أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
ملف خاص

ما المصدر الفعلي لميكروبيوم الأمعاء – وهل يهم هذا؟

قيل لنا إن الميكروبيوم المعوي يحدد حين نولد، ويفوت ذلك الأطفال الذين يولدون بعملية قيصرية، لكن يبدو أن العوامل اللاحقة في الحياة لا تقل أهمية

تخيل جزيرة نائية، تكونت حديثا بسبب نشاط بركاني، في وسط المحيط. في البداية، تكون بلا حياة، ثم تستوطنها مجموعة متنامية من النباتات، وتوفر الغذاء لأنواع الحيوانات الرائدة، حتى يصير هناك في النهاية نظام إيكولوجي Ecosystem متنوع ومزدهر.

هذه طريقة مجدية للتفكير في كيفية تطور الأنظمة الإيكولوجية المعوية. يقول آلان ووكر Alan Walker من جامعة أبردين University of Aberdeen في المملكة المتحدة: «يخوض الميكروبيوم Microbiome رحلة. عندما تولد، تدخل بعض البكتيريا، وعندما تبدأ تناول الأطعمة الصلبة، تحل محلها بكتيريا أخرى. هناك عملية دينامية يتغير فيها الميكروبيوم إلى أن تصل مرحلة الطفولة المتوسطة والمتأخرة. وبعدها، في سن الرشد، يكون المجتمع الميكروبي مستقرا نسبيا».

هل تؤثر الولادة القيصرية في ميكروبيوم الطفل؟
هناك فكرة تعرف تأثير المؤسس Founder effect، مفادها أن تأثير المستعمرين الأوائل للجزيرة قد يكون طويل المدى في نظامها الإيكولوجي. حتى وقت قريب، كان الاعتقاد السائد أنه إذا كانت البكتيريا المؤسسة في أمعاء الطفل غير اعتيادية – لأن الطفل ولد بعملية قيصرية، مثلا- فإن هذا قد يخل بالأنظمة الإيكولوجية البكتيرية. وقد دفعت هذه الفكرة بعض الآباء إلى اتخاذ خطوات جذرية لإعادة ميكروبيوم أطفالهم إلى المسار الصحيح. ولكن العلم الذي تقوم عليه هذه الأفكار لم يحسم بعد.

كانت ماريا غلوريا دومينغيز-بيلو Maria Gloria Domínguez-Bello من جامعة روتغرز Rutgers University في نيوجيرسي من أوائل من وثق الاختلافات بين بكتيريا الأمعاء لدى الأطفال الذين يولدون بعمليات قيصرية وأولئك الذين يولدون مهبليا. ووجد فريقها البحثي أنه حين كان عمر الأطفال الذين ولدوا بعملية قيصرية يوما واحدا، احتوى برازهم عددا أقل من البكتيريا الموجودة عادة في المهبل وعددا أكبر من البكتيريا التي تستعمر الجلد عادة. وتقول: «الأطفال مثل الإسفنج، يمتصون أي شيء يتعرضون له».

وجدت الدراسات السابقة أن الأطفال الذين ولدوا بعملية قيصرية يعانون معدلات أعلى قليلا من بعض الحالات المرضية

وجدت الدراسات السابقة أن الأطفال الذين ولدوا بعملية قيصرية يعانون معدلات أعلى قليلا من بعض الحالات المرضية، بما في ذلك البدانة المفرطة Obesity والحساسية Allergy والربو Asthma. وبما أنه اعتقد أن بكتيريا الأمعاء المضطربة تسهم في هذه الحالات، فإن القلق هو أن الولادة القيصرية يمكن أن تلحق ضررا دائما بصحة الأطفال.

ولمواجهة ذلك، ساعدت مجموعة دومينغيز-بيلو على ريادة ممارسة «البذر المهبلي» Vaginal seeding، إذ يمسح وجه الطفل وفمه بقطعة من شاش توضع مسبقا في مهبل أمه. والأهم من ذلك، أن هذا لا يجرى إلا بعد اختبارات للتأكد من عدم وجود أحياء دقيقة Microrganism ضارة في مهبل الأم.

حتى أن بعض الباحثين يعطون الأطفال المولودين بعملية قيصرية جرعات صغيرة من بكتيريا براز أمهاتهم فمويا (مرة أخرى، تفحص بحثا عن الميكروبات الضارة). ولكن التجارب التي أجريت حتى الآن شملت أعدادا صغيرة من المشاركين، لذلك لا يعتبر هذا ذا فائدة طبية مثبتة بعد.

الميكروبيوم والبدانة
إلى جانب ذلك، حتى الافتراضات الأساسية التي تقوم عليها هذه الفكرة مازالت محل نقاش. لم يثبت أن الحالات الصحية المذكورة، مثل البدانة المفرطة والحساسية، ناجمة عن بكتيريا أمعاء مغايرة، بل مرتبطة بها. ويمكن أن يكون شيء آخر، مثل النظام الغذائي أو نمط الحياة، هو الذي يسبب الحالة المرضية والاختلافات في الميكروبيوم. في الواقع، خلصت مراجعة حديثة شارك ووكر في تأليفها إلى أنه لم يعثر حتى الآن على أي علامات ميكروبية للبدانة يمكن الاعتماد عليها (انظر: هل يؤثر ميكروبيوم الأمعاء في وزن الجسم؟).

والأهم من ذلك، أنه من المشكوك فيه ما إذا كانت طريقة ولادة الطفل ذات تأثير دائم في الميكروبيوم في جسمه. وجدت دراسة أجريت عام 2018 أنه لدى الأطفال المولودين مهبليا، لم تستمر البكتيريا من مهبل الأم في أمعاء الطفل إلا لبضعة أيام، في حين استمرت بكتيريا أمعاء الأم في استعمار أمعاء الطفل لعدة أشهر بعد الولادة.

هل تؤثر الرضاعة الطبيعية في ميكروبيوم الطفل؟
هناك مصدر تأثير أكبر هو رضاعة الأطفال رضاعة طبيعية من عدمها، إذ يحتوي حليب الثدي على بعض المركبات الشبيهة بالسكر – غير الموجودة في معظم أنواع حليب الأطفال -والتي تعزز نمو البكتيريا النافعة بيفيدوباكتيريوم Bifidobacterium. ويعتقد أنها مفيدة لعدة أسباب، منها منع استعمار البكتيريا الضارة للأمعاء. بعد ذلك، عندما يفطم الأطفال على الأطعمة الصلبة في عامهم الأول، يبدأ الميكروبيوم بالتغير إلى شكل شبيه بالميكروبيوم في البالغين.

مع نمو الأطفال، يصير التأثير الأكبر في بكتيريا الأمعاء هو الأشخاص الذين يعيشون معهم (انظر: كيف يشكل الميكروبيوم في جسمك بأصدقائك وعائلتك ومن تحب وبحيواناتك الأليفة). يقول ووكر: «عندما يقضي الناس حاجتهم، ستكون هناك بكتيريا تطفو حول المنزل مصدرها البراز». وجدت إحدى الدراسات التي أجريت على عائلة مكونة من ستة أطفال أن الأطفال ببلوغهم بضعة أعوام من العمر، يتشاركون مع أبيهم العدد نفسه من بكتيريا الأمعاء التي يتشاركونها مع أمهم.

لا يزال هناك الكثير مما هو غير واضح حول كيفية ازدهار الأنظمة الإيكولوجية المعوية لدينا وصولا إلى تعقيدها الكامل وتكوينها المميز في كل فرد – إذ تختلف حتى بين التوائم المتماثلة Identical twin. يقول ووكر: «يبدو أن الكثير منها عشوائي تماما ويعتمد على مما تتعرض له. بالتأكيد، لا توجد طريقة لدينا لمعرفة ما إذا كان شخص ما قد رضع أو ولد بعملية قيصرية بمجرد النظر إليه. السؤال الكبير هو ما مدى أهمية تلك النافذة التي كانت مختلفة حينها؟ هناك الكثير لنتعلمه».

بقلم كليو ويلسون

© 2024, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى