المُحَلّيات: الحقيقة المرة حول بدائل السكر منخفضة السعرات الحرارية
صارت المُحليات منخفضة السعرات الحرارية مثل الأسبارتم شائعة في جميع وجباتنا الغذائية. مع المخاوف بشأن آثارها الصحية، هل يجب أن تلجأ إلى بدائل نباتية جديدة للاستمتاع بالحلاوة
كان من الصعب علي تصديق أنني كنت آكل حبة ليمون. قبل ذلك، كنت قد تركت قرصاً صغيراً لا طعم له على لساني، يحتوي على مسحوق مجفف لفاكهة من شجيرة في غرب إفريقيا تعرف علمياً بالاسم سينسيبالوم دولتشفيكوم Synsepalum dulcificum، ويطلق عليها اسم التوت المعجزة. فعندما قضمت بعدها شريحة من الليمون، ملأ فمي إحساسٌ بحلاوة واضحة بدلا من الحموضة.
في دولة بنين، يستخدم التوت منذ فترة طويلة لتحلية الأطعمة الحامضة، وذلك بفضل البروتين الموجود في لبها والذي ينشط مؤقتاً مستقبلات الحلاوة في الفم عندما تكون الأحماض موجودة. الآن قد يصير مقدراً لها النجاح على مستوى عالمي، باعتبار أنها عامل مهم في سعينا إلى إيجاد طرق صحية لإشباع رغبتنا الملحة للطعم الحلو.
العديد من الأطعمة والمشروبات تحتوي على بدائل للسكر، ولكن في 2023، نصحت منظمة الصحة العالمية (WHO) بعدم استخدامها للتحكم في الوزن
نعلم جميعاً أن الإفراط في تناول السكر أمر ضار، وهو ما تسبب في جائحة من البدانة المفرطة Obesity وداء السكري من النوع الثاني Type 2 diabetes. ولذلك، فإن العديد من الأطعمة والمشروبات تحتوي بدلاً من ذلك على بدائل للسكر، مثل الأسبارتام Aspartame والستيفيا Stevia والسكرالوز Sucralose، لتوفير حلاوة يفترض أنها خالية من الشعور بالذنب. ولكن، يتزايد الجدل حول ضررها. في مايو 2023، نصحت منظمة الصحة العالمية (WHO) بعدم استخدامها للتحكم في الوزن، ومحاولة تجنب داء السكري من النوع الثاني. وهما أمران كان يُعتقد سابقاً أن بدائل السكر تساعد في تحقيقهما.
حالياً، صارت لدينا فكرة أوضح عن كيفية تأثير هذه المُحلِّيات في صحتنا بالضبط، وقد فتح الباب أمام موجة جديدة من البدائل المبنية على النباتات. المُحلِّيات التي تعتمد على التوت المعجزة، وعلى نوع نادر من سكر التين، ونوع جديد من بلورات السكر، كلها تتنافس على المرتبة الأولى. فهل ستوفر هذه المُحلِّيات طريقة صحية لإشباع رغباتنا، أم أننا بحاجة إلى إعادة التفكير في علاقتنا بالحلاوة تماماً؟
البشر مُحبُّون للحلويات بشكل عام، ولذلك سبب وجيه، وهو أن أسلافنا احتاجوا إلى الطاقة التي توفرها الأطعمة السكرية من أجل البقاء. ومع ذلك، حتى وقت قريب نسبياً، كان أغلب حصولنا على السكر يأتي من الفواكه الناضجة وربما القليل من العسل. أما حالياً فإن وجباتنا الغذائية مملوءة بالسكريات المضافة، والمتهم الرئيسي هو سكر الطعام – وهو عبارة عن سكروز مستخرج من قصب السكر والبنجر.
إن عدم قدرتنا على مقاومة هذه الأشياء يكلف صحتنا ثمناً باهظاً، وهذا هو السبب في أن منظمة الصحة العالمية توصي بتناول أقل من 25 جراماً في اليوم (أي ما يعادل ست ملاعق صغيرة) من السكر المضاف في طعامنا وشرابنا. وهو ما قد يكون صعباً، نظراً لوجود السكر في كل جزء من نظامنا الغذائي تقريباً. في الولايات المتحدة على سبيل المثال، يستهلك الناس نحو 17 ملعقة صغيرة من السكر المضاف في المتوسط كل يوم.
وبحسب ما يقول نيناد نوموفسكي Nenad Naumovski من جامعة كانبيرا University of Canberra في أستراليا: «من المهم جداً أن نحاول إيجاد بديل أفضل للسكر».
ولمعالجة هذا الأمر، لجأت شركات الأغذية منذ فترة طويلة إلى البدائل غير السكرية التي تنشط مستقبلات تذوق الحلاوة في الجسم ولكنها تحتوي على سعرات حرارية قليلة أو معدومة. كان أول محلٍ صناعي نتيجة لاكتشاف عرضي أجري في سبعينات القرن التاسع عشر، عندما لم يغسل كيميائي يدعى كونستانتين فالبرغ Constantin Fahlberg يديه بعد تحليل قطران الفحم – أو هكذا تقول القصة – ووجد أن عشاءه كان حلواً بشكل غير عادي. وكانت المادة المسؤولة هي السكارين، وهي مادة أحلى من السكر بـ 300 إلى 450 ضعفاً.
الأسبارتام والسوكرالوز والستيفيا
منذ ذلك الحين، اكتُشفت العديد من المحليات الصناعية الأخرى، بما في ذلك الأسبارتام عام 1965، والسكرالوز عام 1976، وكذلك المحليات الطبيعية مثل مستخلصات الستيفيا، والتي استخدمها الناس في أمريكا الجنوبية لعدة قرون وسوقت تجارياً لأول مرة في سبعينات القرن العشرين. فمعظم هذه المحليات لا تحتوي على سعرات حرارية، على الرغم من أن بعضها، مثل الأسبارتام، يحتوي على عدد قليل من السعرات الحرارية، وعادة ما تكون أحلى 100 مرة على الأقل من متوسط حلاوة التفاح أو البرتقال. كما أن هناك محليات مستخلصة من الكحوليات السكرية Sugar alcohols، مثل السوربيتول sorbitol والزيليتول Xylitol المتواجدة طبيعياً، والتي هي تقريبا حلوة بمثل حلاوة سكر الطعام ولكنها تحتوي على أقل من نصف السعرات الحرارية. عالمياً، تبلغ قيمة سوق بدائل السكر نحو 20 بليون دولار سنوياً، ويجب أن تخضع هذه المنتجات لاختبارات سلامة صارمة قبل موافقة السلطات التنظيمية عليها.
تقول شيري راسل Cherie Russell من جامعة ديكن Deakin University في مالبورن: «جميعها لديها خصائص مختلفة من حيث المذاق الذي يبقى في الفم، ومدى حلاوتها، ومكوناتها الكيميائية. يمكنك عمل تركيبات مختلفة منها لتكون مناسبة لأي طعام تقريباً».
اكتشفت راسل في أبحاثها بدائل للسكر في مجموعة متنوعة من المنتجات، ليس فقط الصودا الخالية من السكر والعلكة وأكياس السكر التي تضاف للقهوة كما قد تتوقع، ولكن أيضاً الألبان والحبوب والمثلجات والحليب المنكّهات والكومبوتشا. وهذا يعني أنه يسهل جداً استهلاك المحليات منخفضة السعرات الحرارية دون إدراك ذلك، خاصةً وأنها غالباً ما تستخدم في معجون الأسنان وغسول الفم (لسبب وجيه: لتجنب استخدام السكر المعزز للتسوس). وجدت إحدى الدراسات التي أجريت على الأشخاص الذين قالوا إنهم لم يستهلكوا المحليات منخفضة السعرات الحرارية أن ما يقرب من نصفهم كان لديهم «تعرض غير متوقع» للمحليات، بدليل العثور على نسب من السكرالوز في بولهم. بل إن الأطفال يمكنهم حتى تناول المحليات من خلال حليب الرضاعة.
وجد مسح أجري عام 2022 لمختلف الأطعمة والمشروبات في معظم أنحاء العالم أجرته راسل وزملاؤها أن استخدام المحليات غير السكرية في المشروبات في ازدياد، وكذلك في الأطعمة المعلبة في العديد من البلدان. كما كان الاستخدام عادة أعلى في البلدان التي تعتمد سياسات للحد من تناول السكر.
ومع ذلك، فإن استبدال السكر بهذه البدائل ليس بالأمر السهل. فلا يسهم السكر في طعم الطعام فحسب، بل في قوامه أيضاً. فهو يمنع البسكويت من التفتت ويمزج مع بياض البيض لإعطاء شعور الكريمي لبعض المشروبات. يقول نوموفسكي: «إن الاستعاضة عن %10 فقط من السكر واستبداله بشيء آخر يسبب كل أنواع الفوضى بالبسكويت. فهو لا ينتج اللون الصحيح، كما أن القوام لا يكون صحيحاً تماماً». يتفكك الأسبارتام عند تسخينه ويفقد حلاوته، والكعك المصنوع من السكرالوز يكون أصغر حجماً، والستيفيا يتبعها شعور مر قليلاً بعد تناولها، وهو ما يمكن أن يجده المستهلكون أمراً غير محبب. لذلك، على الرغم من حلاوة بدائل السكر منخفضة السعرات الحرارية، إلا أنها غالباً ما تستخدم في نطاقات محددة، مثل إضافة النكهة إلى مشروبات الحمية أو العلكة، أو استخدامها إلى جانب السكر بدلاً من إزاحته تماماً عن الطعام.
وبالمثل، فإن الأمور معقدة أيضاً عندما يتعلق الأمر بالتأثير الصحي للمحليات. من الناحية النظرية، إذا حالت المحليات دون تناولنا الكثير من السكر، فلا شك في أنها ذات فائدة. ولكن، تبين أن هذه قضية مثيرة للجدل بشكل كبير.
التأثير الصحي للمحليات
أثيرت على مر السنين مخاوف بشأن سلامة استهلاك بعض المحليات على المدى الطويل. كان آخرها في يوليو عندما صنفت الوكالة الدولية لأبحاث السرطان International Agency for Research on Cancer، وهي جزء من منظمة الصحة العالمية، الأسبارتامَ على أنه «مسبب محتمل للسرطان في البشر»، وذلك بناء على أدلة محدودة في أنه قد يسبب سرطان الكبد. ولكن، بعدها بوقت قصير، خرج خبراء صحة آخرون من منظمة الصحة العالمية بإفادات بأن سلامة الأسبارتام ليست محط قلق عند مستوى الجرعات التي يتناولها الناس بها عادة.
ومع ذلك، فقد التقطت دراسات أخرى طويلة الأجل لعدد كبير من السكان أيضاً ارتباطات بين المحليات والسرطان، على الرغم من أنها لا تثبت العلاقة السببية Causal بينهما. مثلا، في العام 2022، في تحليل أجري على دراسة تتبع مجموعة سكانية لفترة من الزمن اسمها دراسة نيوتري نيت سانتي NutriNet-Santé وتشتمل على أكثر من عقد من السجلات الغذائية من 102,865 بالغاً في فرنسا، ثبت أن الاستهلاك العالي للأسبارتام ومحلٍّ آخر، أسيسولفام البوتاسيوم Acesulfame-K، يرتبط بالإصابة بالسرطان. وهذا، إضافة إلى نتائج دراسات أخرى مماثلة، «يشير إلى وجود إشارات تتعلق بالمُحلِّيات وزيادة خطر الإصابة بالسرطان في البشر»، بحسب ما تقول ماتيلد توفيير Mathilde Touvier، الباحثة الرئيسية في مجموعة الدراسة NutriNet-Santé.
كما تشير بعض الدراسات أن الاستهلاك المستمر للمُحلِّيات يرتبط بخطر زيادة الوزن، وأمراض القلب، والسكري من النوع الثاني. وأحد التفسيرات هو أن فصل الطعم الحلو ونسبة السعرات الحرارية قد يخل باستجابة الجسم الفسيولوجية للسكر. تقول توفيير: «يعتقد الدماغ أن هذه المُحلِّيات مماثلة للسكر ومن ثم ينتج الكمية نفسها من الأنسولين، مما يؤدي إلى الإفراط في إنتاجه. لذلك، عندما نحتاج حقاً إلى آلية الأنسولين هذه فإنها لا تعمل». ومع ذلك، هناك أيضاً شكوك في أننا نشهد ببساطة سببية عكسية في هذه الدراسات، حيث يكون الأشخاص الذين يعانون بالفعل من البدانة المفرطة والأمراض الاستقلابية قد يستهلكون المزيد من المشروبات منخفضة السعرات الحرارية بطبيعة الحال.
من ناحية أخرى، تشير العديد من الدراسات، خاصة في القوارض، إلى أن استهلاك الأطعمة التي تحتوي على محليات منخفضة السعرات الحرارية يؤدي إلى الشعور بالجوع، ومن ثم زيادة تناول الطعام. يتناسب هذا مع الأبحاث التي أجريت على البشر من عام 2019، بقيادة أليسون سيلفيتسكي Allison Sylvetsky في جامعة جورج واشنطن George Washington Universiy في واشنطن العاصمة، التي وجدت أن استهلاك المشروبات المحلاة منخفضة السعرات الحرارية يرتبط بزيادة في إجمالي الطاقة وفي استهلاك السكر بين الأطفال والمراهقين في الولايات المتحدة.
ولزيادة تعقيد الأمور، وجدت دراسة أجريت عام 2020 أن المشروبات التي تحتوي على السكرالوز تؤثر فقط على استجابة الجسم للغلوكوز عندما تُستهلك جنباً إلى جنب مع الكربوهيدرات. بعبارة أخرى، قد يكون لشرب الصودا الخالية من السعرات الحرارية تأثير في عملية التمثيل الغذائي لدينا فقط إذا استهلكناها مع البطاطس المقلية.
قد يَرجع بعض الارتباط بين المحليات واستجابة الغلوكوز في الجسم إلى الميكروبات الموجودة في أمعائنا. تأتي الأدلة الرئيسية على ذلك من تجربة عشوائية ذات بمجموعة ضابطة (مقارنة) Randomised controlled trial العام الماضي (2022) على 120 شخصاً، بقيادة جوثام سويز Jotham Suez في جامعة جونز هوبكنز Johns Hopkins في ماريلاند. إذ وجدت الدراسة أن السكرالوز والسكارين والستيفيا والأسبارتام كلها غيرت بشكل كبير أنواع البكتيريا في الأمعاء والفم وكذلك نشاطها، ولكن السكرالوز والسكارين كانا الوحيدين اللَّذَين أديا إلى ارتفاع كبير في نسبة الغلوكوز في الدم
تأثير الميكروبيوم
عندما نُقل هذا الميكروبيوم المتغير إلى الفئران التي تفتقر إلى الميكروبات المعوية، أثارَ استجابةً مماثلة للغلوكوز، مما يدل على أن التأثير الأيضي كان سببه التغيرات في الميكروبيوم. يقول سويز: «إن الميكروبيوم الذي يتغير بفعل التعرض للمُحلِّيات، عندما يُزرع في الفئران التي ليس لديها ميكروبيوم خاص بها… يكون كافياً للتسبب بزيادة الوزن وتعطيل تحمل الغلوكوز Glucose tolerance. تشير دراساتنا – ودراسات قام بها آخرون – أن تعديل بكتيريا الأمعاء بالمُحلِّيات يكفي لوحده لتعطيل الصحة الاستقلابية، بغض النظر عن فصل الطعم الحلو عن السعرات الحرارية». ويقول سويز، والذي يبحث حالياً هذا الموضوع، أن الكيفية الدقيقة لتعطيل الميكروبيوم المتغير عمليةّ التمثيل الغذائي لا يزال من دون إجابة.
والنتيجة هي أن المُحلِّيات يمكن أن تؤثر في صحتنا بطرق متعددة، ولم نكتشف بعد واحدة بحلاوة السكر نفسها، ولكن من دون أي من سلبياته – إن كان مثل هذا الشيء موجوداً أصلاً. لكن البحث مستمر على قدم وساق في الصناعات الغذائية. أحد المجالات الواعدة للبحث فيها هو في مجموعة من 50 أو أكثر من السكريات النادرة الموجودة في نباتات معينة، أشهرها الأليلوز. والموجود بكميات صغيرة في التين والزبيب، وله طعم وحلاوة مماثلة لسكر المائدة، في حين يحتوي على 10% فقط من السعرات الحرارية. كما أنه لا يسبب ارتفاع نسبة الغلوكوز في الدم، ولذلك في عام 2019، صادقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية US Food and Drug Administration (اختصارا: الإدارة FDA) استخدامه في المنتجات «الخالية من السكر». أنتج هذا السكر بالفعل تجارياً، واستُخدِم في بعض ألواح الطاقة ومطيبات الطعام، ولكنه لا يزال أغلى نسبيا من حيث تكلفة التصنيع. وهو أمر قد يتغير في المستقبل؛ إذ أظهرت دراسة أجريت الشهر الماضي أن سلالة معدلة وراثياً من البكتيريا الشائعة، الإشريكية القولونية E. coli، يمكنها إنتاج الأليلوز بتكلفة قليلة وبكميات كبيرة.
وهناك بديل آخر للسكر كثر الثناء عليه وهو مستخلص فاكهة الراهب Monk fruit extract، وهو مسحوق مركز ينتج عن طريق تجفيف العصير من توت ينمو على كرمة تنبت في المناطق النائية من الصين. استخدم هذا المستخلص لعدة قرون في الطب التقليدي الصيني، ومصدر حلاوته هو من مادة تسمى مغروسيد 5 (Mogroside V)، والذي تفوق حلاوته حلاوة السكر بمئتي مرة، ولكنه لا يحتوي على سعرات حرارية. كما أن إيجاد طريقة لزيادة إنتاج مستخلص فاكهة الراهب كان ولا يزال أمراً صعباً، ولكن شركة «الزراعة الجزيئية» في ولاية كارولينا الشمالية المسماة إيلو لايف سيستمزElo Life Systems طورت الآن طريقة لزراعة المغروسيد 5 مباشرة في البطيخ – مع فكرة توليده بكميات أكبر بكثير.
كما ظهر في السوق منتج سببلانت Supplant، والذي يصنع عن طريق «استخلاص بإعادة التدوير» Upcycling للأجزاء المتبقية من المحاصيل القابلة للزراعة مثل قش القمح، باستخدام إنزيمات لتحويل الكربوهيدرات إلى مزيج من السكريات والألياف. وهو ما ينتج منتجاً غنياً بالألياف مشابهاً في طعمه سكر القصب وله خصائص مماثلة عند طهيه، مثل التحول إلى كراميل، ولكن بنصف السعرات الحرارية ويولد استجابة ينخفض فيها سكر الدم.
ولكن ربما يصير بإمكاننا في المستقبل التخلص من السكر وشبيهاته منخفضة السعرات الحرارية تماماً، وبحيث نحصل على الحلاوة التي نريدها في الوقت نفسه. هذا هو ما تعد به مجموعة من البروتينات الحلوة الموجودة في التوت الذي ينمو على مختلفِ شجيرات غرب إفريقيا. وتشمل هذه البرازين Brazzein والمونيلين وonellin، وكذلك الميراكيولين Miraculin الأكثر شهرة بينها، والذي يأتي من التوت الذي جعل الليمون الذي أكلته حلواً.
يقول ديديو تشوكبونهوي Dèdéou Tchokponhoué في جامعة أبومي- كالافي Abomey-Calavi في بنين، إن التوت المعجزة كان يختفي من المطبخ الوطني في بنين. كما يقول إن إحدى المشكلات هي أنه نوع بطيء النمو وقد يحتاج إلى خمس سنوات حتى يثمر. ومع ذلك، في عام 2019، أعلن هو وزملاؤه عن طريقة لخفض وقت الإثمار إلى 18 شهراً فقط، بهدف استخدام المحصول للمساعدة في معالجة ارتفاع معدل السكري من النوع الثاني في بنين.
بروتينات حلوة
في أماكن أخرى من العالم، ينجذب مصنعو الأغذية إلى مجال استخدام الميراكولين أو البروتينات الحلوة الأخرى في الأغذية الصحية حامضة المذاق، مثل الزبادي اليوناني العادي، لإعطاء إحساس بالحلاوة. ولكن، هناك العديد من العقبات التي يجب التغلب عليها، مثل فترة الصلاحية القصيرة للميراكيولين.
قد تكون الهندسة الوراثية أحد الحلول. أدخل باحثون في جامعة تسوكوبا University of Tsukuba في اليابان جينات نبات الميراكولين إلى الطماطم. وهناك باحثون آخرون يحاولون إنتاج بروتينات مثل الميراكولين والبرازين من خلال التخمير عن طريق إدخال جيناتها في ميكروبات يمكنها بعد ذلك إفراز هذه المُركّبات، بحيث لا تعود هناك حاجة إلى زراعة التوت.
وفي الوقت نفسه، في جامعة نابولي University of Naples في إيطاليا، كانت ديليا بيكوني Delia Picone تدرس البروتين الحلو «المونيلين» Monellin، المعزول أولاً عن شجيرة المصادفة Serendipity shrub في غرب إفريقيا، وتعتقد أن لديه إمكانات تجارية أفضل من الميراكولين. وتقول: «إنها من أحلى البروتينات، لذلك تحتاج فقط إلى كمية صغيرة جداً منها كبديل للسكر». أحد عيوب المونيلين هو أنه يتفكك عندما يتعرض للحرارة، ولكن في عام 2021 ابتكرت بيكوني وزملاؤها طريقة لتعديل بنيته الكيميائية بحيث يبقى سليماً أثناء الطهي.
على الرغم من أن هذه المواد «معترف بها عموماً على أنها آمنة» من قبل السلطات التنظيمية، إلا أنه ينبغي متابعة التغيرات التي ستحصل في هذا المجال، حيث إن الأبحاث حول التأثيرات طويلة الأمد لهذه المنتجات الحديثة لا يزال في مهده، لذلك لا نعرف حتى الآن إن كانت ستعاني مشكلات مماثلة للمُحلِّيات الأقدم.
وفي الوقت نفسه، كان الباحثون يتلاعبون بالسكر نفسه للحد من بعض سلبياته. ابتكرت شركة أغذية طريقة لإعادة هيكلة بلورة السكر بمزجها بحبوب صغيرة من السيليكا، أقل من واحد إلى 50 من قطر شعرة الإنسان، لجعل السكر يذوب بشكل أسرع على اللسان. وهذا يعطي شعوراً قوياً بالحلاوة، مما يسمح للمصنعين بإنتاج أطعمة ذات مذاق حلو منخفض السعرات الحرارية.
حلاوة أكثر من اللازم
ومع ذلك، لا يعالج أي من هذه التطورات المشكلة الأساسية المتمثلة بأن الأنظمة الغذائية في البلدان الحديثة ذات الدخل المرتفع هي ببساطة حلوة جداً بحسب ما يقول سويز. ويقول: «نحن نستهلك حلاوة أكثر بكثير مما تطورت أجسامنا لتحمله، سواء كانت ذات سعرات حرارية أو من دونها. ولذلك أظن أن هدفنا الأول، في حين نفكر في تحويل أبحاثنا إلى منتجات لاستخدام الجمهور، هو مساعدة الجمهور على إدراك أننا نحتاج فقط إلى استهلاك حلاوة أقل بشكل عام».
لدى راسل مخاوف مماثلة. إذ تقول إن هناك ضرراً حقيقياً من التعود على مستويات عالية من الحلاوة، «فذلك يجعلنا أقل عرضة لاستهلاك الأطعمة التي نعرف أنها جزء لا يتجزأ من النظام الغذائي الصحي – كالحبوب الكاملة والفواكه والخضراوات، وغيرها من الأطعمة التي ليست بحلاوة أغلب المنتجات المصنعة. فهذه مشكلة كبيرة للأنماط الغذائية على مستوى العالم، خاصة بالنسبة إلى الأطفال. حيث تصل إلى نقطة تتوقع فيها الحصول على حلاوة عالية جداً في كل شيء تقريباً».
عندما يتعلق الأمر بالحصول على طعم السكر من دون السكر، يبدو أنه لا يزال أمامنا طريق طويل.
بقلم ديفيد كوكس
© 2023, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC