كيف يتشكل الميكروبيوم في جسمك بأصدقائك وعائلتك ومن تحب وبحيواناتك الأليفة
كنا نعتقد أن الميكروبيوم يتشكل بصورة أساسية في طفولتنا، لكن من تختار العيش معه لاحقا في الحياة سيشكل سكان أمعائك
عندما نولد، نحصل على معظم ميكروبات الأمعاء من أمهاتنا (انظر: ما المصدر الفعلي لميكروبيوم Microbiome الأمعاء – وهل يهم هذا؟). لكن مع تقدمنا في العمر وتكوين علاقات وثيقة أخرى، بمن في ذلك مع شركاء حميمين وأصدقاء وحيوانات أليفة، نبدأ التقاط ميكروباتهم أيضا. يمكن أن يؤثر هذا في خطر الإصابة بحالات مثل البدانة المفرطة Obesity وداء الأمعاء الالتهابي Inflammatory bowel disease (اختصارا: الداء IBD) والربو Asthma والحساسية Allergy (انظر: ما دور الميكروبيوم في أمراض مثل التعب المزمن Chronic fatigue؟).
يأتي أقوى الأدلة من العمل الذي نشرته في يناير 2023 ميريا فاليس كولومر Mireia Valles-Colomer من جامعة ترينتو University of Trento في إيطاليا، وزملاؤها الذين أجروا أكبر دراسة حتى الآن عن كيفية تشكيل الأشخاص في محيطنا لميكروباتنا المعوية. إذ حللوا الحمض النووي DNA في براز أكثر من 7,000 شخص من أسر من حول العالم، بما في ذلك من مناطق ريفية في إفريقيا وأمريكا الجنوبية ومدن في الولايات المتحدة وأوروبا والصين، ليحددوا السلالات البكتيرية الموجودة في أمعائهم والنسبة التي يتشاركون بها مع الآخرين.
السلالات البكتيرية هي متحورات (تنويعات) جينية Genetic variant طفيفة من النوع البكتيري نفسه وهي فردية جدا، مما يعني أنه إذا تشارك شخصان في سلالة، فلا بد أنها انتقلت من أحدهما إلى الآخر مباشرة. وكما هو متوقع، فإن الرضع الذين تقل أعمارهم عن عام يتشاركون مع أمهاتهم في معظم سلالات بكتيريا الأمعاء: نحو 50%. لكن ببلوغ الأطفال عمر الثالثة، لا يتشاركون إلا 27% من السلالات مع أمهاتهم، وتكون هناك مساهمة متنامية من أفراد الأسرة الآخرين، مثل آبائهم أو إخوتهم.
وكان البالغون الذين يعيشون تحت سقف واحد – بما في ذلك الشركاء – يتشاركون 12% من السلالات مع بعضهم بعضا، وحتى أولئك الذين يعيشون في القرية نفسها يتشاركون 8%. وفي المقابل، فإن الأشخاص الذين لا يعيشون معا أو في القرية نفسها لم يتشاركوا شيئا.
قالت فاليس كولومر إنه من المنطقي أن يتشارك الأشخاص الذين يعيشون في المسكن أو المجتمعات الصغيرة نفسها ميكروبات الأمعاء، إذ يمكن أن تنتشر عن طريق التقبيل والمصافحة وتناول الطعام الذي يعده آخرون. فعلى سبيل المثال، وجدت إحدى الدراسات أن الأزواج يتبادلون 80 مليون بكتيريا في المتوسط في قبلة حميمة مدتها 10 ثوان.
هل يمكن أن يصيبك أحد بعدوى البدانة المفرطة؟
وهذا يثير التساؤل عن إمكانية «إصابتنا بعدوى» بالحالات المرتبطة بالاضطرابات الميكروبية، مثل البدانة المفرطة والداء IBD، من أقرب وأعز الناس إلينا (انظر: هل يؤثر ميكروبيوم الأمعاء في وزن الجسم، أدناه). نعلم من أبحاث سابقة أن إصابة زوج أو صديق مقرب أو أخ بالبدانة يرفع فرص الإصابة بالبدانة المفرطة بنسبة تزيد على 37%، وأن زواجنا من شخص مصاب بالداء IBD يزيد خطر إصابتنا به.
من الصعب معرفة ما إذا كان هذا يرجع ببساطة إلى عوامل نمط الحياة المشتركة أو ما إذا كان تبادل ميكروبات الأمعاء يؤدي دورا أيضا. لكن هناك أدلة ترجح الاحتمال الثاني، وتأتي من التجارب التي أجريت على الفئران، والتي أظهرت أن وزنها ازداد بعد أن نقل إليها ميكروبات أمعاء من أشخاص يعانون البدانة المفرطة وأصيبت بالتهاب الأمعاء بعد نقل ميكروبات من مصابين بالداء IBD.
كيف يؤثر الحيوان الأليف في صحتك
هل يمكن أن ينسحب الأمر نفسه أيضا على الميكروبات التي نلتقطها من الحيوانات الأليفة حولنا؟ في عام 2017، وجد تحليل للبراز من أكثر من 700 رضيع تراوحت أعمارهم بين 3 إلى 4 أشهر في كندا أن أولئك الذين لديهم كلب أو قطة في المنزل لديهم مستويات أعلى من بكتيريا تسمى الناغشة أوسيللوسبايرا Oscillospira ورومينوكوكوس Ruminococcus في أمعائهم، وكلتاهما مرتبطتان بانخفاض معدل الإصابة بأمراض كالربو والبدانة المفرطة.
يقول فينلي إن هذا النقل الميكروبي قد يفسر توصل دراسات أخرى إلى أن التعرض لوجود كلب في مرحلة الطفولة يرتبط بانخفاض خطر الإصابة بالربو والأكزيما Eczema والحساسية الغذائية Food allergy والبدانة المفرطة، لكن لم يثبت بعد وجود علاقة سببية Causal. وفي كلتا الحالتين، من الواضح أننا نتشارك مع زملائنا في السكن أكثر بكثير من مجرد سقف وأربعة جدران.
هل يؤثر ميكروبيوم الأمعاء في وزن الجسم؟
في عام 2006 طفت على السطح فكرة أن الميكروبات الموجودة في أمعائنا قد تؤثر تأثيرا مباشرا في وزن الجسم، عندما أظهر جيفري غوردون Jeffrey Gordon – من جامعة واشنطن في سانت لويس St Louis بميسوري – وزملاؤه أن الفئران النحيلة التي جرت تربيتها من دون أي ميكروبات في الأمعاء – ما أعطاها اسم «الفئران الخالية من البكتيريا» – اكتسبت دهونا أكثر في الجسم حين أعطيت ميكروبات أمعاء مأخوذة من فئران بدينة مقارنة بمن أعطيت ميكروبات من الفئران النحيلة.
وفي عام 2013، كشف فريق غوردون عن دليل إضافي بنقل ميكروبات أمعاء من توائم بشرية متطابقة – وكان بين كل توأمين بدين وآخر نحيل – إلى فئران خالية من البكتيريا. وأظهروا أن الحيوانات التي أعطيت الميكروبات من التوائم البدينة اكتسبت كتلة دهنية أكبر.
يقول أندرو هولمز Andrew Holmes من جامعة سيدني University of Sydney في أستراليا: «يؤدي النشاط الميكروبي دورا مهما في كل من حصاد الطاقة وتنظيم توازن الطاقة». وذلك لأن ميكروبات الأمعاء هي الطريقة الوحيدة التي يمكننا بواسطتها الحصول على الطاقة من الألياف في نظامنا الغذائي، كما أنها تؤثر أيضا في الهرمونات التي تساعدنا على الشعور بالشبع.
جعلت هذه النتائج آخرين يتساءلون عما إذا كان من الممكن علاج البدانة في البشر بإعادة استعمار أمعائهم بميكروبات مأخوذة من أفراد نحيلين بنقل البراز. ومع ذلك، فإن نتائج العديد من التجارب الإكلينيكية التي أجريت لاختبار ذلك كانت مخيبة للآمال.
يقول هولمز إن أحد الأسباب وراء ذلك هو أنه من الصعب زراعة ميكروبات أمعاء جديدة في الأشخاص الذين لديهم ميكروبيوم Microbiome قائم مقارنة بالفئران الخالية من البكتيريا. «إن الأمر يشبه محاولة تحويل السافانا إلى غابة مطيرة بإلقاء 20 ألف طن من بذور الغابات المطيرة عليها – ربما ستدخل بعض الأنواع الجديدة، لكنك بالتأكيد لن تحولها إلى غابة مطيرة».
إضافة إلى ذلك، هناك العديد من العوامل الأخرى التي تؤثر في وزن الجسم، بما في ذلك الجينات والنظام الغذائي. في المستقبل، قد نكون قادرين على تحديد استراتيجيات فقدان الوزن الأكثر فعالية للأفراد البدينين بتحليل الميكروبيوم لديهم إلى جانب الجينات والنظام الغذائي.
بقلم أليس كلين
© 2024, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC