أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
إدارةاخترنا لكبحث

إعادة النظر في التسلسُل الهرمي

نحن في حاجة إلى إعادة النظر في السلطة الإدارية لمصلحة بيئة الأعمال حالياً - وليس للتخلص منها.

على الرغم من كل الضجيج والوعد الذي يحوم حول فكرة القضاء على الهيكل الإداري لإنشاء مؤسسات رشيقة Agile ومسطحة Flat، يظل الرؤساء والتسلسل الهرمي للشركات Corporate hierarchies مرنين جداً. وكما قلنا في صفحات MIT Sloan Management Review في العام 2014، في ظل الظروف المناسبة، فإن وجود تسلسلات هرمية كهذه أفضل طريقة للتعامل مع مشكلات التنسيق والتعاون التي تُحدِق بالتفاعلات البشرية.((N.J. Foss and P.G. Klein, “Why Managers Still Matter,” MIT Sloan Management Review 56, no. 1 (fall 2014): 73-80.)) فهي تسمح للذكاء البشري والإبداع بالازدهار على نطاق أوسع. وهي توفر هيكلاً Structure أكبر، مع إمكانية التوقع Accountability والمساءلة Predictability، لكي يضطلع المتخصصون بعملهم.

لكن هذا لا يعني أن المؤسسات التقليدية والقائمة على الأمر والسيطرة Command-and-control organizations مناسبة للبيئة حالياً. نرى التقاء في اتجاهات الأعمال والاتجاهات الاجتماعية التي تؤثر في تطوير أنواع جديدة من التسلسلات الهرمية Hierarchies. يتطلب التقدم التكنولوجي السريع، والتواصل الفوري Instant communication، وتوليد القيمة Value creation على أساس المعرفة وليس على الموارد المادية، والعولمة، والقوة الموظفة الأكثر تعلماً، إعادة النظرَ في كيفية ممارستنا للسلطة الإدارية. وفي الوقت نفسه تؤثر وجهات النظر الفردية حول السياسة والدين والثقافة أيضاً في مواقفنا تجاه التسلسلات الهرمية – مثل ما إذا كنا نقدر الاستقلالية أو نعجب بالشخصيات الاستبدادية. هذه العوامل كلها تشير إلى دور جديد ومختلف للتسلسل الهرمي يؤديه في مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين.

التحدي الرئيس لتصميم التسلسل الهرمي وتطبيقه حالياً وغداً هو تحقيق التوازن بين قوتين متعارضتين. الأولى هي الرغبة المشتركة بيننا جميعاً في التمكين Empowerment والاستقلالية Autonomy، مما يساعد الشركات في حشد إبداع الموظفين واستغلال معارفهم وقدراتهم الفريدة. وتتمثل الثانية في الحاجة إلى ممارسة السلطة الإدارية على نطاق واسع – ولا سيما في البيئات التي تتسم بالتغير السريع والأنشطة المترابطة Interdependent في أنحاء المؤسسة كلها.

تحتاج الشركات إلى سياسات وإجراءات واضحة تُطبَّق بنمط عادل وتحقق التنسيق والتعاون مع احترام رغبات الموظفين في التمكين والاستقلالية النسبية. يجب على المديرين معرفة متى يجب التدخل ومتى يجب السماح للموظفين بالتعامل مع المشكلات بأنفسهم.

هذه مسائل صعبة ليست لها حلول سهلة. ما القرارات التي يجب أن تكون لامركزية (أو مفوضة)؟ ما مقدار السلطة التقديرية Discretion التي يجب أن يتمتع بها الموظفون في مجالات القرار المفوضة إليهم؟ كيف يجري تحفيز هؤلاء الموظفين وتقييمهم؟ كيف يمكن للمسؤولين التنفيذيين التأكد من أن كل هذه القرارات اللامركزية تتشابك معاً؟ الدرس الرئيس من النظريات والأدلة على الهيكل المؤسسي هو ألا إجابات ”أفضل“ بنحو شامل عن هذه الأسئلة، فقط مقايضات Trade-offs تعتمد على الحالات الطارئة التي تواجه الشركة. إن تحديد تلك المقايضات والعمل عليها – وليس إضفاء اللامركزية Decentralizing على كل شيء في كل مكان – هو الموظف الرئيس للقيادة الناجحة.

بعض أنصار ما يسمى الشركة التي لا رئيس Bossless company لها يدعون أن هذه المقايضات لا وجود لها. وهم يرون أن اللامركزية الكاملة أو التفويض الكامل فقط – ”جعل الجميع رئيساً“ – يجعل الشركات مبتكرة وقابلة للتكيف.

عندما أُعلِن كوفيد-19 جائحةً في مارس 2020 وبدأت الإغلاقات، اقترح عدد قليل من المعلمين المرشدين Gurus في مجال القيادة جعلَ الجميع رؤساء لمواجهة التحديات التي واجهتها الشركات فجأة. بدلاً من ذلك كان على المديرين معرفة كيف يمكن لشركاتهم البقاء، ما عنى تغيير نماذج أعمالهم Business models، وتمكين العمل من بُعد للموظفين، والتكيف مع صدمات الطلبات الضخمة Massive demand shocks، واضطرابات سلاسل التوريد Supply chain disruptions. وبطبيعة الحال تتطلب الحاجة إلى تحوُّل عديد من الشركات إلى نموذج العمل من بُعد تفويضَ Delegate عديد من المهام والقرارات. النقطة المهمة هي أن هذه التغييرات يجب أن تكون منسقة، مع اتخاذ قرارات رئيسة من القمة.

لإدارة التوتر بين السيطرة الهرمية والاستقلال الفردي بنحو أفضل، نحتاج إلى إعادة النظر في السلطة الإدارية.

إعادة النظر في السلطة
هناك أدلة دامغة على أن عديداً من الشركات تزيل طبقات إدارية Layers of management وأن مزيداً من القرارات يُفوَّض إلى الموظفين. لا تزال المؤسسات هرمية، لكن التسلسل الهرمي يغير شكله. وهناك أيضاً أدلة على أن ممارسة السلطة آخذة في التغير.

السلطة لها وجوه كثيرة: قد تعني الحق في التوظيف Hire والفصل Fire والتوجيه Instruct والإشراف Supervise والتدخل Intervene والجزاء Sanction. لكن ممارسة السلطة الإدارية ترتبط أيضاً بسلوكيات أخرى: القيادة Leading، وإنشاء الهياكل والعمليات Creating structures and processes، وصياغة توافق الآراء Forging consensus، ومواءمة السلوك حول الأهداف المشتركة Aligning behavior around shared goals، ورعاية التغيير Fostering change.

نحن نسمي هذين النوعين من السلطة1 Mark I وMarkII، على التوالي.((The terminology is from K. Foss and N.J. Foss, “Managerial Authority When Knowledge Is Distributed: A Knowledge Governance Perspective,” in “Knowledge Governance: Perspectives From Different Disciplines,” eds. N.J. Foss and S. Michailova (Oxford, England: Oxford University Press, 2009), 108-137.)) وهما يتوافقان تقريباً مع التمييز بين الإدارة Management والقيادة Leadership. من الواضح أن المدير نفسه يمكن أن يمارس كلا النوعين من السلطة، لكن من الأهمية بمكان أن نفهم كيف يختلفان ومتى يكون كل منهما الأنسب، لأن استخدام أحدهما عندما يتطلب الوضع استخدام الآخر يمكن أن يكون كارثياً.

تفترض النظرة التقليدية للسلطة (استناداً إلى عمل رونالد كوس Ronald Coase وأوليفر ويليامسون Oliver Williamson وهربرت سيمون Herbert Simon) أن الرئيس يمكنه اختيار المهمة المناسبة، ويعرف الطرق كلها الممكنة لأداء ذلك، ويمكنه مراقبة الناتج Output، لكي يمكن إدارة المكافآت Rewards والعقوبات Punishments بنحو مناسب. بعبارة أخرى: لا يرغب المدير في أداء المهمة مباشرة (ربما لأنه مشغول جداً بمهامَّ أخرى)، لكنه يعرف كثيراً عن المهمة كما يفعل الموظف، وقد يلاحظ أو لا يلاحظ بالضبط ما يفعله الموظف في أثناء أدائه لها.

لكن في الوقت الحالي، وفي الاقتصاد القائم على المعرفة Knowledge-based economy، من غير المرجح – على نحو متزايد – أن يعرف أصحاب العمل ما يعرفه موظفوهم كله. قد يكون الرئيس التنفيذي لشركة تكنولوجية ماهراً في التمويل والتسويق، أو جيداً في التخطيط الاستراتيجي والعلاقات الإنسانية، لكنه قد لا يعرف شيئاً عن البرمجة. قد يفهم مدير المبيعات المُنتَج لكنه قد لا يكون على دراية بمجال مبيعات محدد.

في عمله اللاحق وصف سيمون فكرة ثانية للسلطة (ربما تعكس وجهة نظر مغايرة عن أي نوع من السلطة مهم في الظروف الحديثة): دور المدير هو تحديد القرارات التي يجب تفويضها.((H.A. Simon, “Organizations and Markets,” Journal of Economic Perspectives 5, no. 2 (spring 1991): 25-44.)) أي إن المدير يختار نتيجة مستهدفة Target outcome، ويحدد الموظفين الأنسب لتحقيقها، ويختار مقدار السلطة التقديرية التي يجب منحها لهؤلاء الموظفين، ويتنحى جانباً. لا تدور السلطة في هذا المعنى حول اختيار مهامَّ محددة والتأكد من تنفيذ تلك المهام، بل حول تحديد الأهداف Setting goals، وكتابة الوصف الوظيفي، واختيار الموظفين، وتقييم النتائج. هذه هي سلطتنا Mark II – ليس الإدارة التفصيلية (الجزئية) Micromanagement، بل الإدارة الكلية Macromanagement.

تتطلب الأعراف Norms المؤسسية حالياً أن يتحول القادة نحو السُلطة Mark II وبعيداً عن Mark I، لأن معظم الموظفين لا يريدون مديراً يخبرهم بما يجب الاضطلاع به ومتى ينبغي لهم أن يفعلوا ذلك. بدلا من ذلك يتعين على المديرين تصميم النظام الذي يمكن أن يزدهر فيه الموظفون المُمكَّنون والمتمتعون بالاستقلالية.

من المؤكد أن ممارسة السلطة عن طريق اختيار التفويض يمكن أن تضيف تحديات جديدة. ومن المفارقات أن بعض الموظفين قد يفضلون تفويضاً أقل، ربما لأنهم يكرهون المخاطرة. وهناك قصور آخر يتعلق بالترابطات Interdependencies. فهيكل مؤسسي مع كثير من التفويض هو أكثر تعقيداً من هيكل يقوم على أساس القيادة والسيطرة البسيطة، وعلى المديرين التأكد من أن الموظفين يمارسون السلطة التقديرية الممنوحة لهم وفق السُلطة Mark II بطرق تُنسَّق بعضها مع بعض ووفق أهداف الشركة. وإضافةً إلى ذلك قد يكون اتخاذ القرار في الشركة أبطأ تحت السُلطة Mark II، ولا سيما إذا كان الموظفون في حاجة إلى اكتشاف الحلول بنمط مستقل. لذلك، في حين أن هذه السلطة تؤدي إلى نظام يكون عادة أكثر مكافأة للعاملين، وأكثر تحفيزاً من الشكل التقليدي للسلطة، قد لا يكون الخيار الأفضل في معظم الحالات.

كيفية لا تستخدم السلطة
من الصعب تصميم التسلسل الهرمي بنحو جيد، ولا سيما عند تمكين الموظفين وتقليص الدرجات الوظيفية في الشركة. ويواجه المديرون هذا التحدي بقدر متزايد.

واحد منا (فوس) درس تطبيق ممارسات تطوير رشيقة للبرمجيات واستخدامها في شركة اتصالات كبيرة، سنشير إليها باسم الشركة Company E، في مواقع متعددة وعلى مدى خمس سنوات.((M. Annosi, N. Foss, and D. Martini, “When Agile Harms Learning and Innovation: (and What Can Be Done About It),” California Management Review 63, no. 1 (November 2020): 61-80.)) اعتمدت الشركة Company E منهجية رشيقة كجزء من جهودها لتكون أقل بيروقراطية وأكثر تسطيحاً؛ شملت أهدافها القدرة على الاستجابة بسرعة أكبر لاحتياجات السوق، وتقليل وقت التطوير وتكاليفه، ودعم التعلم المؤسسي. وفي حين أدى التغيير إلى تسريع التطوير وخفض تكاليف صيانة البرمجيات، أعاق التركيز على الوفاء بالمواعيد النهائية التعلمَ والابتكار: أفاد أعضاء الفرق بأن لديهم وقتاً أقل للتفكير، ومناقشة الأفكار بعضهم مع بعض، وتبادل المعرفة. وعلى الرغم من النية الضمنية لتحرير الموظفين من البيروقراطية، أعطت الطريقة الرشيقة قادة المشروعات السلطة لمتابعة الأداء من كثب، ما ترك عديداً من مطوري الفريق يشعرون بأن التسلسل الهرمي الإداري الثقيل يخنقهم بدلاً من أن يشعروا بالإدارة الذاتية.

تمكين السلطة
واحدة من أهم الطرق التي يمارس بها المديرون السلطة هي في كيفية تفويضها إلى الآخرين. لتمكين السلطة في المرؤوسين، يجب على المديرين أولاً إقناعهم بأن لديهم حقاً استقلالية في قرارات وإجراءات معينة وكسب ثقتهم بأن السلطة لن تُسحَب فجأة. وعندما يحتاج المديرون، في بعض الأحيان، إلى نَقض Override قرار الموظف، يكونون في حاجة إلى المضي قدماً بعناية لتجنب كسر هذه الثقة. يمكن أن يكون وضع الموظفين في المواقف التي يجري فيها تقاسم القيادة، أو حيث يجري تداولها بين أعضاء الفريق، طريقة جيدة للحفاظ على هذه الثقة. وهناك طريقة جيدة أخرى لتعزيز الثقة تتمثل في وجود قواعد وإجراءات واضحة وشفافة، يمكن أن تطمئن الموظفين إلى أن سلطتهم حقيقية، ولن يجري المساس بها من قِبل مشرفين انتهازيين يمارسون الإدارة الجزئية.

انظروا في فرق العمل القصوى Extreme action teams، التي تتكون من متخصصين يؤدون مهامَّ عاجلة ومترابطة مع نتائج مهمة جداً تترتب على أعمالهم لكن في كثير من الأحيان لا يمكن توقعها. ومن الأمثلة على هذه الفرق قوة العمليات الخاصة للبحرية الأمريكية Navy SEALs التي تضطلع بعمليات، أو فريق طبي في مستشفى يستقبل تدفقاً من مرضى الطوارئ خلال كارثة طبيعية. وتستخدم هذه الفرق التفويض الديناميكي Dynamic delegation، وهو هيكل مؤسسي يجري بموجبه نقل الأدوار والمسؤوليات بسرعة بحسب الحاجة؛ في هذا السيناريو يجد الموظفون في بعض الأحيان أن قراراتهم قد نُقِضت وأن المسؤولية سُحبت منهم.((K.J. Klein, J.C. Ziegert, A. Knight, et al., “Dynamic Delegation: Shared, Hierarchical, and Deindividualized Leadership in Extreme Action Teams,” Administrative Science Quarterly 51, no. 4 (December 2006): 590-621.)) 

وجدت دراسة حديثة أن التفويض الديناميكي يساعد فرق العمل القصوى على الأداء بنحو أكثر موثوقية مع توفير التدريب والخبرة للأعضاء الأقل خبرة.((Ibid.)) المغزى الأعم هو أن هذا النوع من العملية الارتجالية Improvisational process ينجح – لكن فقط لأنه يحدث داخل هيكل هرمي راسخ. وإضافةً إلى ذلك قد لا يُنظر إلى النقض على أنه أمر سيئ عندما يعتقد أعضاء الفريق أن الشخص الذي نقض القرار لديه معرفةٌ أعمق. إذا كان المرء طبيباً متدرباً يعالج مريضاً في حالة حرجة وينقض الطبيب الأقدم تقديره، ومن ثم ينقذ حياة المريض، من المحتمل أن يكون المرء سعيداً جداً لأن تقديره قد نُقِض.

وعلى الرغم من هذه الحالات، هناك قليل من الشك في أن العقود السيكولوجية Psychological contracts يكسرها في الأغلب مديرون ممعنون في الإدارة الجزئية وينقضونها بتدخلات غير ضرورية. قد يرى الموظفون أيضاً موقعهم في مكان العمل والموارد التي يمكنهم استخدامها كاستحقاقات Entitlements. ومن ثم يمكن اعتبار التغييرات المؤسسية مثل إعادة الهيكلة Restructuring بمنزلة انتهاكات للعقد السيكولوجي، على الرغم من أن المدير لن يرى الأمر بهذه الطريقة. عند تحليل البيانات من شركات تصنيع إسبانية، وجد أحدنا (فوس) أن انتهاكات كهذه تضر في الواقع بإنتاجية الموظفين.((K. Foss, N.J. Foss, and X.H. Vázquez, “ ‘Tying the Manager’s Hands’: Constraining Opportunistic Managerial Intervention,” Cambridge Journal of Economics 30, no. 5 (September 2006): 797-818.)) إذ تنخفض المعنويات والإبداع، ويبدأ الموظفون في المغادرة.

وستكون القدرة على إنشاء عقود سيكولوجية جيدة والحفاظ عليها وإرشادها جزءاً متزايد الأهمية من الممارسة ”التمكينية“ للسلطة. هذا هو أحد الأسباب التي تجعل المؤسسات اللامركزية جداً تحتاج إلى هيكل كثيف.

إضفاء الطابع الرسمي والشفافية
عندما تكون التوصيفات الوظيفية مفهومة ومتميزة بنحو جيد، مع تداخل وظيفي قليل، يقل احتمال نشوء مشكلات على صعيد تنسيق العمل أو اتخاذ القرارات بين الموظفين. لكن في الشركات ذات العمليات المعقدة والمترابطة، حيث قد يكون لوظيفتين أو أكثر مصلحة في نقطة من نقاط القرار Decision point، يصبح من الأهمية بمكان توضيح الأدوار وحقوق القرار والأولويات المؤسسية التي تقوم عليها هذه الخيارات، بنحو استباقي.

مثلاً، في عديد من شركات التكنولوجيا، تتعارض استقلالية المطورين مع متطلبات فريق الأمن السيبراني، الذي يتوقع فحص أي برمجيات قبل وضعها في خط الإنتاج. ومن أجل الحيلولة دون أن تصبح مشكلات التنسيق مشكلات تعاون أكثر سُّمِّية Poisonous cooperation problems – قد تضر بالعلاقات الداخلية ويصعب إصلاحها – يجب على المديرين أن يزِنوا الحاجة إلى التحرك بسرعة والابتكار في مقابل ضرورة الحفاظ على مستوى معين من الأمن، وتحديد حقوق اتخاذ القرار وفق ذلك.

عديد من مشكلات التنسيق أقل وضوحاً من المثال الذي جرى وصفه حالاً، وهنا تساعد أداة الإدارة الكلاسيكية لتحديد الأدوار بوضوح على تجنب حروب المتنافسين. من المؤكد أن التوصيفات الرسمية للوظائف يمكن أن تكون مُقيِّدة Constraining – ويمكن أن تتحول إلى استحقاقات متصورة تعرقل التغيير المؤسسي، أو تدفع الأفراد أو الوحدات Units إلى المبالغة في حقهم في التحكم في قرارات مؤسسية معينة. لكن إدارة هذه المخاطر ممكنة؛ وليس اختيار عدم تحديد الأدوار والوظائف وإضفاء الطابع الرسمي على العمليات والإجراءات بديلاً جيداً.

إذا كنا نعلم جميعاً أن بول يؤدي دور المغني الرئيس ويعزف الباص Bass، وجون يؤدي دور المغني بالتناغم ويعزف قيثارة الإيقاع، وجورج يعزف الغيتار الرئيس، ورينغو يعزف الطبول، وإذا كانت هذه الأجزاء كلها تتناسب معاً بسلاسة، فالنتيجة هي موسيقى رائعة. الجميع يعرف دوره وكيف تُكمل الأدوار بعضُها بعضاً. يمكن أن تعمل هذه الشفافية في شركة استشارية صغيرة، أو متجر إصلاح، أو وحدة فرعية في شركة أكبر مع عدد قليل من الموظفين الذين تتكامل أدوارهم المحددة بوضوح إلى كل متماسك.

تنشأ المشكلات عندما يكون هناك تضارب بين الأدوار.

تنشأ المشكلات عندما يكون هناك تضارب بين الأدوار. من سيؤدي دور المغني الرئيس؟ من يحصل على فضل كتابة الأغاني؟ كلما كانت المؤسسة أكبر وأكثر تعقيداً، زاد احتمال نشوب نزاع. هناك كثير من الأدوار الواجب تحديدها وملؤها. الموظفون يأتون ويذهبون. من الصعب معرفة من يفعل ماذا، ومدى حسن أداء المهام، وما إذا كان يجب إجراء تغييرات. قد تؤدي الشفافية الكاملة في مؤسسة كبيرة إلى زيادة عبء المعلومات. وهذا هو السبب جزئياً في أن المؤسسات الكبيرة تنقسم عادة إلى إدارات أو أقسام، أو فروع أو فرق مشروعات أو وحدات فرعية أخرى، يمكن إدارة كل منها مثل وحدات أصغر.

هل يجب أن تكون أنشطة وحدة فرعية شفافة أمام أخرى؟ من ناحيةٍ قد يبدو من الأفضل أن تركز كل مجموعة على مهامها الخاصة وألا يشتت انتباهَها ما يحدث في الوحدات الأخرى. يجب أن يركز قسم الآيفون iPhone في أبل Apple على صنع هواتف رائعة من دون القلق بشأن كيفية عمل موسيقى أبل Apple Music أو تلفزيون أبل Apple TV. ويجب أن يقلق الفريق التنفيذي Executive team ولا أحد سواه إزاء ذلك. ولكن من ناحية أخرى، إن بعض المعرفة بالاستراتيجية العامة للشركة وأدائها أمر ضروري لأي مجموعة لكي تحسن الأداء؛ إذا كانت أبل تستثمر أكثر في إنشاء المحتوى ودمج خصائص الوسائط مع أجهزتها، فقد ترغب الفرق التي تصنع هذه الأجهزة في تصميمها بشكل مختلف. إن العثور على المستوى الصحيح من الشفافية بين الوحدات هو تحدٍّ رئيس للإدارة.

ممارسة السلطة بذكاء
كل نموذج عمل أو استراتيجية أو هيكل مؤسسي أو أسلوب إدارة له نقاط قوة وضعف. تعني ممارسة السلطة بذكاء معرفة القرارات التي يجب تفويضها، ومن الذي يجب وضعه في المناصب الرئيسة، ومتى يتدخل، وكذلك تحديد ما إذا كان النظام يحتاج إلى مراجعة استجابة للظروف المتغيرة.

ذلك أن مزايا تفويض قرار أو إجراء قد تفوق التكاليف في ظل بعض الحالات الطارئة أو الظروف لكن ليس غيرها. يعرف المديرون الجيدون هذا الأمر بنمط حدسي، لكن هذا لا يجعل من السهل إصدار القرار. إن الحصول على التفويض الصحيح هو تحدٍّ إداري دائم. وكذلك إضافةً إلى الجوانب “الصعبة” للتصميم المؤسسي، مثل القواعد الرسمية Formal rules والحوافز Incentives والرصد Monitoring، هناك الأجزاء “الأكثر ليونة” من الجوانب السيكولوجية والأخلاقية التي يجب مراعاتها: يتوقع الموظفون أن تكون القواعد عادلة، ويفتخرون بالتمكين، ويريدون أن تبدو وظائفهم وأدوارهم مهمة، ويخضعون للتحيزات وأخطاء إصدار الحكم (التقدير) Judgement errors (مثل الغيرة والثقة المفرطة والمنطق المحفز Motivated reasonin) التي يكون الجميع عرضة للوقوع فيها – حتى المديرين. إن أخذ كل هذا في الاعتبار هو أمر صعب حقاً.

التفويض ليس فقط تمكينَ الموظفين من بذل قصارى جهدهم.

التفويض ليس مجرد مسألة تمكين الموظفين من بذل قصارى جهدهم. يمكن لشركات مثل سبوتيفاي Spotify وفالف Valve، حيث تكون مشروعات البرمجيات في الأغلب جهوداً مستقلة مع القليل من الحاجة إلى التنسيق بينها، ترك تحديد حجم الفرق وتكوينها ومتطلبات المشروعات وحتى بعض الميزانيات للفرق. إن التنظيم من القاعدة إلى القمة Bottom-up organization – ليس بلا رئيس Bossless حرفياً بل مسطح Flat ومرن Flexible وعضوي Organic – أمر منطقي لهذه الشركات. لكن قد لا يكون منطقياً لشركة تصنيع كبيرة لديها محفظة من المنتجات المترابطة جداً تتميز بتصاميم ومكونات مشتركة وتبيع حزماً من المنتجات التكميلية. بالنسبة إلى شركة كهذه هناك حاجة إلى مزيد من السيطرة المركزية. عند تحديد ما يُفوَّض ومتى يُفوَّض وكيف يُفوَّض، يمكن للمديرين البدء بطرح بعض الأسئلة البسيطة لتحديد ما الذي سيعمل بنحو أفضل في مؤسساتهم.

هل من المهم اتخاذ أفضل قرار أو قرار أسرع وجيد بما فيه الكفاية Is it more important to make the best decision or a faster, good enough decision؟ إذا كانت هناك درجة عالية من الإلحاح حول اتخاذ القرارات، فمن الأفضل في الأغلب أن يتخذ المديرون ذوو المستوى الأعلى القرارات من دون حوار وتوافق في الآراء.((“Decision Making in the Age of Urgency: A Survey,” PDF file (Boston: McKinsey & Co., April 2019), www.mckinsey.com.)) بطبيعة الحال قد يتبين أن القرارات السريعة خاطئة، لكن إذا كانت تكاليف التأخير مرتفعة بما فيه الكفاية، تستحق هذه القرارات المخاطرة. هل هذه الحاجة إلى اتخاذ قرارات أسرع تبرر إمكانية حدوث تأثير يُثبِّط الموظفين؟ يعتمد ذلك على سبب الحاجة إلى السرعة، وقدرة كبار المديرين، ومواقف الموظفين وتوقعاتهم.

في الأغلب تُتّخَذ القرارات السريعة استجابة لتهديدات – عادة ما تكون انخفاضاً مفاجئاً وغير متوقع في أداء الشركة. في مواجهة التهديد الوجودي تصبح قرارات الشركة ذات أهمية كبيرة. وفي ظل هذه الظروف من المرجح أن يؤدي النهج اللامركزي أداءً أضعف، لأن المرؤوسين أقل استعداداً لتحمُّل المسؤولية في مواجهة مخاطر كهذه، وقد يتخذون قرارات بطيئة أو سيئة. وفي حالات كهذه، من المرجح أن يركز كبار المديرين على القرارات الرئيسة ويحتفظوا بالسيطرة عليها.

ما المعرفة المطلوبة، وأي الموظفين يمتلكونها What knowledge is needed, and which employees have it؟ هل المعرفة الأكثر أهمية لاتخاذ قرار معين من قِبل كبار المديرين (الذين يعرفون الاستراتيجية الشاملة للشركة)، من قِبل المديرين المتوسطين (الذين لديهم رؤية واضحة لإدارتهم أو قسمهم)، أو من قِبل الموظفين من المستوى الأدنى (الذين يعرفون عملاءَهم أفضل من غيرهم)؟ هل يمكن تلخيص المعرفة في المستويات الدنيا من الشركة بدقة (مثلاً، في قاعدة بيانات إدارة علاقات العملاء) وإتاحتها للمديرين الأرفع مستوى؟ ماذا عن العكس؟ هل يمكن إبلاغ الأولويات الاستراتيجية للموظفين من المستوى الأدنى لإنارة قرارات أو إجراءات معينة صراحة؟ من المهم أن يسأل المديرون أنفسهم هذه الأسئلة.

في مرحلة حرجة من تاريخ إنتل Intel، عندما انتقلت من إنتاج شرائح الذاكرة Memory chips أساساً إلى إنتاج المعالجات الدقيقة Microprocessors بنمط رئيس، كان لدى مديريها المتوسطين فهم أفضل للاتجاه الاستراتيجي الصحيح مقارنة بكبار المديرين. ومع ذلك كان كبار مديري إنتل في كثير من الأحيان في وضع أفضل لفهم المسائل الرئيسة على مستوى الشركة والصناعة والاقتصاد، كما بيّن الرئيس التنفيذي أندي غروف Andy Grove.

تتمثل المهمة الأساسية لكبار متخذي القرار في الشركة في تجميع المعلومات كلها التي يمكن أن يكون لها تأثير كبير في أداء الشركة الحالي والمستقبلي واتخاذ القرارات الكبيرة على هذا الأساس. يمكنهم الاعتماد على المستشارين والخبراء والاستشاريين وما وصفناه سابقاً بأنه فرق عمل قصوى. لكن في نهاية المطاف يتوقف القرار على الرئيس التنفيذي CEO. لذلك في حين ينبغي تفويض بعض القرارات للموظفين ذوي المعرفة الفائقة بالظروف المحلية، فإن السلطة الشاملة – بما في ذلك القرارات حول القرارات التي يجب تفويضها – لا يمكن تمريرها إلى مستويات إدارية أدنى.

ما الذي يَشعر الموظفون حالياً بأنهم يمتلكونه أو يسيطرون عليه What do employees feel they currently own or control؟ يشعر عديد من الموظفين بطبيعة الحال بملكية Ownership ما هو تحت سيطرتهم حالياً، مثل ميزانياتهم وحقوق اتخاذ القرار، ويطرح إجراء تغييرات في حقوق القرار هذه تحديات خاصة.

واحد منا يدرِّس دورةً منذ سنوات عديدة مع سيطرة كاملة على المواضيع والقراءات، والأنشطة الصفية، ثم انتقل إلى جامعة أخرى حيث كان القسم العلمي يسيطر على المناهج الدراسية لهذه الدورة لضمان الاتساق بين المدرّسين. وقد أدى فقدان هذا الاستقلال إلى كثير من الإحباط والاستياء.

يعمل هنا مفهوم الاقتصاد السلوكي المعروف باسم النفور من الخسارة Loss aversion: يميل الناس إلى تقدير الأشياء التي يمتلكونها ويفقدونها بدرجة أكبر من الأشياء التي لم يمتلكوها من قبل. ذلك أن أي خيارات تركز القرارات التي كانت لامركزية في السابق ستسبب بعض الألم. يجب على المديرين أن يشرحوا بنمط مقنع الأساسَ المنطقي Rationale للتغيير للموظفين المتضررين.

هل الأمر منصف Is it fair؟ يجب على المؤسسات أن تطبق باستمرار مبادئ عادلة وشفافة عند حل المنازعات – أي أن عليها أن تكون عادلةً إجرائياً. إذا كان الموظفون يعتقدون أن العمليات عادلة، من المرجح أن يقبلوا التدخل الإداري، سواء كان ذلك في بعض الأحيان يتجاوز قرار الموظف أو السلطة المركزية نفسها. هل يمكن للمديرين أن يفسروا متى ولماذا يجب تقليص الاستقلالية؟ هل يشعر الموظفون بأن مخاوفهم بشأن الاستقلالية والمسؤولية يجري الاستماع إليها وتؤخذ على محمل الجد؟ إذا كان الأمر كذلك، فمن المحتمل أن ينجح اختيار عدم تفويض قرارات معينة، أو التدخل عند الضرورة. إذا لم يكن الأمر كذلك، يمكن أن يستاء الموظفون.

لن تختفي الحاجة إلى التسلسل الهرمي، لكن الشكل الذي يتخذه يتغير: تحديد كيفية الاضطلاع بالأشياء بدلاً من إخبار الناس بما يجب الاضطلاع به، وتصميم قواعد اللعبة وتطبيقها بدلاً من جعل الجميع يلعبونها بطريقة معينة. قال تشانغ رويمين Zhang Ruimin، مؤسس مجموعة هاير Haier Group ورئيسها التنفيذي: ”يُعرِّف قادة الشركات الأخرى في الأغلب أنفسَهم على أنهم قباطنة السفينة، لكنني أعتقد أنني مهندس السفينة أو مصممها أكثر من أي شيء آخر. وهذا يختلف عن دور القبطان، الذي يجري فيه في الأغلب إصلاح المسار وتحديد الوجهة“.((A. De Smet, R. Steele, and H. Zhang, “Shattering the Status Quo: A Conversation With Haier’s Zhang Ruimin,” McKinsey Quarterly, July 27, 2001, www.mckinsey.com.))

في إعادة تصميم السلطة الإدارية والتسلسل الهرمي لمصلحة القرن الحادي والعشرين، يجب على القادة أن يدركوا أنهم لا يحتاجون إلى معرفة كل شيء، بل فقط ما فيه الكفاية، وأنهم في حاجة إلى النظر فيما يريده موظفوهم ويعتقدون أنه عادل في تصميم الهياكل والأنظمة.

نيكولاي جاي. فوس Nicolai J. Foss

(@nicolaifoss) أستاذ الاستراتيجية في كلية كوبنهاغن للأعمال Copenhagen Business School.

بيتر جي. كلاين Peter G. Klein

(@petergklein) أستاذ ريادة الأعمال في جامعة بايلور Baylor University. هذه المقالة مقتبسة من أحدث كتاب لهما، لماذا المديرون مهمون: مخاطر الشركة من دون رئيس Why Managers Matter: The Perils of the Bossless Company (بابلك أفيرز PublicAffairs، 2022).

Related Articles

Back to top button