أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
غير مصنف

تطوير القيادة يخذلنا. إليكم كيفيةَ إصلاحه

برامج تطوير القيادات التنفيذية هي تجارة كبيرة، لكن كثيراً منها يفشل في تحقيق نتائج ذات مغزى. إليكم كيف تكُونون مستهلكاً ذكياً.

هانيس ليروي – موران أنيسمان رازين – جيم ديتيرت

مساعدة المديرين والمشاركين في الإدارة من ذوي الإمكانات العالية على تطوير مهارات قيادية أفضل يمكن أن تكون جزءاً مهماً من بناء القدرات المؤسسية – لكن بالنسبة إلى عديد من الشركات تقصر برامج تطوير القيادة كثيراً. كثيراً ما يعجز المسؤولون عن إظهار كيف أنتج إنفاقهم تغييرات كبيرة ودائمة في القدرات الفردية للمشاركين أو النتائج الجماعية، ومع ذلك يواصل المسؤولون التنفيذيون العاملون تمويل هذه الفعاليات من دون الحاجة إلى مثل هذه المساءلة.((P. Vongswasdi, H. Leroy, J. Claeys, et al., “Beyond Developing Leaders: Toward a Multinarrative Understanding of the Value of Leadership Development Programs,” Academy of Management Learning & Education (forthcoming), published online June 12, 2023.)) النتيجة: صناعة ضخمة لتطوير القيادة قليل منها فقط يميّز بين الغث والسمين فيها.

توضح مراجعتنا لبرامج تطوير القيادة Leadership development programs (اختصاراً: البرامج LDPs) في عشرات كليات إدارة الأعمال حول العالم أوجه القصور النموذجية.((H. Leroy, M. Anisman-Razin, B.J. Avollo, et al., “Walking Our Evidence-Based Talk: The Case of Leadership Development in Business Schools,” Journal of Leadership & Organizational Studies 29, no. 1 (February 2022): 5-32.)) قلة من مديري البرامج الذين شملهم الاستطلاع يمكنهم تحديد كيف أن تصميم عروض تطوير القيادة الخاصة بهم وتقييمَها يلبيان باستمرارٍ المعايير العلمية للتأثير المطلوب. وبدلاً من توثيق التحسن في قدرات المشاركين، مثلاً، قالت الأغلبية (70%) إنها تكتفي بردود فعل إيجابية على البرنامج أو أدلة على المعرفة المكتسبة، على الأقل على المدى القصير (63%). لم يربط أي من هؤلاء برامجهم بالتغيرات في المسارات المهنية للمشاركين، أو مواقف المتابعين أو أدائهم، أو النتائج على مستوى الفريق أو المؤسسة.

وبالمثل، كشفت المقابلات التي أجريناها أخيراً مع 46 مسؤولاً تنفيذياً للموارد البشرية أن اختيارهم لبرامج LDPs نادراً ما يسترشد بقوة بأدلة على الفاعلية. بدلاً من ذلك، أقر معظمهم بأنهم اتخذوا قرارات كهذه بمعلومات محدودة، وكثيراً ما يستثمرون مبالغ كبيرة بناء على أشياء مثل ”مظهر“ البرنامج (مثل موقع إلكتروني مصمم جيداً) أو كاريزما الكلية. وكما أشار أحد المسؤولين التنفيذيين، يبدو أن قرارات تطوير القيادة تشبه صناعة المواعدة عبر الإنترنت، حيث يعتمد تمرير صفحات النبذات المختصرة إلى اليسار أو اليمين – من شاشة الهاتف – على المظهر أكثر من الجوهر.

هذه المشكلة ليست حتمية. من سنوات دراستنا لتطوير القيادة، وتطوير البرامج وتقديمها، والعمل مع كبار مسؤولي الموارد البشرية وكبار مسؤولي التعلم في مؤسسات مثل إريكسون Ericsson ومايكروسوفت Microsoft وفيليبس Philips والصليب الأحمر Red Cross وسيمنز Siemens، توصلنا إلى فرضية بسيطة: يتطلب تطوير القيادة الجيدة الانتباه لثلاثة عناصر أساسية – رؤية Vision البرنامج ومنهجه Method وتأثيره Impact والتكامل بينها.

فقط بعض الأسئلة الجيدة حول البرنامج، والتحليل الدقيق للإجابات، يمكن أن توضح مدى جودة تصميم كل عنصر من هذه العناصر ومواءمتها مع العناصر الأخرى – وتؤدي إلى قرارات أفضل بكثير. تشرح هذه المقالة ما الذي يجعل برنامجاً يكون عالي الجودة، وتحدد الأسئلة التي يجب على القادة ومطوري البرامج طرحُها لتحديد فاعلية برنامج لتطوير القيادة.

برنامج قوي يقف على ثلاثة أرجل
يجب أن يدور برنامج تطوير القيادة بنحو أساسي حول النمو المهني للمشاركين. سيزيد برنامج فاعل من معرفة المشاركين أو مهاراتهم أو قدراتهم. يجب أن يبدأ أي تقييم للبرامج LDPs بالنظر في: ما القدرات أو الصفات التي يهدف البرنامج إلى تطويرها في المشاركين، ولماذا هذا مهم، وكيف سيلبي احتياجات تنموية محددة.

ستكون للبرنامج الجيد أهداف محددة جداً – مثلاً أن المشاركين سيطورون هويتهم القيادية Leadership identity، أو يحسنون ذكاءهم العاطفي Emotional intelligence أو قدرتهم على التفكير النقدي Critical thinking تحت الضغط. وسيحدد البرنامج بوضوح التفكير الأساسي أو الأدلة التي بُنيت عليه. إذا لم يتمكن مطور البرنامج من إخباركم برؤيته المحددة، ولماذا تتناسب مع احتياجات مؤسستكم وأهدافها، والمبادئ التي تستند إليها، فلا سبب وجيهاً للاعتقاد بأنكم ستحصلون على نتائج ذات مغزى.

ليس هناك أيضاً سبب وجيه للاعتقاد أنكم ستصلون إلى الوجهة المطلوبة إذا لم تكن لديكم خطة فاعلة للوصول إلى هناك. هذا هو السبب في أن البعد الرئيس الثاني الذي يجب تقييمه هو منهجُ Method برنامج تطوير القيادة. يتكون هذا من مناهج دراسية (مثلاً سيدرس المشاركون أمثلة وحالات توضيحية، وسيجري تعليمهم تقنيات فاعلة للتحليل الاستراتيجي) وطرق التدريس/التعلم (سيناقش المشاركون ويتداولون، ويشاركون في تمارين تجريبية، ويبنون نماذجهم الخاصة، مثلاً).

المكون الثالث الذي ينبغي تقييم برنامج تطوير القيادة على أساسه هو تأثيره Impact – النتائج المتوقعة للمشاركين وأصحاب المصلحة الآخرين. يمكن للبرامج التي تستحق اختيارها أن توضح كيف سيتغير المشاركون. يتعلق الأمر في النهاية بقدرة البرنامج على شرح نتائجه المتوقعة بوضوح، بما في ذلك كيفية تقييم هذه النتائج.

تشير تجربتنا إلى أن معظم مشتري البرامج يطرحون أسئلة ضمنية على الأقل حول رؤية ومنهج وتأثير برامج تطوير القيادة التي يفكرون فيها. ومع ذلك نؤكد أنهم كثيراً ما يطرحون أسئلة خاطئة، أو يقبلون بسهولة الإجابات غير المُرضية عندما يطرحون أسئلة أفضل. (انظر: اطرحوا الأسئلة الصحيحة، الصفحة 51). إذ يكونون مقيدين بالميزانية أو الوقت أو السلطة لإجراء تغييرات تشغيلية، ومن المفهوم انجذابهم إلى البرامج التي تعِد بالبساطة والجدة والراحة للمشاركين وتمنحهم تقييمات عالية.

ومن المشكلات التي لا تقل عن ذلك الاختلال المتكرر بين مكونات البرنامج. مطلوب الجمع بين الرؤية والمنهج والتأثير في كلٍّ متكامل ومتسق لتحقيق نتائج ذات مغزى. (انظر: نهج إحدى الشركات لتحسين تطوير القيادة، الصفحة 52). لكن هذه المواءمة مفقودة في عديد من البرامج. فكِّروا في برنامج يعِد بإنتاج ”قادة يتمتعون بمهارات ذكاء عاطفي فائقة“، يقيم أولاً القدرات الحالية للمشاركين، ثم يقدم أفكاراً حول كيفية التحسين. المكونات غير متوافقة لأن الطريقة غير مناسبة لرؤية تطوير المهارات السلوكية. التدريب الأقوى سيجعل المشاركين يحاولون بنمط متكرر تقييم عواطفهم وعواطف الآخرين وإدارتها في الوقت الفعلي، مع توفير التدريب الموجه والتصحيح على طول الطريق. وبالمثل فإن سؤال المشاركين – عما إذا كانوا قد استمتعوا ببرنامج الذكاء العاطفي أو يعتقدون أنهم تحسنوا – يفشل في تقييم التأثير بطريقة تتماشى مع الرؤية لتحسين المهارات. إذ سيستخدم التقييم الأكثر فاعلية تقييمات متعددة المصادر Multisource ratings لتوثيق القدرات السلوكية للذكاء العاطفي قبل البرنامج وبعده.

الأسئلة الصحيحة التي يجب طرحها  حول برامج تطوير القيادة.
إذا كانت المشكلات المتعلقة بفاعلية برنامج تطوير القيادة تنبع من طرح الأسئلة الخاطئة وقبول الإجابات السيئة، تبدأ الحلول بطرح أسئلة أفضل. أدناه نقترح ستة بدائل للاستفسارات الشائعة. يجب أن يساعد الاستفسار الأكثر وضوحاً مشتري البرنامج على اكتساب فَهم أفضل لالتماسكم العام ما بين رؤية البرنامج ومنهجه وتأثيره.

بدلًا من السؤال ”هل سيختبر المشاركون التطوير الشخصي؟“ اسألوا: ”هل سيطور المشاركون قدرتهم على قيادة الآخرين؟“ ممارسة اليوغا أو التاي تشي. كتابة اليوميات. ممارسة الرياضة وتناول الطعام المفيد. التأمل. التخطيط الوظيفي. تقليل الفوضى. فرص التطوير لا حصر لها تقريباً. كأفراد، استثمر كثيرٌ منا الموارد في التعرف على الأنشطة المذكورة أعلاه، ويزعمون أنهم تطوروا من الاضطلاع بذلك. لكن ليس من الواضح ما إذا كانت قدراتنا على قيادة الآخرين نحو هدف مشترك قد تحسنت نتيجة لذلك.

فلماذا تُضمَّن هذه الأنشطة وعديد من الأنشطة المماثلة الأخرى في تطوير القيادة؟ يعرف مُزودو الخدمة الأذكياء أن من الأسهل بكثير جعل المؤسسة ترعى شيئاً يُفترَض أنه مرتبط بالقيادة بدلاً من تسميته بما هو عليه: تطوير بشري جدير بالاهتمام قد يكون له أو لا يكون له أي علاقة بالسلوكيات الرئيسة المطلوبة لقيادة الآخرين بنجاح. المشكلة هي أن ربط كثير جداً من الأشياء بتطوير القيادة كثيراً ما يجعلها أقل احتراماً وليس أكثر احتراماً. ويساعد هذا التصنيف الواسع جداً في تفسير سبب تمويل المؤسسات هذه الأنواع من تجارب التعلم عندما تكون الأوقات جيدة – مع إدراك أنها قد تساهم في أهداف أوسع مثل الرفاه الشخصي والنمو الطويل المدى في القدرة القيادية – لكنها سرعان ما تقلل من الإنفاق على ما يبدو كأنه كماليات ممتعة عند تخفيض الميزانيات. درَّس أحدنا سابقاً في إحدى الجامعات حيث تضمنت برامج المهارات القيادية أشياء مثل تعلم الغولف وآداب تناول الطعام. ليس من المستغرب أن يشير معظم أعضاء هيئة التدريس إلى دورات كهذه عندما يجادلون بأن تطوير القيادة هو مسعى غير علمي لا يليق بمؤسسة تعليمية جادة.

لهذا السبب من المهم الحرص على وضوح رؤية البرنامج: كيف يرتبط البرنامج المقترح بالقدرة على قيادة الآخرين بنحو فاعل، وخلال أي إطار زمني؟ يجب أن يكون هناك شرح لكيفية مساهمة هذا التعلم بنحو مباشر في الجوانب الرئيسة للقيادة. لا يعني هذا أنه ليس من الممكن الربط بين أمور أخرى غير مشمولة بالعناصر الأساسية للتدريب على المهارات (مثل تحديد الأهداف وتحفيز الآخرين) بالقيادة الناجحة، لكن يجب إنشاء الروابط بنحو صريح.

تشير الأبحاث حول تطوير القيادة الفاعلة إلى أهمية الربط بين ما سيتعلمه المشاركون وبين تحليل الاحتياجات Needs analysis – تقييم الفجوات Assessment of gaps بين الأهداف المؤسسية Organizational objectives أو متطلبات الدور Role requirements والقدرات الحالية Current capabilities للمتعلم.((C.N. Lacerenza, D.L. Reyes, S.L. Marlow, et al., “Leadership Training Design, Delivery, and Implementation: A Meta-Analysis,” Journal of Applied Psychology 102, no. 12 (December 2017): 1686-1718; H. Aguinis and K. Kraiger, “Benefits of Training and Development for Individuals and Teams, Organizations, and Society,” Annual Review of Psychology 60 (2009): 451-474; and D.S. DeRue and C.G. Myers, “Leadership Development: A Review and Agenda for Future Research,” ch. 37 in “The Oxford Handbook of Leadership and Organizations,” ed. D.V. Day (Oxford, England: Oxford University Press, 2014).)) يرفض بعض مقدمي برامج تطوير القيادة، مثل شركة الاستشارات ميركوري أورفال Mercuri Urval، العمل مع المؤسسات التي لا تبدأ بتحليل احتياجات يحدد تحديات القيادة المرتبطة بسياق الشركة واستراتيجيتها، لأنه العامل الرئيس لإظهار العائد على الاستثمار ROI وتأثير برنامج تطوير القيادة.

بدلاً من السؤال ”هل سيكون لديهم الدافع إلى الحضور؟“ اسألوا: ”هل سيكون لديهم الدافع لاستخدام ما يتعلمونه؟“.
لا يتحمس معظمنا للذهاب إلى المواعيد الطبية لأننا نجدها ممتعة؛ نذهب فقط إذا اعتقدنا أنها ستساعد في الحفاظ على صحتنا أو تساعدنا على التعافي من المرض. أي إننا لا تحفزنا التجربة نفسها بل فائدة النصيحة والعلاج الذي نتلقاه.

نعتقد أن المنطق نفسه يجب أن ينطبق على اختيار برنامج تطوير القيادة، لكننا رأينا أن البرامج كثيراً ما تُختَار لقيمتها الترفيهية أكثر من فائدتها. يجب اختيار البرامج بناء على التوقعات لما سيتمكن المشاركون من الاضطلاع به نتيجة لحضور البرنامج، وليس بناء على ميزات مصممة بنحو أساسي لإغرائهم بالحضور.

بالطبع، الدافع إلى الحضور ذو صلة – لكنه ليس هو نفسه الدافع إلى استخدام ما جرى تعلمه لاحقاً، أي الدافع إلى نقل Motivation to transfer ما جرى تعلمه.((R.A. Noe, “Trainees’ Attributes and Attitudes: Neglected Influences on Training Effectiveness,” Academy of Management Review 11, no. 4 (October 1986): 736-749; and C.M. Axtell, S. Maitlis, and S.K. Yearta, “Predicting Immediate and Longer-Term Transfer of Training,” Personnel Review 26, no. 3 (June 1997): 201-213.)) يأتي ذلك من إعداد البرنامج بناء على أهداف أو مشكلات المشاركين ليجري استحضارها وتطبيقها بنحو هادف في المواقف اللاحقة.((V. Burke and D. Collins, “Optimising the Effects of Leadership Development Programmes: A Framework for Analysing the Learning and Transfer of Leadership Skills,” Management Decision 43, no. 7/8 (August 2005): 975-987.)) هذا هو السبب في أن ربط التعلم والتطوير مباشرة بالخبرات في أثناء العمل On-the-job experiences يمكن أن يكون قوياً جداً، على الرغم من أنه أكثر صعوبة من التعلم في الفصول الدراسية.((L. Dragoni, P.E. Tesluk, J.E.A. Russell, et al., “Understanding Managerial Development: Integrating Developmental Assignments, Learning Orientation, and Access to Developmental Opportunities in Predicting Managerial Competencies,” Academy of Management Journal 52, no. 4 (August 2009): 731-743.))

الدرس المستفاد لمبادرات تطوير القيادة، باختصار: حددوا البرامج بناء على الأدلة حول ما سيتمكن المشاركون من الاضطلاع به وتحفيزهم على الاضطلاع به بعد الحضور، وليس مدى حماستهم للحضور. أخبروا المشاركين كيف سيكون البرنامج مفيداً لمعالجة الأشياء التي يهتمون بها، وتأكدوا من أن البرنامج يفعل ذلك صراحة. عندما يعتقد المشاركون، مثل المرضى، أن العلاج الذي يُوصَف لهم سيقلل من محنتهم أو يعزز صحتهم، سيكونون محفزين لمواصلة العلاج.

بدلاً من السؤال ”هل هو سهل بما فـيه الكفاية؟“ اسألوا: ”هل هو معقد بقدر مناسب؟“. عندما تصعدون على متن طائرة، هل تأملون أن يكون تدريب الطيار سهلاً ومريحاً؟ بالطبع لا. تأملون أن يكون صارماً بما فيه الكفاية ومعقداً بقدر مناسب حتى يعرف الطيار ما يجب فعله عندما يواجه طقسا غير متوقع أو يواجه أعطالاً في المعدات في أثناء الطيران. وتأمُلون أن ينطبق الشيء نفسه على مراقبي الحركة الجوية الذين يشرفون على مسارات طيران الطائرات. تريدون أن يكون تدريبهم مصمَّماً لإعدادهم لاستخدام ما تعلموه بمهارة، وليس لتعزيز بعض الأهداف الأخرى إلى أقصى حد. في المقابل، في كثير من الأحيان، تُصمَّم برامج تطوير القيادة لتحقيق أقصى قدر من الراحة للمشاركين، أو لتقليل تدخلات في عمل يُعتبَر أكثر أهمية.

أظهر علم التعلم الفاعل Science of effective learning بوضوح أن التعلم يكون أعمق وأكثر ديمومة عندما يكون مجهِداً.((P.C. Brown, H.L. Roediger III, and M.A. McDaniel, “Make It Stick: The Science of Successful Learning” (Cambridge, Massachusetts: Harvard University Press, 2014).)) هذا يعني أنكم إذا كنتم تريدون أن يقوم المشاركون بترميز ما تعلموه بنحو موثوق به في الذاكرة الطويلة المدى، وأن يكونوا قادرين على استرجاع ما تعلموه واستخدامه بنحو موثوق به في مجموعة متنوعة من السياقات ذات الصلة، فأنتم في حاجة إلى الاضطلاع بأشياء يجدها كل من المشاركين والمعلمين أقل جاذبية في الوقت الفعلي. وهذا يشمل تقسيم حصص التعلم بدلاً من تجميعها في كتلة واحدة؛ وإدخال مواضيع جديدة هنا وهناك بدلاً من التمسك بموضوع واحد حتى يتقنه المشاركون؛ وتغيير شروط الممارسة. يمكن أن تجعل هذه التقنيات إدارة برنامج تطوير القيادة أكثر صعوبة بقدر ملحوظ، لكنها ضرورية لدعم الأهداف النهائية: النقل المستدام للتعلم، وتحسين النتائج.((Lacerenza et al., “Leadership Training Design, Delivery, and Implementation,” 1686-1718.))

الحقيقة هي: إذا كان هناك شيء مهم بما يكفي ليستحق استثماراً كبيراً، فمن المحتمل أيضاً أن يكون معقداً بدرجة كافية ليوجب إعطاء الأولوية إلى الفاعلية على حساب السهولة.

بدلاً من السؤال ”هل سيكون المشاركون مرتاحين؟“ اسألوا: ”هل سيتعلم المشاركون، حتى لو كانوا غير مرتاحين؟“. يبدو أن المخاوف بشأن راحة المشاركين توجه تصميم عديد من البرامج. ومن الواضح لماذا. البرنامج الذي لا يحقق نتائج جيدة في استطلاعات الرضا الفورية التالية للبرنامج قد لا يُموَّل مرة أخرى. ومع ذلك تشير الأدلة البحثية التحليلية التلوية/البعدية Meta-analytic research evidence إلى غياب عام لأي علاقة ذات دلالة إحصائية بين الإعجاب بتجربة تعليمية والتعلم منها، أو بين الرضا على المدى القصير ونقل ما جرى تعلُّمه.((G.M. Alliger, S.I. Tannenbaum, W. Bennett Jr., et al., “A Meta-Analysis of the Relations Among Training Criteria,” Personnel Psychology 50, no. 2 (June 1997): 341-358; M. Gessler, “The Correlation of Participant Satisfaction, Learning Success, and Learning Transfer: An Empirical Investigation of Correlation Assumptions in Kirkpatrick’s Four-Level Model,” International Journal of Management in Education 3, no. 3-4 (June 2009): 346-358; and W. Arthur Jr., W. Bennett Jr., P.S. Edens, et al., “Effectiveness of Training in Organizations: A Meta-Analysis of Design and Evaluation Features,” Journal of Applied Psychology 88, no. 2 (April 2003): 234-245.)) نحن نعلم من كل من التجربة والأدبيات أن التطور يأتي من صعوبات التجربة والإخفاق، وليس من الشعور بالراحة في الوقت الحالي.

لقد ثبت، مثلاً، أن التطور ينطوي على الخروج من منطقة الراحة Comfort zone الخاصة بالفرد – مواجهة التجارب الصعبة بدلاً من تجنبها – وأن الممارسة العالية الكثافة (أكثر إرهاقا جسدياً أو عاطفياً، مثلاً) تؤدي إلى مزيد من التحسن (ما دامت تتوقف قبل نقطة الحمل الزائد Overload). نعلم أيضاً من علم النفس أن التجنب أو التقليل في مدة الانزعاج أو شدته يتعارضان في الواقع مع تعلم أنماط جديدة واستبدال أنماط جديدة بالقديمة.((S.M. Blakey and J.S. Abramowitz, “The Effects of Safety Behaviors During Exposure Therapy for Anxiety: Critical Analysis From an Inhibitory Learning Perspective,” Clinical Psychology Review 49 (November 2016): 1-15.)) ببساطة، لا تتغلبوا على النفور من التحدث أمام الجمهور أو تحدي التفاعلات الشخصية عن طريق الاختباء منها. يمكنكم الاضطلاع بذلك من خلال مواجهتها في بيئات تعليمية داعمة. هذا يتوافق مع جوهر العلاج السلوكي المعرفي Cognitive behavioral therapy: لتغيير سلوككم بنحو مستدام، عليكم أن تظهروا الأفكار والمشاعر غير المفيدة المرتبطة حالياً بالمواقف الصعبة وتتحدوها وتعيدوا تفسيرها واستبدال أخرى بها. هذا ليس سهلاً أو مريحاً، لكنه فاعل.

لهذا السبب تسعى شركة بولد BOLD (ما وراء تطوير القيادة في الهواء الطلق Beyond Outdoor Leadership Development) إلى تطوير التدريب التقليدي في الهواء الطلق من خلال دفع المشاركين إلى خارج مناطق الراحة الخاصة بهم في رحلات برية صعبة. في بيئة ضاغطة في سياق جديد عالي التوتر، يُشجَّع المشاركون على تجربة سلوكيات جديدة من شأنها بناء القدرات القيادية أو صقلها. تصمم بولد التجارب لخلق رفاه أعمق وأكثر ديمومة يأتي من التطوير الذاتي بدلاً من الرفاه الفوري لكن العابر المرتبط مباشرة بالاستمتاع بالتجربة نفسها.((R.M. Ryan and E.L. Deci, “On Happiness and Human Potentials: A Review of Research on Hedonic and Eudaimonic Well-Being,” Annual Review of Psychology 52 (2001): 141-166.)) وفي الواقع، كثيراً ما تكون درجات الرضا على المدى الطويل عالية جداً نتيجة للتطوير الذي تحققه.

بدلاً من السؤال ”هل سنغير عواطف المشاركين وأفكارهم؟“ اسألوا: ”هل سنرى تغييرات في كيفية تصرف المشاركين؟“ إليكم اعتقاداً توجيهياً آخر نحذر منه: إذا غيرتم تفكير الناس، فستغيرون سلوكهم. يبدو هذا جيداً لكنه يمثل مشكلة لسببين على الأقل: تغيير المعتقدات الموجهة للسلوك أمر صعب جدا، والعلاقة بين المواقف والسلوك، بوجه عام، ليست بهذه القوة. إذا كان هذا يبدو غير بديهي، ففكروا في عدد المرات التي يعتقد فيها الناس أن التمرين مفيد لهم، ورغبتهم في أن يكونوا بصحة جيدة، وحتى نيتهم في ممارسة الرياضة مدة 30 دقيقة يومياً والتي لا تؤدي بنحو موثوق به إلى السلوك المطلوب – أي ممارسة الرياضة بالفعل.

من الموثق جيداً أنه بحلول مرحلة البلوغ، يختلف الناس اختلافاً كبيراً في كيفية رؤيتهم للعالم – كيف، مثلاً، يعطون الأولوية للقيم المختلفة ومدى تأييدهم للمعتقدات المختلفة. إن مواقف البالغين متأصلة بعمق، ومقاومة للتغيير إلى حد كبير، فلا يمكن أن يؤدي التدخل القصير المدى إلى تغييرها.

حتى لو كان من السهل تغيير المواقف، تشير عقود من الأبحاث إلى أن هناك احتمالاً ضئيلاً بأن يُترجَم هذا إلى تغيير سلوكي مستدام. بوجه عام، لا تتوقع المواقف السلوكيات ذات الصلة جيداً؛ تصبح أكثر ارتباطاً بقدر موثوق به فقط عندما يضع الناس بوعي التزامات سلوكية ملموسة وعمليات مساءلة ويضطلعون بالعمل الشاق المرتبط بتكوين عادات جديدة. تشير أبحاث أخرى إلى أن من المفيد التفكير في تغيير القيمة كمنتج مرغوب فيه لتغيير السلوك (وليس سببه) لأن إدراكنا لما نضطلع به يمكن أن يؤثر فيما نؤمن به.((R. Fischer, “From Values to Behavior and From Behavior to Values,” ch. 10 in “Values and Behavior: Taking a Cross Cultural Perspective,” ed. S. Roccas and L. Sagiv (Cham, Switzerland: Springer, 2017).))

الباحثون في قضايا التنوع والإنصاف والشمول (الإدماج) Diversity, equity, and inclusion (DEI) في المؤسسات يعرفون جيداً أن برامج القيادة – التي تركز على معتقدات Beliefs أو مواقف Attitudes تخص التنوع والإنصاف والشمول – يمكن أن تترك السلوكيات اليومية من دون تغيير إلى حد كبير. حتى البرامج التي تظهر آثاراً إيجابية واضحة في المواقف كثيراً ما يكون لها تأثير محدود في السلوكيات. سواء كان هذا يعكس التحديات العامة لربط تغيير الموقف بالتغيير السلوكي أو أي احتمال آخر – أن الناس كثيراً ما يتبنون قيماً لا تعكس معتقداتهم الفعلية، ربما لأنهم يعرفون ما الموقف المقبول اجتماعياً – فإن النتيجة هي نفسها. نادراً ما يكون تغيير ما يقول الناس إنهم يعتقدون أنه الرؤية النهائية لبرنامج تطوير القيادة، وكثيراً ما يكون مؤشراً ضعيفاً لكيفية تصرفهم لاحقاً. فلماذا لا نقيس ما يميل إلى أن يكون أكثر أهمية: ما يفعله الناس بنحو مختلف بعد برنامج التطوير. 

بدلاً من السؤال ”كيف سنبرر الإنفاق؟“ اسألوا: ”هل سننفق فقط ما يمكننا تبريره؟“. أولئك الذين يديرون وحدات تشغيلية Operating units من أي حجم يشبهون المستثمرين في المشروعات المبتَكرة التي تنطوي على مغامرة Venture investors ومسؤولي القروض ٬Loan officers: هم غير مهتمين بـ”إعادة“ الاستثمار في الفرص غير المبررة، لأن نتائجهم تعتمد على العائد على ما يضعونه. لذلك قدموا حجة قوية لعائد الاستثمار على برامج تطوير القيادة. تقترح مستشارة Communications consultant التواصل نانسي دوارتي Nancy Duarte، مثلاً، أنكم إذا كنتم تعتقدون أن التدريب على تقديم العروض Pitch coaching هو مجال تطوير مهم لمندوبي المبيعات، يجب أن يتضمن برنامجكم خطة لمتابعة كيفية الاستخدام اللاحق للعروض التي يطورها المشاركون ويمارسونها في أثناء البرنامج، وما إذا كانت تزيد من تجديد العقود أو المبيعات الجديدة.((N. Duarte, “Make Your Case for Communication Upskilling,” MIT Sloan Management Review, Aug. 3, 2023, https://sloanreview.mit.edu.)) أو، إذا كنتم تستعينون بمزود خدمات لتوفير برنامج تطوير القيادة، فأصروا على أن يكون مهتماً أيضاً في النتائج. لنتأمل هنا مثال معهد البحيرات العظمى للإدارة Great Lakes Institute of Management، وهو شركة استشارية في الهند: هو يطبق هيكل رسوم الدفع في مقابل الأداء Pay-for-performance fee structure حيث ترتبط نسبة مئوية من تعويضاته ارتباطاً مباشراً بالتغيرات الملحوظة في مرحلة ما بعد البرنامج لدى المشاركين.

إليكم فكرة أكثر استفزازاً لأولئك الذين يعملون في مجال تطوير القيادة: إذا لم تتمكنوا من تقديم حجة مقنعة للاستثمار، فلا تنفقوا الأموال التي خُصِّصت لكم. فتحقيق نتائج مخيبة للآمال بالمبلغ المحدد في الميزانية لا يعزز الاستثمار في المستقبل. بدلاً من ذلك، هو يقوضها من خلال تعزيز معتقدات المتشككين بأن العوائد لا تستحق النفقات. لذلك إذا كنتم تعلمون أنكم لا يمكنكم توقع نتائج ذات مغزى إلا بضعف التخصيص المالي المتاح لديكم، فكروا في تطوير تفسير مقنع لسبب قيامكم بتقديم البرنامج التدريبي كل سنتين فقط. قد يكون رفض إنفاق ما لديكم محفوفاً بالمخاطر، لكن الشجاعة للاضطلاع بذلك قد تكون ما يتطلبه الأمر لإلهام الدعم الطويل المدى لتطوير القيادة.

لا شيء من هذا يعني أن الاستثمارات المفيدة الوحيدة هي تلك التي يمكن ربطها بنحو مباشر وفوري بالنتائج المالية. هذه وجهة نظر محدودة بالتأكيد للتنمية البشرية تتجاهل الطرق التي لا تُعَد ولا تُحصَى التي يرتبط بها تطور الموظفين ورفاههم أيضاً بنحو غير مباشر بالأهداف الفردية والمؤسسية. لكن هذا لا يلغي الحاجة إلى التفكير الصارم والقياس السليم اللذين يُعتبرَان أساسيين لتطوير القيادة الجيدة.

الشراكة مع مطوري البرامج للحصول على نتائج أفضل
لن يتحقق كسر حلقة الموارد المهدرة والنتائج المخيبة للآمال من برامج تطوير القيادة فقط من تقييم أكثر صرامة للبرامج من قِبل المشترين. من غير المحتمل أن يحدث ذلك ما لم يتوقف أصحاب المصلحة الرئيسون عن إلقاء اللوم بعضهم على بعض بعد وقوعه والبَدء في العمل معاً بنمط بنّاء مقدماً. المطلوب هو شراكة أقوى بين كبار المسؤولين التنفيذيين الذين يرعون تطوير القيادة وموظفي الموارد البشرية و/أو مطوري البرامج الذين يختارونها ويديرونها ويقدمونها. لا يمكن لأي من الجانبين مواءمة الرؤية والطريقة والتأثير من دون دعم الآخر.

في شراكة صحية يكون للطرفين مقعد على الطاولة، ويتفقان على الاعتراف بمسؤوليتهما عما كان وما يجب أن يكون، ويتفقان على إجراء تغييرات عندما لا تنجح الأمور. مثلاً قد يضغط موظفو تطوير القيادة بقوة أكبر على مطالب جداول التسليم المريحة ويرفضون التركيز على درجات الرضا عن البرنامج. ويمكنهم أن يلتزموا بعمل أفضل في ربط البرمجة ونتائجها بالأهداف المؤسسية الرئيسة. ومن جانبهم يمكن للمسؤولين التنفيذيين العاملين التوقف عن الشكوى من أن التطوير يأخذ المشاركين بعيداً عن ”وظائفهم الحقيقية“ فترةً طويلة جداً، والبَدء في النظر إلى ما هو أبعد من النتائج القصيرة الأجل عند تقييم البرامج. وعلى نحو مماثل يمكن لكبار القادة أن يتوقفوا عن ربط تمويل برامج تطوير القيادة بنتائج التشغيل القصيرة المدى، وهي ممارسة شائعة تجعل من المرجح إنفاق مزيد من الوقت في تكييف البرامج مع الموارد المتاحة بدلاً من إنفاقه على طرق تلبية احتياجات المشاركين على النحو الأمثل والواضح. ويمكن للقادة دعم نقل ما جرى تعلمه، من خلال التعرف بنحو إيجابي على الأشخاص ومكافأتهم مالياً عند استخدام سلوكيات جديدة في الوظيفة.

لقد حان الوقت منذ فترة طويلة لتوقع مزيد من برامج تطوير القيادة. نحن نعرف الأسئلة التي يجب طرحها والإجابات المتوقعة. ما نحتاج إليه أكثر من غيره هو الإرادة الجماعية لمتخذي القرار الرئيسين للاضطلاع بما يلزم.

هانيس ليروي Hannes Leroy

أستاذ مشارك في دائرة التنظيم وإدارة شؤون الموظفـين بمدرسة روتردام للإدارة Rotterdam School of Management في جامعة إيرازموس Erasmus University.

موران أنيسمان رازين Moran Anisman-Razin

أستاذة مشاركة في العمل وعلم النفس التنظيمي في دائرة دراسات العمل والتوظيف بمدرسة كيمي للأعمال Kemmy Business School في جامعة ليميريك University of Limerick.

جيم ديتيرت Jim Detert

أستاذ كرسي جون إل. كولي لإدارة الأعمال John L. Colley Professor of Business Administration في مدرسة داردن للأعمال Darden School of Business بجامعة فيرجينيا University of Virginia ومؤلف الكتاب اختيار الشجاعة: الدليل اليومي للشجاعة في العمل Choosing Courage: The Everyday Guide to Being Brave at Work (مطبوعات: Harvard Business Review Press، 2021).

شكر قدم الصندوق الاجتماعي الأوروبي European Social Fund دعماً جزئياً للبحث المذكور في هذه المقالة.

Related Articles

Check Also
Close
Back to top button