الذكاء الاصطناعي يُنتج تنبؤات جوية بسرعة البرق بجودة تضاهي وكالات الأرصاد الجوية
خلال دقائق معدودة يقدم الذكاء الاصطناعي تنبؤات جوية متفوقا في ذلك على الحواسيب العملاقة من حيث السرعة والدقة
يطلق عليها خبراء الأرصاد الجوية اسم «الثورة الهادئة»Quiet revolution : وهي عبارة عن تحسن تدريجي ولكنه ثابت في التنبؤ بالطقس. حالياً، صارت التوقعات الجوية للطقس بعد ستة أيام جيدة بجودة توقعات الطقس بعد ثلاثة أيام قبل 30 عاماً. نادراً ما تفاجِئ العواصفُ الشديدة أو موجاتُ الحر الناسَ. فقد أنقذت هذه الثورة أرواحاً وأموالاً، ولكنها تأتي أيضاً بتكلفة: بلايين الدولارات من الحواسيب العملاقة المتعطشة للطاقة، والتي يجب أن تعمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع فقط لإنتاج بعض التوقعات يومياً.
ويحفز الذكاء الاصطناعي (AI) الآن ثورة أخرى في مجال التنبؤ العددي بالطقس Numerical weather prediction، كما يُعرف هذا المجال. ففي غضون دقائق قليلة على الحواسيب المكتبية الرخيصة، يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي المدربة الآن إجراء تنبؤات للطقس بعد عشرة أيام تكون بجودة أفضل النمذجات التقليدية – وفي بعض الحالات أفضل. وقد تبنت أكبر وكالة للأرصاد الجوية في العالم، المركز الأوروبي للتنبؤات الجوية متوسطة المدى (اختصارا: المركز ECMWF)، هذه التكنولوجيا: ففي الشهر الماضي بدأت بإنشاء توقعاتها التجريبية بالذكاء الاصطناعي. ويمكن للخوارزميات أن تتيح تنبؤات أكثر تكرارا، وتحرر بذلك موارد الحوسبة لمواجهة مشكلات شائكة أخرى. تقول ماريا مولينا Maria Molina، عالمة الأرصاد الجوية التي تركز على الذكاء الاصطناعي في جامعة ميريلاند: «من المثير جدا أن نعرف أنه بإمكاننا توليد تنبؤات عالمية ماهرة، وبتكلفة زهيدة حقاً».
ويتنافس بعض من أكبر عمالقة التكنولوجيا في العالم على تطوير النمذجة الأكثر مهارة، بما في ذلك ديب مايند من غوغل، التي عرضت نمذجتها GraphCast في مجلة ساينس Science هذا نوفمبر 2023، وهواوي، التي نشرت نمذجة مماثلة تُسمى Pangu-Weather، في مجلة نيتشر Nature في وقت سابق من عام 2023. هذا، وتمتلك غوغل أيضاً نموذجاً قصير المدى للطقس يعمل بالذكاء الاصطناعي، والذي يجعل التنبؤات المتداولة على مدار 24 ساعة أكثر دقة من أي وكالة طقس تقريباً. ويقول أديتيا غروفر Aditya Grover، باحث الذكاء الاصطناعي من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، إنه تقدم مذهل في مهمة كان يُعتقد أنها غير قابلة للتنفيذ قبل بضع سنوات فقط. ويتابع قائلا: «من وجهة نظر التكنولوجيا، لدينا كل المكونات في مكانها الصحيح».
تبدأ نمذجات الطقس التقليدية بتغذية لقطة Snapshot من الظروف الحالية، استنادا إلى أرصاد من الأقمار الاصطناعية، ومحطات الطقس، والعوامات المائية Buoys، في نموذج الحاسوب شبكي يقسم الغلاف الجوي إلى ملايين المربعات. تعالج اللقطة إسقاطاً على الزمن المقبل من خلال تطبيق القوانين الفيزيائية لديناميات الموائع على كل مربع، وهذه العمليات الحسابية هي ذات تكلفة كبيرة. يمكن أن يستغرق تشغيل النمذجات عدة ساعات على الحواسيب الفائقة Supercomputers المزودة بمليون معالجProcessors ، وعادة ما تنتج وكالات الطقس أربعة تحديثات فقط في اليوم.
نمذجات الذكاء الاصطناعي الجديدة لا تتطلب مثل هذه التكلفة، إذ تعتمد على «التعلم العميق» لحل المعادلات. فهي تحدد الأنماط Patterns التي يتطور بها الغلاف الجوي بشكل طبيعي، وذلك بعد تدريبها على حصيلة 40 عاماً من «إعادة تحليل» البيانات والصادرة من المركز ECMWF – وهي عبارة عن مزيج من الأرصاد والتنبؤات النموذجية قصيرة المدى التي تمثل أفضل وأكمل صورة لنمذجات الطقس الماضي. عند تغذية لقطة أولية للغلاف الجوي بناءً على المجموعة نفسها من الأرصاد والنمذجة، يمكن للنمذجة GraphCast أن تتفوق في الأداء على توقعات المركز ECMWF وتتنبأ بالطقس إلى مدة تصل إلى عشرة أيام، وبدقة تصل إلى 90% من أهداف التحقق Verification targets المعتمدة، بما في ذلك مسارات الأعاصير ودرجات الحرارة القصوى. فعلى الرغم من أن الأمر استغرق 32 حاسوبا لمدة أربعة أسابيع لتدريب نمذجة الذكاء الاصطناعي، إلا أن الخوارزمية الناتجة سريعة بما يكفي لتنفيذها في في أقل من دقيقة واحدة على حاسوب سطح مكتب واحد، كما يقول ريمي لامRémi Lam ، المؤلف الرئيسي للورقة المنشورة حول النمذجة GraphCast. ويتابع قائلا: «إن الخوارزمية سريعة ودقيقة ومفيدة».
ويبدو أن هذه الفوائد تستمر بالتحقق حتى في المواقف الأكثر واقعية. في وقت سابق من هذا العام، شغّل باحثون من المركز ECMWF النمذجة Pangu، وغذّوها فقط بالأرصاد التي تدخل في نمذجته التشغيلية للتنبؤ بالطقس Operational weather model. تقدم هذه الأرصاد صورة أكثر محدودية للغلاف الجوي، والناتجة من لقطات إعادة التحليل المستخدمة لاختبار النمذجة GraphCast. وكانت مهارة تنبؤات النمذجة Pangu مماثلة للنمذجة الرئيسية للمركز ECMWF، على الرغم من أن تنبؤات النمذجة Pangu بهطول الأمطار وغيرها من الأحداث الجوية الدقيقة كانت أكثر غموضاً بعض الشيء. يقول زيد بن بوعلاق Zied Ben Bouallègue، الذي قاد التحليل، الذي صدر كطبعة أولية على موقع arXiv في يوليو 2023: «لقد كانت ساحة لعب متكافئة. وفوجئنا برؤية نتائج بمثل هذه الجودة».
توالت هذه التطورات بسرعة مذهلة. إذ جاءت الخطوة الرئيسية في عام 2020، عندما أنشأت مجموعة بقيادة ستيفان راسب Stephan Rasp، -الذي يعمل الآن أيضاً في غوغل- النمذجة ويذر بينش WeatherBench، مما جعل بيانات إعادة التحليل من المركز ECMWF سهلة المعالجة، وأيضاً لإثارة المنافسة، وضعوا معياراً قياسيا Benchmark لقياس مهارات التنبؤ. في عام 2022، بعد بضعة أشهر من العمل خلال التفرغ العلمي، نشر رايان كيسلر Ryan Keisler، الفيزيائي الذي يعمل الآن في شركة كوبولدميتالز KoBoldMetals للتنقيب عن المعادن، نسخة أولية تصف نمذجة بسيطة تمتاز بمهارة كبيرة في التنبؤات لمدة ستة أيام في المستقبل. ويقول كيسلر: «بالنظر إلى حجم البيانات التاريخية التي يمكن التعلم منها، كان من المؤكد أن الخوارزمية ستنجح على مستوى ما».
وستكون الخطوة التالية هي إنتاج مجموعات متكاملة من النتائج، وهو ابتكار تنبؤي يساعد على التقاط حالة عدم اليقين Uncertainty من خلال تشغيل النمذجة عدة مرات لإنشاء مجموعة من النتائج المحتملة. يمكن لباحثي الذكاء الاصطناعي اتباع التقنية التقليدية لتعديل الظروف الجوية الأولية قليلا قبل تشغيل كل نمذجة، أو يمكنهم تكييف تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدية AI generative techniques -التي أثارت الأوساط بقدرتها على توليد النصوص والصور- لإنشاء ظروف معدلة بسرعة. يقول راسب: «أنا متأكد من أن كل مجموعة بحثية تنكب الآن على مثل ذلك». يمكن لمثل مجموعات التنبؤات هذه أن تساعد نمذجات الذكاء الاصطناعي على التنبؤ بشكل أفضل بالأحداث المتطرفة، مثل الأعاصير القوية، التي تقلل الأدوات الحالية من شدتها المتنبأ بها.
لمزيد من التحسين، يمكن فصل نمذجات الذكاء الاصطناعي عن بيانات إعادة التحليل، التي تحمل في طياتها تحيزات النمذجات التقليدية. وبدلاً من ذلك، يمكنها التعلم مباشرة من البيتابايتات من بيانات الأرصاد الأولية التي تحتفظ بها وكالات الطقس، كما يقول كيسلر. إن نموذج الطقس قصير المدى الذي طورته شركة غوغل يفعل ذلك بالفعل، إذ يدرب نفسه على البيانات الواردة من محطات الأرصاد الجوية، والرادار، والأقمار الاصطناعية.
يقول كريستوفر بريثرتون Christopher Bretherton، عالم الغلاف الجوي Atmospheric scientist في معهد ألين للذكاء الاصطناعي Allen Institute for AI، إن إمكانات هذه النمذجات لا تتوقف عند التنبؤ بالطقس. ولا يمكنهم توقع المناخ بمفردهم، لأن مجموعات البيانات التدريبية التي تمتد لأربعين عاما ليست طويلة بالقدر الكافي لالتقاط اتجاهات الاحترار العالمي Global warming trends ، والتي تخضع لردود أفعال معقدة من السحب والغازات والهباء الجوي (أيروسول) Aerosols التي يمكنها تسريع أو إبطاء تغير المناخClimate change . ولكنها يمكن أن تساعد جيلاً جديداً من النمذجات المناخية عالية الدقة قيد التطوير لتشغيل الحواسيب إكزاسكيل Exascale computers، وهي أحدث الحواسيب الفائقة السرعة. وبمجرد أن تنتج هذه النمذجات ما يكفي من المخرجات لتدريب الذكاء الاصطناعي عليها، يمكن أن يتولى الذكاء الاصطناعي الأمر. إذ يقول بريثرتون: «يمكننا أن نصنع مُحاكيات لهذه النمذجات ثم نشغلها بسرعة أكبر بـ 100 ضعف».
قليلون يتوقعون اختفاء التوقعات التقليدية في أي وقت قريب، لكن الذكاء الاصطناعي «يقترب بسرعة من النقطة التي يمكن أن يكون فيها مكملاً مفيداً»، كما يقول ماثيو شانتري Matthew Chantry، منسّق عمل الذكاء الاصطناعي في المركز ECMWF. وقد يتباطأ اعتماد الذكاء الاصطناعي بسبب القلق بشأن طبيعة الصندوق الأسود للذكاء الاصطناعي: لا يستطيع الباحثون في كثير من الأحيان تحديد كيفية وصول هذه الأنظمة إلى استنتاجاتها. لكن ربما كان هذا القلق مبالغ فيه، كما يقول شانتري، الذي يشير إلى أن النمذجات التقليدية معقدة جداً أيضاً، لدرجة أن «هناك درجة من الغموض متضمنة فيها بالفعل».
ويقول غروفر إن الأمر سيعود في نهاية المطاف إلى المستخدمين: «إذا كنت مزارعاً في الحقل، فهل ستهتم بالتنبؤات الأكثر دقة، أو تلك التي يمكنك استخلاصها باستخدام المعادلات الفيزيائية؟»
بقلم: بول فوسن
ترجمة: Google Translate
تنقيح: فريق تحرير مجلة العلوم
المصادر العلمية:
نبذة عن الكاتب:
بول فوسن Paul Voosen كاتب في فريق العمل يغطي علوم الأرض والكواكب.
حقوق المقالة:
©2023, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved