الواقع الحَرِج للحياة على الأرض بعد اختراقنا حد 1.5°س
إنّ تجاوز حدّ 1.5°س من الاحترار العالمي ليس مجرد كارثةٍ سياسيةٍ، بل ستكون له عواقبُ وخيمةٌ علينا جميعاً، وهو ما قد أدركه أولئك الذين يعيشون في الخطوط الأمامية
بقلم ماديلين كاف
في هذا الوقت في العام المقبل، قد تعيش في المنزل نفسه، وتقود السيارة نفسها، ولديك الوظيفة نفسها. لكن بطريقةٍ أساسيةٍ واحدةٍ، ربما تتغير الحياة على الأرض بصورةٍ لا يمكن عكسها. قد يؤدي ارتفاع درجات الحرارة الحاد في معظم أنحاء العالم، مدعوماً بتحوّلٍ إلى نمط مناخ إل نينيو El Niño، إلى جعل عام 2024 هو العام الذي يتجاوز فيه الاحترار العالمي Global warming عتبة 1.5°س لأوّل مرةٍ. ربما لا يبدو الأمر بالشيء الجَلَلِ، لكن العلماء يحذرون من أنها ستكون لحظة أيقونيةً للكوكب.
لا شك في أنّ تجاوز 1.5°س هو علامةٌ على الفشل السياسي. قبل فترةٍ لم تتجاوز ثمانية أعوامٍ، وافقَتْ كل دولةٍ تقريباً على معاهدةٍ مُلْزِمَةٍ تَعِدُ بكبح ارتفاع درجة الحرارة العالمية لكيلا يتجاوز 1.5°س فوق مستويات ما قبل عصر الصناعة. سيؤدي التجاوز القريب جداً لهذه العتبة إلى حدوث تداعياتٍ سياسيةٍ مهولةٍ وسيطلق العنان لقوى رجعيةٍ يمكن أن تشحن – أو تشلّ – حركة المناخ. يقول يوكيم ماروتزك Jochem Marotzke من معهد ماكس بلانك للأرصاد الجوية Max Planck Institute for Meteorology في ألمانيا: «ستُفتّح أبواب الجحيم كلّها. وهو شيءٌ أنا متأكدٌ جداً منه».
لكن بما يتجاوز مجرد السخط، هناك العديد من التأثيرات الأخرى لتجاوز هذه العتبة. ستكون له عواقب وخيمةٌ على الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الأكثر تضرراً في العالم وسيأتينا جميعاً بطقسٍ أكثر هيجاناً يَعْسُرُ التنبؤ به وأكثر قسوةً. إذا تمكنا من خفض درجة الحرارة، فقد تمرُّ هذه الفترة. ولكن إن استمرّتْ الانبعاثات في الازدياد، فسيصير المناخُ أكثر جهنميةً بصورةٍ متزايدةٍ. يتضح كلّ هذا إن تفكّرْتَ في المجتمعات التي تعيش الآن في الخطوط الأمامية للتغيّر المُناخي. سيعطي فهمُ تجربتهم لمحةً عن مستقبل البشرية جمعاء. وقد يُحَفِّزُنا هذا أيضاً على بذل المزيد من الجهد لنحاول عكس الضرر.
لقد ارتفعَتْ درجةُ حرارة العالم بـ 1.2°س منذ عصور ما قبل الصناعة، بسبب ارتفاع مستويات غازات الدفيئة Greenhouse gas في الغلاف الجوي. وفقاً لمنظمة الأرصاد الجوية العالمية World Meteorological Organisation، هناك الآن احتمال 66% أن نشهد عاماً يصل فيه ارتفاع درجة الحرارة إلى أعلى من 1.5°س بحلول عام 2027. ولكن العلماء يعتمدون على المتوسطات. عامٌ واحدٌ من الارتفاع لن يُعتبر تجاوزاً رسمياً لهدف 1.5°س الذي حدّدَتْه اتفاقية باريس Paris Agreement عام 2015. لكي يحدث تجاوزٌ، يجب أن يتخطّى متوسط الاحترار العالمي هذا العدد في المتوسط، على مدى 20 عاماً. هذا يعني أننا لن نعرف على وجه اليقين ما إذا كنا قد تجاوزنا 1.5°س إلّا بعد فوات الأوان. ومع ذلك، يقول ماروتزك إنّه من المتوقع حُدوث ذلك في غضون عقدٍ من الزمن بناءً على الاحتباس الحراري الذي يتصاعد في النظام المُناخي. ويقول: «بغض النظر إلى حدٍ كبيرٍ عن كيفية تطور الانبعاثات، سوف نتجاوز أو نصل إلى خط 1.5°س في أوائل إلى أواسط ثلاثينات القرن الحالي». فيما يتعلق بالمُناخ، يُنبّه إلى أنّ هذا «قاب قوسين أو أدنى».
في المناطق المعتدلة – أي في شمال أوروبا ومعظم الولايات المتحدة على سبيل المثال – ربما لا تبدو الحياة التي تجاوزَتْ فيها الحرارة 1.5°س مختلفةً كثيراً بالنسبة إلى معظم الناس. ستكون موجاتُ الحرِّ أشرسَ، والجفافِ أطولَ، وحرائقُ الغابات أكثر تواتراً، والعواصفُ المطيرة أغزر، لكن من المرجح أن تستمر الحياة اليومية دون انقطاعٍ إلى حدٍ كبيرٍ، في البداية على الأقل. لكنّ الحال مختلفٌ في المناطق التي ترتفع فيها درجات الحرارة ارتفاعاً أسرع من المتوسط العالمي. وبالنسبة إلى الأشخاص الذين يعيشون في تلك الأماكن، يمكن أن يكون تجاوز 1.5°س من الاحترار العالمي مسألة حياةٍ أو موتٍ.
ذوبان الأغطية الجليدية
القطب الشمالي يَسْخُنُ أربع مراتٍ أسرع من باقي أجزاء الكوكب
إنّ تأثير التغيّر المُناخي محسوسٌ بالفعل في القطب الشمالي Arctic، الذي يَسْخُنُ أربع مراتٍ أسرع من باقي أجزاء الكوكب، وهو ضحيةٌ لحلقة تغذيةٍ راجعةٍ Feedback تؤدي إلى تسارع الاحترار مع ذوبان الجليد وانخفاض انعكاس الشمس. في الأجزاء الشمالية من نيوفاوندلاند Newfoundland ولابرادور Labrador في كندا، ارتفع متوسط درجات الحرارة في الشتاء بأكثر من 1.5°س منذ بداية القرن العشرين. تقول آشلي كونسولو Ashlee Cunsolo من جامعة ميموريال Memorial University في سانت جون في كندا إنّ هذا يسبّبُ اضطراباً كبيراً لسكان الإنويت Inuit المحليين. بصورةٍ خاصةٍ، التكوّنُ المتأخرُ وغير المُسْتَقر للجليد البحري الشتوي يقوّضُ الأنشطةَ التقليديةِ مثل الصيد والسِماكة وقضاء الوقت في المقصورات الشتوية. تقول كونسولو: «عندما يتشكّلُ الجليدُ، ينفتح كل شيءٍ. إنّه الوقت المفضل للجميع في العام، لأنه يمكنهم القيادة في كلٍ مكانٍ. لذلك إنْ تشكّلَ الجليدُ متأخراً وتفَكَكَ مبكراً، فإن ذلك يحرم الناس شهوراً من الوقت الذي لديهم [لفعل ما يريدونه]».
عاش المصور إلدريد ألين Eldred Allen حياته كلّها في منطقة نوناتسيافوت Nunatsiavut في نيوفاوندلاند وشاهد التغيّر بأمّ عينيه. يقول: «في الخريف، كانتْ هناك فترةٌ طويلةٌ من الطقس البارد، وتَشَكَّلَ جليدٌ قويٌ وجميلٌ، ثم يحلّ الشتاءُ. الآن، لا تتجمّد المياه بما يكفي لتمرّ فوقها بأمانٍ حتى منتصف شهر يناير على الأرجح. إنّ الجليد يتأخر أكثر فأكثر كلّ عامٍ، ويذوب في وقتٍ أبكر في كل عامٍ أيضاً». يعني التجمّد المتأخر أن ألين وعائلته يواجهون مشقةً في عبور المحيط المتجمد للوصول إلى مقصورتهم الشتوية. وبعد ذلك، ما إن يصلوا، يُقْلِقُهم أن تسبِّبَ التقلبات في درجات الحرارة ذوبان الجليد وتشققه. يقول: «قد تكون درجة الحرارة -20°س [-4 درجة فهرنهايت] في يومٍ ما و2°س [35.6 درجة فهرنهايت] في اليوم الذي يليه. يسمعنا أطفالنا باستمرارٍ نتحدث عمّا إذا كان الوضع سيكون آمناً». فهذا ليس خوفاً لا مبررَ واقعي له. قبل عامين في يناير كان أحد أعضاء مجتمع ألين يسافر بسيارة الثلج فوق جليدٍ بحري وإذ بالجليد يتكسّر تحتها. نجا الرجل، لكن الحادث هزّ الجميع. يقول ألين: «هناك الكثير من التساؤلات في أذهان الناس: هل يمكننا الوثوق بأعوامٍ من المعرفة التي نُقِلَتْ إلينا عن المكان الآمن للسفر، لأن الأمور تتغير كثيراً».
وفقاً لكونسولو، يؤثر التغيّر المُناخي في معظم أنحاء القطب الشمالي تأثيراً عميقاً في الثقافة التقليدية ورفاهية المجتمعات. تقول: «لديك أناسٌ اعتمدوا على مدى مئات الأعوام على البرد والثلج في جميع جوانب الثقافة، وفي اللغة، وتبادل المعرفة، والاتصال بالأرض والموارد، والأمن الغذائي. إنّه فعلاً تأثيرٌ عميقٌ ووجودي في الهوية تعايشه المجتمعات».
قد يبدو الأمر وكأنّه مشكلةٌ محليةٌ، لكن التهديد الناجم عن ذوبان الجليد سوف يدوّي في معظم أنحاء العالم. وفقاً للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المُناخ Intergovernmental Panel on Climate Change (اختصاراً: الهيئة IPCC)، إنْ ارتفعَتْ درجة حرارة الأرض بمقدار 1.5°س، فإنّ المياه الذائبة في القطب الشمالي سترفع مستويات سطح البحر العالمية بما يتراوح بين 0.26 و0.77 متر بحلول نهاية القرن. إن ارتفعَتْ درجات الحرارة بمقدار 2°س، سيكون من المتوقع ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار 10 سم إضافيةٍ، مع عواقب سلبيةٍ تلحق 10 ملايين شخصٍ. التهديد طويل الأمد أكثر دراميةً. فعلى سبيل المثال، فإن انهيار الغطاء الجليدي في غرينلاند، والذي يمكن أن يُحفّزَهُ احترارٌ بين 1.5°س و2°س، يمكن أن يَتسبب في ارتفاع مستوى سطح البحر العالمي بمقدار 7 أمتارٍ.
ارتفاع مستوى البحر
إن ارتفاعاتٍ أقل دراميةً تُحْدِثُ حالياً تأثيراتٍ مدمرةً في المناطق المنخفضة، بما في ذلك جزيرة فانواتو Vanuatu الاستوائية في جنوب المحيط الهادي. تقول إستر بيتر Esther Peter من إدارة الأرصاد الجوية والمخاطر الجيولوجية في فانواتو إن ذلك يؤثر في إمكانية الوصول إلى المياه في الأرخبيل بتلويث آبار المياه العذبة بالمياه المالحة. كما أنّه يُضرّ بالبنية التحتية. وتقول: «في جزيرة إيفاتِ Efate يصل البحر إلى الطرق المُعَبَدَة بالقطران أثناء موجات المد المرتفعة». حَلُّ فانواتو حلٌّ حازمٌ. في ديسمبر عام 2022، أعلنَتْ عن خططٍ لنقل «عشرات» القرى في العامين المقبلين. وصرّح وزير التغيّر المُناخي رالف ريجينفانو Ralph Regenvanu لوكالة الأنباء الفرنسية French news agency (اختصاراً: الوكالة AFP) مؤخراً أن «النزوح بسبب المناخ سيكون السمة الرئيسة لمستقبلنا. علينا أن نكون مستعدين لذلك وأن نخطّط له الآن».
عندما نتجاوز 1.5°س، ستواجه الدول والمناطق المنخفضة الأخرى تحدياتٍ مماثلةٍ بصورةٍ متزايدةٍ. تمنحنا فانواتو أيضاً نافذةً على مشكلةٍ أخرى يُتَوَقَعُ أن تصير أشدّ سوءاً بالنسبة إلى الكثيرين منا: فهي أحد أكثر البلدان عرضةً لظواهر الطقس المتطرفة الناجمة عن التغيّر المُناخي. في عام 2015، ضرب إعصار Cyclone بام Pam الأرخبيل. أتى هذا الإعصار من الفئة الخامسة برياحٍ تجاوزَتْ سرعتها 300 كم في الساعة ومدّاً بارتفاع 4 أمتارٍ اجتاح قرىً بكاملها. دمّرَتْ العاصفةُ «الحدائقَ» المنزليّة، وهي حدائق مُحَصَّصَةٌ Allotment تقليديةٌ يَعْتَمِدُ عليها معظم سكان الجزر لزراعة الفاكهة والخضراوات، مما أدى إلى القضاء على 90% من المحاصيل الغذائية في البلاد. وأعقب ذلك جفافٌ شديدٌ استمر لعدة أشهرٍ، مما أدى إلى تفاقم شحّ الغذاء والماء.
تقول إيمي سافاج Amy Savage – التي درسَتْ تبعاتِ الإعصارِ والجفافِ وتعملُ الآن في منظمة الصحة العالمية World Health Organization – إن الناس في القرى النائية أوشكوا على الوقوع في مجاعةٍ. وتقول: «لقد تضرروا فعلاً تضرراً شديداً بهذا الجفاف. كانتْ هناك ثلاثة أو أربعة أشهرٍ قال فيها [البعض] إنّهم اعتاشوا على عنصرٍ غذائي وحيدٍ، مثل المنيهوت Manioc [الكسافا Cassava] أو الموز – وهذا كلّ ما كان بين أيديهم من طعامٍ لشهورٍ». وتنبّه لأنّه يبدو أنّ التغيّر المُناخي المتصاعد سيغيّرُ الثقافة الغذائية لفانواتو تغييراً دائماً. في وجه العواصف الشديدة ومواسم النمو التي لا يمكن التنبؤ بها، صارتْ العائلات تتخلى بصورةٍ متزايدةٍ عن المنتجات المزروعة محلياً مُسْتَبْدِلَةً بها الأغذية المستوردة مثل الشعيرية سريعة التحضير. يؤدي هذا التحول إلى رفع مخاطر الإصابة بأمراض مثل السمنة وداء السّكري Diabetes وأمراض القلب والأوعية الدموية Cardiovascular disease. تقول سافاج: «أعتقد أن علينا أن نبتعد قليلاً عن النظر إلى التغيّر المُناخي باعتباره مفهوماً مجرداً، وأن نفهم أن أشخاصاً يتأثرون به».
إن ازدادَ الاحترارُ بأكثر من 1.5°س، لن يقتصر الأمر على الأفراد في الأماكن النائية. على نحو متزايدٍ، سيبدأ الناس في الدول الغربية بالشعور بقوّة التغيّر المُناخي مع تصاعد التهديدات من الفيضانات والجفاف وحرائق الغابات. سيصير الأمنُ الغذائي مشكلةً مُلِحَةً: في المملكة المتحدة، على سبيل المثال، نبّه أعضاء البرلمان عام 2017 إلى أنّ 20% من الفاكهة والخضروات في البلاد تُسْتورَدُ من بلدانٍ يُمَثِلُ فيها التغيّر المُناخي خطراً كبيراً على غلّات المحاصيل. إضافة إلى ذلك، يعتقد سليمول حق Saleemul Huq من المركز الدولي للتغيّر المُناخي والتنمية International Centre for Climate Change and Development في بنغلاديش أن العديد من الدول الغربية أقل استعداداً بكثيرٍ للاحترار الذي يتجاوز عن 1.5°س مقارنةً بالدول الموجودة على خط المواجهة.
لكن بالنسبة إلى بعض المجتمعات، فقد صار هذا بالفعل واقعاً. في أستراليا، أُصيب نحو 80% من الحيد المرجاني العظيم Great Barrier Reef بظاهرة الابيضاض Bleaching الشديد نتيجةً لارتفاع درجة حرارة المحيطات. في الوقت الحالي، يغلبُ أن تتمتع الشعاب المرجانية ببضع أعوامٍ تلتقط فيها أنفاسها بين أحداث الابيضاض المتعاقبة، مما يسمح لبعض أنواع الشعاب المرجانية سريعة النمو بالتعافي جزئياً. تَسَبَبَتْ أحداثُ الابيضاض في عامي 2016 و2017 في «إفناء» أجزاءٍ من الشعاب المرجانية، وذلك بحسب ما ذكره كريغ ستيفن Craig Stephen الذي يمتلك مايك بول دايفز إيكبيديشين Mike Ball Dive Expeditions في كوينزلاند، التي تدير رحلات غطسٍ للسياح. لكنّه يضيف أنّه بعد عامين أو ثلاثة أعوام من عودتها للنمو، بدتْ «رائعةً». هذا التعافي الظاهري خادعٌ.
هل حان أوان وداعِ الحيد المرجاني؟
يقول تيري هيوز Terry Hughes من جامعة جيمس كوك James Cook University في أستراليا إنّ أحداث الابيضاض صارَتْ تحدث بتواترٍ أعلى. يقول: «ما كان في السابق حدثاً غير مسبوقٍ صار الآن أكثر تكراراً وشدةً». ومما زاد الطين بِلّةً، أن الأنواع المرجانية الأسرع نمواً – مثل مرجان قرن الوعل Staghorn والمائدة Table corals – هي أيضاً الأكثر عرضةً لارتفاع درجات الحرارة الحاد. يقول هيوز: «خليط الأنواع المرجانية يتغير بسرعةٍ خطيرةٍ. الشعاب المرجانية في متوسط احترارٍ عالمي قيمته 1.5°س ستكون مختلفةً تماماً عن الشعاب المرجانية الحالية وعن الشعاب المرجانية قبل 30 عاماً». إذا وصل الاحترار إلى 2°س، فقد تختفي الشعاب المرجانية من الوجود تماماً، بحسب الهيئة IPCC. ومن شأن هذا أن يقذف بصناعةٍ سياحيةٍ مزدهرةٍ في أزمةٍ وجوديةٍ. يقول ستيفن: «بالتأكيد، بالنسبة إلى أعمالٍ مثل شركتنا، سيتعين علينا أن نتكيّف ونُتغيّر. لا شكّ في ذلك ولا مهرب منه».
إن فناء المرجان ليس إلّا نقطةً من «نقاط التحول» Tipping points العديدة التي نخاطر بإحداثها بتجاوزنا 1.5°س من الاحترار. هذه تغيّراتٌ لا يمكن عكسها، حتى لو تراجعَتْ درجات الحرارة لاحقاً. يتصدّر القائمةَ، إلى جانب هلاك المرجان، الذوبانُ الواسع لجليد التربة الصقيعية Permafrost وانهيارُ الصفائح الجليدية في القطب الشمالي، بما في ذلك صفيحة غرينلاند. من الصعب جداً على العلماء أن يقدّروا بالضبط متى نتجاوز نقطة تحولٍ – وربما تجاوزنا بعضها بالفعل. الدفعُ باتجاه خفضِ الانبعاثات وإبطاءِ ارتفاع درجة الحرارة العالمية هو لتقليصِ مخاطر تجاوز هذه المحفزات (انظر: ما معنى الأعداد؟). يقول ريتشارد بيتس Richard Betts من مكتب الأرصاد الجوية Met Office في المملكة المتحدة: «لا أنصحك بالدخول إلى هذه المنطقة المجهولة. إن لم تكن تستطيع أن تتأكد، والتأثيرات عميقةٌ، فعليك أن تتجنب تجريبها».
نظراً لتسرب هدف الـ 1.5°س من أيدينا، فإن هذا يجعل جهود عكس اتجاه التغيّر المُناخي أكثر إلحاحاً. في العقود المقبلة، تَعِدُ التكنولوجيا التي تمتص ثاني أكسيد الكربون الزائد من البيئة بأن تكون عملاً كبيراً – من الآلات التي ستستخرجه من الهواء إلى المُذيبات التي «ستغسله» من مياه المحيطات. سيعتمد تخفيض ارتفاع درجة الحرارة إلى ما دون 1.5°س على جعل هذه التكنولوجيا تعمل على نطاقٍ واسعٍ. سنحتاج أيضاً إلى أن جَعْلِ غابات العالم وأراضي الخث Peatland ومصارف الكربون Carbon sinks الأخرى تعمل لأوقاتٍ إضافيةٍ لإزالة ثاني أكسيد الكربون. لكنّ بيتس ينبّه إلى أنّه مع ارتفاع درجة حرارة المُناخ، هناك تهديدٌ متصاعدٌ بأن تبدأ مخازن الكربون الطبيعية هذه بالانهيار. يمكن أن تأتي حرائق الغابات على الغابات، على سبيل المثال، ويمكن أن تُجَفِفَ موجاتُ الجفاف الأراضي الرطبة، مما سيعيق قدرتها على حبس الكربون.
إذن، ما مدى واقعية أن نتوقع أنّه يمكننا إرجاع عقارب ساعة المُناخ إلى الوراء بعد تجاوز 1.5°س؟ يقول بيتس إنّه «ممكنٌ نظرياً. ولكن كلما أوغلنا أكثر، زادَتْ صعوبةُ العودةِ».
ما معنى الأعداد؟
على الرغم من الحالة الأيقونيّة لهدف إبقاء الاحترار العالمي أقل من 1.5°س، لا توجد عتبةُ حرارةٍ سحريةٌ إن تجاوزها العالَم حُكِمَ عليه بالهلاك. لكلّ جزءٍ من درجة ارتفاعٍ في درجة حرارة الأرض، ستصير التأثيراتُ أكثر حدّةً. لذلك تَجَاوزُ عتبة 1.5°س هو – من نواحٍ عديدة – مَعْلَمٌ سياسيٌ لا علميٌ.
في الواقع، توفّر 1.4 °س من الاحترار مستقبلاً أفضل من 1.5°س، و1.7°س من الاحترار انتصارٌ مقارنةً بـ 2°س. يُشَبِّهُ ريتشارد بيتس من مكتب الأرصاد الجوية في المملكة المتحدة مخاطرَ الاحترار بحدود السرعة الوطنية. يقول: «عندما يكون الحدّ الأقصى للسرعة 70 ميلا/ساعة (112 كم/ساعة)، لا يعني ذلك أن 69 ميلا/ساعة (111 كم/ساعة) آمنٌ بالضرورة، ولا يعني أن 71 ميلا/ساعة (114 كم/ساعة) سيقْتُلُكَ. لكن كلما أسرعَتْ، صرتَ أكثر عرضةً للخطر».
ومع ذلك، لا يمكن تجاهل تجاوز 1.5°س. إنّه يطلقُ مسدس البداية لعملية تدميرٍ تهدد بمحو أنظمةٍ إيكولوجيةٍ كاملةٍ ومعها ثقافاتٌ بشريةٌ بكاملها (انظر: المقال الرئيس). الناس في الخط الأمامي للتغيّر المُناخي سوف يواجهون هذا المصير. ولكن إذا فشلنا في اتخاذ التدابير، فسوف نلحق بهم جميعاً.
© 2023, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC