شريحة حيوية قد تكشف العديد من الفيروسات والسرطانات أو السموم في دقائق
تكشف مصفوفة متعرجة السيليكون عن الكميات الضئيلة من الحمض النووي - وربما الأنواع الأخرى من الجزيئات - دون الحاجة إلى تكثيرها بعمل نسخ إضافية
بقلم روبرت إف. سيرفيس
اختبارات كوفيد- 19 (COVID-19) السريعة غيّرت من تقدير الكثيرين لقيمة التشخيصات السريعة والرخيصة. الآن، أظهر الباحثون كيفية إجراء الآلاف من الفحوصات الجزيئية السريعة في وقت واحد، وباستخدام الضوء لتحديد الجزيئات المستهدفة المحصورة فوق مجموعة من مكعبات السيليكون الصغيرة. فمن الناحية النظرية، يمكن استخدام الأداة لتحديد 160 ألف جزيء مختلف في سنتيمتر مربع واحد. فقد تم تطوير هذه التقنية لاكتشاف شظايا الجينات من فيروس سارس- كوف-2 (SARS-CoV-2) والكائنات المُعدِية الأخرى، ويجب أن تكون هذه التقنية أيضاً قادرة على اكتشاف علامات البروتين Protein markers الدالة على وجود السرطان في الجسم والجزيئات الصغيرة التي تشير إلى وجود سُمِّيّات في البيئة.
يقول كريس شولين Chris Scholin، عالم الأحياء الجزيئية والرئيس والمدير التنفيذي لمعهد مونتراي باي أكواريوم للأبحاث Monterey Bay Aquarium Research Institute: «يمكن أن تؤدي هذه التكنولوجيا دوراً كبيراً في كيفية اكتشافنا للأشياء في البيئة من حولنا». ويضيف أن الأداة يمكن أن تكون مفيدة أيضاً في التشخيص الإكلينيكي، وهي تتألف من العديد من التقنيات المتنافسة والمستخدمة بالفعل على نطاق واسع.
فالاختبارات الجينية ليست بالأمر الجديد. وتعتمد معظم هذه التقنيات على قياس امتصاص الضوء أو الانبعاث من جزيئات مسبار Probe molecules مصممة لتلتصق بالجين المستهدف. ولكن لإنتاج إشارة كبيرة بما يكفي للكشف عنها، تعتمد معظم التقنيات على تقنيات تضخيم مثل تفاعل البوليميريز المتسلسل Polymerase chain reaction لإنتاج العديد من نسخ الهدف قبل محاولة اكتشافها والتعرف عليها، ناهيك عن تكلفة الاختبارات والوقت الذي تستغرقه.
ابتكر الباحثون مجموعة متنوعة من التقنيات الأكثر حساسية. «لكن المسابير السابقة لم تكن قادرة على اكتشاف نطاق واسع من الجزيئات المستهدفة في الوقت نفسه»، سواء توفرت بتركيزات منخفضة جداً أم عالية جداً، كما تقول جينيفر ديون Jennifer Dionne، عالمة الفيزياء التطبيقية من جامعة ستانفورد Stanford University.
على أمل التغلب على هذه المشكلات، لجأت ديون وزملاؤها إلى نهج الكشف البصريOptical detection approach الذي يعتمد على الهياكل التي تعرف بما وراء الأسطح Metasurface، ومصفوفات من مكعبات السيليكون الصغيرة – يبلغ ارتفاع كل منها 500 نانومتر تقريباً، وطولها 600 نانومتر، وعرضها 160 نانومتراً – ويتم تسليط الأشعة تحت الحمراء على سطحها العلوي. وبفضل تركيز الأشعة الحمراء يسهل على مجهر ضوئي بسيط اكتشاف التحول في الطول الموجي للضوء القادم من كل مكعب سيليكون، والتي تختلف اعتماداً على الجزيئات الموجودة على السطح نفسه.
لاختبار الفكرة، ثبّت الباحثون شظايا جينٍ واحدٍ مقطعٍ بطول 22 نيوكليوتيداً على مكعبات السيليكون وغمروا المصفوفة في محلول منظم Buffer solution. عندما أضافوا قطع الحمض النووي التكميلية إلى المحلول، ارتبطت القطع بسرعة بالقطع المُثبَّتة، مما أدى إلى تغيير الطول الموجي للضوء المنبعث من سطح كل مكعب. أفادت ديون وزملاؤها أن هذه التقنية يمكن أن تكشف عن وجود ما لا يقل عن 4 آلاف نسخة من الجينات المستهدفة لكل ميكرولتر، وهي النتيجة التي نشروها في الأسبوع الأخير من يوليو 2023 في مجلة نيتشر كوميونيكيشنز Nature Communications.
وهذا التركيز يعادل التركيز الموجودة عادةً في عينة من أنف شخص مصاب بفيروس سارس-كوف-2. لذا فإن هذه التقنية يمكن أن تسمح للأطباء باكتشاف العدوى الفيروسية دون الحاجة إلى تضخيم المادة الوراثية من المريض، كما تقول ديون. كما تشير إلى أن الأمر الآخر الذي لا يقل أهمية عن ذلك هو أنه يمكن تصميم مصفوفة للكشف عن كمية الحمض النووي الذي ارتبط بالحمض النووي المُستهدف، وبذا لا يسهل فقط اكتشاف الفيروس في دقائق، بل شدة العدوى أيضا. يمكن لمثل هذه المعلومات أن تساعد الأطباء على تخصيص علاجاتهم لكل حالة على حدة. ويمكن للاختبارات الحالية القيام بذلك، لكنها تستغرق عادةً عدة ساعات لتضخيم المادة الوراثية والتوصل إلى النتائج النهائية.
هذا، ويجادل شولين في أن التكنولوجيا مناسبة للاستخدام الفوري وعلى نطاق واسع لاكتشاف الجزيئات خارج المختبر أو عيادة الطبيب. فعلى سبيل المثال، يستخدم علماء البيئة حالياً المسابير الجينية Genetic probes للكشف عن الطحالب السامة في المجاري المائية. لكن هذا في العادة يتطلب خطوات معالجة إضافية لتضخيم الجينات المستهدفة ثم اختبار وفرتها في المياه، الأمر الذي قد يستغرق ساعات، إن لم يكن أياماً، من العمل المخبري.
ويقول شولين إنه في هذه الحالة، يمكن أن تغير سرعة التقنية الجديدة قواعد اللعبة. ويضيف أن هناك خياراً آخر مغرياً يتمثل بتثبيت الأجسام المضادة على مكعبات السيليكون. وقد يسمح هذا للباحثين بالحصول مباشرة على المستضد Antigen المقابل، سواء أكان سمّاً أم واسماً بروتينياً للمرض. وهو يأمل باستخدام أجهزة الكشف الخاصة بفريق ستانفورد لمعرفة ما إذا كان بإمكانهم اكتشاف السموم الميكروبية في الماء مباشرةً وفي لحظات معدودة. يقول: «سيكون لهذا تأثير حقيقي بالنسبة إلى الأفراد، والإيكولوجيا، والحياة البرية».
وأنشأت ديون وزملاؤها شركة بمبكنسيد بيو Pumpkinseed Bio لتسويق أجهزة الكشف الجديدة هذه والمصنوعة بهدف الكشف عن المستويات المتدنية من البروتينات والجزيئات الأخرى التي لا يمكن تضخيمها بسهولة، ومن ثم لتسهيل اكتشافها. وسيتمكن الباحثون من استخدام المصفوفات لتتبع العديد من المؤشرات الحيوية للأمراض في وقت واحد، لما كان اكتشافها لا يتطلب سوى عدد قليل من كتل السيليكون لتحديد كل واحدة من الجزيئات المستهدفة. ويقول جاك هو Jack Hu، وهو طالب دراسات عليا سابق في مختبر ديون ورئيس الشركة الناشئة الجديدة: «نأمل بأن ننظر إلى العديد من الحالات المرضية في الوقت نفسه… هذه هي رؤيتنا».
© 2023, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved