هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون واعياً وكيف سنعرف إذا حدث ذلك؟
قد يبدو الأمر خيالا، لكن الباحثين يحاولون إنشاء ذكاء اصطناعي يختبر تجارب ذاتية، حتى ولو كان من الصعب اختبار وعيه بسبب الخلاف حول ماهية الوعي
اسأل بوت المحادثة Chatbot الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي Artificial intelligence (اختصاراً: الذكاء الاصطناعي AI) إذا كان واعياً، وفي معظم الأحيان، سيجيب بالنفي. كتب ChatGPT من الشركة OpenAI: «ليست لدي رغبات شخصية أو وعي… أنا لست مدركا بأن لي أحاسيس Sentient»، ويتناغم هذا مع ردود برنامج المحادثة بارد Bard من غوغل Google الذي يقول: «في الوقت الراهن، أنا قانع بمساعدة الناس بطرق متنوعة».
في الوقت الراهن؟ يبدو أن الذكاء الاصطناعي AI منفتح على فكرة أنه مع الإضافات الصحيحة إلى بنيته، فإن الوعي ليس خيالا. والشركات التي تطور هذه الخوارزميات لديها الاعتقاد نفسه. ووفقا لديفيد تشالمرز David Chalmers، الفيلسوف في جامعة نيويورك New York University، ليس لدينا سبب قوي لاستبعاد نشوء شكل من أشكال الخبرة الذاتية الناشئة في ترانزستورات السيليكون. وقال في مؤتمر علم الوعي Science of Consciousness Conference في صقلية في شهر مايو: «لا أحد يعرف بالضبط ما القدرات التي يتوافق معها الوعي بالضرورة».
إذن، هل نحن قريبون من تطوير الآلات مدركة بأن لها إحساسا؟ وإذا نشأ الوعي Consciousness، فكيف سنكتشف ذلك؟
ما يمكننا قوله هو إن السلوك الذكي المثير للقلق قد ظهر بالفعل في أنظمة الذكاء الاصطناعي AI هذه. ويمكن لنمذجات اللغات الكبيرة Large language models (اختصاراً: النمذجات LLM) – التي تدعم الجيل الجديد من برامج المحادثة الآلية- أن تكتب الكودات الحاسوبية Computer code ويمكن أن تبدو كأنها منطقية: يمكنها أن تلقي بنكتة ثم تشرح سبب كونها مضحكة، على سبيل المثال. وقال تشالمرز إنه بإمكانها حتى حل مسائل الرياضيات وتكتب تقريرا جامعية رفيعة المستوى. ويتابع قائلا: «من الصعب ألا تعجب بها، ومن الصعب ألا تشعر بشيء من الخوف».
لكن مجرد توسيع نطاق النمذجات LLM من غير المرجح أن يؤدي إلى نشوء الوعي، لأنها ليست أكثر من مجرد آلات تنبؤ قوية. مجموعات البيانات الأكبر والدوائر الأكثر تعقيداً تجعل أنظمة الذكاء الاصطناعي AI هذه أكثر ذكاءً، لكن هذا لا يعني أنها تعيش تجربة Experience أي تختبر شعورا ما، كما تقول العالمة المعرفية Cognitive scientist والفيلسوفة آنا سيونيكا Anna Ciaunica من جامعة لشبونة University of Lisbon في البرتغال. «أن تختبر الشعور هو أشبه بالمرور بالتجربة وليس مجرد معرفتها».
ومع ذلك، يحاول الباحثون بالفعل إنشاء اختبار الشعور في مجال الذكاء الاصطناعي AI. في هذه الأيام، صارت فكرة أن عقولنا تتشكل من خلال أجسادنا وحواسنا، والمعروفة بالإدراك المجسَّد Embodied cognition، فكرة شائعة. وقال تشالمرز إن أحد الأساليب هو دمج النمذجات LLM مع أجسام روبوتية يمكنها الرؤية والسمع أيضاً. في الواقع، كشفت غوغل مؤخراً عن روبوت يعمل بالذكاء الاصطناعي AI ويمكنه استشعار بيئته والتفاعل معها. وقد مكنت عجائب التجسيد شركة PaLM-E من توصيل حزمة من رقائق البطاطس إلى صاحبها، على الرغم من إخفاء الحزمة في أحد الأدراج في منتصف التجربة.
الذكاء المجسَّد
على الرغم من الترحيب بعمليات تسليم الوجبات الخفيفة الآلية، تشتبه سيونيكا بأن كود الحاسوب الموجود في قلب الروبوت PaLM-E لا «يختبر» أي شيء على الإطلاق. فقد تطورت عقولنا وأجسادنا جنباً إلى جنب على مدى ملايين السنين. وتقول إن مجرد دمج الروبوتات مع عقول اصطناعية متطورة ومن ثم توقع أن تكون واعية هو النهج الخاطئ.
وفي الوقت نفسه، يأخذ رائد التعلم العميق Deep-learning يوشوا بنجيو Yoshua Bengio زمام المبادرة فيما يخص الأفكار حول كيفية معالجة المعلومات في الدماغ. يقول: «الوعي ليس سحرياً، إنه مادي». ويطبق مختبره في جامعة مونتريال University of Montreal في كندا «نظرية مساحة العمل العالمية» Global workspace theory على الذكاء الاصطناعي AI. هذه هي فكرة أن الوعي ينشأ عندما يتم توظيف العديد من وظائف الدماغ المتنوعة في مرحلة مركزية من أجل حل المشكلات. ومن خلال الضغط على العديد من وحدات الذكاء الاصطناعي AI عبر عنق الزجاجة، يهدف إلى إنشاء شيء مثل هذه المرحلة على رقائق السيليكون. يقول بينجيو: «قد يؤدي ذلك إلى ظهور أنظمة ذكاء اصطناعي AI تتمتع بالعديد من الوظائف المعرفية التي نربطها بالوعي».
ومع ذلك، فإن تشبيه الدماغ بالحاسوب يغفل فرقاً جوهرياً بين البرمجيات والكائنات الحية، كما يقول جان أرو Jaan Aru من جامعة تارتو University of Tartu في إستونيا. جنبا إلى جنب مع أن تختبر شعورا ما تأتي الرغبة في البقاء موجودا، ومن ثم، على عكس أجهزة الحاسوب، فإن الكائنات الحية لديها ما تخسره. كتب آرو وزملاؤه في بحث حديث: «قد يعتمد الوعي على أن تكون له مصلحة في البقاء».
يعارض بنجيو ذلك بالادعاء بأن «أشكالاً بدائية من المشاعر والعواطف» ظهرت في أنظمة الذكاء الاصطناعي AI التي تتم مكافأتها عند تطبيق إجراءات معينة على الآخرين. يقول بنجيو إن هذا النوع من تعزيز السلوك يخلق في البداية «دافعاً ذاتيا» Innate drive يشبه غرائز البقاء البشرية. ويقول: بما أن الذكاء الاصطناعي AI يخضع لحياة اجتماعية أكثر ثراء، فلا يوجد ما يمنع ظهور أنواع المشاعر التي نختبرها في حياتنا الاجتماعية.
في نهاية المطاف، يعتمد مدى وعيك بالذكاء الاصطناعي AI على نظرية الوعي المفضلة لديك. بالنسبة إلى أنصار الروحية الشاملة Panpsychists، الذين يعتقدون أن العقل هو خاصية جوهرية لجميع أشكال المادة، فإن الذكاء الاصطناعي AI كان دائماً واعياً على مستوى ما – كما هي الحال مع الإلكترونات والصخور والمايونيز. وإلى أن نعرّف ما هو الوعي، لا توجد طريقة راسخة لاختباره. سلطت «لعبة التقليد» Imitation game الشهيرة لعالم الحاسوب آلان تورين Alan Turing الضوء على القدرة على المحادثة كمعيار لاختبار ما إذا كانت الآلات تفكر أم لا. لكن تشالمرز قال إن نجاح بوتات المحادثة يشير إلى أن هذا سيكون بمثابة اختبار للذكاء وليس للوعي.
ربما لا يكون السؤال ذو الصلة هو ما إذا كان بإمكان الذكاء الاصطناعي AI أن يصبح واعياً أم لا، بل لماذا نريده أن يكون واعياً. يقول بنجيو: «علينا أن نتجنب محاولة بناء آلات تشبه صورتنا… سيكون الأمر أفضل إذا أبقينا الذكاء الاصطناعي AI في دوره كأداة، وليس كوكلاء Agents يعملون مثل الناس. لن يؤدوا الدور الاجتماعي نفسه الذي يؤديه البشر في المجتمع لأنهم خالدون في الأساس».
بقلم توماس لوتون
© 2023, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC