍ.
الجسم المضاد
تتعرّف هذه البروتينات، التي لها شكل حرف «Y»، إلى مستضداتٍ معينةٍ على الأجسام الغريبة وترتبط بها. ويَسِمُ هذا الجسم غير المرغوب فيه كي تهاجمه بقية عناصر الجهاز المناعي. يمكن للأجسام المضادة أيضاً تحييد المواد الغريبة تحديداً مباشراً.
بقلم ديفيد روبسون
© 2023, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.